تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أم سليم وأنس



بشرى
03-13-2003, 11:31 AM
أم سليم الأنصارية مع ابنها أنس بن مالك في تربيته:

حينما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانت الأنصار ومن كان فيها من المهاجرين مشغولين باستقبال النبي صلى الله عليه وسلم فرحين مستبشرين بمقدمه صلى الله عليه وسلم فجاء الجميع وهاجس كل واحد منهم أن يتشرف برؤيته صلى الله عليه وسلم وتنافس الجميع في أن ينزل النبي صلى الله عليه وسلم عنده ليتشرف بجواره، فصار ذلك نصيب أبي أيوب الأنصاري، فأقبلت الأفواج على بيته لزيارته صلى الله عليه وسلم، فخرجت أم سليم الأنصارية من بين هذه الجموع، ومعها ابنها أنس رضي الله عنهما فقالت: يا رسول الله هذا أنس يخدمك قال أنس رضي الله عنه: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف ولا لم صنعت ولا ألا صنعت. وكان أنس حينئذ ابن عشر سنين فخدم النبي صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة حتى مات، فاشتهر أنس بخادم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وقد يتبادر إلى ذهن بعض الناس أن أم سليم رضي الله عنها إنما فعلت ذلك تخلصا من أنس لأنه رضي الله عنه كان من غير زوجها أبي طلحة الحالي، والزوج غالبا ما يضيق ذرعا بأولاد زوجته من غيره، وحاشا أن يكون ذلك من أم سليم بل إن ابنها كان في نظرها كل شيء لدليل أن أنسا رضي الله عنه كان يبيت ويأكل من بيت أمه، وكان مع النبي- صلى الله عليه وسلم في الأوقات التي يحتاج فيها إلى الخدمة.

وكانت أم سليم رضي الله عنها بفطنتها وذكائها ترمي من وراء ذلك تحقيق مقاصد شرعية عظيمة منها أن:

1- خدمة النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل القربات التي يتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى فأحبت أن يسعد بهذه الخدمة ابنها وفلذة كبدها، ومن ثم لتنال هي وابنها أجرا عظيما عند الله سبحانه وتعالى.

2- أن يتربى ابنها أنس في بيت النبوة ليتخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ويهتدي بهديه صلى الله عليه وسلم، وتلك غاية من أشرف الغايات لا يتفطن إليها إلا أولوالألباب.

3- أن يحوز أنس رضي الله عنه بسبب قربه من النبي صلى الله عليه وسلم أكبر قدر من سنته صلى الله عليه وسلم متمثلة في أقواله وأفعاله، فكان لها ما أرادت فصار أنس رضي الله عنه من الصحابة القلائل المكثرين لرواية الحديث.

ثم أرادت أم سليم أن تقدم لابنها أفضل جائزة تقدمها والدة لولدها، وذلك حين جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت أم سليم فلما انتهى من حاجته وهم بالرجوع قالت له أم سليم رضي الله عنها: " يا رسول الله إن لي خويصة" (تصغير خاصة) قال:" ما هي؟! قالت: خادمك رضي الله عنه (قال أنس) فما ترك خير آخرة ولا دنيا إلا دعا لي (اللهم ارزقه مالا وولدا وبارك له (يقول أنس!) فإني لمن أكثر الأنصار مالا، وحدثتني ابنتي أمينة أنه دفن لي لصلبي مقدم الحجاج البصرة بضع وعشرون ومائة.

وفي رواية الجعد عند مسلم قال أنس:" فدعا لي بثلاث دعوات قد رأيت منها اثنين في الدنيا، وأنا أرجو الثالثة في الآخرة.

فهذا القدر من أولاده هو الذي مات في حياته قبل ذلك التاريخ، وأما الذين كانوا على قيد الحياة في ذلك الوقت فهم كما قال أنس: " وإن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو مائة. أرأيتم كيف أن أم سليم رضي الله عنها اعتنت بابنها اليتيم وأحاطته بكل عناية، وحرصت عليه كل الحرص على أن يحصل على خير الدنيا والآخرة؟ فما أعظمها من أم وأحسنها من مربية رضي الله عنها وأرضاها.

فإذا كان هذا بر أم سليم رضي الله عنها بابنها فما تظنون أن يكون بر أنس رضي الله عنه بأمه، وذلك هو ما يفوق الخيال فكان رضي الله عنه همزة وصل بينها وبين النبي صلى الله عليه وسلم، ينقل إليها أقواله وأفعاله حتى كأنها تشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كل حين، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقرب أم سليم بسبب ذلك، فكانت معدودة من أهله تمشي مع نسائه.

وكان لأم سليم رضي الله عنها أبناء آخرون من زوجها أبي طلحة، إنما اخترنا أنسا رضي الله عنه لشهرته بخدمته النبي صلى الله عليه وسلم ولتميزه عن أبنائها الأخرين لأنه من غير زوجها أبي طلحة والأبناء إن كانوا من غير الزوج الحالي عادة ما يلقون إهمالا، فإذا كان هذا حالها مع ابنها الذي هو من غير زوجها الحالي فعنايتها بأبنائها من زوجها الحالي من باب أولى.