تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نهـايـة «الحـرة» ... هل تبشر بنهاية صوت وصوته الحر؟؟



من هناك
02-12-2007, 04:22 AM
نهـايـة «الحـرة»

حسان الزين

سنتان أو ثلاث، في الحد الأقصى، هو عمر قناة «الحرة» التي انطلقت مطلع العام .2004 هذا ليس توقعاً أو رغبة سياسية وأيديولوجية، ولعل فيه الكثير من التأخر، فالأمر قد حصل. إذ، ببساطة، أين هي «الحرة» في الفضاء العربي وأجندات المشاهدة المتعددة الاتجاه والمزاج للمواطن العربي؟
يحلو لكثيرين أن يعتبروا نهاية «الحرة» قد حصلت لحظة بدايتها، بمعنى أن النهاية لم تقع لأن البداية لم تحصل، وتالياً لم «تعش» حتى العمر القصير الذي نتكلم عنه. لكن في هذا الاعتبار الكثير من المغالاة في الموقف العقائدي والسياسي المعادي أو المعارض لأميركا وإدارتها السياسية. فقناة «الحرة» كانت كائناًحياً يرزق ولا يمكن أبداً إلغاء «تعب» الزملاء، لاسيما الذين تكبدوا عناء السفر إلى واشنطن تاركين في بلادهم أشغالاً وحياة لا بأس بها، وكان يمكن أن تكون أفضل. لقد وجِدت (الحرة) وكانت تعبيراً عن التوجه الأميركي لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط، كما يفصح اسم المؤسسة الإرسالية التي تديرها («شبكة الشرق الأوسط للإرسال»، وهي وكالة غير تجارية ولا تبغي الربح المادي، عن موقع «الحرة» الالكتروني).
وعلى الرغم من ذلك لا يمكن اعتبار أن «الحرة» قد حضرت بقوة وفاعلية في أثناء عمرها القصير.
لعل الظروف العربية كانت أقوى من «الحرة» الأميركية، التي «يمولها الشعب الأميركي من خلال الكونغرس بواسطة مجلس أمناء الإذاعات الدولية»، بحسب موقعها الالكتروني. فما حصل معها يشبه إلى حد بعيد العقاب على جريمة ارتكبتها السياسة الأميركية. فقد ذهبت، وقبل أن يدرك المشاهد شرَّها وخيرها، ضحية خطأ انتمائها ومهمتها الترويجية والدعائية لسيدٍ وثقافةٍ سياسيةٍ وعقائديةٍ. وهذه ليست المرة الأولى التي يُزج بها الإعلامُ في مهمات استعمارية على إيقاع حرب أو حتى حروب.
إزاء ذلك، حاولت «الحرة» اختراق الحصار المضروب حولها. وبين حين وآخر اطمأنت إدارتها (السابقة بقيادة الزميل موفق حرب) إلى تقارير أو (شبه) إحصاءات تفيد بأن «الحرة» تحقق تقدماً في هذا البلد وتخترق الأسوار في ذاك، ودائماً بحسب الظروف السياسية والمزاج الشعبي، فإذا كان هذا مع أميركا أو ضد خصومها ارتفع عدد المشاهدين، والعكس صحيح»، وعلينا نحن أن نقدر ونرسم المشهد.
حرقت «الحرة»، في عمرها القصير، نجوماً (مثال زياد نجيم) كان لهم يوماً حضور سجالي على الشاشة وملامح مستقبل وباتوا يحتاجون إلى قيامة أو معجزة للعودة، بينما يبدو آخرون قادرين على المقاومة (جوزيف عيساوي)، وأما الذين انضموا أخيراً إليها (بولا يعقوبيان) فيُحمَّلون أكثرَ من طاقة مقدم لإنقاذ محطة. وفي الأثناء لم تقدم وجهاً تلفزيونياً مهما كانت كفاءته الإعدادية أو التقديمية (الزميل حسين جرادي مثلاً مازال في ترتيب وجوه الشاشة بعد مذيعي «تلفزيون لبنان»).
توضيحاً لأي التباس، لم تقف إدارة «الحرة» والفريق العامل فيها ومعظم أعضائه يملكون خبرات عالية حصّلوها في خلال عملهم في مؤسسات عريقة، مكتوفي الأيدي. لقد بُذل جهدٌ لو كان في محطة أخرى لأنجز الكثير.
المهم، على صعيد الاستراتيجية، أن «الحرة» رأت، وفي ظل إحساسها بالإخفاق والمراوحة وتنامي الشعور بالإحباط (النصف الثاني من عمرها القصير)، أنها يمكن أن تكون «المنطقة الحرة بين الفضائيات العربية الموزعة على الأنظمة»، أو أن تكون «صوت الذين لا صوت لهم»، وتم لهذه المهمة تحديد الهدف: المثقف الليبرالي الذي تضعه بعض القنوات الفضائية العربية على اللوائح السوداء (وهي موجودة)، نظراً لمواقفه التي لا تناسب الأنظمة التي تعمل تلك المؤسسات الإعلامية في بلاطها. لكن هذا الخيار أيضاً بدا واهناً ووهمياً وليس أكثر من خشبة منتوفة لا تنقذ غريقاً، وبشق النفس تكون نتائجه تضارباً في مواعيد بعض الضيوف مع برنامج «الاتجاه المعاكس»، ما يعني أن «الحرة» ستكون منافساً لسكرتاريا فريق فيصل القاسم، وليس لبرنامجه حتى. فكيف بمحطته التي رفع القيمون على «الحرة» سقف توقعاتهم حين توهموا أن حصان الثلج يمكن أن يحرق الصحراء!
مرة أخرى، مثل كذبة أسلحة الدمار الشامل لدى نظام صدام، بدا أن من يقف وراء «الحرة» لا يعرف الواقع الآتي إليه، وتم التصور أن القناة التلفزيونية فندقٌ وأن المثقفين والمشاهدين زبائن، ومَن لا يجد غرفة في «الفضائيات» الأخرى يقصده. وعلى الرغم من ركاكة موقف مقاطعة «الحرة» الذي أعلنه مثقفون عرب فإنه كان إشارة لمزاج عربي ينمو تحت الاحتلال الأميركي للعراق..
أما موضوع الجمهور المتلقي والتأثير في الرأي العام والمشاهَدة ونسبتها فأمر ارتبك أكثر فأكثر حين لم تستطع «الحرة» أن تنتج خارطة طريق لنفسها، وبقيت غائبة عن اهتمامات المشاهد العربي وأمزجته، سواء أكان في ظل أحداث مهمة طرأت أم في الأيام العادية. وإذا كانت عقيدة الحرب الاستباقية المعنوية ضد «الحرة» تراخت أحياناً وتعصبت في أحيان أخرى، فإن عامل الوقت لم يكن في صالح «الحرة». أي أن تراجع حدة العداء لها لم يترافق من جانبها مع نشاط جاذب، سواء أكان للمثقفين والليبراليين أم للمشاهد العربي الذي يزداد يومياً ميله إلى الابتعاد من الأجواء السياسية والأمنية الضاغطة. فقناة «الحرة» كانت إزاء تراخي موجة العداء لها تتراجع وتتدهور صحتها وتخمد حماسة العاملين فيها، بدلاً من الهجوم أو التقدم. وما زاد الموضوع سوءاً هو أن هناك قنوات عربية، رسمية وخاصة ومن الدرجات المتفاوتة، «حليفة» لأميركا وتنطق بسياستها، وأحياناً هي قيصرية أكثر من قيصر نفسه. وحين يحضر الأصيل تضيع على البديل.