تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : التدليس في تاريخ الدولة الإسلامية العثمانية



ابو شجاع
01-14-2007, 12:23 PM
التدليس في تاريخ الدولة الإسلامية العثمانية

http://www.alokab.com/images/spaper.gifيَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ (118) سورة آل عمران

في بداية القرن الفائت، تمكّن الغرب الكافر بقيادة أوروبا من هزيمة الدولة الإسلامية وإزالة قوة المسلمين التي هدّدت وجوده لقرونٍ طويلة. ولم تُساعده القوة العسكرية والحملات الصليبية على ذلك بقدر ما ساعده الغزو الفكري والتبشيري لمسلمين. فقد لجأ الأجنبي إلى تسميم عقول المسلمين بما يقوله عن الإسلام وتاريخ المسلمين باسم "البحث العلمي والنزاهة العلمية"، وما ذلك في الحقيقة إلا للإنتقام من المسلمين وتمكين أقدام الإستعمار والمستعمرين.

وقد دفع البُغض والحقد المستشرقين إلى الطعن في كل فترات وشخصيات التاريخ الإسلامي، حتى أنهم لم يتورعوا عن النيل من الرسول محمد عليه الصلاة والسلام وأصحابه. وتصدّى المؤرخون المسلمون لهم، فكتبوا الوقائع كما رأوها حية أمام أعينهم، وكان لكتاباتهم الفضل الكبير في إنصاف المسلمين وكشف الحقائق والرد على دجل المستشرقين.

غير أنه في فترة الخلافة العثمانية، ونظرًا للضعف الفكري الذي اعتراها، وانشغالها بحمل الدعوة الى سائر الامم والجهاد وصدّ الحملات الصليبية، قلّ الإهتمام بتدوين التاريخ والوقائع نسبةً لما كان عليه الأمر أيام الخلافة العباسية وما قبلها، في حين أن أوروبا أخذت تخرج من عصر الظلمات وتخطو حثيثًا نحو الثورة الفكرية والعلميّة. لذلك ازداد عدد المستشرقين، وكثُرت الإفتراءات على دولة المسلمين، وقلّت المصادر التي ترُّد هذه الإفتراءات، فنجح الغرب في وضع التاريخ الاسلامي لهذه الحقبة في إطار أسود وصوّر الإسلام على أنه "بعبع الإنسانية" أو المارد الهائل الذي سيقضي على تقدّم الإنسانية. -نقول كل هذا مع عدم إغفالنا أو نفينا لوجود بعض الأمور والحوادث التي لا يرضاها الإسلام وتتعارض مع أحكامه في فترة خلافة آل عثمان، وطبعًا الذنب في ذلك ذنبُ المُسيء بشخصه لا ذنب الإسلام، فهي حوادثُ فردية أسيء فيها تطبيقٍ الإسلام العظيم خصوصًا في العصور المتأخرة-

من هنا فإن فترة الخلافة العثمانية طالها من التدليس والكذب ما لم يطل غيرها من الفترات الإسلامية، وزاد الطين بلة أنه نبت من المسلمين المثقفين نابتة تُعلّم هذا التاريخ وتؤلف فيه على الأسلوب والمنهج التبشيري.

فمثلاً، الفريةً اللئيمةً التي لا يكاد يخلو منها إلا القليل من الكتب التي تؤرخ للعثمانيين المسلمين، والتي تزعم أن الخلفاء العثمانيين كانوا يملكون الحق، بموجب فتوى شرعية إسلامية، في قتل من يشاؤون من إخوانهم أو بني رحمهم، أو أقاربهم، حتى ولو كانوا أطفالاً رُضَّعًا، بحجة الحفاظ على وحدة المسلمين، ولقطع الطريق على أية فتنة يمكن أن تبرز إذا حاول أحدهم المطالبة بالسلطة لنفسه!!!

والغريب أن المستشرقين يستشهدون على هذه الفريّة -وللأسف ينقاد ورائهم بعض المؤرخين المسلمين- بالزعم أن الخليفة محمد الفاتح قتل أخاه الرضيع أحمد جلبي بعد تسلمه الخلافة خوفًا من أن يزاحمه الخلافة حينما يكبر! وقد زعم مروجو الفرية أن الخليفة محمداً الفاتح أرسل علي بك وهو أحد قواد جيشه، إلى جناح النساء لقتل أخيه الرضيع، فلما علم علي بك أن الطفل موجود في حمام النساء حيث تقوم مربيته بغسله، اقتحم الحمام وأمسك بالطفل الرضيع وغطّسه تحت الماء حتى مات مختنقاً غرقاً!!!

لنقف قليلاً لنتعرف على السلطان محمد الفاتح، فهو الخليفة المسلم الذي فتح القسطنطينية وسماها "إسلام بول" (إستانبول فيما بعد). وهو الذي قال عنه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام: "لتَفْتَحُنّ القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش" [مسند أحمد: 4/335]. ومحمد الفاتح تربّى على مائدة القرآن، على يد خيرة علماء عصره، أمثال الشيخ أحمد بن إسماعيل الكوراني الذي كان الفاتح يسميه «أبا حنيفة زمانه»، والشيخ تمجيد أوغلو، والشيخ محمد جلبي زاده، والشيخ مولا إياش، والشيخ الغوراني، والشيخ سراج الدين الحلبي، والشيخ آق شمس الدين.

هل يصدّق عاقل أن هذا البطل المسلم الذي أثنى عليه الرسول عليه الصلاة والسلام، يُقدم على ذبح أخيه الرضيع بهذه الصورة؟

أما حقيقة هذه الفرية، فهي أن مُربيّة الطفل الرضيع أحمد، انشغلت عنه لبعض شأنها بينما كانت تغسله، فوقع في حوض الماء، فمات مختنقاً غرقاً قبل أن تتداركه أيادي المُنقذين.

وتصادف بعد حادثة الغرق بأيام قليلة ارتكاب علي بك، أحد ضباط الجيش، جريمة عقابها الإعدام. فلما أعدم، طفق المفترون يزعمون أن علي بك هو الذي أغرق الطفل الرضيع أحمد، وأن الخليفة الفاتح خشي أن يفشي هذا الرجل سره فقتله، ومن هنا جاءت الفرية على النحو الذي أشرنا إليه، حتى ينظر أبناء المسلمين للأبطال الذين صنعوا تاريخ الإسلام، وعشقوا ميادين الجهاد والدعوة للإسلام، نظرة مُحتقرة مُتبرئة.

ومن الإفتراءات التي أُراد أعداؤنا أن ندرسها في كتب التاريخ المدرسيّة، القول بأن الخليفة المسلم عبد الحميد الثاني قتل من الأرمن ما لا يُحصى عدده ظلمًا، وقد أطلق الفرنسيون عليه لقب "السلطان الأحمر"، كما أنه رحمه الله اتُهِمَ بسوء الحكم والإدارة والتفريط في حقوق وأراضي المسلمين.

ولكننا حين نُراجع سيرة هذا الخليفة المسلم نجده متعلقًا بدينه حتى في أضعف أدواره. فمثلاً كانت هناك مسرحية قبيحة للكاتب الفرنسي ”فولتير“ يهاجم فيها رسولنا صلى الله عليه و سلم. وكانت فرنسا تريد تمثيلها في المسارح في ذلك العهد الذي كان يطلق على الدولة العثمانية فيه اسم ”الرجل المريض“. ولكن هذا الأسد المريض عندما علم بوجود نية الهجوم على سيده ونور عينه صلى الله عليه و سلم زأر ضد فرنسا، حيث أرسل الخليفة عبد الحميد الثاني، ¬المتهم بأنه السلطان الأحمر -حاشاه-،¬ برقية إنذار لفرنسا قائلاً فيها: ”لو قمتم بتمثيل هذه المسرحية التي تستهدف رسولي صلى الله عليه وسلم ورسول جميع المسلمين فإنني سأثير جميع العرب وجميع المسلمين ضدكم“.

كم كنا نتمنى أن يملك العالم الإسلامي مثل هذا الوعي وهذا الشعور. فقد أثارت هذه البرقية موجة ذعر في فرنسا بحيث أنها لم تستطع تمثيل هذه المسرحية على مسارحها. وحينما أرادت بريطانيا تمثيل هذه المسرحية في بلدها أرسل الأسد الجريح برقية إنذار لها فأحجمت بريطانيا أيضا عن تنفيذ نيتها وتراجعت عنها...

كما أننا نجد هذا الخليفة الأبي، وفي عام 1902، حينما تقدم له اليهود بعرض مغرٍ يتعهد بموجبه أثرياء اليهود بوفاء جميع ديون الدولة العثمانية وبناء أسطول لحمايتها، وتقديم قرض بـ (35) مليون ليرة ذهبية لخزينة الدولة العثمانية المنهكة، يرفض كلّ هذه العروض! وكان ردُّه كما جاء في مذكرات ثيودور هرتزل:

(انصحوا الدكتور هرتسل بألا يتخذ خطوات جدية في هذا الموضوع، فإني لا أستطيع أن أتخلى عن شبرٍ واحدٍ من أرض فلسطين، فهي ليست ملك يميني، بل ملك الأمة الإسلامية. لقد جاهد شعبي في سبيل هذه الأرض ورواها بدمه. فليحتفظ اليهود بملايينهم، وإذا مزقت دولة الخلافة يوماً فإنهم يستطيعون آنذاك أن يأخذوا فلسطين بلا ثمن... أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من دولة الخلافة، إني لا أستطيع الموافقة على تشريح أجسادنا ونحن على قيد الحياة).

انتهى كلام الخليفة عبد الحميد بصورة مشرقة عظيمة للصمود أمام الخيانة مهما كانت التضحيات. إنه مثال واقعي للامتثال لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27]. رَفْضُ السلطان هو إباءٌ وشموخٌ وعزة وكبرياء نَدُرَ مثيلها في هذا الزمان.

هكذا كان أسلافنا الأمجاد، يأبون الذلّ والاستكانة لأعداء الدين، حتى في أشدّ حالات ضعفهم، لقد حمى هذا الخليفة المسلم فلسطين وهدّد هرتسل بعدم إتخاذ أي خطوة في هذا الموضوع، ورفض مجرد التفاوض حتى! ويفسر هذا الرفض القاطع لمطالب يهود والدول الغربية، سبب حقد المؤرخين الغربيين على الخليفة عبد الحميد وتدوين تاريخه على هذه الصورة القاتمة. ولذلك لن نجد هذه الحوادث من تاريخنا الطيّب في حصص التاريخ! لأن أعدائنا مكروا بنا حتى ننظر لإسلامنا وحملته نظرة عداءٍ وكراهية.

في النهاية، أتمنى أنه قد تبيّن من النظر في بعض الإفتراءات أن هدف المستشرقين الحاقدين من وراء تحريف التاريخ الإسلامي عامة والتاريخ العثماني بشكل خاص، النيل من الإسلام ذاته، بتصويره عقيدةً تبعث الوحشية في نفوس معتنقيها وتجردهم من الرحمة والرأفة، وكذلك تشويه مفهوم الخلافة الإسلامية وربطها بالتخلف والظلم حتى لا يُفكّر المسلمون بالعمل لإقامتها ثانية إستجابةً لأمر الله سبحانه، فيخلصوا البشرية من ظلمات الكفر والضلال.

http://www.alokab.com/images/kateb.jpg : أبو الغيث

http://www.alokab.com/politicals/details.php?id=881_0_8_0_M