تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : لا نرى لا نسمع لا نتكلم



عبد الله بوراي
01-09-2007, 02:45 PM
نحن هنا على هذه الأرض لم تلدنا أمهاتنا بمحض إرادتنا، وما كنا أصلاً على ساحة الوجود لنطلب من أحد أن يأتي بنا إلى هذه الدنيا. .. إنما هي طبيعة الكون وإرادة الله سبحانه في أن نكون أولا نكون. . أن تستمر بنا الحياة وتملأ بنا الأرض وبأنسابنا بكل أعراقنا وأدياننا وانتماءاتنا. ومهما تنوعت فالأرض لنا جميعاً. والفضاء يعج بأنفاسنا مختلطة بعضها مع بعض، وبأصواتنا الصاخبة والهادئة، بتلك الصور الكثيرة التي تلتقطها عيوننا في اليوم مليارات المرات.. بأفكارنا المشتتة والمتدحرجة مع عواصف الزمن والمتغيرة مع كل خطب جديد، يغرر بنا لينسف منا الثوابت ويبقي على الشعارات والعناوين الغاضبة منا ومن عبثنا بأصولها حسب مصالحنا. كل ذلك يلتقي في الفضاء. . في ذلك الإناء الضخم المتكفل بحفظ تغيراتنا لربما يأتي يوم ونحاسب. نحاسب على ما شاهدناه من أخطاء سكتنا عليها، نحاسب على ما سمعنا من أكاذيب ولم نحاول تصحيحها، نحاسب على كلامنا الكثير اللامنتهي لكن بدون فائدة أو جدوى.
ماذا لو لم نكن مزودين بنعمة البصر. ومن منا فكر لو أن الإنسان مخلوق بغير عيون فكيف له أن يتمتع بجمال وخلق الله؟ وكيف يستطيع أن يتابع حياته العادية دون رؤيته للعالم من حوله؟ وكيف له أن يرى النواحي السلبية في هذا العالم؟ مع أن الكثيرين منا يرونها ويتجاهلون ما رأوه بإرادتهم أو رغماً عنهم لا فرق.
النتيجة أنهم أخلّوا بالوظيفة الحقيقية لنعمة البصر، وحققوا مطالب من فرض عليهم أن لا يروا، فأصبحوا عمياناً لأجل مصلحة غيرهم، فاقدين الأخلاق الحقيقية لنعمة البصر.
يحاولون تعويض خسارتهم للرؤى الإنسانية الجميلة بالسماح لآذانهم ببدء عملها الحقيقي، لكن زوابع الثرثرة أقوى، وعواصف الخطابات أضخم، وهيستيريا الموسيقا المسعورة كفيلة بثقب القلوب قبل الآذان. وكأن الإنسان أصبح في ساحة معركة دائمة مع كل شيء يحيط به، وكأن هناك أشياء تراقبنا وتحاول غرس سمومها فينا عبر أنصالها الكثيرة والمتشعبة كأدوات لتغيير جوهرنا ومسح رأينا فيما نسمع، وذلك بإفراغ أكاذيب هذا العصر الهزيل وإخضاعه للشائعات والأقاويل مستخلصين منها وجبات جهنمية تنال من إنسانيتنا وتجرح ما حفظ لنا الدهر من كرامة وكبرياء وقيم تربينا عليها، ومساع نجهد لتحقيقها. ومع ذلك فإنهم يحاولون تحطيمها ليبنوا مجدهم الموبوء على أنقاض طموحنا وعزيمتنا ضاربين عُرض الحائط ببنيتنا الإنسانية.
لمن نشتكي؟ وهل نعرف أصلًا كيف نشتكي؟ وأي باب يتسع لحزننا ولفراغ عزيمتنا؟ وهل بقي لساننا المنقذ الوحيد لنا من أمراض عصرنا الغريب؟ وهل يحتمل هذا اللسان أطناناً من الكلمات الثقيلة المحملة بالأسى والذل والمطوية على الصمت المطبق؟... لكن الضرورة تدفعنا إلى التحدث والكلام فننطق ونتكلم ونستخدم ما شئنا من أساليب تساعدنا في شرح همومنا، لكن من ولاّهم القدر أن يكونوا مستمعين إلينا بدؤوا يتململون ويشيحون بأنظارهم عنا وكأنه أمر لنا بالتوقف والسكوت عن تلك الترهات، فيصيبوننا من جديد بالإحباط والانكسار والتراجع والخوف لنردد ثلاث كلمات.. لا نرى لا نسمع لا نتكلم.

*براءة نعيم