تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الحق يعلو ولا يعلى عليه - لو نطق الحسين رضي الله عنه



FreeMuslim
02-17-2007, 06:45 AM
في ذكرى عاشوراء
لو نطق الحسين لقال..


أبو الحسن الحسني

كانت ثورة الحسين عليه سلام الله ورحمته وبركاته وعلى آبائه الطاهرين، انتصاراً للحق وللحرية وللعدل وللشورى وللعقل أيضاً. وتتكرس قدسية دم الحسين عليه سلام الله ورحمته وبركاته ورضوانه في رمزيتها الوضاءة على درب الناهضين لرد الظلم، والانتصار للعدل، لطمس البدعة وإحياء السنة، لإبطال العصبية النتنة للوالد أو للولد، وإقرار القيمة العليا لشرعة الجد الأول عليه صلوات الله وسلامه وعلى آله: يا فاطمة بنت محمد اشتري نفسك لا أغني عنك من الله شيئاً.
وأي انتصار للحسين يخرج عن هذه الأصول أو القواعد فينحاز إلى الباطل دون الحق، أو إلى الاستبداد دون الحرية، أو إلى الظلم دون العدل، أو إلى الفردية دون الشورى، أو إلى الجهل دون العقل فهو التحاق بشمر وعبيد الله بن زياد وحزبهما من الهالكين.
كتب عليّ قدراً، على غير عادة مني، أن أصطدم ببعض الفضائيات عشية عاشوراء، تتحدث عن مظلومية آل البيت، وتدعي ولاءهم ونصرتهم، فسمعت ورأيت، ويا ليتني ما سمعت ولا رأيت. إن اختصرت وأوجزت أقول رأيت جهلاً وبدعة وكراهية وبغضاء ما عرفها أهل بيت النبوة، ولا مست قلوبهم الطاهرة أو نفوسهم الأبية.
نعم قتل الحسين عليه سلام الله ورحمته وبركاته ورضوانه مظلوماً، فهل كان إلا واحداً من بني أبيه وبني عمه:
تسيل على حد الظباة نفوسنا وليس على غير الظباة تسيل
ومن قبل قتل أبوه علي عليه سلام الله ورحمته وبركاته ورضوانه غيلة وغدراً وظلماً، ومن قبل قتل أسد الله وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب أخي رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة ومثل بجسده الشريف، بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد، ثم جاء قاتله مسلماً، فعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، ثم جاءت من لاكت كبده فوسع لها مكاناً في دارة الإسلام، بل أعلن أن من دخل دار أبي سفيان وهي دارها فهو آمن.
الحياة ماء جار تطوى مآسيها ومصائبها وأحزانها، وأيما ماء ركد أو استنقع أسن وتغير، وكان له لون وريح كاللون والريح الذي رأيته أو شممته وسمعته على هذه الفضائيات ليلة عاشوراء. مزامير للشيطان تستدعي الحسين، كما تستدعي كل الأخيار الأحرار العقلاء ليأخذوا على أيدي هؤلاء الذين يشهدون على أنفسهم، ويشهدون على (دين الإسلام) منكراً من القول وزوراً. مشاهد وتراتيل تستدعي الحسين عليه سلام الله ورحمته وبركاته ورضوانه ليثور على هذه الأسفار المطموسة بالجهل، المطرزة بالخرافة، المشحونة بالحقد، الباعثة على العداوة والبغضاء. وقد روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال عن الحسد والبغضاء: إنها الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين. فأي دين يبقى لمن ملأ قلبه مثل هذا الحجم من الحقد والكراهية والبغضاء؟ ماذا يبقى لهؤلاء من ولاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن مودة لذوي القربى، وهم يزعمون أن أكثر من كان معه كانوا كما يزعمون!! وليسوا كما قال الله تعالى فيهم (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً)
ثم أين أنتم أيها المتباكون على الحسين، المتظاهرون بحبه والولاء له من شهادة أبيه ومن ثم أخيه فيكم، ثم من شهادة الواقعة التي أسلمتموه فيها لعدوه وجلستم حول مجامركم كما تجلس النساء. أما الإمام علي فقد قال لكم وفيكم غير مرتاب ولا هياب، بعد أن أتعبتموه بخلافكم، وتقاعسكم، وترهلكم، وعجزكم (فقبحاً لكم وترحاً حين صرتم غرضاً يرمى ولا ترمون، يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم، ولم أعرفكم معرفة والله جرت ندماً وأعقبت سدماً. قاتلكم الله لقد ملأتم قلبي قيحاً وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني ثغب التهمام أنفاساً وأفسدتم رأيي بالعصيان والخذلان..)
ألستم أنتم الذين لففتم راية أبي محمد الحسن عليه سلام الله ورحمته وبركاته ورضوانه باليأس والقنوط حتى أسلمها، ثم تجرأتم عليه فناديتموه (يا عار المؤمنين) فأجابكم وهو السيد بن السيد بن السيدة (العار ولا النار).
لو وقف أبو عبد الله الحسين في هذا اليوم على رؤوسكم لقال لكم: ويحكم ماذا تريدون مني، وأنتم تختنقون في مستنقعات كراهيتكم، وذواتكم المغلقة عن كل خير وبر، مشلولة عقولكم، صم أسماعكم، عمي أبصاركم، غلف قلوبكم.
ماذا تريدون مني بعدُ، وأنتم تصادرون أمة جدي ودعوة جدي، وحضارة جدي، وكل خير جاء به جدي وكل ما جاء به جدي خير، لتغسلوا بزعمكم عار تخاذلكم يوم تركتم يد الإثم والغدر تذبح ابن فاطمة سلام الله عليها ورحمته وبركاته، وتدوس ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ماذا تريدون مني؟ وأنتم تلوكون عرض جدي، وتدنسون قدسه، وتنالون من حرمه، ألا قبحاً لكم وترحاً، أما رأيتم أبي عليه صلوات الله ورحمته ورضوانه يقف أمام أمنا عائشة، أمنا مع كل الفخر، التي وقف أمامها أبي بعد أن هزمها في فتنة الجمل، التي كان بعضكم مسعر نارها، وقفة الولد البار أمام أمه: يا أماه ما حملك على ما فعلت؟ ولا يزيد، ثم يردها إلى حجرتها في المدينة مخفورة آمنة مطمئنة، معززة مكرمة لا يُقرب حماها.. أما تعلمتم من أبي شيئاً في كل هذا؟
ماذا تريدون مني وأنتم تطعنون في وزيري جدي، والله ما يذكرهم أحد من آل بيتنا أو من أوليائنا الصادقين إلا بخير، وتنالون بالسوء زوج خالتَي أم كلثوم ورقية، تنالون بالسوء حافر بئر رومة ومجهز جيش العسرة الذي قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض).
تبا لكم أيها المتخاذلون الجبناء.. علام تسفحون في هذا اليوم سفهاً دماء بخل بها آباؤكم ساعة حصحص الحق.. يوم عاهدوا فغدروا، ووعدوا فنكثوا ماذا تريدون مني. وقد جعلتم كتاب الله منكم ظهرياً واستبدلتم بسنة جدي أقاويل ابتدعها من أنتم أعلم به منكم بأبنائكم، تتكاذبون وتتهارشون، وتأتون في ناديكم المنكر كذباً علينا، وافتراء على من يلينا.
تبا لكم فكم من رضي لله خذلتموه، وكم من فقيه جهلتموه، وكم من شاعر أو كاتب أو حكيم سفهتموه ترفضون كل ما كتب، وكل ما وجد، وكل ما حلم به، وكل ما جاء به العلم، وقرره الفكر، واقتضاه المنطق وشهد عليه واقع التاريخ. أغلقتكم على أنفسكم دائرة الخطيئة التي ارتكبتموها فلم تبارحوها قط، وألزمتم بها أجيالاً بحمل أوزار لم ترتكبها، ولم يكن لها فيه يد فأي وزر حملتم ومن أي ظلم انتصرتم؟!

ترفضون أرث الإسلام، وكنز الحضارة، وتزعمون أنكم تحبونني وتبغضون بني أمي وبني أبي وبني عمي وبني قومي فأي حب هذا، شاهت وجوهكم، وطمست أبصاركم. وهل كنا إلا غصناً كريماً في دوحة الإنسانية العظيمة. خيار من خيار من خيار. كان آدم ثم كانت العرب ثم كانت مضر ثم كانت كنانة ثم كانت قريش ثم كانت بنو هاشم ثم كان بنو عبد المطلب ثم كان جدي ثم كانت فاطمة.. من يشتم الشجرة لا يتعلق بغصنها أيها الجاهلون المراوغون. فما في هذه الدوحة الشريفة إلا خيار وإن آل محمد كل برتقي. خيار الجاهلية معادن، وخيار الإسلام تقوى لا تنال إلا بالتواضع لله، والنزول على حكمه، والرضا بقضائه، وخفض الجناح، ولين الكلام، ودعاء لا يشوبه نتن العصبية أو الشنآن.
(ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم)