تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : 1427/2006 سنة عصيبة خصيبة (للمناقشة)



الحسني
12-14-2006, 10:40 AM
[b:e261606d62][u:e261606d62][color=darkblue:e261606d62][size=24:e261606d62][align=center:e261606d62]1427/2006 سنة عصيبة خصيبة
راشد الغنوشي[/align:e261606d62][/size:e261606d62][/color:e261606d62][/u:e261606d62][/b:e261606d62]

سنة كانت أحداثها من الضخامة أن مثلت بداية النهاية للزمن الأميركي وبداية لزمن متعدد المسارات لم تحدد وجهته، هو بالتأكيد تعددي يفتح آفاقا في وجه فعل أمم أخرى منها أمة الإسلام.

لقد سقطت الولايات المتحدة في فخ العراق كما قال كوفي أنان وغدت الهزيمة أمرا مفروغا منه ولم يبق غير الاعتراف (الحياة 25/11/2006).

وبلغ وقع الهزيمة على صناع السياسة في الولايات المتحدة أن صرح ريتشارد هاس عضو مجلس العلاقات الخارجية الأميركي "لقد انتهت الحقبة الأميركية بالشرق الأوسط بعد قرنين من حملة نابليون على مصر وبعد 80 سنة من انهيار السلطة العثمانية وبعد نصف قرن من طي صفحة الاستعمار الإنكليزي الفرنسي وبعد أقل من عقدين من انهيار الاتحاد السوفياتي، فكانت المنطقة ساحة لنزاعات داخلية وخارجية. والآن مال ميزان القوة إلى الداخل.. لقد فشلت أنظمة المنطقة في التصدي للتشدد الإسلامي.. وسهّلت على هؤلاء الحصول على أسلحة متطورة ونشر الأفكار وتجنيد الشباب وحولت وسائل الإعلام العالم العربي قرية إقليمية مسيسة، أسهم كل ذلك في أفول النفوذ الأميركي، معالم الشرق الأوسط الجديد لا تزال مبهمة" (فورن أفيرز 12/11/2006).

ولأن الإسلام وأهله هم عموما واقعون في طليعة قوى الداخل المعارضة غير المعترف بها غالبا بل تدور عليها رحى الآلة الأميركية والقوى الدائرة في فلكها، خاصة الكيان الصهيوني، فإن اتجاه الريح رغم كل ما تثيره من غبار وتقتلعه من أشجار وتحدثه من أضرار تهب في غير صالح قوى الهيمنة ومن والاها بل لصالح قوى المعارضة.

قوى المقاومة والممانعة بكل اتجاهاتها وعلى رأسها قوى الإسلام وسائر القوى الشعبية والدول المتضررة من الهيمنة الأميركية من روسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي إلى دول أميركا اللاتينية التي أخذت تتنفس الصعداء وهي ترى العملاق الأميركي وحليفه الصهيوني يتخبطان وتسيخ أقدامهما في عمق الأوحال، بما يجعل استمرار النزيف فوق الاحتمال (كما كشفت الانتخابات الأميركية الأخيرة) والانسحاب تسليما بالهزيمة وخيم العواقب إلى حد الكارثة والإعلان عن انتهاء إمبراطورية الأميركية على خطى سالفاتها.

رغم أن السنة الهجرية والميلادية المنحدرة شمسها إلى المغيب سنة عصيبة على الأمة اشتدت عليها فيها وطأة الهيمنة الدولية وعملائها فسالت دماء المؤمنين سواقي وبالخصوص في العراق وفلسطين وأفغانستان ولبنان والشيشان.. وظلت سجون الأرض مزدحمة بدعاة الإسلام لا تكاد تغادرها مجموعة حتى تحل محلها أخرى، وذرّ فيها أعداء الإسلام في الداخل والخارج بقرونهم الشيطانية، كما اشتدت فيها القبضة على الأقليات المسلمة "وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق"(4 : غافر).

فتتالى تراجع الحقوق والحريات بذريعة التصدي للإرهاب وتعرض الإسلام عقائد وشرائع ورموزا ومؤسسات تعليمية وإغاثية.. لحملات صليبية لم يعد صدورها مقتصرا على صحافيين وكتّاب بل شمل المستويات العليا من طبقات الحكم والدين، لم يتردد في الإسهام فيها حتى رؤساء دول ورؤوس ديانات وحتى شخصيات منتسبة للإسلام.

وإن ما تعرض له الحجاب من حملات من قبل دول غربية و"إسلامية"، ناهيك بالنيل من مقام رسول الإسلام عليه السلام استفزازا، بعض ذلك الاستهداف.

غير أن الصورة قد تتعدل كثيرا لو أننا نظرنا إلى كأس هذه السنة من جانبه الملآن، إذن لن نكون مخطئين إذا اعتبرناها بداية مبشرة بموسم الحصاد لقرنين من التجديد والإصلاح والمقاومة للحملات الغربية التي تتالت على ديار الإسلام وانتهت منذ أكثر من نصف قرن إلى طرد الوجود العسكري من عامتها، عدا مواقع قليلة هي اليوم واقعة تحت الرمي، غير أنه ما كادت أيام أعراس الاستقلال تنقضي، حتى أدركت الأمة أن الجراد ترك وراءه فراخه التي ما لبثت أن عششت في الحقل واستبدت به وأخذت تعمل فيه تصحيرا.

فكان لزاما أن يتعمق مشروع المقاومة والتجديد ولا يكتفي بالتصدي للوجود العسكري بل يولي مشروع الهيمنة في مختلف أبعاده الفكرية والاقتصادية والحضارية اهتماما أكبر، مستوعبا في الوقت نفسه ما ثبت نفعه من فكر وتجارب الحداثة على شرط الإسلام ولمصلحته.

وهكذا ظلت الأمة تكافح على واجهتين أساسيتين واحدة تتصدى فيها للوجود العسكري الغربي المستمر أو العائد، وكان كسبها على هذا الصعيد رائعا بحكم الظهور والتميز السافر للعدو واستمرار توهج روح الجهاد والاستشهاد في الأمة بل تعاظمه واستشرافه مستويات غير مسبوقة (العمليات الاستشهادية، اقتحام النساء مسجدا في بيت حانون بقيادة النائبة الحمساوية السيدة جميلة الشنطي، بينما كانت الدبابات تحاصر عشرات الشباب المجاهد للقضاء عليهم فنجحت بفضل الله مغامرتهن الفدائية في تحريرهم بعد وقوع عدد منهن شهيدات وجريحات، ومن ذلك إقدام مئات من المتطوعين الفدائيين على إقامة درع بشري فوق وحوالي بيت لحمايته من إنذار إسرائيلي بنسفه.. ومن ذلك إقدام عجوز تدلف إلى الستين فاق عدد أولادها وأحفادها العشرين على عملية استشهادية وسط عدد من جنود الصهاينة.

ولا تقل أهمية هذه الإبداعات بل تفوقها فدائية المرأة المسلمة عموما خاصة الفلسطينية في أداء وظيفة الأمومة النبيلة إنجابا وافرا للذرية وتربيتهم، مقابل عزوف العلمانية عن هذا الشرف تمحورا حول ذاتها ولذاتها, إنه جيل مبدع قد أحسن معلموه تسليحه بالإيمان والعلم وما تطاله الأيدي وتصنعه من الأدوات مثل صاروخ القسام الذي بدأ مشروعا بسيطا مثارا للسخرية أحيانا وانتهى كابوسا مقضا لمضاجع قادة وجنود "الجيش الذي لا يقهر".

وفي هذا الصدد كانت إبداعات مجاهدي حزب الله وإبداعات المقاومة الشريفة في العراق كان وقعها على المحتلين أشد من وقع الزلازل، قدمت فرصا عظيمة لكل الشعوب المغلوبة وللحكومات المذعورة من التهديد الصهيوني والأميركي أن ترفع الرأس وتمانع وتحتمي بالمقاومة بدل أن تضغط عليها وتتاجر بها لصالح العدو، ليتها تتحرر من نفسية المغلوب وهي تحكم شعوبا بهذه العظمة.

أما الكفاح على الجانب الثاني وهو الذي يستغرق معظم جهد الأمة فمتجه أساسا إلى استعادة سلطان الأمة وترويضه وتأنيسه بعد توحش وشرود، حتى يكون بأسه لها لا عليها، وممثلا لها لا بها ولا عليها، كما هو واقع.

تلك هي العقبة الكؤود التي تصدى لها المصلحون منذ القرن التاسع عشر، وضع حد لحكم الإطلاق لصالح حكم القانون العادل، من طريق الإفادة والاقتباس مما ثبت نفعه من تجارب الحضارات الأخرى، فأمكن للمصلحين أن يجدوا للفكر الديمقراطي الحديث ومبادئ حقوق الإنسان أساسا متينا في قيم الإسلام قيم الشورى والعدل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة والبيعة والإجماع والاعتبار بالمصلحة والمقصد.

ولقد أثمرت هذه الجهود تنامي التوجه في الصف الإسلامي صوب الانضواء تحت المطلب الديمقراطي واعتباره أولوية ومدخلا لكل إصلاح، فكان من أثر ذلك تعزز المطلب الديمقراطي، وما يقتضيه كل ذلك من إعادة ترتيب صفوف الأمة واستعادة الإجماع والتوحد بين مذاهبها وفرقها وأحزابها وأجناسها ودولها، والتصدي للفتن المتصاعدة خاصة فتنة نار الحرب المستعرة في العراق خاصة بين السنة والشيعة، وكأن الواحد منهما يكتشف عقائد الآخر لأول مرة. إنه الجهل والتعصب والتخلف. مما جاء الإسلام للتحرر منه.

قلنا إن الصورة ستتعدل كثيرا لو نظرنا إلى الجانب الملآن من كأس هذه السنة، سنرى فيها بداية الحصاد، بعد انهيار مشروع الهيمنة الأميركي على المنطقة سبيلا للهيمنة على العالم، المشروع الذي انطلق في حرب الخليج 1991 وشهد أوجه في أعقاب سبتمبر/ أيلول 2001 واحتلال أفغانستان فالعراق. وفي سياقه استعاد الكيان الصهيوني احتلال الضفة وغزة وجاء الهجوم على لبنان صيف هذه السنة.

يأتي كسب هذه السنة من موردين، ما ربحنا وما خسر أعداؤنا في معركتهم معنا أو مع قوى المقاومة لهيمنتهم في العالم وقوى الإسلام في طليعتها. فماذا ربحنا وماذا خسروا، مما هو معدود في خانة أرباحنا؟

إنهم لم يخسروا في الميدان آلاف الجنود ومئات المليارات بل أعظم من ذلك خسروا رأس مال كل إمبراطورية بل كل دولة: القوة المعنوية والأخلاقية والهيبة، فلم يعد أحد بعد بوغريب وغوانتانامو والمجازر اليومية يصدق دعاواهم!

وهو بعض انعكاس لثقافة العولمة وارتفاع مستويات العلمنة تفككا عقديا وخلقيا ومجتمعا وتمركزا حول الذات والرغبات.

مقابل ذلك يشهد الإسلام وهو الميزان الذي يقاس إليه وضع الأمة حال صحوة عامة، فيتعاظم ويزيد ولا ينقص كمّا وكيفا. وأرقام الحج والعمرة مثلا تشهد على ذلك، فكل سنة تحطم الرقم القياسي السابق عليها. عدد المصلين والصائمين والتالين لكتاب الله وحاملات الحجاب كله في ازدياد، وكذا نسبة الاهتداء إلى دين الله وتمدد الإسلام في الجغرافيا بما فاق أي طور سابق من تاريخ الإسلام، رغم كل الحملات وربما بسببها أيضا.

كما يمتد الإسلام في المعنى، فيبسط ظله على كل مجالات الفكر والثقافة وهموم الناس، بعد انكماش في كل ذلك خلال خمسة قرون. المهندس الفلسطيني على جبهة المقاومة أو اللبناني أو العراقي يملك نفس أدوات المعرفة التي يملكها عدوه في الجبهة المقابلة ويتفوق عليه بالتأكيد في عالم المعنى والاستعداد للتضحية. وهو وضع جديد في الأمة.

* لقد تحقق في هذه السنة المباركة -على آلامها- أكثر من اختراق نوعي على صعيد الانتخابات، دلت بوضوح مفزع للأعداء انهيار المشروع العلماني التغريبي في المنطقة، حصل اختراق هام جدا في فلسطين حيث قلب الصراع الدولي وحيث ثبت منذ ابتليت الأمة بهذا الخنجر الذي غرز في قلبها أنه لا راحة ولا استقرار ما استمر، وهو ما جعل لواء القيادة في الأمة ينعقد لكل من يتقدم لحمل هذه الراية المباركة، راية تحرير فلسطين، فتظل تواليه، ما ظل حاملا للراية، فإذا سقطت من يده تحولت عنه إلى الجهة التي انتقلت إليها الراية، وهي اليوم تحملها الأيدي المتوضئة وتتسابق فتية وفتيات في عمر الزهور وحتى العجائز على سقياها بأزكى الدماء، بما يقطع أن قيادة الشارع العربي والإسلامي هي اليوم منعقدة في الأمة للإسلاميين، ما ظلت منعقدة في فلسطين لحماس وللجهاد.

لقد مثل انتصار حماس في الانتخابات ثم صمودها الرائع -وهي تحكم- في وجه كل الضغوط والإغراءات لزحزحتها عن الثوابت الوطنية، وإدارتها المتميزة لمختلف الملفات المعقدة إنجازا مهما جدا للإسلام المعاصر ولجملة الحركة الإسلامية وللمنطقة ولأحرار العالم.

* وتعزز هذا الكسب بزلزال حصل في أرض الكنانة الأرض التي تحسم فيها -عادة- المعارك المصيرية للأمة، بما تحقق للإخوان من نصر باهر، هز المنطقة كلها وفرض وسيفرض على القوى المحلية والدولية إعادة النظر في مخططاتها الإقصائية للإسلام وأهله فتقبل بالأمر الواقع أنه لا ديمقراطية ولا تقدم ولا مصالح مضمونة للجميع دون التعامل مع عالم إسلامي محكوم بالإسلام، وذلك بعد أن غدا واضحا أن الإسلاميين قد كسبوا الشارع إلى صفهم وأنهم سيكونون الفائز في كل منافسة انتخابية شريفة بينهم وبين خصومهم إن على صعيد طلابي أو نقابي أو انتخابي سياسي.

شهادات بذلك تترى آخرها ما ورد من الكويت وموريتانيا.. وما هو قادم أعظم بإذن الله. الأمة تستشرف الزمن الإسلامي، بذلك يكون قد "أذن مؤذن الكون" بلغة ابن خلدون، لا برحيل الإسلام بل بقدومه.

وعلى صعيد مواجهة مخططات التجزئة وتفتيت الأمة وضرب بعضها ببعض قطعت الحركة الإسلامية خطوات على صعيد استعادة الإجماع بين القوى الإسلامية وجماعات النخب الحديثة، الاجماع الذي كان ضرر فقدانه على الأمة بالغا خاصة على صعيد الحريات الأساسية، إذ أمكن للأنظمة الدكتاتورية أن تفجر مخزون التشقق والفتن فتغذي الصراعات لتضرب هذا بذاك.

إن بدايات مهمة قد تحققت على هذا الصعيد في صور عديدة مثل إقامة تحالفات انتخابية (كما حصل في اليمن بين الإسلاميين والاشتراكيين والناصريين وفي الكويت) أو في صورة هيئات نضالية ضد الاستبداد(مصر وسوريا وتونس..) أو جبهات للحكم (إندونيسيا والجزائر وفلسطين وبنغلاديش) سواء ما تم منها خلال هذه السنة أم تم قبلها واستمر.

وعلى صعيد الأقليات الإسلامية وهي تمثل الثلث المتمدد من الأمة فرغم ما جرته عليه حماقات "الإرهاب" من كوارث استمر تمدد الإسلام واندماجه الإيجابي في عوالمه الجديدة فنمت مشاركاتهم في مختلف حقوق النشاط العام ومنها الحقل السياسي والاقتصادي.

خلاصات:
1- إن مشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة والعالم تلقى ضربات موجعة تتجه به إلى الأفول على خطا أسلافه.

2- إنه بأثر بداية أفول مشروع الهيمنة الغربي بقيادة الولايات المتحدة سيأخذ المشروع الصهيوني سبيله إلى التفكك وستتداعى أفكار وقيم وأحزاب وأنظمة تابعة.

3- يتهدد المنطقة بأثر تصاعد وتيرة فشل الأنظمة في الإصلاح السياسي والاقتصادي بما يضع حدا لنهج القمع ولنهب أقوات الجماهير من قبل قوى العولمة الدولية والمافيا المحلية المتحالفة معها، يتهددها التورط في الفوضى والهزات الاجتماعية التي قد تصل إلى حد النزاعات الأهلية وانهيار الدولة جملة.. والعراق وأفغانستان والصومال نماذج، بما يفرض على عقلاء الأمة بذل الوسع في إطفاء هذه الحرائق.