تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كيف جعلوا العلم اللبناني سروالاً! (سليم الحص)



الحسني
12-16-2006, 07:27 AM
[u:b6e0b28296][color=darkblue:b6e0b28296][size=24:b6e0b28296][align=center:b6e0b28296]كيف جعلوا
العلم اللبناني سروالاً!
سليم الحص [/align:b6e0b28296][/size:b6e0b28296][/color:b6e0b28296][/u:b6e0b28296]


كان يمكن أن يكون التساؤل: كيف أصبح العلم اللبناني معطفاً؟ إلا أن المعطف يستخدم لاتقاء البرد. ونحن قوم لسنا في حاجة إلى اتقاء البرد. فنحن نشكو من شدة الحرارة في عروقنا. ثم إن الرياح التي تهب علينا من الخارج هي عادة رياح ساخنة وليست باردة قارسة.

وكان يمكن أن يكون التساؤل: كيف أصبح العلم اللبناني سترة؟ إلا أن السترة تُرتدى عادة استكمالاً للهندام. ونحن قوم هندامنا لا يكتمل بسترة فيما نحن نجعل من التشمير عن زنودنا، في الأوقات غير المناسبة، ديدناً. وفي هندامنا تختلط الألوان: اللون الأميركي مع اللون الإسرائيلي وفي المقابل اللون السوري واللون الإيراني واللون العربي المتعدد المشارب.

فجعلنا من العلم اللبناني سروالاً لأن السروال يستر العورات، ونحن في حاجة ماسة إلى ستر عيوبنا وعوراتنا.

عورات الحكومة هي معروضة تحت الأضواء الأميركية الكاشفة. نسمع يومياً إطراءً غير بريء من مسؤولين أميركان لرئيس مجلس الوزراء الأستاذ فؤاد السنيورة وحكومته، وذلك على شتى مستويات المسؤولية في الإدارة الأميركية، ابتداءً من الرئيس جورج دبليو بوش، مروراً بوزيرة خارجيته السيدة كوندليسا رايس وانتهاءً بالمندوب الدائم الراحل في الأمم المتحدة الصهيوني جون بولتون. في ظل التحالف المشؤوم لا بل التماهي
في المواقف بين أميركا وربيبتها إسرائيل، لو كنت في الحكم في لبنان لما ارتضيتُ دعماً أميركياً للحكومة على هذا الوجه السافر والمتكرّر وغير المسبوق في تاريخ لبنان.

والعورة الأميركية تبدو فاقعة عندما يدخل صهاينة إسرائيليون على الخط ليعربوا عن قلقهم على وضع حكومة لبنان ومصيرها. وليس ذلك غريباً، فليس بين اللبنانيين من يستطيع التفريق بين ما يسمى سياسة أو استراتيجية أميركية في المنطقة وسياسة أو استراتيجية إسرائيلية. فهما متطابقتان حتى في التفاصيل. وطوال حرب تموز 2006 كان واضحاً أن الحرب كانت تشن على لبنان من إسرائيل بمشاركة سافرة من الدولة العظمى. وقد اتخذت المشاركة الأميركية أشكالاً متعددة: سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً (تسليحياً)، وقد عبّرت الدولة العظمى عن دورها داخل الأمم المتحدة وخارجها عبر مواقف سياسية معلنة.

وعورة الحكومة سُلّطت عليها أيضاً أضواء فرنسية باهرة، بإدارة الرئيس شيراك مباشرة.

والعورة الحكومية يخفيها فريق من اللبنانيين بطلاء من الدستورية أو القانونية فلا يرى جانب الشرعية منها، وليس هناك من استطاع أن يوفق بين دعوى دستورية الحكومة ودعوى لا شرعيتها بوجود نص في مقدمة الدستور يقضي بأن لا شرعية لسلطة تناقض ميثاق العيش المشترك.

ولكن السؤال الكبير يبقى: ما العيب في انكشاف عورة الحكومة في مجتمع من العراة، بالمعنى السياسي طبعاً؟

فبين اللبنانيين فريق لا يخفي علاقته الطيبة مع سوريا فيما سوريا تتحفظ على المحكمة الدولية في مذكرة ترسلها رسمياً إلى الأمم المتحدة. ولا ينفي هذا الفريق علاقته الوطيدة مع إيران التي تصادم الدولة العظمى على أرض لبنان. وهي تجهر بذلك.

وهناك فريق يتسلح بقوة الأكثرية النيابية، فتنكشف عورته إذ يبدو جلياً من التظاهرات الشعبية العارمة التي غصت بها ساحات العاصمة وشوارعها أن الأكثرية النيابية لا تملك بالضرورة الأكثرية الشعبية في الشارع. فلا يسع المواطن اللبناني، المطوّق بالعيوب السياسية، إلا أن يسبّح بحمد النظام الانتخابي المعتلّ الذي أنجب هذا المشهد من التعارض بين التمثيل النيابي والتمثيل الشعبي. ويسمى ذلك ديموقراطية!!

وضمن فريق الأكثرية النيابية من لا يستطيع أن يخفي عورته وهو مثقل بأحكام قضائية في جرائم قتل، كما هو مثقل بشبهة العمل على كنتنة لبنان على قواعد طائفية. وسواه من هذا الفريق لا يستطيع أن يخفي عيبه إذ يناصب دولة شقيقة مجاورة العداء، فيرميها بكل صنوف الاتهامات مستبقاً نتائج أي تحقيق، وهو كان لسنوات طويلة ذيلاً من أذيال أجهزتها الاستخباراتية. وفي سياسته المتقلبة يحتمي بدرع مذهبية فاجرة.

وبين هذا وذاك زعيم جعل المذهبية مطيّة إلى العلى، وأدرك أن له أذنين اثنتين، فأعار إحداهما لصاحب السجل العدلي الحافل وأعار الثانية إلى المهاجر من الاستزلام لشقيق إلى تحميل ذلك الشقيق كل رزايا المرحلة. ولعله يملك أذنين إضافيتين غير مرئيتين: واحدة يعيرها إلى الرئيس الفرنسي شيراك والأخرى إلى دولة عربية. هكذا تميّز الزعيم بعيب مركّب ومتشعب لا نظير له.

وبين سائر الزعامات مَن عوراتهم السياسية تتحدث عنهم ببلاغة ما بعدها بلاغة. وبينهم من له سجل حافل في الإجرام إبان الحرب اللبنانية القذرة التي استدامت نحو خمسة عشر عاماً، وكذلك في الضلوع في الفساد الذي طبع أداء الحكم منذ تلك الحقبة، فكانت عوراته على هذا الصعيد وذاك سلّماً تسلقها إلى أعلى مراتب الهيكل.

كل هذه العورات السياسية يحرص أصحابها هذه الأيام على إخفائها تحت العلم اللبناني الخافق.

كل يتظاهر ضد الآخر، والكل يستر عيوبه برفع العلم اللبناني مرفرفاً فوق رأسه.

هكذا أصبح العلم اللبناني سروالاً لستر العورات. ولكنه في واقع الحال رداء شفاف. فالعورات والعيوب تبقى، عبر النسيج الشفاف، واضحة وضوح الشمس أمام الناظرين.

ولكن العيوب لا تضير صاحبها في بلد ضاعت فيه معايير المساءلة والمحاسبة أو كادت في كل مجال وعلى كل صعيد. عاشت الديموقراطية ولو زائفة.