تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عجيب أمرك يا لبنان ....



عبد الله بوراي
01-11-2007, 07:03 PM
عجيب أمرك يا لبنان...!! (http://abourim03.maktoobblog.com/?post=155304)


لبنان، هذا الوطن العربي الصغير بأرضه وناسه، صار اليوم بفضل حراكه السياسي المتأجج ومقاومته الشعبية الفريدة أكبر من حجمه الطبيعي، وأشهر من نار على جبل واحد من سلسلة جباله الشامخة، إذا ما قورن بكثير من الدول العربية التي تفوقه مساحة وعددا وعدة ولا تكاد تسمع لواحدة منها حسا أو ركزا....
ومجهود الوطن كمجهود الفرد لا يقاس بالوسامة وبالضخامة والجسامة، وبالغنى والجشع إلى درجة تكديس الثروات أو تبديدها أو تهريبها أو الاستئثار بها، وإنما بالقدرة على المناورة والحركة الخفيفة والإنجاز السريع والبذل والتضحية, فالعبرة تكون بالكيف قبل الكم وبالفعل قبل الكلام...
وأعتقد أن لبنان هو حالة عربية نادرة تنطبق عليها مقولة الكيف قبل الكم، خاصة عند مواسم الحصاد السياسي المبكر في الداخل، وعند حساب نتائج المواقف والاختبارات الصعبة ساعة احتدام المعارك والمجابهات مع الخارج.
ومن تابع خروج المقاومة اللبنانية الباسلة المظفرة في الصيف الماضي إلى الحدود الجنوبية لمجابهة العدو الصهيوني المعتدي، حتى كان من أمرها المُشرف ما كان مما لا يُحتاج معه إلى تكرار أو برهان أو فضل بيان، ) وقد عايشنا ذلك عن كثب في إدراجاتنا المخصصة لحرب لبنان (http://abourim03.maktoobblog.com/?cat=14151)(، فلا بد وأن يكبر عنده وطن الأرز والصمود لبنان، ولن يكون محتاجا أبدا إلى تفقد موقع هذا البلد الصغير على سطح الخريطة، أو استحضار ما إذا كانت لديه أموال مرصودة أو ثروات طبيعية مكنوزة.
وحده شرف المقاومة لا يقدر بثمن، ووجه العزة وضاءٌ على الدوام لا يتطرق إليه خدش، ولا يعلوه صدأ....
أما من يتابع، اليوم، خروج قوة المعارضة الشعبية اللبنانية واعتصامها في الشارع العام، وفي ساحة الشهداء، وأمام (سراي) الحكومة اللبنانية بالليل والنهار، وعلى مدى أسبوع متواصل حتى الآن، فلا بد وأن يدرك في نهاية التحليل، أن وضع شعب لبنان، على اختلاف أعراقه ومذاهبه وطوائفه، حالة يقظة خاصة تميزه عن بقية الشعوب العربية النائمة والمنومة بوسائل الترغيب والترهيب والتجويع والتركيع، من المحيط العربي إلى خليجه.
وبغض النظر عن كل التفاعلات المرتقبة لهذا الحراك السياسي اللبناني المميز وتداعياته الكثيرة جهويا وعربيا ودوليا، وكيفما كانت نتائج حرب الإرادات التي تجري الآن على أشدها بين الحكومة اللبنانية ومؤيديها في الداخل والخارج من جهة، وبين صفوف المعارضة ومريديها من جهة ثانية، فإني لا أملك غير أن أقول بالأصالة عن نفسي وحدي، ولو اتهمني البعض بالتحيز أو التحريض: هنيئا للشعب اللبناني الذي أخذ زمام المبادرة من كافة الشعوب العربية، وأعلن حربا غير مسبوقة في وجه القمة الحاكمة بعد مقاومته الجنوبية المظفرة.
تلك الحرب النوعية التي يـَحِقُّ فيها للقاعدة العريضة من الشعب أن تنتفض على قمتها الفاسدة عندما يتبين لها تخاذلها وعجزها وتخبطها، فتحاصرها بدل أن تبقى هي المُـحاصرة وتدينها بدل أن تبقى هي المدانة والمتدنية... وهل يستقيم فساد الرأس مع بقية الجسد...!!
وفي الحقيقة، هناك وقت ضائع بين استمرار ثبات الحكومة اللبنانية في مكانها على موقفها دون تزحزح أو تململ يكشف قليلا عن وجه الغمة، وبين إصرار الشارع على إسقاط رأس القمة، وما أخشاه أن يمتد هذا الوقت الضائع إلى ما لا نهاية، وأن ينفذ صبر الإرادتين معا فتمتد الرأس أو من يسنده إلى بقية الجسد اللبناني المنهك بالحروب والفتن بالبطش والعنف، فتتحقق للكيان الصهيوني فرصة نصر رخيص ضيعها على أرض المعركة الحقيقية.
وقد يحلو للبعض أيضا أن يتفرج على مشهد شد الحبال هذا الممتد بين رأس الحكومة اللبنانية وجسم الشعب اللبناني الغض الطري، وأيهما ينزع الآخر أو يزيحه أو يسقطه، فيتمنى بقاء هذا المشهد العجيب الجديد على الواقع العربي، أطول فترة ممكنة على الساحات اللبنانية وعلى الشاشات التلفزيونية..
ولم لا..!! مادامت بقية الحكومات العربية قد اعتادت أن يبقى لبنان مسلوب الإرادة السياسية ليبقى مختبر تجارب كثيرة لكل أنواع الحروب والصراعات والمشاكل العربية التي اختزل معظمها عند حدود لبنان وفلسطين في المقدمة وسوريا والأردن في الميمنة، والعراق وإيران في الميسرة، وباقي الشعوب العربية في المؤخرة.
وكل الوطن العربي جزء من لبنان ...!!، أما لبنان فقدره أن يكون بحجم الوطن العربي كله على صغره ...!! ربما لأنه، ولسوء حظه أو موقعه، صمام أمان لدول الجوار العربي ولكافة البلدان العربية، فهو يمتص كل الصدمات والهزات والكدمات العنيفة قبل أن تمتد إليها.
وهو بعد ذالك كان ولا زال وسيظل منتجعا ومستراحا مفضلا لأثرياء الوطن العربي يشدون إليه الرحال ليلا ونهارا ويهيمون في جماله وفتنته طولا وعرضا ....
وأي بلد كلبنان يمتزج فيه الجمال والفن والغناء والأدب والحرب والفتنة والاستجمام والسياسة...!!
مقالة
للتحليل المنطقي في بلد غادره المنطق
من مدونة كاتب أرزاقى