تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الحقيقة العلمية وتفسير القرآن الكريم



السيد مهدي
02-22-2003, 01:59 AM
تفسير القرآن الكريم والحقيقة العلمية

(ملحق من ملاحق الكتاب الذي نعده للطبع)
------------------------------------

القرآن الكريم- كتاب الله المجيد الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومعجزة الرسول(ص)الحية الباقية ما بقى الدهر، فكلما حل عصر وأندثر ليحل محله عصر جديد،كلما تألق كتاب الله بآياته الكريمة الباهرة الناطقة بالحق والهادية إلى سبل الفلاح والرشاد في كل وقت وكل زمان.

الناس تولد وتفنى، والأحوال تتبدل، وسبل المعرفة للوصول إلى الحقيقة تتطور، والنظريات تطرح ثم تنقض، وكتابنا الحكيم باق على حلاوته وطراوته، فلا معنى للزمن في الحساب القرآني إن طال أو قصر، إن تغير أو تبدل .

ويكفي أن يلقي الإنسان المتعلم نظرة واحدة على كتاب الله ويقارن بينه وبين بقية الكتب السماوية من توراة وإنجيل وبقية ما صنع البشر، وكتب من كتب، مدعيا عصمتها من الضلال والإنحراف، ليعرف ويتبين الفرق الكبير الواضح بين قول القدس وأقوال البشر، وما حفلت به من ترهات وخزعبلات وتوافه يمجها العقل والذوق السليم.

(وبهذا الخصوص نشير على القارئ(المسلم والمسيحي على السواء)بمشاهدة كاسيت المناظرة التلفيزيونية التي جرت بين الداعية المسلم الراحل أحمد ديدات(رحمه الله) والمبشر المبلغ المسيحي جيمي سويكارت ليعرف ويتبين ماذا في الإنجيل الحاضر وما تغير من مادته بتغير طبعاته).

بين الفينة والفينة ترتفع أصوات مخلصة،تحاول بطيبة نفس وقصد شريف أن تدعم المسيرة القرآنية بما توصل له العلم الحديث من نظريات حديثة وإكتشافات باهرة.

ففي مقال نشرته صحيفة صدى المشرق،الصادرة في مونتريال-كندا وكتبه الدكتور يوسف مروة(والذي يعتبر من أنشط العلماء العرب المؤمنين في كندا في الوقت الحاضر(حول)مفهوم القضاء والقدر-أو التقدير-كما يعبر عنه-بين العلم والدين)يقول الدكتور مروة :

3-ليلة القدر ونزول الكتب السماوية:
روي عن أبي ذر الغفاري رحمه الله قال سألت رسول الله(ص): كم أنزل الله من كتاب؟

قال مائة كتاب وأربعة كتب، أنزل الله على آدم عشرة صحف وعلى ولده شيت خمسين صحيفة وعلى إدريس ثلاثين صحيفة وعلى إبراهيم عشرة صحف، وأنزل التوراة والزبور (المزامير)والإنجيل والفرقان وبذلك تكون الكتب الإلهية السماوية قد نزلت على ثمانية أنبياء مرسلين هم: آدم وشيت وإدريس وإبراهيم وموسى وداوود وعيسى ومحمد(ص)في أماكن متفرقة وأزمان متباعدة ولغات مختلفة. فصحف آدم(ع)وولده شيت(ع)وإدريس (أخنوخ) (ع)نزلت باللغة السريانية في أزمان ليس لدينا معلومات تاريخية كافية عن تواريخ نزولها ولاعن محتوياتها وكلها نزلت قبل طوفان نوح(ع)أي قبل حوالي أربعة الآف سنة قبل الميلاد. وأما صحف إبراهيم (ع) فقد نزلت باللغة الأرامية خلال الأعوام 1985 - 1833ق.م. أي طول مدة 135سنة، ويزعم بعض أحبار اليهود أنها موجودة في كتاب القبول المتداول بين علمائهم وأحبارهم وأما التوراة فنزلت على موسى(ع)باللغة العبرانية خلال الأعوام 1250-1330ق.م.أي طول مدة 80 سنة.وأما الزبور(المزامير)(فقد نزلت على داوود(ع) باللغة العبرانية خلال الأعوام 980 - 960ق.م. أي طول مدة عشرين سنة ونزل الإنجيل على عيسى بن مريم(ع)باللغة السريانية خلال الأعوام 25 - 30م. أي مدة 22سنة. والمعروف من الأحاديث النبوية وأحاديث ومرويات الأئمة(ع)أن كل هذه الكتب السماوية قد بدأ نزولها في شهر رمضان وخاصة ليلة القدر.

وفي الكافي عن حفص بن الغياث عن أبي عبدا لله قال سألته عن قول الله عز وجل:
"شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن "فقال أبو عبد الله (ع)نزل القرآن جملة واحدة في شهر رمضان إلى البيت المعمور ثم نزل في طول عشرين سنة ثم قال:
قال النبي(ص):
نزلت صحف إبراهيم في أول ليلة من شهر رمضان وأنزلت التوراة لست مضين من شهر رمضان وأنزل الزبور لثمان عشرة خلت من شهر رمضان وأنزل القرآن في ثلاث وعشرين من شهر رمضان وجاء في الكافي عن يعقوب قال سمعت رجلا يسأل أبا عبد الله عن ليلة القدر فقال أخبرني عن ليلة القدر كانت أو تكون في كل سنة ؟ فقال أبو عبد الله(ع)"لو رفعت ليلة القدر لرفع القرآن". وجاء في الدر المنثور عن إبن عباس قال: شهر رمضان والليلة المباركة وليلة القدر، فإن ليلة القدر هي الليلة المباركة وهي في رمضان إذ نزل القرآن جملة واحدة من الذكر الحكيم إلى البيت المعمور وهو موقع النجوم في السماء الدنيا حيث رفع القرآن ثم نزل على محمد (ص) بعد ذلك وقال الله تعالى : "وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع "الطور- 5

4-أحداث ليلة القدر على ضوء العلم :
نقدم في هذه العجالة محاولة متواضعة علمية لتفسير أحداث ليلة القدر الكونية إذ إن المفاهيم العلمية في وقتنا الحاضر أخذت تقترب وتنسجم مع المفاهيم الدينية التي إنطوت على الكثير من المؤشرات العلمية كما وردت في النصوص القرآنية، فنظريات المقدار والنسبية وما تفرع عنها في هذا العصر من أفكار وأراء ونظريات وفرضيات حول الثقوب السوداء(Black Holes ) (والرقيب الكوني )( والعوالم المتوازية ) (عوالم الغيب والشهادة والأنفاق الزمكانية الكونية ) (ونور الأنوار) (السريعات أو تجمعات الطاقة الأسرع من النور....الخ).مؤشرات قرآنية تنطبق على ما كشفت عنه البحوث الفيزيائية والفلكية الحديثة. وقد ساعدت هذه النظريات والبحوث على إقامة جسر فكري يربط بين المفاهيم الدينية الإسلامية والمفاهيم العلمية الطبيعية في هذا العصر.
والملاحظ إن إثر وإنعكاسات أحداث ليلة القدر لا تتعلق بالكائنات العاقلة المكلفة بالعبادة من الأنس والجن وسواهم من سكان الكواكب الأخرى فحسب بل تتعلق بكل أنواع المادة الكونية المخلوقة. ليلة القدر تمثل الدورية الكونية (وذلك لأنها تتوالى بصورة دورية مرة في كل سنة قمرية أرضية) حسب قوله تعالى:
الله يبدؤ الخلق ثم يعيده ثم إليه ترجعون -الآية 11-سورة الروم
يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده- آية 104سورة الأنبياء.
ويلاحظ في بعض الحسابات أن السنة الأرضية تعادل خمسة أجزاء من مليون جزء من الثانية الآلهية. وإن أبحاث الفيزياء الكونية الحديثة وجدت أن أحداث الخلق والتخليق في المادة الكونية الأولية عند بداية خلق الكون من الذرة الأولية كانت تقدر بأجزاء من الثانية الأرضية صغيرة جدا جداً تسمى لحيظات واللحيظة عبارة عن جزء من مليار مليار مليار مليار مليار جزء من الثانية أي جزء من واحد وإلى يمينه 45صفراًمن الثانية ومعنى ذلك أن الله تعالى يخلق ويقدر الأحداث بمعدل مليار مليار مليار مليار حادث في كل ثانية أرضية كحد أدنى فهل يستطيع أي كمبيوتر في العالم أن يحسب الأحداث التي تقدر في مدة 6ساعات من ليلة القدر أي 31600ثانية أرضية فليتأمل المؤمن بقدرة الخالق وعظيم أفعاله وهذا بالضبط ما أنطوت عليه الآيات الكريمة التالية:
1(-وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض وما في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين-يونس الاية 61)
2- قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدادا-سورة الكهف الآية 109.
3- ولو أن ما في الأرض جميعا من شجرة أقلام ، والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفذت كلمات ربي إن الله عزيز حكيم سورة لقمان الآية 27.
وكلمات ربي هي الأحداث الكونية والكائنات المخلوقة والأشياء والأمور الحادثة بأمر الله التكويني في الكون. ومن أحداث ليلة القدر إن القدرة الآلهية المطلقة تتجلى (خلال لحظة زمنية قصيرة لا يعلم توقيتها ومقدارها إلا الله(مباشرة دون حجاب للكائنات المخلوقة في حيز المتصل الزماني الكوني وهذا المتصل )(هو التمثيل الرياضي للكون الماثل أمامنا في السماء الأولى)حسب التعبير القرآني(ويمتد هذا المتصل على قطر طوله 37مليارسنة ضوئية)السنة الضوئية هي المسافة التي يجتازها الضوء في سنة كاملة بسرعة 300ألف كلم في الثانية، وتعادل مسافة 9468ملياركلم(أي أن قطر السماء الأولى يبلغ 320ألف مليار كلم، ويضم مئة(مائة) مليار مجرة وكل مجرة تحتوي على ثلاثة ألآف مليار نجم، بعضها كشمسنا وبعضها أكبر وبعضها أصغر، فيكون مجموع نجوم السماء الأولى حوالي 300ألف مليار مليار نجم ويبلغ عمر الكون القائم في السماء الأولى حوالي 20مليارسنة.ويبلغ وزن مادة هذا الكون حسب تقديرات علماء الفيزياء الكونية حوالي 570مليارمليارمليار مليارمليار مليار طن متري. وتستجيب أثناء تجلي القدرة الآلهية المباشر كل الكائنات المخلوقة) ماعدا المخلوقات المكلفة الواعية ذات الإرادة الحرة الأنس والجن(للآمر الإلهي فتتحرر من الخضوع المباشر وغير المباشر للنواميس والقوانين الطبيعية لتنجذب وتخضع خضوعا كاملا ًمباشرا) طوعا أو كرهاً(للقدرة الإلهية. وتتحول خلال لحظة زمنية قصيرة كل أشكال المادة الكونية المخلوقة)المرئية واللامرئية(على طاقة تتذبذب وتهتز متوالية في المستوى الفوقصف )(من طيف الطاقة الصوتية بحيث لا تستطيع الأذن البشرية سماع هذه الذبذبات وتتماوج في مستوى الأشعة الكونية من طيف الإشعاع الكهرطيسي بحيث لا تستطيع العين البشرية رؤية تلك التموجات النورانية الخفية ذات التواكل العالي الدرجة، والطول الموجي المجهري في صغره. وهي بذلك تؤدي صلاة وتسبيحا كونيا خالصا للخالق عز وجل.
ويواصل الدكتور مقاله كما جاء في الحلقة الثالثة :
والمعروف أن العلم قد توصل منذ عام 1988فقط إلى تعيين حدود الكون الأول أو السماء الأولى، وأطلق علماء الفيزياء الكونية إسم "الجدار الأعظم") ( وعلماء الفيزياء الفلكية إسم "الجاذب الأعظم") (على الفضاء الفاصل بين السماء الأولى والثانية.
إنتهى ما كتبه الدكتور يوسف مروة.

للبحث صلة

السيد مهدي
02-23-2003, 12:18 PM
نتابع إخوتي الكرام البحث:
-------------------------------

وأصحاب هذه الأصوات(وقدمربناكلام الدكتور مروة) يهدفون بذلك إلى إثبات تطابق التطور العلمي مع النص القرآني، متخذين من الدعوة القرآنية إلى التفكر والحث على طلب العلم حافزا ًلهم.

ألم يقل عزمن قائل في أول سورة نزلت من كتابه الكريم:
إقرأ بسم ربك الذي خلق(1) خلق الإنسان من علق(2)إقرأ وربك الأكرم(3) الذي علم بالقلم(4)علم الإنسان مالم يعلم(5 ) سورة العلق

ففي هذه الآيات الكريمة بيان واضح بأن العلم(وهو هبة الله للإنسان) والتعلم، لهما المكانة الرفيعة والتأكيد المستمر في قرآننا الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فيجب أن يوظف العلم لدعم المسيرة القرآنية وبيان ما في القرآن الكريم من علوم ومعارف،سبق القرآن العلم في الفصح عنها وذكرها وإذا قبلنا توظيف العلم لدعم القرآن!

هل العكس يصدق أيضاً؟

وبكلمة أخرى هل يدعم القرآن العلم في مسيرته الطويلة الحافلة بشتى صنوف المعرفة وإكتشاف الحقائق ؟
إذ مادام العلم والقرآن لا يتناقضان ويتماشيان جنباً إلى جنب، لماذا لا تكون العلاقة متبادلة بين الإثنين!!
كل يدعم الآخر؟

وكمثال: فهذا القرآن الكريم ومنذ أكثر من 1400 سنة يوضح بأجلى بيان:

(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) سورة الروم الآية 41

وهذه نتائج العلم الحديث، وما توصل له العالم اليوم كحقيقة شاخصة، بأن البر والبحر أصبحا بؤر وخزانات لتكدس النفايات ومخلفات الصناعة،من جراء جشع الإنسان وسوء إستعماله لنعم الله !
أليست هذه حقيقة ذكرها القرآن منذ زمن بعيد، سابقاً بذلك نتائج العلم الحديث ؟

ومع نبل الهدف الذي يطمح له البعض في ربط القرآن بالعلم الحديث، لكن الربط بين نتائج العلم الحديث وبين آيات القرآن الكريم، ينطوي على مزالق ومخاطر يجب تجنبها والإبتعاد عنها صونا ًلكتاب الله من العبث والتفسير بالرأي .

وفي هذا الملحق نحاول تسليط الأضواء على المنهج الصحيح الذي يقره الإسلام في فهم الآيات القرآنية الكريمة وتفسيرها.

اللغة القرآنية في التخاطب :
---------------------------

نزل القرآن الكريم بلغة عربية واضحة مفهومة حتى للقارئ العادي،إذ لا لبس ولا غموض في المحكم من آياته الكريمة، والتي تتسلسل في إسلوب بياني رائع وواضح جداً، وفي نفس الوقت تستبطن بلاغته أعمق المعاني والحقائق الربانية كقوله تعالى :
إياك نعبد وإياك نستعين(4)إهدنا الصراط المستقيم(5)..سورة الفاتحة
أي نعبدك ونستعين بك، فإرشدنا إلى الطريق التي لا إعوجاج فيها.
هذا هو ظاهر الآية الكريمة ومنطوقها الواضح الذي يدعو البشر إلى عبادة الله وطاعته والإتكال عليه في الهداية إلى السلوك الحق!! وكفى!!.

وكقوله تعالى :
ونفسٍ وما سواها(7) فألهمها فجورها وتقواها(8) قد أفلح من زكاها(9) وقد خاب من دساها(10) ..سورة الشمس

أي إن الله جل وتعالى خلق وسوى النفس البشرية فأودعها إمكانية عمل الخير وإمكانية عمل الشر فمن زكى النفس عن عمل الشر وقصرها على عمل الخير فقد فلح والعكس بالعكس.
هذا ما نفهمه ويفهمه كل عربي فصيح اللسان من ظاهر الآيات الكريمة الواضحة في إسلوبها البلاغي الرائع، وكفى!!.

إعمال الفكر والتدبر في القرآن :
------------------------------------
لو أردنا إعمال الفكر والتدبر في إستكشاف الحقائق المستبطنة في آيات القرآن الكريم، لوجدنا القرآن الكريم نفسه يدعونا بل يحثنا على ذلك بقوله عزمن قائل :
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب إقفالها(24) .سورة محمد (ص)
أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافا ًكثيراً(82) سورة النساء.
يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون((219) سورة البقرة .
وغيرها من الآيات الكريمة التي تشجع وتحث على التفكر والعلم.
فالعينة السابقة من الآيات الكريمة تدعو إلى التدبر والتفكر في فهم القرآن الكريم وسبر أغوار الحكمة الربانية المودعة في كتابه.

فيجب أن نفهم ما نقرأ ونتدبر في كل ما ورد وجاء في كتاب الله.

ولكن هنا تبرز مشكلة من أخطر المشاكل! وهي مشكلة الذات وإحتمال تسربها وطغيانها على الموضوع، فنكون بذلك قد خرجنا من الموضوعية إلى الذاتية، وهذا ما يخبرنا به القرآن الكريم، وأيضا ًما يحذرنا منه الخبير العليم. في سورة العلق فبعدما تخبرنا الآيات من(1) إلى(5) كما مر بنا أعلاه من سور العلق، عن دور العلم الذي يهبه الله لنا، يخبرنا ويحذرنا الباري عز وجل في الآيات اللآحقة من نفس السورة بقوله عزمن قائل :
كلا إن الإنسان ليطغى(6)إن رآه إستغنى(7) إن إلى ربك الرجعى(8) سورة العلق .

وهذه الآيات الكريمة واضحة جدا ًفي إسلوبها التحذيري المخبر عن المستقبل وما فيه، والذي يشرح النفس البشرية وطموحاتها وتقلباتها، بعد الإزتزادة من العلم والغنى، بالطغيان والتمرد،ثم تواصل تحذيرها بتذكير الإنسان بأن رجوعه في النهاية إلى الله الواحد القهار.

فبعد أن نوه الله سبحانه عز وجل بموهبة العلم الذي علمه الله للإنسان،حذر من الشطط في الإعتماد عليه،مذكرا ًالإنسان بأن رجوعه إلى المصدر الذي علمه السلاح الذي سبب طغيانه وتفرعنه، وهو الله،رب الأرباب.

ولهذا دعى أهل العلم والدراية من المسلمين إلى معالجة هذه المشكلة ودرءاً لها برز ما يسمى بعلم التفسير حيث حدد منهج معين للمفسر(وهو الإعتماد على ما ورد صحيحاً في السنة الشريفة من قول المعصوم وفعله وتقريره في فهم الآيات الكريمة). كما إشترطوا للمفسر شروطاً في مبلغ علمه ومدى صلاحيته وإلمامه بما يقارب ستة عشر علماً. منها علوم اللغة العربية،كعلمي الصرف والنحو والأدب العربي، والعلوم البلاغية مثل البيان والبديع وعلم أوزان الشعر(العروض)، وعلوم الحديث مثل الفقه والفقه المقارن والدراية وعلم الرجال، وعلمي الجرح والتعديل، وعلم منطق الفقه أو(علم الأصول)،والعلوم الكلامية الإستدلالية مثل المنطق والفلسفة، والعلوم التاريخية،مثل علوم أحوال الدول والممالك الإسلامية في حقبها التاريخية المختلفة، وبقية العلوم الإنسانية الأخرى،مثل الإجتماع والنفس والإقتصاد والسياسة ..الخ .

وهذه الكثرة الكاثرة من العلوم أستوجبها العلماء حفظاً لكتاب الله من أن يتلاعب به مدعي العلم والجهال الذين لا نصيب حقيقي لهم من العلم والمعرفة وقد أستندوا في ذلك إلى قوله تعالى كما في الآية(7)من سورة آل عمران :
(هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وإبتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب).
والراسخون في العلم هم الذين توجب عليهم الإلمام بتلك القائمة الطويلة من العلوم.

وإذا كان هذا غير متيسرا ًلغير الملمين والمتخصصين بتلك القائمة الطويلة التعجيزية من العلوم والمعارف التي تتشعب وتتنوع في مجالاتها وإختصاصاتها..الخ

فهل يعني إن تدبر القرآن مقصور على العلماء فقط ؟

والجواب:كلا. التدبر واجب على كل من له قابلية التدبر وإعمال العقل.

وهنا نكون قد وصلنا إلى طريق مسدود!!

عليك أن تلم بأكثر من عشرة علوم لتتأهل لتفسير آيات الذكر الحكيم، وهو غير متيسر لك، وفي نفس الوقت أنت مدعو للتدبر في القرآن وآياته !!.

وهناك باب للخروج من هذا المأزق والطريق المسدود، ولكن هذا الباب موصد بخطر تسرب العنصر الذاتي وتفسير القرآن بالرأي .

للبحث صلة

السيد مهدي
02-25-2003, 03:02 PM
تابع البحث إخوتي:

محاولات ربط القرآن الكريم بنتائج العلم الحديث :
---------------------------------------------------------

هناك ممن بهرتهم المكتشفات العلمية الحديثة، فحثهم شعورهم الإيماني النبيل إلى التوفيق بين النصوص القرآنية وما توصل له العلم الحديث من نظريات وإستنتاجات، فأندفعوا إلى التأكيد على مطابقة نصوص القرآن الكريم للحقائق العلمية.

(وقد مر بنا مقال الدكتور يوسف مروة)

ورغم إيماننا الشديد بنبل ووجاهة هذا التوجه.نرى من واجبنا التحذير من الإعتماد على العلم الحديث كثيراً، وخاصة ًالنظريات العلمية الحديثة،إذ بعد كل إكتشاف علمي جديد، يضطر العلماء إلى إعادة صيغ أفكارهم عن الكون والإنسان والمجتمع.

في حين إن الفكر القرآني فيما يخص الكون والإنسان والمجتمع ثابت لا يتغير.
(كلكم لآدم وآدم من تراب)هذا هو فكر القرآن،سواءا ًبرهن العلم على صحة نظرية دارون أو أثبت خطأها، وما يريدنا الباري عز وجل أن نفهم من هذا المبدأ هو أصل الإنسان وتساويه في الحقوق دون أي إعتبار آخر.

فالجهد الذي يبذل للدفاع عن حيوية الإسلام وصلاحيته لعصرنا الحاضر، جهد موفق وممدوح ويثاب صاحبه عليه، ولكن ربط التطور العلمي المادي بآية قرآنية غير صحيح وخطأ كبير،إذ تترتب عليه آثار جعل القرآن كتاباً مرحليا،صالحا لزمن الحقيقة العلمية الحاضرة، ولا ندري ماذا سوف يكشف العلم قريباً.

وهناك أمثلة لمحاولات عديدة حاول أصحابها ربط الآيات القرآنية بالعلم :
--------------------------------------------------------------------
فقد حاول بعض الكتاب في بداية هذا القرن تفسير السموات السبع بالكواكب السيارة، في منظومتنا الشمسية وهي الشمس، عطارد، الزهرة، الأرض، المريخ، المشتري، وزحل(قبل إكتشاف بقية السيارات الثلاث الأخرى أورانوس ونبتون وبلوتو). (راجع كتاب هبة الدين الشهرستاني الإسلام وعلم الهيئة (
ثم جاء آخر ليصحح له هذا الإستنتاج ، قائلا ًبأن القراًن موجه لأهل الأرض، والأرض غير السماء،لذلك يجب أن تستبدل الأرض بالقمر، بإعتبار إن كل ما علا رأسك فهو سماء .
وجاء آخر ليقول بأن النفوذ من جو الأرض مستحيل بدليل تحدي الباري لنا في الآية القرآنية :
(يا معشر الجن والإنس إن إستطعتم أن تنفذوا من أقطار السموات والأرض فأنفذوا لا تنفذون الإ بسلطان)33) فبأي آلاء ربكما تكذبان(34) يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران(35)...سورة الرحمن .
وجاء آخر ليقول بأن رياضة الجري والإستحمام بالماء البارد بعده للتخسيس وإطالة العمر من حقائق القرآن بدليل الآية :
أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب(42) سورة ص.

وحاول آخر أن يعطي الرقم(19)ميزة علمية بتكرر مضاعفاته في عدد السور القرآنية وعدد الكلمات والحروف و..و..ليخرج بنتيجة تؤكد على إعجاز القرآن وكماله وعدم تلاعب الأيدي البشرية في نقصانه وزيادته .
والعدد(19) مذكور في الآية :لواحة للبشر(27) عليها تسعة عشر(28)سورة المدثر.

ثم جاء آخر ليخطأ المستنتج الأول وتوكيد ه بأن تكرر العدد(19)لا يتبع قاعدة مطردة عن عدد السور أو الحروف أو الآيات ....الخ وبأن المستنتج الأول من طائفة الديانة البهائية والتي تعطي للرقم(19)ميزة خاصة حيث إسبوع هذه الطائفة يساوي(19) يوم وشهرها(19)يوم وسنتها(19) شهر. وشكك بإن إستنتاج الأول في ظاهره دعم للحقيقة القرآنية وباطنه دعم للديانة البهائية التي تعتبر ضربا وتشويهاً للإسلام من الداخل إذ تؤمن هذه الديانة بتطور الأديان مثلما يتطور العلم ولا تؤمن بالإسلام خاتمة الأديان .

ووصلت السذاجة بالبعض إلى التشكيك حتى بنتائج العلم الحديث، مستشهدين بآيات القرآن الكريم لدعم تشكيكهم، فقد شكك وإلى عهد قريب بعضهم بكروية الأرض قائلاً بأن الأرض مسطحة لإن الآية الكريمة تقول:
أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت(17) وإلى السماء كيف رفعت(18) وإلى الأرض كيف سطحت(19) سور الغاشية ...
وهكذا قاد فهم هذا المشكك البسيط الساذج لآيات القرآن الكريم،إلى التشكيك بحقيقة علمية لا يعتريها الشك، ولو تدبر هذا المشكك الجاهل حتى بأبسط قواعد فهم القرآن الكريم وعرف بأن الآية تشير إلى الإبصار والنظر، وهو ما نشاهده من تسطح قطعة الأرض التي ننظر إليها،كما ننظر إلى الجمل وكيف خلقه الله بقوائم أربعة مرتفعة عن سطح الأرض وسنام كأنه قمة جبل ورقبة طويلة وقدم خفية ......الخ .
وإلى آخره من هذه المحاولات التي لا تستدعيها ظرورة ولا تفي بالغرض المرجو عوضاً عن خلقها لمطبات ومشاكل في البحوث القرآنية.

الإشارة إلى المدرك الإسلامي هوالمفتاح المطلوب لفتح الباب الموصد:
---------------------------------------------------------------------------------

ذكرنا بأن الطريق موصد بوجه القاريء العادي والذي يحاول تدبر آيات القران الكريم وهناك سببان لإيصاد هذا الطريق وهذان السببان هما:

1-مخاطر التسرب الذاتي إلى فهم الآيات الكريمة وتفسير القرآن بالرأي .

2-ضخامة المعلومات والمعارف العقلية والنقلية التي يجب أن يلم بها الدارس، قبل الشروع بتفسير الآيات أو فهما كما يجب. وهذا غير متيسر للقاريء العادي.

والطريق الوحيد الذي يمكن سلوكه أو إستعماله كمفتاح لفتح الطريق الموصد، هو الإشارة إلى المدارك الإسلامية بحذر شديد في فهم الآيات من قبل القاريء العادي دون إعطاء حد قاطع.

يحدثنا التاريخ بأن الإمام علي(ع) وبعد حادثة التحكيم في معركة صفين، بعث رسوله عبد الله بن عباس(رض) إلى الخوارج لمحاججتهم وإرجاعهم إلى معسكر الإمام نصحه بقوله :
(يا إبن عباس حاججهم بالسنة النبوية الشريفة وتجنب محاججتهم بالقرآن الكريم. لإن القرآن حمال ذو وجوه إن إحتججت عليهم بآية إحتجوا عليك بآية أخرى).
وعندما نعرف ونعي قول الإمام المعصوم(ع) عن كتاب الله نكون قد عرفنا بأن آيات القرآن الكريم تحتمل أكثر من تفسير ولذلك قرروا:

(بأن المفسر البارع هو من يذكر كل الوجوه المحتملة في تفسير الآية),

وليس هناك حد قاطع إلا في المحكم من آيات الذكر الحكيم.وهذا ما عبر عنه القرآن الكريم :
(هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وإبتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولو الألباب (7) سورة آل عمران.

فلو أردنا أن نتدبر الآية الكريمة :

(و إقصد في مشيك وأغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير(19). ..سورة لقمان

لعرفنا بأن المقطع الأخير من الآية يشير إلى لغة التخاطب، فتدعو الآية إلى التخاطب العقلاني المقبول في خفض الصوت وعدم رفعه بشكل مثير ومقزز للسامع. هذا ما يفهمه القاري ء العادي ويلتزم به كمثال للأدب والخلق الإسلامي الرفيع وكفى.

ولو تعمقنا وتدبرنا أكثر فأختبرنا تأثر القناة السمعية للإنسان عند تعرضها لإصوات مختلفة،وإكتشفنا بأن نهيق الحمار يكون من أكثر الأصوات خدشا ًوإيذاءا ًللسمع بإمكاننا أن نستنتج،بأن هناك مدرك علمي إسلامي في الآية الكريمة تشير له حقيقة فسلجية،دون أن نعطي حداً قاطعاً.إذ ليس بإستطاعتنا أن نفحص كل الأصوات في الطبيعة لنخرج بنتيجة قاطعة،ولا ظرورة لذلك ولسنا مطالبين بشيء من هذا القبيل لأن القرآن الكريم منهج حياة ودستور هداية وليس من وظيفته معالجة بحوث نفسية أو طبية أو فيزيائية .

وفي ضوء ما تقدم، فكل ما نستطيع أن نقوله عن كتاب الله.فيما يخص المكتشفات الحديثة هو:

إذا ثبتت حقيقة علمية بصورة معينة ووجدنا هناك إشارة في مدرك إسلامي يطابق تلك الصورة المعينة إحتملنا (لاحظ كلمة إحتملنا) بأن الحقيقة العلمية تدعم المدرك الإسلامي وليس العكس!!! .
نسأل الله العلي القدير أن يوفقنا للتفقه في كتاب الله وفهمه فهماً صحيحا ًدون تجاوز الحدود التي رسمها لنا الله وهو من وراء القصد.