من هناك
03-10-2007, 03:08 PM
شارع المتنبي: ليست جريمة أميركية جديدة
الكاتب: ياسر أبو هلالة.
قبل أن أسمع خبر مقتل ستة جنود أميركيين كنت قد شاهدت فيلما بث على شبكة الإنترنت بعنوان "صيادو الكاسحات"، الفيلم الذي أنتجته "دولة العراق الإسلامية" يعرض تفاصيل تدمير كاسحات الألغام الأميركية، وفي الأثناء تابعت أخبار تفجير شارع المتنبي. في "صيادو الكاسحات" تفصيل في أنواعها ومميزاتها وأثمانها التي تصل إلى قريب المليون دولار. من ميزات الكاسحات التي تتقدم الأرتال الأميركية أنها تكتشف العبوات الناسفة والألغام وتعطل الموجات الراديوية غير أن ذلك كله تم تجاوزه، ويظهر الفيلم كيف يختار المفجرون بعناية الكاسحة من دون الرتل لتفجيرها.
من يقومون بعمل بهذا التعقيد مع أحدث جيش في العالم، هل هم بحاجة لتفجير شارع المتنبي؟ من يميز بين الكاسحة والهامفي لا يميز بين شارع ترتاده العامة وبين شارع ترتاده قوات الاحتلال؟ ما هي الفائدة من تفجير بهذه الدموية والبشاعة؟ أعرف تماما عقيدة القاعدة وأسلوب عملها، وهي لو فجرت شارع المتنبي لأعلنت ذلك وافتخرت به، حدث ذلك ليس في العراق، وإنما في تفجيرات عمان والرياض وغيرها.
جريمة شارع المتنبي لا تقيد ضد مجهول، المسئول الأول عنها قوات الاحتلال، لا أعني أن الجيش الأميركي قام بتفخيخ سيارة وتفجيرها بواسطة الأقمار الاصطناعية، أعني أن وحش الحرب الأهلية أطلقه جيش الاحتلال ورعاه وتركه وسمنه عبر حكوماته المركبة على عينه. في الحروب الأهلية نزعة انتقام تعمي البشر فيدمرون على غير هدى، حدث هذا في كل قارات الدنيا.
هل يمكن إقامة محاكم عادلة لمن ارتكبوا جرائم الحرب الأهلية في العراق؟ ربما يمنع ذلك الأفراد والجماعات من الانتقام بيدها، الإجابة بالتأكيد لا. في لبنان يعامل مجرمو الحرب الأهلية باعتبارهم أبطال حرية ورواد التغيير. المسألة متعلقة بالمصالح الأميركية العاجلة. وتلك لا تقيم وزنا لا للبشر ولا للكتب. مشهد نهب الجامعات والمتاحف وكل ماله صلة بالثقافة والحضارة ارتبط بدخول قوات الاحتلال إلى العراق. نظام البعث كان استبداديا دمويا لكن كان لديه مشروع دولة قائمة على نهضة علمية، وفي عهد صدام تم محو الأمية تماما. وهي اليوم في العهد الجديد تستفحل بموازاة ثقافة الانتقام والإرهاب.
قبل التفجير بكثير كان ثمة جريمة صامتة مديدة ترتكب في شارع المتنبي، شاهدتها بعيني في أول زيارة للعراق عام 1995، كان المثقفون العراقيون قد أنهكهم الحصار الأميركي ولم يبق لديهم ما يبيعونه غير الكتب. يعرضون كتبهم للبيع وكأنهم يعرضون أبناءهم فلذات أكبادهم، تلك الجريمة صمت عليها العالم وتواطأ تماما كجريمة قتل مليون طفل عراقي، كل ذلك بحثا عن أسلحة دمار ثبت أنها غير موجودة.
ربما يكون في التاريخ عزاء للعراقيين، فبغداد التي دمرها هولاكو ظلت رمزا للثقافة والحضارة وظل هولاكو رمزا للجهل والدمار، لا يمكن تشبيه الأميركيين بهولاكو، فهم بالنهاية آلت إليهم الحضارة الحديثة، وخروجهم لن يكون مثل خروج التتار. سيقيمون متحفا في واشنطن يوثقون ما فعلوه في العراق، وسيدفعون تعويضات عن كل ضرر معنوي أو مادي سببوه للعراقيين منذ فرضوا الحصار عليهم بعد حرب الخليج الثانية، سيكون ثمة هولوكوست عراقي يقدم من يشكك فيه للعدالة
الكاتب: ياسر أبو هلالة.
قبل أن أسمع خبر مقتل ستة جنود أميركيين كنت قد شاهدت فيلما بث على شبكة الإنترنت بعنوان "صيادو الكاسحات"، الفيلم الذي أنتجته "دولة العراق الإسلامية" يعرض تفاصيل تدمير كاسحات الألغام الأميركية، وفي الأثناء تابعت أخبار تفجير شارع المتنبي. في "صيادو الكاسحات" تفصيل في أنواعها ومميزاتها وأثمانها التي تصل إلى قريب المليون دولار. من ميزات الكاسحات التي تتقدم الأرتال الأميركية أنها تكتشف العبوات الناسفة والألغام وتعطل الموجات الراديوية غير أن ذلك كله تم تجاوزه، ويظهر الفيلم كيف يختار المفجرون بعناية الكاسحة من دون الرتل لتفجيرها.
من يقومون بعمل بهذا التعقيد مع أحدث جيش في العالم، هل هم بحاجة لتفجير شارع المتنبي؟ من يميز بين الكاسحة والهامفي لا يميز بين شارع ترتاده العامة وبين شارع ترتاده قوات الاحتلال؟ ما هي الفائدة من تفجير بهذه الدموية والبشاعة؟ أعرف تماما عقيدة القاعدة وأسلوب عملها، وهي لو فجرت شارع المتنبي لأعلنت ذلك وافتخرت به، حدث ذلك ليس في العراق، وإنما في تفجيرات عمان والرياض وغيرها.
جريمة شارع المتنبي لا تقيد ضد مجهول، المسئول الأول عنها قوات الاحتلال، لا أعني أن الجيش الأميركي قام بتفخيخ سيارة وتفجيرها بواسطة الأقمار الاصطناعية، أعني أن وحش الحرب الأهلية أطلقه جيش الاحتلال ورعاه وتركه وسمنه عبر حكوماته المركبة على عينه. في الحروب الأهلية نزعة انتقام تعمي البشر فيدمرون على غير هدى، حدث هذا في كل قارات الدنيا.
هل يمكن إقامة محاكم عادلة لمن ارتكبوا جرائم الحرب الأهلية في العراق؟ ربما يمنع ذلك الأفراد والجماعات من الانتقام بيدها، الإجابة بالتأكيد لا. في لبنان يعامل مجرمو الحرب الأهلية باعتبارهم أبطال حرية ورواد التغيير. المسألة متعلقة بالمصالح الأميركية العاجلة. وتلك لا تقيم وزنا لا للبشر ولا للكتب. مشهد نهب الجامعات والمتاحف وكل ماله صلة بالثقافة والحضارة ارتبط بدخول قوات الاحتلال إلى العراق. نظام البعث كان استبداديا دمويا لكن كان لديه مشروع دولة قائمة على نهضة علمية، وفي عهد صدام تم محو الأمية تماما. وهي اليوم في العهد الجديد تستفحل بموازاة ثقافة الانتقام والإرهاب.
قبل التفجير بكثير كان ثمة جريمة صامتة مديدة ترتكب في شارع المتنبي، شاهدتها بعيني في أول زيارة للعراق عام 1995، كان المثقفون العراقيون قد أنهكهم الحصار الأميركي ولم يبق لديهم ما يبيعونه غير الكتب. يعرضون كتبهم للبيع وكأنهم يعرضون أبناءهم فلذات أكبادهم، تلك الجريمة صمت عليها العالم وتواطأ تماما كجريمة قتل مليون طفل عراقي، كل ذلك بحثا عن أسلحة دمار ثبت أنها غير موجودة.
ربما يكون في التاريخ عزاء للعراقيين، فبغداد التي دمرها هولاكو ظلت رمزا للثقافة والحضارة وظل هولاكو رمزا للجهل والدمار، لا يمكن تشبيه الأميركيين بهولاكو، فهم بالنهاية آلت إليهم الحضارة الحديثة، وخروجهم لن يكون مثل خروج التتار. سيقيمون متحفا في واشنطن يوثقون ما فعلوه في العراق، وسيدفعون تعويضات عن كل ضرر معنوي أو مادي سببوه للعراقيين منذ فرضوا الحصار عليهم بعد حرب الخليج الثانية، سيكون ثمة هولوكوست عراقي يقدم من يشكك فيه للعدالة