تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : إلى أمير الدعوة الإسلامية ـالشيخ محمد الغزالي ـ في ذكراه...



من هناك
03-07-2007, 05:01 PM
بقلم: نجيب بن خيرة

في التاسع عشر من شهر شوال سنة 1416 هـ الموافق لـ التاسع من شهر مارس سنة 1996م سكن لسان، وجف قلم ، وانقطع وحي ، وفاضت روح الشيخ الغزالي إلى بارئها.لم يتعب الموت في أن يفك عن روحه قيد الجسد لأن الجسد كان ممزقا من طول ما أنهكه صاحبه من نضال مُرْ ، وجهاد مضن، وفداء بكل غال ونفيس .....

فقدت أمة الإسلام علما من أعلامها المبرزين وعالما من علمائها الناصحين...طالما أسدى لأمته النصح ، ورفع اللواء خافقا ليهدي الحائر ،ويرد الشارد، ويحمل المتنكب عن الصراط إلى سنة الإسلام الواضحة ،ومحجته البينة... في ذكراه الرابعة...أكتب إليه هذه السطور وهو في الملأ الأعلى ، و أ تحدث إليه حديثا يطربني ولاشك أنه يطربه ...عربون وفاء ومحبة ووعد بالتزام الطريق الذي خطه، وحفظ الصرح الذي اختطه... !
سيدي الأمير :لست في هذه الكلمات أرثيك فقد مضى زمن الرثاء، ...ولست أستمطر الغيث لقبرك فقبرك في طيبة مثواه ..مع مصابنا الجلل لفقدك، وألم الحسرة من هول الفجيعة فيك ...ولست في هذا المقام أعدد محاسنك وأتكلم عن راحل حياتك، فكل ذلك ذائع شائع ومتاح ....ولكنها مشاعر حرى ـ يعلم الله ـ أنها صادقة أقر بالعجز عن صوغها ألفاظا مقروءة ،أو أضعها في قوالب جامدة ضيقة وهي في نفسي أشد انطلاقا من النور، وأوسع من الزمان....! قلت في نفسي . : كيف تمر ذكراك الغالية دون أن نقف وقفة نراجع فيها أنفسنا.. هل وفينا بالوعد ..؟ هل أحسنا الإقتداء ..؟هل تابعنا المسيرة ..؟ سيدي الأمير . : أخشى أن لا أوفيك حقّك، وأن لا أحسن الكلام إليك ..فقد قيل : "رجلان يُربِكان الكاتب إذا حاول أن يكتب عنهما ...رجل لا يستطيع أن يجد ما يقوله فيه ،ورجل لا يستطيع أن يختصر ما يعرفه عنه". وما أنا منك إلا كما قال الشاعر :
كالبحر يمطره السحاب
وماله فضل عليه لأنه من مائه

إنا لفراقك ـــ يا أمير الدعوة ـــ كالنبتة الغضة نضب عنها الماء الغدير ،و أخطأها النّوء المطير، أو كالفراخ الزاغبة التي هجرها المـُعيل وتركها عُرضة لكل فاتك غدّار ..... . كيف لا ؟و العلماء هم المعاقل المنيعة عندما تحل بالأمة النّوائب ،وأعلامها المضيئة عندما تشتبه عليها المسالك ....ومراجعها إذا نابها خطبٌ ،أو حزّ بها كرْب... لازلت ـ يا سيدي ـ أذكر كيف لبّيت دعوة الجهاد في هذا البلد {الجزائر } وقبلت أن تقف على ثغرة من ثغور دار الإسلام وقدمت لترفع القواعد من ــ جامعة الأمير عبد ا لقادر ـ فكنت أميراٍ خلفا لخير أمير...! .

جئت رغم تقدُّم سنّك ..ُتناوشك الأدواء والعلل لتقعد بك،وتصرفك عن جهادك ،ولكن قلبك العامر بالله، ونفسك الرّضيّة بِقضائه حوّلتك إلى شهاب راصد ينطلق بشعاعات الوحي الأعلى فينير الدّرب، ويسطع في الأُفق ..! إننا نُخطئ عندما نتصورك إماما خطيبا يتحدث عن الاسلام فحسب ..! فذاك جهد يقوم به جمع غفير ممن ينتسبون لهذا الدين، ويتكلمون باسمه ..ولكنك إمام مدرسة، وصاحب رسالة ..!

اختارتك الأقدار لتنشأ في بلد عمر الحضارة فيه كعمر الإنسان على كوكب الأرض ...!حباه الله بكل أسباب القوة و المنعة والمعرفة لينضح على طول الدهر على من حوله من أهل القرى بكل ما من شأنه أن يمكن للإنسان سبب الاجتماع والتّحضر والإبداع .....! تلقّيت تعليمك الأول قي أروقة الأزهر الشريف ، وشربت من نبعه الّثرْ، وارتويت من معينه الصّافي فكان العلم الصحيح بالإسلام لُحمتك وسداك ..!.

وتنفّس بـك الأزهر في ساحات الدّعوة والإرشاد فشهدت مع جلّة من علماء الإسلام ـ في العقود الأولى لهذا القرن ـ مطالع عصر الإصلاح والتجديد ..فخُضت غمار الدعوة وحشدت الجماهير في ساحات الإيمان الرّحيبة ..تُذكرها بالله وتصل ما انقطع من حبالها بالسماء ...وتحثها لــتُعاود مكانها من صدر الوجود..! كل ذلك تؤديه ببيانك المُنخّل، وأدائِك العجيب، وصوتك الجهير، وأُسلوبك المتفرّد، ونبرتِك المميزة التي لا يكاد يختلف اثنان من متذوقيك على أنها صادرة عنك ،وكأن هذا الأسلوب السهل الممتنع كما تعلمنا أن نصف الأساليب التي تعرف طريقها إلى القلوب والأسماع في يُسر..ثورة على الأساليب العنيفة التي سادت الكتابات والخطابات الدّاعية إلى الإصلاح ...وذلك لأنك تغرف من بحر القرآن الذي تحفظه على ظهر قلبك ..

وطرف لسانك أو لست القائل: "وأنّى لرجل محروم من حاسة البلاغة أن يخدم دينا كتابه معجزة بيانية ورسوله إما م للحكمة وفصل الخطاب..!" وساعدك على ذلك ملكة فقهية تنفُذ إلى العِلّة الباعثة ..والحِكمة المستورة ،وفقه بالزمان،ومعرفة بالمقصد الشرعي الذي يشمله الحكم ،وفهم لما يحيط بك من ظروف طارئة ،وأحوال داعية، فتصوغ ذلك كله في فنون من القول تتسابق إلى شفتيك .وفمك المضموم قويا، عذب الإهاب، مميّز الجرس، كأنّه اللّحن الجميل ينطلق في عذوبة وتأنُّق ورُواءْ .! ويُصدِق ذلك ويدْعمُه إخبات لله، وإخلاص العمل له ،وطلب المثوبة عنده، أو لست القائل أيضا :"إن الخطبة البليغة ،والكتاب المبين الذكي ،والجماهير العاشقة المتعصبة ،لا تساوي كلها قشرة نواة إذا كانت علاقة المرء بربه واهية..!

سيدي الأمير:لقد وقفت كالطود الشامخ تُغالب الموج ،وتصدُّ التيار الجارف من الإلحاد والعلمانية واللادينية، فدافعت عن الإسلام في وجه أحقاد الاستعمار وأطماعه ،وفي وجه الزّحف الأحمر ،وظلام من الغرب ،وأرسلت صيحة التحذير من دعاة التنصير ،والصهيونية العالمية وعملت على تجفيف المستنقعات الآسنة التي يرِدُها كل ظامئ حرّان لكل تبعية مقيتة ووجود مُلفّق ...! كافحت الاستبداد السياسي أيا م كان القصر يطفح بالشّررِ ويطبق أوامر بني الأصفر،ويُنزِل بالشعب الويل و الثبُور ..!

في تلك الأثناء كانت بعض العمائم الأزهرية ممن حملت الدكتوراه سِفاحاً!من جامعات أوروبا .. !تُصفق للملك، وتُشايع السلطان ،وتُصانع أهل النُّفوذ ،وتقبل بالأوضاع، ولا تردُ يد لامِسْ ..!! ولكنك لم ترض أن تكون صنيعة أحد كائنا من كان ،وتجنّبت منذ شبابك الباكر هذه القافلة الخائنة وقلت :"الوفاء لله ورسوله أبقى وأجدى ".ومضيت محترقا لخدمة الإسلام ونُصرة قضاياه فاتخذت القلم أداتك الطّيعة تكتب و تُؤلف وتُحقق فريضة النصح، وتشرح الحقائق الإسلامية الضائعة، وتطالب المجتمع بالعودة إليها ..وتُقرِر في جميع ما كتبت نظراتك الثاقبة الجريئة وأنت صليب الرأي غير هيّابْ !.

أعييت غيرك أن يحملك على غير ما لا تريد ..فتحملت ما جرّ ذلك عليك من عنتٍ وعداءْ..! لله درُّك ... كيف استقام لك صدُّ السهام المرِيشةِ التي هاجمتك من كل جهة... ولو كـان سـهما واحدا لاتقيــته*ولـكـنه سـهــم وثـــان وثالث ذُدْت عن حياض رأيك بكل ما أوتيت من قوة ..لأنّك تؤمن أن الفهم الصحيح للإسلام مبْعثُه ومأتاه..! لم يرْعوِ" فتية السوء "ــ كما تصفهم ـ أن يسلقُوك بألسنة حِداد فيها الكثير من قارصِ القولِ ونابِي الكلِمْ ..لا لشئ إلا لأنك اتخذت طريقا غير طريقهم .وفهمت الدين على غير فهمهم ..

.وشتّان بين العلم الحاذق والقصُورِ البليد..! سيدي الأمير:سوف تظل كتبك على تعاقب الأجيال ملء الأفواه ، وشُغل الأذهان، ومورد الدعاة،ومرجع المصلحين ..لأنها كتبٌ لم تكتب تحت ظلال الزيزفون .!ولم تُصغ آيات البلاغة وسحر البيان فيها من على شُرفات قصور وادي النيل !الينتشي بها القارئ ويلتذّ السامع بُحسن العرض وجمال التّحرير والتّحبير ..!ولكنها كتب قُدّت كلماتها من زفرات الأسى الحرّى سكبتها على أمّتك التي تطحنها النوازل ، ويطيش خُطاها الهوان حتى نزلت إلى حضيض ليس له قرار ..! ولقد نصحت فوفيت وطرقت كل باب من أبواب النّجاة لتدل الحائرين عَليه ..

سيدي الأمير :ــ كما أحببت أن أناديك وأتوجه إليك ــ إن أهل الجزائرــ لاتزال تتردد في أسماعهم كلماتك، وتدق على أوتار قلوبهم توجيهاتك .ويفخر جيل من الشباب تخرّج على يديك وتربّع في قاعات درسك ، يأخذ عنك الدين كما فهمته بمنهجك العدل وطريقك المستقيم.....فأنت ترى الدين هو الفطرة السليمة قبل أن تشوهها تقاليد سيئة ، وأفكار سقيمة،كما ترى الجهل بالدنيا والعجز في الحياة حجابا صفيقا بيننا وبين النصر المبين !

لأن "الصالحات المطلوبة تصنعها فأس الفلاح، وإبرة الخياط ،وقلم الكاتب ، ومشرط الطبيب وقارورة الصيدلي ، ويصنعها الغواص في بحره، والطيار في جوه ، والباحث في معمله ، والمحاسب في دفتره ..يصنعها المسلم صاحب الرسالة وهو يباشر كل شيء ويجعل منها أداة لنصرة ربه، وإعلاء كلمته.." هذا الفهم الشامل لحقائق الدين جمع لك الخلق ، وجعل لك القبول في الأرض ،...لأنه فهم يشيد بالعقل، وينوه بالفكر ، ويبعث على النظر ويحمل على البلداء والمغفلين الذين يُحمِّلون الدين وزر بلادتهم وغباوتهم، ويسخر ممن يزعم أن أكثر أهل الجنة البُله ، في حين يجعل القرآن أهل الجنة هم أولي الألباب ..! إن كثيرا من المغرضين يلبِسون الحق بالباطل عندما يحاولون جعلك سببا في كل فتنة تصنعها الظلامية ، ويرفع رايتها الوحوش الضارية ، التي تعدم الحياة وتصنع آلة الدمار، وتأتى على الأخضر واليابس ..

لقد كنت ترفع عقيرتك في كل نديّ تقرع على أصحاب هذا المسلك ، وتحذر السائرين فيه، وتطوي الضلوع على كره عنادهم بعد الإشفاق عليهم ...فلو كان الاعتدال شخصا فأنت هو..ولو كانت السماحة رجلا لكنته..وآية ذلك ما كتبته وما حاضرت به وما أعلنته عاليا إلى أن لقيت ربك الكريم.. سيدي الأمير :سوف نذكرك كلما صبونا إلى إمام فلم نجد الهداة ..وتهفوا نفوسنا إلى فوق فلم نجد الأجنحة ..! إن فجيعتنا فيك ـ يا سيدي ـ لا يذهبها كرُّ الغداة ولا مرُّ العشي ..! فيا أرواح الشهداء والعلماء والمجاهدين ...لقد جاءتكم روح الغزالي فيا وحشتنا بعده ويا أُنسَكُم به ...ولا يسعني إلا أن أُ ردّد مع الشاعر :


لقد اعطيت لي ولكل جيل
وماخلفته ابدوما ا سيبقى
وفي هذا لنا بعض التاسي
علىمن حوله جمع القلوب
سيأتي بعدنا فكراخصيبا
يفوح على مدى الاحقاب طيبا


عساه يخفف الدمع الصبيبا ومزق يوم فارقنا القلوبا فرضي الله عنك، وروّح روحك في جنّات النعيم ...

الحسني
03-08-2007, 06:50 AM
رحمه الله تعالى رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى
وجزاك الله خيراً اخي بلال على التذكير
يالشيخ العالم الداعية محمد الغزالي

من هناك
03-08-2007, 02:51 PM
بارك الله بك
للأسف نسينا في خضم الجدال القائم ان نذكر هؤلاء الرجال الكبار من حملة مشاعل الدعوة ولا زال المسلمين يدعون ان هدفهم الاول من المنتديات هو الدعوة

عبد الله بوراي
03-08-2007, 04:15 PM
http://www4.0zz0.com/2007/03/08/17/45202396.gif


http://www4.0zz0.com/2007/03/08/17/41344368.gif



ت الميلاد 22سبتمبر 1917 _ ت الوفاة 9 مارس 1996
المرحوم العالم الفاضل المجاهد الشيخ محمد الغزالى
هو من أبرز علماء الأمة فى العصر الذى نعيش فيه .
جمع ما يندر أن يجتمع فى واحد.
جمع بين قلب الداعية , وعقل الفقيه المجدد.
وشجاعة المجاهد المرابط على ثغور الإسلام الفكرية ,
جمع بين الفقه والوعى بواقع العصر الذى نعيش فيه,
وكان يحمل رحمه الله, على كاهله المثقل بالمشكلات الصحية
هموم الأمة
*الدكتور| محمد عمارة

http://redthree.jeeran.com/bor33y.jpg

منير الليل
03-10-2007, 08:53 PM
نريد أن يتحرك العقل الإسلامي وأن تكون الصحوة فقيهة لا جاهلة بصيرة لا عمياء.. فليتحرك العقل الإسلامي..

من برنامجه الإذاعي تأملات في الدين والحياة على إذاعة القرآن الكريم في لبنان.

الأسدي
03-10-2007, 11:05 PM
رحمــــــــــــــــه اللــــــــــــــه رحمة واسعة
فقد كان نورا يستضاء به
معتدلا بين الافراط والتفريط
ولعل في القرضاوي مايعوض بعض من حرارة فقدة

من هناك
03-10-2007, 11:06 PM
جزاك الله خيراً اخي منير،
هذا هو دواؤنا بالضبط. هذا ما نحتاجه ان تكون صحوتنا واعية وفقيهة ولا تتبع سبل الناس فتضل وتضل.



نريد أن يتحرك العقل الإسلامي وأن تكون الصحوة فقيهة لا جاهلة بصيرة لا عمياء.. فليتحرك العقل الإسلامي..

من برنامجه الإذاعي تأملات في الدين والحياة على إذاعة القرآن الكريم في لبنان.

أبو أحمد
03-11-2007, 09:07 AM
رحم الله الإمام الشيخ محمد الغزالي ، كان بحق إمام الدعوة في هذا العصر ، لم يقيض الله للأمة رجلا جدد لفقه الدعوة كالشيخ الغزالي. رحمه الله لم يكن واعظاً يعتلي المنابر ليحرك العواطف وكفى إنما كان إماماً يخاطب العقل والقلب في آن معاً.
كتاب قرأته له أنصح الجميع بقراءته وهو ( كيف نتعامل مع القرآن ) وهو دراسة أجراها معه الإستاذ عمر عبيد حسنة ، من منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي

من هناك
03-11-2007, 03:26 PM
جزاك الله خيراً على التعقيب اخي ابو احمد.
إن للشيخ فضل لا ينسى في الدعوة إلى دين الله.

كما انني تعلمت من سلسلته الحق المر، انه لا يجب ان يتهاون المسلم في اولوياته وانه لا بد من فقه حقيقي للوضع الحالي وتعامل مع الآخرين على اساس اولوياتنا.

لقد علمنا ان نكون صرحاء حتى مع من يدعي القيادة للحركة الإسلامية.