تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اشفي صدرك - ربح البيع إن شاء الله تعالى أبا عائشة



FreeMuslim
02-17-2007, 04:51 AM
مشهد من مشاهد البطولة النادرة في بلاد الرافدين.. قصة الشهيد نور الدين الدليمي
التاريخ:30/01/1428 الموافق |القراء:748 | نسخة للطباعة (http://www.almokhtsar.com/html/news/1458/2/print_67613.php)
المختصر/

الرابطة العراقية - عمر بن عبد الرحمن / (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً).
(الأحزاب:23)
إنّ القلم ليجف، وإنّ الفكر ليعجز عن تسطير بطولات فتياننا وشبابنا، ممن نذروا أنفسهم لمقارعة المحتل الصليبي الكافر، ونصرة هذا الدين، وحماية الأرض والعِرض من دنس الغاصب الأثيم.

وإنه لفخر، وما أعظمه من فخر.. وإنها لرجولة، وما أعظمها من رجولة، ونحن نكتب عن بطولات رجال المقاومة الميامين .
إنها قصة واقعية، ليست من نسج الخيال، وإنما واحدة من قصص الأبطال المجاهدين العراقيين.. يرويها أخ لنا عن أخيه (الشهيد نور الدين الدليمي):
نور الدين، شاب من مواليد 1986م، كان متفوّقاً في دراسته، أنيقاً نظيفاً، يحب الرياضة خاصةً كرة القدم.. وكان أمله كبيراً أن يصبح يوماً ما مهندساً.. لكنّ قدر الله تبارك وتعالى شاء أن يُقبَلَ في كلية العلوم -قسم الفيزياء-، ولم يكن هذا الاختصاص يتفق مع رغبته، فقد كان يتمنى أن يُقبَلَ في قسم (علوم الحياة) طالما أنه لم يستطع التسجيل في كلية الهندسة.. ونظراً لعدم تمكنه من تغيير تخصّصه، آثر تأجيل السنة الدراسية 2004 -2005م لحين أن تتحققَ رغبته.

كان (نور الدين) شاباً متواضعاً وسيماً، محافظاً على صلاة الجماعة، ومداوماً على ذكر الله وقراءة القرآن، بل يحفظ من القران الكثير.. وخلال فترة تأجيل دراسته، رأى (نور الدين) ما يحلّ ببلده الجريح على يد الأمريكان وعملائهم، فقرّر الانخراط في صفوف المجاهدين، والتحق (بجيش المجاهدين).
ومنذ التحاقه بالعمل الجهاديّ، لم يذق طعم النوم إلا قليلاً، وقد كان مندفعاً، متحمّساً للنيل من أعداء الله الكفرة في مناطق نفوذ (جيش المجاهدين)، وتخصّص بالعبوات الناسفة، وكان دعاؤه دائماً: (اللهم لا تلوّث يديَّ بدماءٍ معصومة، وإذا أردت أن تأخذني شهيداً فخذني مُقَطَّع الأوصال، حتى إذا ما سألتني يوم القيامة عن ذلك، قلت لك: يا رب هذا كله في سبيلك، ومن أجل حبي لك، ولنبيك المصطفى صلى الله عليه وسلم ).

* * *
كان (نور الدين الدليمي) رحمه الله.. بارعاً جداً في استخدام العبوات الناسفة، حتى قال فيه أحد إخوانه (من حيث الرجولة.. فهو بطل من بين الأبطال، ومن حيث العبادة.. نحسبه من الصالحين والله حسيبه).. ويقول عنه أحد إخوانه في صفوف الجهاد: (والله إنه قام بأكثر من مئة عمليةٍ على فلول العدوّ الأمريكيّ، ووالله قلما تخيب عملياته ولا أبالغ إن قلت: إنها أصابت أهدافها كلها، وكان رحمة الله عليه يصوِّر بنفسه كل عملياته).

قبل سنةٍ ونيف، أراد (نور الدين) الزواج، وكانت ابنة عمه -التي قتل الأمريكان أباها- تُحبّه جداً، فقرر أن يتزوجها، ولم تمضِ على وفاة أبيها إلا ثلاثون يوماً.. وكانت إذا ما أغضبته يقول لها: والله لأتزوجنّ عليكِ، وفي نفسه يقول، كما يروي هو رحمه الله: (اللهم زوجاتي من الحور العين ).. وقد رزقه الله سبحانه وتعالى منها بطفلة سمّاها (عائشة) وكان يحبها كثيراً ويقول: (إيه بنيّتي، إذا جعل الله في العمر بقية.. فسأربّيكِ تربيةً صالحة، ولن أجعلكِ تحتاجين لأحد).
كان بارّاً بوالديه، وعلى الرغم من عصبية أمه.. كان يقول لزوجته: (والله إن سمعت أنّ أمي قد غضبت عليكِ.. فسيكون ذلك آخر يوم بيني وبينك).
وقبل أن يستشهدَ بأسبوعَيْن، صعد المنبر لأن خطيب المسجد كان مشغولاً، وخطب عن (فضل الشهادة في سبيل الله)، وقد بكى كل مَن سمع الخطبة من أعماق قلبه تأثراً.. وقد كان -رحمه الله- حسن الصوت لدى تلاوة القرآن.

* * *
في يوم الجمعة المصادف 19/1/2007م.. كان (نور الدين) على موعدٍ مع زوجاته -بإذن الله- من الحور العين، وكان على موعدٍ مع ما أعدّه الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين المجاهدين الصادقين، إذ في هذا اليوم، كانت هناك تحركات أمريكية قوية في موقع نشاطه وجهاده، حيث خرج يستطلع المكان، وعاهد الله وأقسم، أنهم لن يمرّوا بسلام، ورجع مسرعاً، وكان الوقت قريباً من أذان ظهر الجمعة الأول، وراح يُعدّ العبوات الناسفة الخاصة بالدروع الأمريكية، وأثناء عملية الربط حصل خطأ أدى إلى انفجار العبوة، ما أدى إلى تمزق جسده كما رغب ودعا الله في يومٍ سابق، ولكن بقيت فيه أنفاس!..

وكما يقول إخوته: حاولنا إخلاءه إلى أقرب مركزٍ صحيّ، فأحالونا إلى المستشفى الأردنيّ، ومع الأذان الثاني للجمعة.. فارق الحياة، وكان يرفع سبّابته ويبتسم، فرِحاً مسروراً، وقد باع النفسَ والروحَ والجسدَ لله رب العالمين، وكأنّ الملائكة تبشّره بالفوز بالجنة وتقول له: (ربح البيع أبا عائشة).
كشف عليه الطبيب الأردنيّ، وأخبرنا بأنه فارق الحياة وقال: (إنا لله وإنا إليه راجعون).. ونحن قلنا: (الحمد لله، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا، وأخلف لنا خيراً منها).
في طريق العودة إلى المنـزل، كان الجثمان الطاهر ملفوفاً في بطانية، وكانوا ينقلونه –ضمن موكب سياراتٍ- بسيارة أحد إخوته، فحصل انخفاض في أحد إطاري السيارة الخلفيَّيْن، ولكن لحساسية الظرف لم يتوقف السائق، وفي الطريق صادفهم رتل أمريكي، حيث طُلِب منهم الترجّل من السيارات، وبعد تفتيشٍ دقيقٍ وأخذ البصمات ومسح الأيدي للتأكد من نوع البارود، وهل يوجد في الموكب مجاهدون !!.

يقول أحد إخوة (نور الدين): والله إنّ الجندي الأمريكي لم يستطع الاقتراب كثيراً من الجثمان أو لمسه، وكأن الله تعالى أراد أن يحفظ هذا الجثمان طاهرا من دنس الأمريكان حياً وميتاً، ويضيف أخوه قائلاً: دعوت الله سبحانه وتعالى قائلاً: (اللهم إن كنتَ تقبّلتَه شهيداً، وكتبتَه في ديون الشهداء والصالحين.. اللهم ففرّج عنا ما نحن فيه).. يقول: والله لم تمرّ إلا دقائق معدودة، حتى قدم الضابط الأمريكي وهو يعتذر ويتأسف لنا عن التفتيش ويواسينا.. الله أكبر إنها الكرامة وأولى البشائر!..

ثم وصل الجثمان الطاهر إلى مسجد المنطقة التي يعيش فيها (نور الدين)، ليكون آخر عهده بالمسجد، ثم طُلِبَ من الموكب أن يقف قليلاً، وقد حضر جمع كبير جداً من الناس، أغلبهم من المجاهدين.. وهم يبكون أخاً لهم في الله، ويستبشرون بموعود الله، إما نصر يُعِزّ الله به أولياءه، أو موت على ما مات عليه الشهيد الحبيب (نور الدين).

طلب أحد إخوته أن يزورَ (نور الدين) المسجّى منـزله، ليسلّم على أهله وأحبابه، وكان يخشى كثيراً أن تكون ردة فعل أمه عنيفة، أو أن لا تتمالك نفسها، ولكن: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ).. (إبراهيم:27).

* * *
لقد كان رحمه الله، يوصي والدته أنه إذا ما بلغتها بشارة استشهاده.. أن تحمد الله عز وجل، وتمنع النساء من شق الجيوب ولطم الخدود، وأن تستقبلَه بالحلوى!.. فوجدنا والدته تحمل كيساً من الحلوى وتقول: (هلا هلا هلا بابني رفعة راسي.. هلا بأبي عائشة.. عفيه ابني هايه المرجيه منك.. الله يرحمك وليدي.. ويتقبّلك مع الشهداء).. فوالله ما كان من الحاضرين إلا أنهم أجهشوا بالبكاء، وحمدوا الله على هذه الصلابة وهذا الإيمان لوالدته الصابرة المحتسبة.. وكانت طفلة قريبة من الجثمان، لا يتجاوز عمرها الست سنواتٍ تردّد: (اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها).
ثم نُقِل الجثمان ليوارى الثرى في مقبرة المنطقة، بين تشييع الأهل والأحبة والمسلمين، (عريس وأهله يزفّونه زفةً إسلامية).. وكان موكباً مهيباً تذل له أعناق الملوك والجبابرة، من غير صلاةٍ ولا غُسلٍ ولا كفن.. وهذه هي أحكام دفن الشهداء.

* * *
بقي أن نخبركم، بأنّ (الشهيد نور الدين) كان قد أقسم أن لا ترجع آليات الأمريكان دون عقاب، وفي اليوم الثالث لاستشهاده، مرّت الآليات الأمريكية بالقرب من المقبرة التي دفن فيها، حيث كان قد زرعَ (قبل استشهاده) عبوةً هاك، فقام أحد المجاهدين بتفجرها، فدمّرت آلية (همرٍ أمريكية).. وبذلك أبرّ الله قسم (نور الدين) وهو في قبره!..

بتاريخ 12/2/2007م، يقول أحد أخوته: قلنا لما استشهد (نور الدين): (إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرنا في مصيبتنا واخلف لنا خيراً منها).. وكنا نقول: (يا رب إنه عبد صالح من عبادك، فلا تقطع عقبه).. فَزُفَّت لنا البشرى بأنّ زوجته حامل، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يعوِّضَنا بدلاً عنه بولدٍ يحمل اسمه، وما ذلك على الله بعزيز.

رحمك الله يا (نور الدين)، وتقبّلك في الشهداء، وجعل منـزلتكَ الفردوس الأعلى من الجنة، وألحقنا بك شهداء في سبيل الله وحده، وجمعنا بكَ في منازل الشهداء والصالحين والصدّيقين، وفي مراتب العِلِّيِّين.. وأذلّ عدوّك وعدوّنا، ودحره وقهره وأخزاه، وهزمه على أيدي المجاهدين الطاهرين الصادقين، ونصرنا عليه نصراً مؤزّراً.. إنه سميع قريب مجيب.

الجمعة في 16 من شباط 2007م