تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فتيات يصارعن شبح العنوسة



فـاروق
11-27-2006, 11:21 AM
سعيد حسنية:

قد تكون للعنوسة أسبابها الاقتصادية والنفسية، ولكنها في الواقع أزمة اجتماعية بامتياز، لا تشكل عامل تهديد للأمن الاجتماعي، بل تخلق عبئا نفسيا للفتيات اللواتي تخطين عمر الزواج وما زلن عازبات.

عندما نتحدث عن العنوسة كمصطلح، يسهل تعريفه وان اختلف العديد من علماء النفس والاجتماع على تحديد العمر، خصوصاً انه يرتبط بالواقع الاجتماعي لكل بلد. ففي المجتمعات القديمة كانوا يعتبرون من تخطت الثامنة عشرة من العمر من دون زواج "عانسا" بينما اليوم ومع تطور المجتمعات أصبح هذا المصطلح يطلق على اللواتي اقتربن من الثلاثين ولم يتزوجن.

وبالتأكيد فان هذه الظاهرة تختلف نسبتها بين المجتمعات، وذلك وفقاً للظروف والتقاليد والمفاهيم السائدة في كل منها. فيلعب العامل الاقتصادي الدور الأكبر في زيادة نسبة العنوسة وذلك لعدم توفر فرص العمل الملائمة التي تسمح للشاب بالتفكير في الزواج وتكوين العائلة، وهذا العامل يشكل أحد أهم الأسباب الرئيسة في ازدياد نسبة العنوسة في بعض الدول بينما تلعب المهور العالية في بعض الدول العربية الأخرى عاملاً لا يستهان به أيضاً.

فتيات يعبرن على طريقتهن

وطالما نتناول موضوع يتعلق بالفتاة ويطالها أكثر ما يطال ويترك أثره عليها ومن ثم على أهلها ، لذلك التقينا بعدد من الفتيات عبر المنتديات في الإنترنت وعبر الشات معهن خرجنا بعدد من الانطباعات والآراء.

"يا دبلت الخطوبة عقبالنا كلنا..." هكذا قالت إحدى الفتيات العازبات التي تطلق على نفسها " زهرة الصحراء" وعبرت بصراحة عن شوقها للارتباط الرسمي، خصوصاً أن كلمة "عانس" حسب وجهة نظرها، تنسب اليها من دون أن تقترف أي ذنب. بينما عبر البعض الآخر عن الانزعاج بطريقة أخرى، فاعتبرن أن ما يقتل ليس المصطلح فحسب، انما الشعور بالوحدة والفراغ العاطفي ونظرة الآخرين إليهن كونهن عانسات.

الشخصية القوية

وها هي سارة قد دخلت في العقد الرابع من عمرها، وما زالت ترفض التنازل عن قناعاتها لإرضاء مطلق رجل، تعمل في مجال التعليم وتتمتع باستقلالية تامة. تروي تجربتها في علاقات الحب بحزن وغصة. تعتبر نفسها صاحبة الحظ السيئ وأنها تبحث عن الراحة والاستقرار في العلاقة وتقول: "إذا فكرت بالزواج، فلن يكون إلا من الرجل الذي يستحق إخلاصي وتضحيتي قد أكون أحلم الآن أكثر من قبل بثوب الزفاف ولكن الحلم لن يجعلني أتنازل عن مقومات أساسية يجب أن يحظى بها عريس المستقبل، ومصطلح العانس لا يعني لي شيئاً لأن عمر الحب والزواج لا يحدد بسنوات" .

التقاليد والعادات والأنساب

أما ندى التي شارفت سنوات عمرها على نهاية الثلاثينات ، والتي تقتلها الوحدة، قد مرت بتجارب عديدة ولكن حبها الأول كان سبب رفضها الزواج من أي رجل آخر. تروي قصتها وتقول " أغرمت برجل وأنا في العشرينات من العمر، كانت قصة حب تشبه الروايات وكنا متشابهين بكل شيء إلا النسب العائلي فهو ينتمي إلى جذور عائلية متأصلة وعائلتي من أصل عادي.." رضخت للتقاليد ولم أملك حينها الشجاعة الكافية للدفاع عن حبي، أشعر اليوم بمرارة الوحدة، ولا أملك الشخصية القوية لأفرض استقلاليتي، والدتي تلومني وتتهمني بأني "ضيعت عمري"، أكره محاولتها لإقناعي بأي عريس، تقتلني كلمة "عانس" ولكن أفضلها على أن أكون مخادعة لشخص لا أحبه".

السمنة... تساهم أيضاً

أما نوف " الطيوبة " كما تحب أن تلقب نفسها ، تلوم المجتمع الذكوري في عدم زواجها، وهي تبلغ أثنين وأربعين عاما .فتقول بحسرة ومرارة : "هل كان علي أن أتقدم بطلب الرجل الذي أهوى؟" ، وتضيف : " أنا فتاة أدرك مقوماتي الجمالية الضئيلة ولكن وبكل فخر أعترف أني أملك، حسب ما يراني البعض، مزايا شخصية ونفسية جميلة أهم بكثير من الشكل الخارجي، أعاني من السمنة، وأكثر ما يغضبني هو أن الرجل الشرقي لا يرى سوى القوام الجميل والشكل الحسن بالفتاة. حلمت دائماً بالخوض في مغامرات الحب ولكن لم أجد حتى الآن الشخص الذي يخاطب عقلي ووجداني بصدق. أحببت أكثر من رجل لكن للأسف كان حبا من طرف واحد. حالياً أعيش بمفردي، أتمتع باستقلالية تامة وأتابع تحصيلي العلمي، أعمل في المجال التعليمي، أشعر بسعادة لما حققته في حياتي من انجازات، ولكن لا أخفي أني كنت أتمنى أن يكون لدي عائلة من زوج وأولاد ولكنه حلم وسيبقى".

خسارة قد لا تعوض

تعددت الأسباب والمصير واحد "الوحدة القاتلة" التي شددت عليها الفتيات جميعاً، وتعي الفتاة تماماً بأن الحياة الزوجية فقط ستحمل إليها الاستقرار الذي تسعى إليه، قد لا تزعجها كلمة "عانس" لكن يزعجها شعور الوحدة. وأكثر ما يغضبها أن يطرح عليها سؤال تعتبره سخيفاً: "لمَ لم تتزوجي بعد؟ ". وتقول أمل ( 37 عاما ): "إن هذا السؤال يشعرني وكأني أعاني من نقص ما في حياتي . وكأن كل ما حققته لا يعني شيئا إن لم أتزوج. ولكن نظرة المجتمع هذه للفتاة العازبة تجعلني أكثر إصرارا على موقفي من عدم الزواج إلا بالشخص المناسب، كي أثبت للجميع أن المكانة الاجتماعية والانجازات يمكن أن تحققها الفتاة إذا كانت عازبة أو عانسا كما يقال". أما ليندا ( 34 عاما ) تبدو نادمة على خسارة حبها، تضيف أنها تشعر بقساوة المجتمع وظلمه للفتاة العانس وتنزعج من نظرة الآخرين لها ويزعجها أيضاً أن ينظر للفتاة المتزوجة بأنها أكثر نضجاً من الفتاة العازبة، تعيش حالياً بعزلة عن المجتمع علها تصل إلى السلام الداخلي الذي تنشده.

وللعنوسة حسناتها

هذا وترى سهير وهي في بداية عقدها الرابع من العمر أن لعدم زواجها حسنة في إصرارها على متابعة تحصيلها العلمي، وان أبدت انزعاجها من المجتمع الذي ظلمها ودفعها لترك قريتها واللجوء إلى المدينة وتشكر الله على الشخصية القوية التي منحها إياها والتي ساعدتها على تخطي الضغوطات الكامنة بالقبول " بعريس مناسب ".

في الواقع قد تكون العنوسة خياراً في كثير من حالاتها، وان كانت واقعا يفرض نفسه في بعض الحالات الأخرى، نظراً للظروف الاقتصادية الصعبة أو التقاليد والأفكار الضيقة ولكن حتى لو كانت خياراً فهي خيار مكلف جداً، يثقل كاهل الفتاة بالمصطلح القاسي ويضعها في مواجهة الوحدة والمجتمع.