تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : التعايش والتفاعل بين الدول العربية والإسلامية واليابان



من هناك
03-14-2007, 02:55 PM
التعايش والتفاعل بين الدول العربية والإسلامية واليابان


الدكتور عبد الملك منصور حسن المصعبي تتسم العلاقة الحالية بين العالم الإسلامي واليابان بضعف التعارف الثقافي والحضاري ومحدودية مجالات التعامل والتعاون المتبادل . وإذا كانت معرفة سواد اليابانيين بالعرب والمسلمين وثقافتهم لا تكاد تتعدى - كما أشارت بحق إحدى كلمات وزير الخارجية الياباني السابق ، السيد كونو يوهي - مايعرفونه عن كون العرب المصدر الأساسي للنفط المستورد وما تلقوه عن قصص «الف ليلة وليلة » وما وصلهم عن الإسلام وخاصة من المنظور الغربي ، فإن معرفة سواد العرب باليابانيين لم تكن أحسن حالاً حيث أنها لم تتعد في الغالب الإعجاب بتفوق اليابانيين صناعياً وإنطباعاتهم عن حبهم وتنسيقهم للزهور و- ربما - رؤى غامضة عن السامواري والهاراكيري .

وفي وضع كهذا فإن من الطبيعي أن يتلقى العرب والمسلمون بالتقدير والترحاب إقدام اليابان على طرح مبادرتها الخاصة بإقامة علاقات متعددة الجوانب والتي تضمنت تشجيع الحوار بين الحضارات ، وبين العالم الإسلامي واليابان خاصة وأن هذه المبادرة انطلقت من رؤية يابانية موضوعية ، وتزامنت أو تلاقت مع الإقتراح الذي تقدمت به منظمة المؤتمر الإسلامي وأعلنت بموجبة الأمم المتحدة عام 2001م عاماً للحوار بين الحضارات ، ولا تٌخفى دلالة مثل هذا التزامن أو التلاقي على وجود رغبة مشتركة للتحاور الحضاري بين العالم الإسلامي واليابان .
ولاشك أن من شأن رفد الحوار الحضاري المنشود بما إقترحته المبادرة اليابانية من توسيع الحوار بين اليابان والعالم العربي حول السياسات العامة والقضايا الإقليمية والدولية ذات الإهتمام المشترك أن يفضي إلى نتائج افضل خاصة إذا مارافق ذلك - كما تطلعت المبادرة - تقدم في التعاون في المجال الفني ونقل مايحتاج إليه العالم الإسلامي من المعرفة التقنية التي تتوافر لدى اليابان . وبمحاورها الثلاثة المشار إليها آنفاً تمثل المبادرة اليابانية ، في تقديرنا ، بداية طيبة لتعميق وتوسيع التفاعل الإيجابي بين اليابان والدول العربية والإسلامية .
ولعل مما تجدر ملاحظتة في شأن التفاعل والحوار الحضاري بين العالم الإسلامي واليابان ماتتوافر له من عوامل إيجابية لا تكاد تجتمع لأي تفاعل أو حوار حضاري يمكن أن يتم بين الحضارة الإسلامية وأي حضارة أخرى . ومن تلك العوامل :
- خلو العلاقة بين اليابان والعالم الإسلامي من الخبرات التاريخية السلبية من مثل تلك التي تشوب العلاقة بين الحضارة الإسلامية والحضارة الغربية كالحروب الصليبية ومحاكم التفتيش وتجارة الرقيق والإستعمار ، وخلوها من ماهو قائم من حالات الإحتكاك والصراع المسلح بين بعض المسلمين وبعض الدول والكيانات الاُخرى .

- لا ينطوي التفاعل الحضاري بين اليابان والعالم الإسلامي على تهديدات ثقافية أو لُغوية حالة لبعضهما البعض من مثل تلك التي ينطوي عليه تفاعلهما مع أطراف أخرى ، ولاشك أن من شأن ذلك أن يشجع التفاعل في ظل ماهو ملاحظ من وجود تشابه أكبر بين اليابان والعالم الإسلامي في الوضع الثقافي والإجتماعي من حيث أن الثقافتين اليابانية والإسلامية تشتركان في قيم ونواحي عديدة مثل التوجه الجماعي وإحترام الأسرة ومن حيث إن كلتا الثقافتين تواجهان تحدياً ثقافياً أساسياً يتمثل في تحديد أو إختيار النهج الأمثل للتعامل مع تحدي العولمة الثقافية .
- تجربة التحديث اليابانية تبدو أكثر جذباً لإهتمام المسلمين ، وربما سائر الدول النامية ، من تجارب التحديث الآخرى خاصة في مايتعلق بدراسة الصيغة اليابانية للتوليف بين الحداثة والتقليد والنظر في إمكانية الإستفادة منها في معالجة بعض إشكاليات التحول الثقافي . والواقع إن التجربة اليابانية زاخرة بالكثير مما يثير الإهتمام ويستحق الدراسة سواء على المستوى الدولي مثل سياسة عدم التسلح التي اتبعتها اليابان ومدى إمكانية وصواب تطويرها وتعميمها طوعاً عالمياً لمعالجة سباق التسلح الذي يهدد السلام العالمي ويعوق تمويل التنمية، أو على المستوى الوطني مثل نظام الرنجسي ( التدرج التصاعدي ) في صنع القرارات والنظام التعليمي .
وإذا كان ما سبق يشير إلى أن الحوار الحضاري بين العالم الإسلامي واليابان تتوافر له فرص أوسع للنجاح مما هي متوافرة للحوار بين العالم الإسلامي والدول الغربية ، فإن كون اليابان - من جهة أخرى - تتمتع بعلاقة أقوى مع دول الغرب وعضو أساسي في مؤسسات الدول المتقدمة التي تجمع بينها وبين الدول الغربية الأكثر تقدماً ، يتيحُ المجال لليابان لأن تقوم بدور توفير قناة من قنوات التواصل الأكثر إنسياباً بين العالم الإسلامي ودول الغرب و- بالتالي يجعل من نجاح الحوار الحضاري بين اليابان والعالم الإسلامي عاملاً مساعداً في تعزيز فرص نجاح الحوار الإسلامي - الغربي أيضاً. و- في نفس الوقت - من المؤكد أن نجاح اليابان ، والعالم الإسلامي في مجال الحوار الحضاري ومجال توسيع الحوار حول السياسات العامة والخارجية سيعود بالفائدة على اليابان ، وخاصة في مايتعلق بتعزيز الدور العالمي والإقليمي لليابان ودعم موقعها في المنظمات الدولية ، ولا يخفى أن الأهمية المشار إليها لنجاح الحوار بين اليابان والعالم الإسلامي على المستوى العالمي تأتي إضافة إلى أهميته على المستوى الثنائي .
ويقتضي ماتمهد أن يُولي الجانبان أهمية خاصة لحشد كل الإمكانيات المتاحة لضمان نجاح مشروع الحوار بين الحضارات بين العالم الإسلامي واليابان ويستدعي أن يحرص هذا اللقاء الأول على مناقشة وبلورة تصور واضح لمختلف جوانب هذا المشروع في ضوء المقترحات المقدمة ضمن المبادرة اليابانية .