مقاوم
03-13-2007, 07:51 AM
قائمة بالأخطاء في أفغانستان
مايكل شوير/ ضابط استخبارات أمريكي متقاعد
ترجمة: جمال إسماعيل
أفغانستان مجددا تضيع من الغرب، حتى بعد أن شن خمسة آلاف من قوات التحالف الغربي هجوم الربيع في جنوب البلاد، فالمقاومة يمكن أن تستمر لعدة أشهر أو سنوات، لكن المد أخذ مفعوله. ومثلما حصل للاسكندر المقدوني والبريطانيين والسوفيت قبل قوات التحالف التي تقودها أمريكا، فإن المقاتلين الأفغان الأقل كفاءة، أجبروا القوات الغربية الأكثر تسلحا وتطورا على الهبوط إلى طريق الانسحاب.
فما الذي قاد إلى هذا السيناريو المتكرر عبر التاريخ؟
في الغالب، فإن الإحساس العام، هو أن هزيمة القوى الغربية في أفغانستان تحدث باستمرار، لأن الغرب لم يعط قدرة الأفغان على الصبر والتحمل وقلة الموارد واعتزازهم بتاريخهم، قدرها. ومع أن القوى الأجنبية في أفغانستان كانت دائما أكثر تطورا وتسلحا وأكثر تدريبا، فإنها دائما كانت تسقط أرضا بواسطة هجمات صغيرة وكمائن، ما يلبث أصحابها أن يهاجموا ويهربوا، إضافة إلى طبيعة الأرض التي تمكن الأفغان من الانسحاب والاختباء والعودة للهجوم في اليوم التالي.
الهزيمة الأخيرة في هذه المعركة واجهها السوفييت، والآن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وما يواجهه من ملجأ آمن للأفغان في باكستان. هذا هو الجواب البسيط عن سؤال لم شهد التاريخ جيوشا أجنبية تهزم في أفغانستان، بما قال عنه روديارد كيبلنغ، إنه رمال أفغانستان.
والحلقة الأخيرة في هذا السجل التاريخي لها معالم بارزة:
أولها، أن عدد القوات الغربية ـ وإن كانت أكثر تسلحا وأكثر تطورا من ناحية تقنية ـ هو قليل جدا، فالقوات الغربية يصل تعدادها إلى أربعين ألف جندي، وبعد طرح عدد القوات المساندة وقوات حلف شمال الأطلسي التي قصرت مهمتها على عدم القتال، وإنما الانشغال بإعادة البناء (بناء المدارس وحفر الآبار وإصلاح قنوات الري)، فإن عدد القوات التي يمكن الزج بها في الميدان يبقى ضئيلا جدا، وهي لها مهمة ثانية، وتتمثل في التحكم والسيطرة على بلاد تصل مساحتها إلى مثل مساحة ولاية تكساس، وهي بلاد فيها جبال من أعلى الجبال في العالم.
ثانيا، الغرب أساء تقدير قوة طالبان وقبولها من الشعب الأفغاني، وحينما وقع الغزو في عام 2001م، فإن الهدف الأساس للقوات الغربية، كان أسامة بن لادن وأيمن الظواهري والملا محمد عمر زعيم طالبان، وعددا من كبار معاونيهم، ولأن العملية كانت تستهدف القادة الكبار فإن الحدود الباكستانية الأفغانية لم يتم إغلاقها، وهذا لم يؤد إلى هرب القادة الثلاثة فحسب، وإنما أدى إلى تمكن مقاتليهم من الهرب مشيا على الأقدام.
هؤلاء الذين هربوا يعودون حاليا بأعداد كبيرة وهم أكثر تسلحا وتدريبا مما كانوا عليه وقت انسحابهم. وهذا يظهر في النهاية أن القوة التي أرسلت للميدان من قبل طالبان وحلفائهم في القاعدة والحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار وجلال الدين حقاني والآخرين، تساوي عدديا قوات التحالف الغربي.
والأكثر من ذلك أن عضوية هذه القوات في الحقيقة لم تقتصر على بقايا طالبان، وإنما حوت مقاتلين جدد، ومنهم مقاتلون سابقون ممن لم يتمكن التحالف الغربي من قتلهم في عامي 2001م وأوائل 2002م. وقوات طالبان ليست جديدة، فهم متمرسون ولديهم خبرات قتالية والمجاهدون السابقون الذين وصفهم الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون بأنهم اختبأوا، واستراحوا، ثم أصبحوا مستعدين لشن الحرب.
القادة الغربيون في كابول يرون أن الكثير من الأفغان ليسوا مستائين من عودة طالبان. والسبب الأغلب وراء هذا هو أن القوات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة وضعت العربة أمام الحصان. فقبل الغزو عام 2001 م، لم يكن نظام طالبان يحظى بمحبة واسعة، لكنه حاز على تقدير عال لفرضه الأمن والنظام في غالبية مناطق أفغانستان والتي كانت تحت سيطرته.
ومع أن النساء التزمن البيوت وقليل من الفتيات تمكن من الذهاب إلى المدارس، وجرى قطع بعض الأطراف في حوادث جرائم، فإن غالبية سكان المناطق الريفية في أفغانستان، يتذكرون بالخير كيف عاشوا آمنين على أنفسهم وعائلاتهم ومزارعهم وأعمالهم وتجارتهم.
انتصار التحالف الغربي مزق الأمن الذي فرضته طالبان، وبدلا من فرض نظام بديل مباشرة (بسبب قلة عدد الجنود اللازمين في أي فترة)، فإن القادة الغربيين تحركوا بسرعة نحو إجراء انتخابات، وفرض حقوق المرأة، وإنشاء برلمان، بينما غالبية المناطق الريفية الأفغانية عادت إلى الفوضى والعصابات المسلحة وأمراء الحروب، كما كان الوضع قبل نشوء حركة طالبان.
وانحدار الأوضاع إلى الأسوأ هو النجاح الذي برز في فعله التحالف بتصرفاته، خاصة الانتخابات وحقوق المرأة، وهذا زاد من معاناة الريفيين الأفغان وهو ما رأوا فيه هجوما على عادات وتقاليد وديانة الشعب.
وبعد أن رأى الأفغان أنفسهم في مواجهة المجرمين، ورأوا أن دينهم وثقافتهم وعاداتهم تهاجم، فليس من الغريب أن تجد حركة طالبان نفسها في وضع مرحب بها بينهم وفي منازلهم.
المشكلة الثالثة لقوات التحالف الغربي، هي الوقت الذي قضته في أفغانستان. والآن وفي السنة السادة من الاحتلال، فإن القادة الغربيين يجدون أنفسهم مواجهين، ليس فقط من قبل عدو أقوى مما كان عليه عام 1م، وإنما بمناعة المقاومة والمشاعر المتزايدة لدى الشعب الأفغاني ضد القوى الأجنبية.
وفي حين، لا يشعر الأفغان بأي خوف من الأجنبي والرهبة منه، فإنهم وعبر التاريخ مضيافون كرماء، ويحمون الأجنبي الزائر لهم ويكرمونه، (انظر إلى معاملتهم إلى بن لادن)، لكنهم متشككون، ولا يتحملون الأجانب الذين يظهر منهم، بقصد أو دون قصد، محاولة للتحكم بهم.
يرى الأفغان اليوم أنفسهم، أنهم محكومون بشكل مزدوج خاطئ بواسطة الأجانب: القوات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة، والأفغان المسلمون بالاسم، ولكنهم فاسدون ويشكلون حكومة الرئيس حامد كرزاي.
أخيرا، فإن قوات التحالف الغربي التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، تواجه ثقل وطأة مرحلة جديدة، بدأت منذ عهد الاحتلال السوفيتي وآثار الجهاد. وأفغانستان التي مكثت طويلا في المحيط الإسلامي (الإسلام يشكل الحصن المنيع لها)، فإنها كانت حية في الضمير الإسلامي إبان المعركة بين السوفييت والأفغان.
الحرب في أفغانستان، أثارت اهتمام المسلمين، وخاصة العرب منهم الذين لبوا نداءات إخوانهم الأفغان، وأجبرتهم على إرسال كميات ضخمة من الأموال والسلاح، إضافة إلى المقاتلين لمساعدة المجاهدين، والأفغان دفعوا ثمن هذه المساعدة من خلال هزيمتهم للجيش الأحمر، ومنح العالم الإسلامي أول نصر له على الكفار الغربيين من عدة عقود. النصر الأفغاني كان نقطة تحول، ورمزا لبدء مقاومة إسلامية عالمية مسلحة.
اليوم، الكثير من المسلمين غير الأفغان يرون أن الأفغان احتلت بلادهم، وأنهم يعذبون من قبل القوة الكافرة الولايات المتحدة وحلفها الذي تقوده. وهذه هي القضية، خاصة وأن الحرب الأفغانية تسير إلى جانب الحرب في العراق، وهذا يعمق الشعور بأن الإسلام كله يتعرض لعدوان من الكافرين.
ونتيجة لهذا، فإن تدفق المال والسلاح والمقاتلين من الخارج نحو المقاومة الأفغانية، ورغم أنه لم يصل إلى مستوى ما وصلت إليه المقاومة في العراق، يعتبر مهما جدا، ويظهر هذا من خلال تحسن أداء مقاتلي طالبان والقوى التي تواجه التحالف الغربي.
إضافة إلى هذا، فإن هناك محاولات لمشاطرة الخبرة بين التجربتين الأفغانية والعراقية، فالخبرة العراقية في العمليات الاستشهادية (في الأصل الانتحارية) والمتفجرات عالية المستوى، بدأ إحضارها، لتحصد ثمارها في أفغانستان، بينما خبرة الأفغان في التصدي للطائرات المروحية، بدأت تظهر ملامحها في المقاومة العراقية.
المستقبل للغرب في أفغانستان قاتم، والذي يزيد منه ويجعله أكثر إيلاما، هو عدم تعلم الغرب من دروس التاريخ.
(محاولات احتلال وحكم أفغانستان عادة ما تؤدي إلى مأساة)، هذا ما كتبه المؤرخ البريطاني السير جون كيغان في صحيفة الديلي تلغراف في سبتمبر 2001م، مضيفا: (لكن الحملات العقابية السريعة والمباشرة كانت أكثر نجاحا في أكثر من مرة).
(وعلينا أن نتذكر أن البريطانيين نجحوا في عام 1878م في تركيع الأفغان بواسطة الحملة العقابية السريعة، فزحف اللورد روبرت من قندهار إلى كابول كان أكثر الانتصارات التي احتفلت بها الملكة فكتوريا. والروس بغبائهم لم يحاولوا معاقبة المتمردين الأفغان، كما فعل روبرت، وإنما حاولوا حكم أفغانستان . وبما أن أفغانستان لا يمكن حكمها، فإن فشل جهودهم كان يمكن التنبؤ به.على أمريكا ألا تحاول تغيير النظام، وإنما مطاردة وقتل الإرهابيين، عليها فعل ذلك بلا رحمة).
الكاتب: مايكل شوير، عمل في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لفترة 22 عاما قبل أ نيقدم استقالته، وكان رئيس وحدة متابعة أسامة بن لادن في مكافحة الإرهاب ما بين عامي 1996م – 1999م. وهو مؤلف كتاب: لماذا يخسر الغرب الحرب على الإرهاب، وكتاب: عبر عيون أعدائنا.. أسامة بن لادن والإسلام المتشدد ومستقبل أمريكا.
مايكل شوير/ ضابط استخبارات أمريكي متقاعد
ترجمة: جمال إسماعيل
أفغانستان مجددا تضيع من الغرب، حتى بعد أن شن خمسة آلاف من قوات التحالف الغربي هجوم الربيع في جنوب البلاد، فالمقاومة يمكن أن تستمر لعدة أشهر أو سنوات، لكن المد أخذ مفعوله. ومثلما حصل للاسكندر المقدوني والبريطانيين والسوفيت قبل قوات التحالف التي تقودها أمريكا، فإن المقاتلين الأفغان الأقل كفاءة، أجبروا القوات الغربية الأكثر تسلحا وتطورا على الهبوط إلى طريق الانسحاب.
فما الذي قاد إلى هذا السيناريو المتكرر عبر التاريخ؟
في الغالب، فإن الإحساس العام، هو أن هزيمة القوى الغربية في أفغانستان تحدث باستمرار، لأن الغرب لم يعط قدرة الأفغان على الصبر والتحمل وقلة الموارد واعتزازهم بتاريخهم، قدرها. ومع أن القوى الأجنبية في أفغانستان كانت دائما أكثر تطورا وتسلحا وأكثر تدريبا، فإنها دائما كانت تسقط أرضا بواسطة هجمات صغيرة وكمائن، ما يلبث أصحابها أن يهاجموا ويهربوا، إضافة إلى طبيعة الأرض التي تمكن الأفغان من الانسحاب والاختباء والعودة للهجوم في اليوم التالي.
الهزيمة الأخيرة في هذه المعركة واجهها السوفييت، والآن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، وما يواجهه من ملجأ آمن للأفغان في باكستان. هذا هو الجواب البسيط عن سؤال لم شهد التاريخ جيوشا أجنبية تهزم في أفغانستان، بما قال عنه روديارد كيبلنغ، إنه رمال أفغانستان.
والحلقة الأخيرة في هذا السجل التاريخي لها معالم بارزة:
أولها، أن عدد القوات الغربية ـ وإن كانت أكثر تسلحا وأكثر تطورا من ناحية تقنية ـ هو قليل جدا، فالقوات الغربية يصل تعدادها إلى أربعين ألف جندي، وبعد طرح عدد القوات المساندة وقوات حلف شمال الأطلسي التي قصرت مهمتها على عدم القتال، وإنما الانشغال بإعادة البناء (بناء المدارس وحفر الآبار وإصلاح قنوات الري)، فإن عدد القوات التي يمكن الزج بها في الميدان يبقى ضئيلا جدا، وهي لها مهمة ثانية، وتتمثل في التحكم والسيطرة على بلاد تصل مساحتها إلى مثل مساحة ولاية تكساس، وهي بلاد فيها جبال من أعلى الجبال في العالم.
ثانيا، الغرب أساء تقدير قوة طالبان وقبولها من الشعب الأفغاني، وحينما وقع الغزو في عام 2001م، فإن الهدف الأساس للقوات الغربية، كان أسامة بن لادن وأيمن الظواهري والملا محمد عمر زعيم طالبان، وعددا من كبار معاونيهم، ولأن العملية كانت تستهدف القادة الكبار فإن الحدود الباكستانية الأفغانية لم يتم إغلاقها، وهذا لم يؤد إلى هرب القادة الثلاثة فحسب، وإنما أدى إلى تمكن مقاتليهم من الهرب مشيا على الأقدام.
هؤلاء الذين هربوا يعودون حاليا بأعداد كبيرة وهم أكثر تسلحا وتدريبا مما كانوا عليه وقت انسحابهم. وهذا يظهر في النهاية أن القوة التي أرسلت للميدان من قبل طالبان وحلفائهم في القاعدة والحزب الإسلامي بزعامة قلب الدين حكمتيار وجلال الدين حقاني والآخرين، تساوي عدديا قوات التحالف الغربي.
والأكثر من ذلك أن عضوية هذه القوات في الحقيقة لم تقتصر على بقايا طالبان، وإنما حوت مقاتلين جدد، ومنهم مقاتلون سابقون ممن لم يتمكن التحالف الغربي من قتلهم في عامي 2001م وأوائل 2002م. وقوات طالبان ليست جديدة، فهم متمرسون ولديهم خبرات قتالية والمجاهدون السابقون الذين وصفهم الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون بأنهم اختبأوا، واستراحوا، ثم أصبحوا مستعدين لشن الحرب.
القادة الغربيون في كابول يرون أن الكثير من الأفغان ليسوا مستائين من عودة طالبان. والسبب الأغلب وراء هذا هو أن القوات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة وضعت العربة أمام الحصان. فقبل الغزو عام 2001 م، لم يكن نظام طالبان يحظى بمحبة واسعة، لكنه حاز على تقدير عال لفرضه الأمن والنظام في غالبية مناطق أفغانستان والتي كانت تحت سيطرته.
ومع أن النساء التزمن البيوت وقليل من الفتيات تمكن من الذهاب إلى المدارس، وجرى قطع بعض الأطراف في حوادث جرائم، فإن غالبية سكان المناطق الريفية في أفغانستان، يتذكرون بالخير كيف عاشوا آمنين على أنفسهم وعائلاتهم ومزارعهم وأعمالهم وتجارتهم.
انتصار التحالف الغربي مزق الأمن الذي فرضته طالبان، وبدلا من فرض نظام بديل مباشرة (بسبب قلة عدد الجنود اللازمين في أي فترة)، فإن القادة الغربيين تحركوا بسرعة نحو إجراء انتخابات، وفرض حقوق المرأة، وإنشاء برلمان، بينما غالبية المناطق الريفية الأفغانية عادت إلى الفوضى والعصابات المسلحة وأمراء الحروب، كما كان الوضع قبل نشوء حركة طالبان.
وانحدار الأوضاع إلى الأسوأ هو النجاح الذي برز في فعله التحالف بتصرفاته، خاصة الانتخابات وحقوق المرأة، وهذا زاد من معاناة الريفيين الأفغان وهو ما رأوا فيه هجوما على عادات وتقاليد وديانة الشعب.
وبعد أن رأى الأفغان أنفسهم في مواجهة المجرمين، ورأوا أن دينهم وثقافتهم وعاداتهم تهاجم، فليس من الغريب أن تجد حركة طالبان نفسها في وضع مرحب بها بينهم وفي منازلهم.
المشكلة الثالثة لقوات التحالف الغربي، هي الوقت الذي قضته في أفغانستان. والآن وفي السنة السادة من الاحتلال، فإن القادة الغربيين يجدون أنفسهم مواجهين، ليس فقط من قبل عدو أقوى مما كان عليه عام 1م، وإنما بمناعة المقاومة والمشاعر المتزايدة لدى الشعب الأفغاني ضد القوى الأجنبية.
وفي حين، لا يشعر الأفغان بأي خوف من الأجنبي والرهبة منه، فإنهم وعبر التاريخ مضيافون كرماء، ويحمون الأجنبي الزائر لهم ويكرمونه، (انظر إلى معاملتهم إلى بن لادن)، لكنهم متشككون، ولا يتحملون الأجانب الذين يظهر منهم، بقصد أو دون قصد، محاولة للتحكم بهم.
يرى الأفغان اليوم أنفسهم، أنهم محكومون بشكل مزدوج خاطئ بواسطة الأجانب: القوات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة، والأفغان المسلمون بالاسم، ولكنهم فاسدون ويشكلون حكومة الرئيس حامد كرزاي.
أخيرا، فإن قوات التحالف الغربي التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، تواجه ثقل وطأة مرحلة جديدة، بدأت منذ عهد الاحتلال السوفيتي وآثار الجهاد. وأفغانستان التي مكثت طويلا في المحيط الإسلامي (الإسلام يشكل الحصن المنيع لها)، فإنها كانت حية في الضمير الإسلامي إبان المعركة بين السوفييت والأفغان.
الحرب في أفغانستان، أثارت اهتمام المسلمين، وخاصة العرب منهم الذين لبوا نداءات إخوانهم الأفغان، وأجبرتهم على إرسال كميات ضخمة من الأموال والسلاح، إضافة إلى المقاتلين لمساعدة المجاهدين، والأفغان دفعوا ثمن هذه المساعدة من خلال هزيمتهم للجيش الأحمر، ومنح العالم الإسلامي أول نصر له على الكفار الغربيين من عدة عقود. النصر الأفغاني كان نقطة تحول، ورمزا لبدء مقاومة إسلامية عالمية مسلحة.
اليوم، الكثير من المسلمين غير الأفغان يرون أن الأفغان احتلت بلادهم، وأنهم يعذبون من قبل القوة الكافرة الولايات المتحدة وحلفها الذي تقوده. وهذه هي القضية، خاصة وأن الحرب الأفغانية تسير إلى جانب الحرب في العراق، وهذا يعمق الشعور بأن الإسلام كله يتعرض لعدوان من الكافرين.
ونتيجة لهذا، فإن تدفق المال والسلاح والمقاتلين من الخارج نحو المقاومة الأفغانية، ورغم أنه لم يصل إلى مستوى ما وصلت إليه المقاومة في العراق، يعتبر مهما جدا، ويظهر هذا من خلال تحسن أداء مقاتلي طالبان والقوى التي تواجه التحالف الغربي.
إضافة إلى هذا، فإن هناك محاولات لمشاطرة الخبرة بين التجربتين الأفغانية والعراقية، فالخبرة العراقية في العمليات الاستشهادية (في الأصل الانتحارية) والمتفجرات عالية المستوى، بدأ إحضارها، لتحصد ثمارها في أفغانستان، بينما خبرة الأفغان في التصدي للطائرات المروحية، بدأت تظهر ملامحها في المقاومة العراقية.
المستقبل للغرب في أفغانستان قاتم، والذي يزيد منه ويجعله أكثر إيلاما، هو عدم تعلم الغرب من دروس التاريخ.
(محاولات احتلال وحكم أفغانستان عادة ما تؤدي إلى مأساة)، هذا ما كتبه المؤرخ البريطاني السير جون كيغان في صحيفة الديلي تلغراف في سبتمبر 2001م، مضيفا: (لكن الحملات العقابية السريعة والمباشرة كانت أكثر نجاحا في أكثر من مرة).
(وعلينا أن نتذكر أن البريطانيين نجحوا في عام 1878م في تركيع الأفغان بواسطة الحملة العقابية السريعة، فزحف اللورد روبرت من قندهار إلى كابول كان أكثر الانتصارات التي احتفلت بها الملكة فكتوريا. والروس بغبائهم لم يحاولوا معاقبة المتمردين الأفغان، كما فعل روبرت، وإنما حاولوا حكم أفغانستان . وبما أن أفغانستان لا يمكن حكمها، فإن فشل جهودهم كان يمكن التنبؤ به.على أمريكا ألا تحاول تغيير النظام، وإنما مطاردة وقتل الإرهابيين، عليها فعل ذلك بلا رحمة).
الكاتب: مايكل شوير، عمل في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لفترة 22 عاما قبل أ نيقدم استقالته، وكان رئيس وحدة متابعة أسامة بن لادن في مكافحة الإرهاب ما بين عامي 1996م – 1999م. وهو مؤلف كتاب: لماذا يخسر الغرب الحرب على الإرهاب، وكتاب: عبر عيون أعدائنا.. أسامة بن لادن والإسلام المتشدد ومستقبل أمريكا.