تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : محاضير محمد .. الإصلاح من منصة الحكم



من هناك
09-27-2006, 04:08 PM
لكاتب: شيرين الحباك


التكوين السياسي

تؤثر مجموعة الدوافع الذاتية والخصائص المتعلقة بشخصية القائد السياسي على أسلوب تعامله مع السياسة الخارجية كالدافع نحو القوة- الحاجة إلى الانتماء والإنجاز... أما الخصائص الشخصية فهي مرتبطة بالتكوين المعرفي والعاطفي...
إن شخصية محاضير تجمع بين خصائص الشخصية التسلطية والنشيط المستقل والمحب للتطوير، وإحساسه بتحقيق الذات. فقد كان دائما يخطط لعمله ويعمل لخططه، كانت أوامره دائما هي "إنجاز عمل اليوم". كان يؤكد دائما على أهمية الحصول على المعرفة وتقديم الأفكار الجديدة التي هي حجر الأساس لتقدم الدولة، وهذا ما جعله مميزا عن السياسيين الآخرين، فركز على تعلم الإنجليزية ليكون الماليزيون قادرين على المنافسة في عصر العولمة. كما كان مليئا بالأفكار والرؤى والتضحية في سبيل عمل الصواب.
وصف محاضير بالتسلط والتعصب لقوميته فقد كان من أكثر المدافعين عن المالاي في مواجهة تفوق الصينيين وامتيازاتهم مقارنة بالمالاي، وكان وراء هذا التعصب رغبة في أن يحظى الملايويون بمعاملة عادلة في المجتمع وليس أكثر.
كما أن خبرته كطبيب ساعدته على حسن التواصل مع الجماهير، فكان محبا للمرضى وكان يعالج الفقراء بالمجان. وقد طبق خبرته التي اكتسبها كطبيب على إدارة المشاكل السياسية فيبدأ بتحديد جذور المشكلة وأسبابها وكان عليه أن يعطي علاجا مختلفا باختلاف المرض.


النشأة

ولد محاضير محمد في 20 ديسمبر 1925 في مدينة ألو ستار بولاية قدح في شمال ماليزيا، وتعلم في مدرسة السلطان عبد الحميد في أكور ستار.
وفي السادسة عشرة من عمره فقد محاضير الهدوء الذي كان يملأ حياته وفقد في ذلك الوقت وظيفته ولم يستطع أن يكمل تعليمه بسبب الحرب العالمية الثانية واحتلال اليابان للملايو. وفي فترة الاحتلال كان الملايويون يمثلون 50% من السكان، بينما مثّل الصينيون 37% والهنود 12%، وكانت الخلافات الدينية واللغوية والاجتماعية حادة بينهم.
وعندما أراد العودة للخدمة بعد الاحتلال كانت مؤهلاته لا تتناسب مع متطلبات الوظائف، فاعتمد على نفسه حيث شارك في كشك صغير كان يبيع فيه القهوة والحلويات. وبعد رحيل اليابانيين وعودة البريطانيين إلى ماليزيا قرر محاضير العودة إلى المدرسة لإكمال تعليمه، وانخرط في العمل السياسي من خلال التحاقه بمجموعة مناهضي اتحاد الملايو الذي أنشأته بريطانيا عام 1946م وضم الولايات الإحدى عشرة التي كانت تحت الحماية البريطانية وسمي هذا الاتحاد فيما بعد بالاتحاد الفيدرالي الماليزي عام 1948. وفي نفس الوقت شنت الجماعات الشيوعية (ومعظمهم من الفقراء الصينيين) حملات عنف وإبادة لشل حركة الانتعاش الاقتصادي التي قد بدأت في الظهور منذ عام 1948. وأعلنت حالة الطوارئ وتواصلت أعمال العنف في البلاد لمدة 12 عاما والتي نتج عنها موت 11 ألف مواطن حتى عام 1960.
حصل على منحة لدراسة الطب في كلية الملك إدوارد السابع الطبية التي أصبحت بعد ذلك جامعة المالاي بسنغافورة، وكانت هذه الرحلة لها الأثر الكبير لتعرفه على أكثر المناطق تحضرا في الملايو. كما أن الدراسات الجامعية أدت إلى بعض التغيرات بالنسبة لمعرفته بالجنس الآخر فقد تعرف على سيتي حسمه التي أصبحت زوجته بعد التخرج عام 1956.
عمل بعد ذلك بالمستشفى العام في مدينة ألو ستارثم. وأنشأ عيادة خاصة وترك العمل الحكومي وانغمس في النشاط السياسي.
تزامن دخول محاضير في العمل السياسي كعضو في البرلمان لأول مرة عام 1964 مع فترة عصيبة شهدت اضطرابات سياسية مثل الصراع بين الأحزاب والجدال حول اللغة القومية... ما أدى إلى تصاعد الصراعات العرقية التي تفجرت في 13 مايو 1969. وفشل في الحصول على مقعد في البرلمان في هذا العام بسبب تصريحاته ضد الصينيين الذين أعطوا أصواتهم لمرشح حزب العمل الشعبي؛ لأنه كان يتبنى في البرلمان سياسات قومية تدافع عن المالايا وصفته بالتطرف؛ وهو ما زاد من شعبيته خاصة بين الشباب.
وبعد مواجهة عصيبة بين الاتحاد والأحزاب المعارضة تحول الاتحاد إلى تنظيم جديد هو الجبهة القومية التي ضمت بعض أحزاب المعارضة والتي فازت في انتخابات 1974 و1978، وفي عام 1974 فاز محاضير بعضوية البرلمان مرة أخرى وعين وزيرا للتعليم، ومن موقعه الجديد طبق ما أسماه "السياسة التعليمية الجديدة" ثم تولى وزارة الصناعة والتجارة بعد ذلك. وقد استكمل صعوده على السلم السياسي حتى وصل في النهاية إلى رئاسة الوزراء في 1981.
كان محاضير من الذكاء السياسي حيث استنتج أن نجاحه في السلطة لا يرتبط فقط بمجرد إحداث التنمية ولكن أيضا بالتواصل مع المالايا والتيارات الإسلامية التي تعبر عنها؛ وهو ما أدى به إلى تغيير خطابه السياسي ليتضمن تأكيدا على العلاقة بين الإسلام والتنمية. كما استطاع الحفاظ على التوازن بين المجموعات العرقية المتنافسة سياسيا.


النسق السياسي العقدي

يرى محاضير أن السياسة "هي عنصر مهم من عناصر المجتمع البشرى وهي تعني منح السلطة لشخص أو جماعة للحفاظ على القانون والنظام من أجل رفاهية المجتمع". وبالتالي يكون المدخل الرئيسي لحل الصراع السياسي هو وجود سلطة سياسية قوية قادرة على فرض الانضباط والتنظيم في المجتمع واحترام القانون. كما لا بد أن تكون هذه السلطة منتخبة وخاضعة لنظام المحاسبة والتدقيق حتى لا تسيء استخدام السلطة وهذا ما يتحقق من خلال فصل السلطات.
وإذا فشلت هذه السلطة في إدارة شئون البلاد يتم إقصاؤها من الحكم بواسطة صناديق الاقتراع في الانتخابات التالية. ولكن تلك السلطة لا يمكن أن تكون ليبرالية تعطى الحرية للكل ليفعل ما يشاء، إذ إنه يتيح من الحريات ما قد يؤدي إلى تهديد النظام الاجتماعي كحمل السلاح واستخدامه في تكوين الميليشيات المسلحة، والصراع بين النقابات وأصحاب الأعمال...
ولما كانت السياسة في مفهوم محاضير هي مشاركة بين البشر فإن حل الصراع السياسي يكمن عنده في بناء المشاركة الذكية على المستويين الاجتماعي والسياسي. وتنصرف المشاركة الذكية إلى تمثيل مختلف القوى في العملية السياسية على أن يتخذ القرار في تلك المشاركة بالتوافق وليس بالأغلبية؛ وهو ما يجعل لهم مصلحة في استمرارها لما تحقق من منافع متكافئة.
اعتبر محاضير أن الحرمان الاقتصادي الناشئ عن عدم عدالة توزيع أحد مصادر الصراع السياسي، ومن ثم فإنه يتحدث عن إعادة توزيع تلك الثروة بشكل عادل، ويقصد يذلك عنصرين أساسيين؛ أولهما السعي نحو زيادة حجم الناتج القومي أي الثروة الاجتماعية، ثم إعطاء الفئات المحرومة نصيبا أكبر من هذا الناتج بدون مصادرة ثروة الأغنياء، بالإضافة إلى توفير الحماية والمساعدة للفقراء على حساب الأغنياء عن طريق الضريبة التصاعدية. كما أنه لا يؤمن بقيمة المساواة بين البشر؛ لأن التفاوت يعد أمرا طبيعيا فلم يخلق في الدنيا شيئان متشابهان، فضلا عن أن اقتسام الثروة بالتساوي يؤدي إلى إفقار الجميع.


التعددية العرقية في المجتمع الماليزي

رغم حقيقة أن المالايا هم سكان المالايو الأصليون فإن توافد العديد من الهجرات نتيجة طبيعة المالايو الغنية بوفرة المياه والمحاصيل وإمكانيات الزراعة والصيد، كما أن البريطانيين تسببوا في الأزمة العرقية الماليزية حيث فتحوا أبواب الهجرة للصينيين لخدمة مصالحهم، ومن هنا استمرت سيطرة الصينيين على مقاليد الحركة الصناعية والتجارية دون الإتاحة لغيرهم من العرقيات الأخرى وخاصة المالايا للدخول في مجال إدارة الأعمال وتملك المشروعات الصناعية والتجارية الكبيرة.
وقد صرح محاضير بتغيير رؤيته حول القضية العرقية قائلا إنه ليس ضد الهنود أو الصينيين في ماليزيا، وإنما هو مع المالايا حتى يصلوا إلى مشاركة عادلة في ثروات البلاد.
بدأ محاضير سياسته في إذابة الحواجز العرقية من خلال المدارس القومية التي تضم طلاب المالايا جنبا إلى جنب مع نظرائهم من الصينيين والهنود، وتحفيز شعب المالايا على تعلم علوم الطبيعة والتكنولوجيا، وتبنى السياسة الاقتصادية الجديدة التي تلتها سياسة التنمية القومية التي تقوم على دعم المالايا في كافة المجالات دون الإضرار بالعرقيات الأخرى؛ فماليزيا ككل ينبغي أن تحقق معدلات نمو اقتصادي مرتفعة ولكن بصورة متباينة من عرق إلى آخر.
فبالتعليم والتدريب على التكنولوجيا الحديثة استطاعت الحكومة الماليزية إدماج المالاي في النشاط الاقتصادي للدولة بثقافة جديدة تتقبل الآخر وتسعى للعمل في مناخ اقتصادي صحي وسليم. كما أن قرار الحكومة بشأن خصخصة بعض المشروعات الاقتصادية الكبرى في ثمانينيات القرن الماضي يعد دفعة كبيرة للمالايا حيث شاركوا في ملكية تلك المشروعات وإدارتها، ولضمان بقاء الأصول والحصص للمالايا تبنت الحكومة عدة آليات لبقاء تلك الأسهم في أيديهم.
ونتيجة لسياسات محاضير الساعية لسد الفجوة بين المالايا وغيرهم من الأعراق شهدت العلاقات العرقية تعاونا وثيقا نتيجة إدراك العرقيات ضرورة نبذ قضية الصراعات العرقية والتركيز حول تقليص الخسائر وتعظيم المكاسب من عملية العولمة والتحول الاقتصادي الليبرالي.


رؤيته للتنمية

صاغ محاضير إستراتيجيات التنمية الاقتصادية المواكبة للواقع الماليزي فعمل على إعادة بناء الاقتصاد بشكل يجمع بين الاعتماد على الذات ورأس المال الأجنبي لتحقيق قدر من التوازن بين مختلف العرقيات وضمان العدالة التوزيعية والتي عرفت باسم السياسة الاقتصادية الجديدة والتي حقق الاقتصاد الماليزي من خلالها معدل نمو بلغ حوالي 8%.
وبعد انتهاء السياسة الاقتصادية الجديدة عام 1990 بادر محاضير محمد في استحداث سياسة جديدة للتنمية عرفت بسياسة التنمية القومية، وهي الخطة التي سوف تستمر خلال العشرين عاما التالية والتي عرفت برؤية 2020.
هدفت مختلف الخطط التنموية إلى نمو سريع في عملية التصنيع بعد أن كانت ماليزيا منصبة على الزراعة، فارتفعت نسبة مساهماتها من 11.1% إلى 33.1% في منتصف التسعينيات. كما استطاع من خلال رؤيته الثاقبة للأمور أن يتغلب على الأزمات الاقتصادية التي تعرضت لها آسيا في الثمانينيات والتي أدت إلى الركود الاقتصادي وضعف القطاع العام مع تراجع ملحوظ لدور القطاع الخاص وتزايد المديونية الخارجية لماليزيا وخفض قيمة العملة بنسبة 50%.
انتهج محاضير ما عرف بنظام التحكم والسيطرة بالتبادل الانتقائي غير التقليدي الذي استند إلى وقف تبادل العملة الوطنية في الخارج، وتجميد حسابات هذه العملة مع تثبيت سعر الصرف وفرض نظام يقضي بمنع إعادة تصدير السندات والأوراق المالية إلى بلد المنشأ لمدة عام نظرا لعدم استقرار الأسواق المالية في ماليزيا، وفرض قيود على تدفق رؤوس الأموال الأجنبية من وإلى ماليزيا مع خفض الإنفاق الحكومي وفتح مجال لمزيد من الخصخصة للماليزيين دون الأجانب مع ضمان إعفاءات ضريبية كبيرة دون اللجوء إلى حلول خارجية يفرضها الصندوق الدولي لما يمكن أن تتسبب فيه من كارثة نتيجة اتباعها لسياسة المنافسة المطلقة غير المقيدة التي ستضر بالاقتصاد الماليزي.
كما اهتم بمعالجة الفقر بين القطاعات الماليزية الفقيرة التي يمكن أن تهدد الاستقرار السياسي الماليزي، وتكوين لجنة وزارية تختص بصياغة خطط عمل لمعالجة المشاكل الأسرية الناجمة عن التنمية الاقتصادية مثل العناية بكبار السن. حرص على استصدار لائحة الطفل عام 2000 لإسباغ الحماية اللازمة للحد من استغلال الأطفال، كما اهتم بتعليم المرأة والدفاع عن حقوقها ووضع خطط سياسية تهدف إلى النهوض بالمرأة وزيادة وعيها وضمان مشاركتها الفعالة في المجتمع الماليزي.
اهتم أيضا بالبعد الثقافي والتعليمي للتنمية مثل تأكيده على أهمية تعلم اللغة الإنجليزية في الجامعات والمدارس واستخدامها في عدد من موضوعات الدراسة، وحفز الجامعات الماليزية وتوثيق صلاتها بالجامعات الأجنبية حيث شجع الطلبة على الدراسة في كل من اليابان وكوريا وسنغافورة وتايوان إلى جانب الدول الغربية. أتاحت الجامعات التعليم العالي للطلبة من خلال نظام الحصص الذي وضعته الحكومة للخطة الاقتصادية الجديدة، بالإضافة إلى مساندة محاضير عملية إرساء دعائم جامعات خاصة لدعم العملة التعليمية في ماليزيا بما ضاءل من أعداد الماليزيين الذين كانوا يتلقون تعليمهم بالخارج.


محاضير.. القيم السائدة

تعد القيم إطارا فكريا لازما للوجود الإنساني للمجتمع فتضفي عليه الأساس اللازم لتميزه وتضفي عليه علوا وارتقاء، ويعد نظام القيم هو محور التكامل الاجتماعي للمجتمع فإن لم يكن موجودا فهو لا يعني إلا أن المجتمع في طريقه للتفكك إن لم يكن قد تفكك بالفعل.
يتكون الإطار القيمي للدولة الماليزية من خلال تفاعل عناصر عدة أبرزها عنصران؛ الأول هو الإسلام الذي يعد من المحددات الأكثر تأثيرا على المجتمع الماليزي، والثاني هو الثقافة والقيم الآسيوية وهي الثقافة الأساسية للمالايا، وتتمثل بصورة أساسية في الكنفوشيوسية التي تؤكد على مجموعة من القيم مثل التزام الحاكم بإطار أخلاقي وطاعة الشعب للحاكم، واحترام الوالدين، والأكبر سنا، والالتزام الأسري، وأهمية الولاء والانتماء للحاكم والنظام...
يرى محاضير أن كل نظام قيمي يحمل في آن واحد الجيد والسيئ؛ فالقيم الجيدة ليست حكرا على حضارة أو منطقة في العالم، هذا علاوة على نسبية القيم، كذلك توجد علاقة طردية بين نوع القيم ووظيفتها، فكلما كانت القيم إيجابية ساهمت في إيجابية المجتمع بدفعه إلى الأمام، وعلى الإنسان أن يحافظ على القيم ويتميز بكونه ذا دين وأخلاق يقودانه إلى الحفاظ على القيم الجيدة وترك القيم السيئة بداية من القائمون بالحكم حتى الشعب.
وفي إطار تأكيد محاضير على ضرورة الحفاظ على القيم الآسيوية انتهى إلى خطورة تهديد تلك القيم سواء من الداخل أو الخارج. وتتمثل التهديدات الداخلية في ظلم المرأة، وعمالة الأطفال، وسيادة عقلية التبعية وانتشار ثقافة الغرب الاستهلاكية... التي واجهها من خلال خطط التنمية الاجتماعية والثقافية... أما التهديدات الخارجية فتتمثل في رغبة الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية في فرض نموذج القيم الخاص بها بحجة أنه النموذج الأف