تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أوقفوا الجنون السياسي



ابو شجاع
01-14-2007, 12:15 PM
أوقفوا الجنون السياسي!


لا أريد أن أدخل في فلسفة القصّة، وفي الأسباب الباعثة على شيوع هذا الفنّ في حياة الشعوب، لكنّ الذي لا يملك أن يختلف فيه اثنان أنّ القصة التي تخلد في الأذهان عبر العصور، هي التي تكون صدى ما رسخ في وجدان الأمم من تجارب صادقة، تنطبق على كلّ زمان ومكان.
وإنّ ثلاثاً من القصص القصيرة قد ألحّت عليّ، وأنا أشهد التراشق السياسي بالخطابات الثقيلة، وسائر ما تنتجه وسائل الإعلام، إعلام الدمار الشامل، الإعلام "الانتحاري"، الذي تتقاسم شرف إصداره المؤسسات السياسية المتنافرة في لبنان!
تروي القصة الأولى أنّ أحد الأعراب تاه جمله، في الصحراء، فبحث عنه طويلاً، حتى أقسم في ساعة غضب: لئنْ عثر عليه، لَيبيعنَّه بدرهم واحد! وما لبث أن عثر عليه، وأزِفَ أوان البرّ بالقسم، فندم، وضنّ بالجمل، لكنه لا بدّ من أن يفي بالوعد، فاستشار أحد الحكماء، فماذا أفتاه؟ لقد أفتاه أن يعرض الجمل للبيع، بدرهم واحد، على أن يبيعه في عقد واحد مع هرّ يجعل ثمنه مئات الدنانير! وهكذا أحجم الناس عن شراء الجمل، وبقي في حوزة صاحبه.
هذه الحيلة تتكرّر في كلّ يوم، مثيلاتها، أو ما هو أفظع منها، على مسرح السياسة الصغير، لبنان. ألا نرى أنّ كلّ فريق سياسي يحمل في جعبته نتفاً من الشعارات الجميلة، أو القضايا الجذّابة، التي تستحق العناية، لكنه يصرّ أن يبيعنا إياها مع ملفّات مشبوهة، وخطابات قاتلة، ودعوات تفجيرية، وأساليب هدّامة، وتحالفات هشة!؟ والويل كلّ الويل حين ترفض شيئاً من "سلّة" الخير، بلُغَةِ اليوم، التي يعرضها عليك كلّ فريق، إنّ ذلك يعني رفض "السلّة" المباركة كلّها، ويعني أن تُشنّ عليك حرب كلامية مدمّرة، تُستخدَم فيها ألفاظ التخوين التقليدية، أو... المبتكرة!
فإذا تغنّيت بالسيادة، ورفضت الدولة الأمنية، بات عليك أن تستظلّ باليونيفل، وأن تسبّح بحمد كلّ سفير غربي! وإذا مجّدت المقاومة، ورفضت القرارات الدولية، بات عليك أن تدافع عن قتلة أو مشبوهين، وأن تسكت عن الذين يقمعون المقاومة في ديارهم، ويبيحونها في دارك! هذا دستور العبث، وقاموس المزاح الأرعن، في بلد صغير، لا قدرة لأبنائه على أن يتحمّلوا أصحاب الظلّ الثقيل، ولو بلغ بهم الأمر أن يرفضوا شراء الجمل، بما حمل، ولا سيما أن ما يروَّج له أن يُباع معه، هو أدنى من هرّ!
نعم. لا يزال مصير الناس في هذا البلد، يترنّح تحت وطأة السياسات المجنونة التي ينتهجها من نصّبوا أنفسهم وكلاء عن الناس في اتخاذ قرارات أخذ البلد باتجاه الهاوية، سواء أكانوا ممن يحلو لهم أن يتسمّوا بـ"المعارضة"، أم كانوا في خندق "الموالاة".
وفي القصة الثانية أن فأراً اقتحم منـزلاً، وأراد صاحب المنـزل "الشهم" أن يهدّئ من روع امرأته، فأحضر الهرّ لملاحقة الفأر، إلا أن الهرّ، بعد أداء مهمّته، انقلب مصدر إزعاج، وبدأ بتمزيق الستائر، فكان أن أحضر الكلب، الذي، بدوره، صار يأكل ما تطبخ المرأة من لحوم، إلى أن أحضر الرجل الفيل! لكن الفيل بعد أن طرد الكلب، هدم البيت. وهنا تفتّق ذهن الرجل عن فكرة "ذكية" لطرد الفيل، وهي إحضار فأر! وهكذا تهدّم البيت، وأعاد الرجل الفأر معزّزاً مكرّماً، بعد أن كانت سلسلة الأعمال السابقة ناجمة عن طرده!
نعم. أقنعَنا رجالات السياسة في هذا البلد، كلّ وفاقاً لرؤيته "الثاقبة"، أنهم يستقوون بهذا أو ذاك، من خلف الحدود، كي يجهزوا على عدوّ "ما"! فإذا بالبلد يعجّ بأصناف المتدخّلين التي توازي في العدد، أصناف الجبنة في فرنسا، ولكنّ العدوّ المذكور ما زال، كما كان، حيث كان: يضحك في عنجهية تستفزّ الجميع، بل تستفز فحسب مَن ليسوا منصرفين إلى تسوية الحسابات الداخلية، بكلّ الدعم الخارجي!
لقد أثبتت الأيام الماضية أنّ البلد في قبضة قوى إقليمية ودولية، وليست الأصوات العنترية هنا أو هناك، إلاّ أبواقاً لتلك القوى، تندلع حين يؤذن لها، وتخبو حين يحجب عنها الإذن، ولذلك تجد أنّ التكاذب والتناقض في التصريحات والتهرّب من الوعود المطلَقة، سيّدُ الموقف في حاليي الفريقين. وكم أقسم الفريقان أن لا يتنازلا عن الثوابت، فإذا بنا اليوم نسمع عن التوافق على مبادرة شرطها "لا غالب ولا مغلوب"! فكيف يكون هذا، وواقع خطاب كلا الفريقين، وإن بلسان الحال، أن خصمه يجب أن تتطهّر البلاد من رجسه وخيانته وتدميره آمال "الشعب"؟؟!
ولقد أثبتت الأيام الماضية أن الطبقات السياسية، التي تتناوب الحكم والمعارضة، وفاقاً للظروف الدولية، هي التي تؤجّج نار الفتنة الطائفية حيناً، والمذهبية أحياناً. وهذا يدركه من يرصد نفوس الناس قبل كل تأجيج وبعده، ما يعني أن الأمر مفتعل مصطنع، وأن الأمة لو كانت بمنأى عن خبث هؤلاء الرعاة، أعداء الغنم، لكانت على قلب رجل واحد، ولما تطرّق الوهن إليها، أو تمكّن معتدٍ من خرْقِ سدّها المنيع، أو من التلاعب بها في الأندية الدولية.
وتذكر قصة ثالثة أن ملكاً كان هانئاً في مملكته، ويحظى هو ووزيره بثقة الرعية، إلى أن قدمت ساحرة وضعت سبع نقاط في بئر الماء الوحيدة في المملكة، فإذا بالناس كلّهم يشربون من البئر، ويُصابون بالجنون، ثمّ يهرَعون إلى الشوارع، طالبين خلع الملك ووزيره، لأنهما مجنونان، ولا ينبغي أن يحكما رعية عاقلة! ولم يُهدِئ ثائرةَ القوم إلا أن يشرب الملك ووزيره من البئر المسحورة، فتنادى الناس أنْ ثابا إلى رشدهما!
ها نحن نحوّل الأسطورة إلى حقيقة، ونحوّل الأضحوكة إلى مأساة!
بعض ملوك الطوائف وقادة الأحزاب وزعماء التيارات، في البلد ذي البئر الواحدة، رضوا أن يحتسوا عقاقير المشعوذين الذين أتوا من بعيد، رضوا أن يُصابوا بما يتورّعون عنه، في سبيل أن تبقى لهم الحظوة في عيون الجماهير، وبدل أن يرتقوا بجماهيرهم إلى سدّة القرارات الحكيمة، انحدروا في إثرها إلى الشوارع، بينما الساحرة تضحك مظهرة أنيابها النخرة! ألم يكن الأولى أن يتضافر الجميع، لتنقية البئر، حتى يبقى للجميع مشرب واحد؟ ألم يكن الأولى أن نفضح هذه الساحرة، بدل أن نخضع لقانونها؟
أما آن للأمة، ولبنان صورة مصغّرة عن واقعها التعيس، أن تنتبذ القادة الفاشلين في مواكبة طموحاتها، الناجحين في سحق طاقاتها الحيوية، وأن تبحث عن مشروع ضخم تهدر من أجله الوقت والمال والدم، بدل أن يصرخ هذا الشارع أو ذاك، حين يتصارعان، بهتافات ضبابية مرّة، أو متماثلة مرّة أخرى، أو مستوردة من دول مشبوهة مرّات ومرّات!؟ أما آن للأمة أن تسعى إلى توحيد رؤاها، بمنأى عن إرادات "الكبار"، المرهونة بالاتصالات الهاتفية الدولية، أو المقاعد الوضيعة في مجالس "القرار"!؟ أليس الجميع يعي أن "القرار" في مكان آخر يتعدّى الحدود، ويفوق بحجم تسلّطه كلّ الحدود!؟
فلترتفع الأصوات التي تبرأ من عبث المهووسين بالكراسي، حتى تكون صوتاً واحداً ينشد العزّة لهذه الأمة، ويركل التدخّلات الدولية، أياً كان مصدرها، لتبقى هذه الأمة، كما أرادها الله، [خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ]، تسعى إلى لمّ شملها، في دولة واحدة قادرة قوية، لا مجال فيها لأيدي المتطفّلين، من دول الاستعمار المتعدّد الأوجه، يعيثون فساداً.
أنستفيق يوماً، ونجد أن كلّ الفصول التي أقضّت مضاجعنا، وأربكت عقولنا، كانت مجرّد كوابيس خارجة عن جسم القصة؟ أم نقنع بأن ينبري من نخب الأمة، مَن لم يلوَّث فكرُه ويدُه ولسانُه، فيكتب لنا قصة جديدة، أبطالها ليسوا وهميّين، قصّة مليئة بالتشويق والحلول والعِبَر... ولكنها خالية من "العقدة"!؟

د.أيمن أحمد رؤوف القادري
776792/03- 601714/05
[email protected] ([email protected]),
[email protected] ([email protected]),
[email protected] ([email protected])

*********
موقع العقاب

http://www.alokab.com/politicals/details.php?id=889_0_8_0_C (http://www.alokab.com/politicals/details.php?id=889_0_8_0_C)

من هناك
01-14-2007, 02:38 PM
جزاك الله خيراً على النقل وبارك الله بالأخ ايمن.

إن المشكلة في لبنان انه إذا لم تكن مع احد الطرفين وتتخلى عن مبادئك تعد مخموراً او مجنوناً :(

الله المستعان