تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الأسد المكبل



ابو شجاع
02-03-2007, 04:36 PM
الأسد المكبل

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه
وبعد،

مشاكل كثيرة تقع في مجتمع اليوم، تبحث عن حلول، إذ من المشاكل ما لا بد من حل لها، وإلا فإنها تتحول إلى كارثة، والكثيرون يطالبون الإسلام من خلال علمائه أن يقدم حلولا لهذه المشاكل، باعتبار أنه الدين الحق وأنه لا تستعصي عليه مشكلة.

صحيح أن الإسلام جاء لمعالجة مشاكل الإنسان، وصحيح أيضا أن نصوص الشرع قائمة تغذي الإنسان بالحلول إلى قيام الساعة، وصحيح أن الاجتهاد في الإسلام وجد ليحول هذه النصوص إلى أحكام عملية تمارس في الحياة الإنسانية فتؤتي ثمارها. ولكن هل يقدم الإسلام حلولا لمشاكل لم توجد في نطاق مجتمعه؟ هل يقدم الإسلام حلولا لمشاكل قدم سلفا الحماية من وقوعها ابتداء؟ هل يقدم الإسلام حلولا لمشاكل وهو معزول عن الحياة؟

أساس الأمر يكمن في وجود تصور خاطئ عن الإسلام وهو أنه يمكن له أن يقدم حلولا جزئية، حتى وإن كان ممنوعا عن تقديم الحلول الشاملة.

عزلوا الإسلام عن الحكم، وأقصوا أحكامه عن الحياة، وحولوه إلى دين كهنوتي، ثم طبقوا القوانين الوضعية، والمناهج الفاسدة، فأنتجت لهم ما أنتجت من مساوئ وكوارث ومشاكل على جميع الأصعدة، وإذا ما طرح الحل الإسلامي قالوا: ليقدم الإسلام حلولا لهذه المشاكل.

إذا ما طرح الحل الإسلامي فالكل يتجاوب معه ولكن من ناحيته ما تمليه عليهم أهواؤهم:

يريدون من الإسلام ما يتناسب مع واقعهم فقط، مثلهم مثل الذي يبدأ كلامه بالبسملة والحمد والصلاة ثم ينهيه بالضلال.

أن تكون للإسلام كلمة إعجاب بالديمقراطية فنعم، ولكن أن تكون للإسلام كلمة الحكم بما أنزل الله فلا.

أن تكون للإسلام كلمة في الرضا بهيمنة الكفار على المسلمين فنعم، ولكن أن تكون له كلمة في الجهاد فلا.

أن تكون للإسلام كلمة في إضفاء الشرعية على تعدد الدول فنعم، ولكن أن تكون له كلمة في الدولة الواحدة فلا.

أن تكون للإسلام كلمة في حرية الرأي فنعم، ولكن أن تكون له كلمة في أحكام الردة فلا.

أن تكون للإسلام كلمة في إباحة الإجهاض فنعم، ولكن أن تكون له كلمة في تحريم الزنا والمحافظة على الأنساب فلا.

وهكذا أصبح الإسلام عندهم ثوبا مهلهلا باليا يصلح لكل جسم مهترئ.

لم يكن الإسلام كذلك منذ أن أنزله الله على رسوله محمد عليه وآله أفضل الصلاة والسلام، لأن الإسلام لم يأت ليكمل نقص حضارة بائدة، ولم تكن أحكامه معالجات لمشاكل مجتمع منحط، ولم يبن يوما على أطلال نظم فاسدة، بل جاء ليغير الواقع تغييرا شاملا كاملا، ليوجد واقعا إسلاميا بكل نواحيه.

هكذا فهم مشركو الجاهلية الإسلام من أول وهلة، إذ أدركوا حقيقة الإسلام وإلام يدعوهم النبي الجديد، علموا أنه لا مجال للمساومة معه، ولا فرصة لهم للتعايش معه في ظل أحكامهم وشركهم وجاهليتهم وفسادهم، علموا من أول لحظة أن عليهم أن يختاروا إما البقاء على ما هم عليه وتحمل النتائج، وإما الانسلاخ مما هم فيه والعيش في أحكام الإسلام عيشا متميزا.

ولعمري فالمسلمون اليوم أولى بهذا الفهم من مشركي الجاهلية، فأولئك مشركون وما بعد كفرهم ذنب، ولا لوم عليهم فيه، ولكن المسلمين مسلمون، يقرأون كلام الله ويفهمون كلام رسوله، يعرفون أحكام الإسلام وتربوا في تعلمها منذ نشأتهم، درسوا سيرة نبيهم عليه وآله الصلاة والسلام من نعومة أظفارهم.

أما آن للمسلمين أن يدركوا أن دينهم جاء ليملك الواقع وليسود المجتمع ولينظم الحياة بأحكامه هو لا بأحكام غيره؟

أما آن للمسلمين أن يدركوا أن عليهم أن ينفضوا عنهم هذا الركون إلى الدنيا وأن ينقضوا على هذا الواقع ليغيروه بالإسلام.

أما آن للمسلمين أن يدركوا أن كل ما يستخرجونه من معالجات وإن سميت إسلامية إنما هي معالجات ملوثة بالواقع السيء، ما دامت لم تخرج من الإسلام وهو في سدة الحكم، وأنها ستكون وبالا عليهم.

نضر الله عالما من علماء الهند الكرام، إذ كان يسير مع أحد تلاميذه في حديقة الحيوانات فسأله تلميذه: أين الإسلام اليوم يا شيخنا؟ فرد عليه سائلا: هل تعرف ما قيمة الأسد ووزنه بين الحيوانات؟ فقال التلميذ: إنه ملك الغابة، يهابه الجميع ولا يخشى أحدا منهم. فقال الشيخ: نعم، ولكنه كذلك إن عاش في غابته فإنه يكون حينئذ ملكا. ثم سار بالتلميذ إلى قفص الأسد، وأشار إليه قائلا: هذا هو الأسد ولكنه ليس ملكا لأنه مسجون، والإسلام يا ولدي مثل هذا الأسد المكبل، لا يستطيع أن يفعل شيئا ما دام معزولا عن ممارسة دوره.

أقيموا الإسلام بكل أحكامه، واجعلوا منه حاكما لكم، لا محكوما بأهوائكم، ونفذوا طريقته كما جاءت عن الرسول الأعظم عليه وآله أفضل الصلاة والسلام، غيروا الواقع بدولة الخلافة، ثم انظروا فإن رأيتم مشكلة فإنكم سرعان ما تجدون لها حلا في دينكم يتناسب مع واقعكم الإسلامي.

والله تعالى أعلى وأعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل

‏الثلاثاء‏ 29‏ ذو القعدة‏ 1427هـ
الموافق ‏19‏/12‏/2006م

للأستاذ أبي الحارث التميمي