تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الطريق إلى الأقصى



محب الأمة
09-19-2006, 07:12 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين ..
وبعد ،،،
فيشرفنا غاية التشريف والأمة تعيش هذه الأحداث الجسام إن نلتقي مع سماحة شيخنا العلامة احمد بن حمد الخليلي المفتي العام لسلطنة عمان في حديث عام نستشف منه ونقتبس جذوة من تحليلاته العلمية القيمة القائمة على أسس من فهم عميق لكتاب الله ولسنة رسول الله عليه وسلم واستشراقا لآفاق المستقبل العظيم الذي تنتظره الأمة الإسلامية بإذن الله .

· سماحة الشيخ أولا نود منكم كلمة عامة أو تعليق عام حول الأحداث التي يعيشها المسلمون في رحاب الطهر والقداسة في المسجد الأقصى ؟

· بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين سيدنا ونبينا وإمامنا وقدوتنا رسول الله محمد عليه وعلى اله وصحبة أجمعين ، وعلى تابعيهم بإحسان الى يوم الدين .. أما بعد :
فلا ريب أن هذه الأيام أيام فيها الكثير الكثير من التفاعلات النفسية مع هذه الأحداث الجسام ، هذه الأحداث التي طوقت بقعة من اقدس بقاع الأرض، بقعة ارتبطت بتاريخ النبوات منذ عهود قديمة وشرفها الله سبحانه وتعالى بان جعلها مسرى لنبيه صلى الله عليه وسلم ، وجعلها قبلة للمسلمين في حقبة من التاريخ ، ولا ريب أن الأمة المسلمة عندما تمر بها أحداث تنبعث في هذا المكان المقدس العظيم ـ الذي يعتبر تخليصه مما وقع فيه دينا في رقاب الأمة جميعا ـ تتفاعل نفوسهم مع تلكم الأحداث ويشدهم ذلك الى ما لتلك البقعة من مكانه وما لتلك البقعة المقدسة من تاريخ عظيم .
أن الله سبحانه وتعالى ذكر ذلكم المكان المقدس في اكثر من موضع في كتابه العزيز ، من ذلك أن الله سبحانه وتعالى أمر موسى ومن معه من بني إسرائيل أن يدخلوا تلكم الأرض المقدسة لا لأجل الإفساد ولكن لأجل الإصلاح لا لأجل التسلط والبغي ولكن لأجل رفع الظلم ، فكان ما كان من بني إسرائيل من التلون والانحراف حتى كتب عليهم التيه أربعين سنه . ثم شاء الله سبحانه وتعالى أن يقوم جيل جديد جيل طهر ونزاهة ، فكان الدخول في تلكم الأرض على يد ذلك الجيل المؤمن الطاهر . وتعاقبت أحداث التاريخ فكان ما كان من التبديل وحق ما حق من كلمة الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل فكانت نكبتهم على أيدي البابلين ثم على يد الروم . ثم أن الله سبحانه وتعالى بعد ما شرف تلك البقعة بان جعلها مسرى لنبيه صلى الله عليه وسلم وجعلها لقبلة للمسلمين ، انطلقت كتائب الله سبحانه وتعالى لأجل إعلاء في الأرض كان الفتح المبين فتح تلك الأرض على يد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ لتكون تلك الأرض في حيز الدولة الإسلامية ، ولتكون المحافظة عليها أمرا من اقدس الأمور التي يجب على الأمة الا تفرط فيها.
وما وقع الان من تسلط تلكم الشراذم التي كتب الله عليها الذلة وبؤها مبوأ الهوان في هذه الدنيا بسبب أعمالها التي ارتكبتها في طوال تاريخها أعمال تدنست بالخيانة واللؤم ، تسلط هذه الشراذم على هذه الأرض إنما هو بسبب ما كان من المسلمين من انحراف عن الحق ، وخروج عن الصراط ، وزيغ عن الهدى ، فالله سبحانه وتعالى يبتلي عباده بما يبتليهم به بسبب ما كسبت أيديهم .
وهذا بطبيعة الحال أمرا يقتضي أن تقف الأمة وقفة محاسبة للنفس ، وقفة رجوع الى الله سبحانه وتعالى ، وقفة استمساك بكتابة واتباع لهدي رسوله صلى الله عليه وسلم .


· سماحة الشيخ اعذرني على المقاطعة ما الذي ينبغي ان تفعله الأمة الإسلامية سيأتي في سؤال آخر . لكن من خلال حديثك الآن يعني بنو إسرائيل إذن دخلوا الأرض المقدسة اكثر من مرة ، قبل مدة ليست باليسيرة تقريبا تزيد على عشر سنوات اطلعت على كتيب صغير عنوانه ( العرب تحت وطأة الإفساد الأول لبني إسرائيل ) من خلال قوله سبحانه وتعالى في سورة الإسراء (( فإذا جاء وعد الآخرة ليسؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا )) قبل أن نتطرق الى بقية الأحداث هل نحن هل الأمة الإسلامية الان تحت وطأة الإفساد الأول أم أن هذا الإفساد الثاني لبني إسرائيل ؟

· تاريخ بني إسرائيل كله فساد من أوله الى آخره والله سبحانه وتعالى وصفهم أدق وصف واعجب وصف عندما قال ( ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفئها الله ويسعون في الأرض فسادا )) فشانهم الإفساد ولكن بالنظر الى دخول المسجد بفساد إنما يعتبر هذا الدخول الثاني ومعنى ذلك انه وصل وعد الآخرة الذي يشير إليه القرآن الكريم عندما قال (( فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفا )) فالله سبحانه وتعالى جاء بهم من آفاق الأرض وجمعهم في هذا المكان لينفذ فيهم أمره سبحانه الذي وعده المؤمنين وهو النصر والتمكين بمشيئة الله .

· إذن يسؤوا وجوهكم الضمير هنا عائد الى اليهود يعني المؤمنون هم الذين يسؤون وجوه اليهود ؟

· نعم هكذا .

· بالنسبة للحديث النبوي الشريف ( لن تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود وحتى يقول الشجر والحجر هذا يهودي ورائي تعال فاقتله الا الغرقد فانه من شجر اليهود ) بالنسبة لهذا الحديث النبوي الشريف ما طبيعة الحديث الذي يتحدث به الشجر والحجر هنا هل هذا على سبيل المثال أم إنها حقيقة أم ما هو تفسير الحديث ؟

· كلام النبي صلى الله عليه وسلم ياتي بحسب ما جاء به الكلام العربي من الأساليب فيكون تارة حقيقة ويكون أخرى مجازا فعلى أي حال ليس ببعيد أن يكون المراد بذلك أن الشجر يأبى أن يواري اليهود فيتكشف عنه وكأنما هو يدعو المسلم إلى اليهودي ليقتله وكذلك الحجر ليس ذلك ببعيد وهذا الذي نميل إليه والله تعالى اعلم بحقيقة الامر .

· طيب استثناء الغرقد هذا ؟

· استثناء الغرقد لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى وحسبت ما اخبرت من قبل بعض الاخوة في المملكة الأردنية الشقيقة علمت أن اليهود الان جاءوا بالغرقد ولم يكن موجود من قبل في ارض فلسطين ولكن جاءوا به ويطوقون به بيوتهم تحسبا لهذا الوعد الآلهي .

· إذن هل يعني هذا أن اليهود على علم بالنص النبوي الشريف ؟

· هذا أمر واضح وأنا سمعت بان إحدى إذاعات البلاد العربية ذكرت الحديث الشريف في حديث القي في الإذاعة وكان في حديثهم تحريف بحيث قالوا بان النبي صلى الله عليه وسلم قال بان الشجر ينادي العرب يا عربي هذا يهودي تعال فاقتله فعقب على هذا اليهود أنفسهم في إذاعتهم وقالوا بان الإذاعة الفلانية تحرف الحديث المروي عن نبيهم فالحديث لم يقل يا عربي وانما قال يا مسلم .

· سماحة الشيخ ذكرت بأن الأمة ينبغي لها في هذه ـ طبعا في كل وقت ـ وفي هذه الأثناء بالذات أن تعود الى الله سبحانه وتعالى . في أحداث التاريخ الإسلامي هل حدثت حالات استنفار من اجل التوبة في ظل مثل هذه الظروف ؟

· نعم

· الأمثلة على ذلك ؟

· أولا قبل كل شيء نجد أن المسلمين المؤمنين الصادقين في أي عصر من العصور يدعون الناس الى التسلح بالإيمان والتقوى وناهيكم تلك الوصية البالغة . وصية الفاروق رضي الله تعالى عنه عندما قال مخاطبا سعد بن أبي وقاص ومخاطبا الجند من خلاله الذين جندهم الفاروق لمواجهة إمبراطورية فارس : (( أوصيك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال ، فان تقوى الله افضل العدة في الحرب وأقوى المكيدة على العدو ، وأوصيك ومن معك من الأجناد بان تكونوا اشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم ، فان ذنوب الجند أخوف عليهم من عدوهم ، وانما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله ، فان عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم ، فان استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة ، وإلا ننتصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا ، واعلموا أن في سيركم عليكم من الله حفظة يعلمون ما تفعلون فاستحبوا منهم ، ولا تعملوا بمعاصي الله وانتم في سبيل الله ، ولا تقولوا أن عدونا شر منا فلن يسلط علينا فرب قوما سلط عليهم من هو اشر منهم ، كما سلط على بني إسرائيل إذ عملوا بمعاصي الله كفار المجوس فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا ، واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم ، اسأل الله ذلك لي ولكم ))
في هذا الكلام البليغ من أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه دعوة الى التوبة ، وان كانت هذه الدعوة غير صريحة ولكنها ضمنية ، أولا بتقوى الله على كل حال ، فان تقوى الله تقتضي التوبة من كل معصية ، إذ الانسان غير مبرأ من المعاصي ، ثم كذلك قوله : وان تكونوا اشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم ، فان ذنوب الجند أخوف عليهم من عدوهم . هذه أيضا دعوة الى التوبة ، فان الانسان بما انه لا يمكن أن يبرأ من المعصية، فالاحتراس من المعصية يعني الرجوع الى الله ، والتطهر من درن هذه المعصية بالتوبة النصوح التي تقتضي بان يكون الانسان وفق منهج الله في كل دقيقة وجليلة من تصرفاته واعماله ثم كذلك قوله : واعلموا أن في سيركم عليكم من الله حفظة يعلمون ما تفعلون فاستحبوا منهم ، ولا تعملوا بمعاصي الله وانتم في سبيل الله . كذلك هي دعوة الى التوبة النصوح .. الخ ، كل ما في هذه الوصية في الحقيقة دعوة الى التوبة .
ونحن عندما ننظر في تاريخ المسلمين وتاريخ أهل الاستقامة في الدين خصوصا نجد انهم كانوا حراصا على التوبة في جميع الأحوال ، ولكن عندما يقع أمرا كهذا الامر يستنفر الناس جميعا من اجل التوبة . ومن أمثلة ذلك ما وقع في القرن العاشر الهجري في بدايته ، عندما داهمت قوات النصارى الأسبان جزيرة جربة التونسية الإباضية . ذلك أن النصارى الأسبان كانوا يحملون ما يحملونه من الحقد على المسلمين منذ اجتاحو الأندلس ، وكانوا يتتبعون فلول المسلمين ، وكانت سفنهم تمخر عباب البحر الأبيض المتوسط ، وتترصد لقوارب المسلمين من اجل أسرهم وأخذهم الى بلاد الغرب لبيعهم أو استخدامهم هناك تحت وطأة الذل والهوان . ثم بعد ذلك بدخول القرن العاشر الهجري بدءوا يحتلون الموانئ الإسلامية ميناء بعد ميناء . واخذوا يحتلون الموانئ من بجاية الى طرابلس . وكانت هذه الجزيرة يحيط بها البحر من جهات أربع ، وأهل الجزيرة ظلوا في خوف أن يصيبهم ما أصاب غيرهم ، ولذلك اهتم أمير أهل الجزيرة بهذه القضية ، وكان يدعى أبا زكريا يحيى السمومني ، فراء أن يتشاور مع رئيس مجلس العزابة ، والعزابة هي هيئة دينية تقوم بشؤون الدين ، وتتصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . ومن كان على راس مجلس العزابة لا بد من أن يكون من اعلم القوم ومن أفضلهم ومن أعقلهم ، وكان على راس مجلس العزابة يومئذ الشيخ أبو النجاة يونس بن سعيد التعاريتي . فجاء اليه الشيخ أبو زكريا يحيى السمومني ، من اجل التشاور في هذه القضية العظيمة فأجابه : بأنكم بين أمرين اثنين لا ثالث لهما ، أما أن تستسلموا للأمر الواقع بحيث تسلمون الجزيرة للغزاة ، واما أن تقاوموهم . وانتم عندما تقاومون هؤلاء القوم فأنكم تقاومون قوة شرسة ، ولا تستندون الى أي قوة بشرية وانما تستندون الى لطف الله تبارك وتعالى وعنايته فحسب ، فأنتم في جزيرة يحيط بها البحر من كل الجهات ، ثم أن إخوانكم لا يتمكنون من مناصرتكم بسبب الظروف الطبيعية وبسبب الظروف الأخرى التي حلت بهم ( الظروف الطارئة ) وعلى هذا علينا أن نستهدي بكتاب الله سبحانه وتعالى ، فانه عندما تلتمس الأمور كالليل المظلم يجب الرجوع الى القرآن الكريم ، ففيه الشفاء وفيه النور ، وهذا الذي ارشد اليه الرسول صلى الله عليه وسلم . وقال : أن كتاب الله سبحانه وتعالى يقول : (( وكان حقا علينا نصر المؤمنين )) ويقول عز من قائل (( وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين )) ويقول (( ولينصرن الله من ينصره أن الله لقوي عزيز )) ويقول (( أنا لننصر رسلنا والذين أمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد )) ويقول (( وان جندنا لهم المنصورون )) الى غير ذلك من الآيات الكثيرة التي تبشر بالنصر الفئة المؤمنة الموصولة بالله التي تعمل بأمره وتزدجر عن نهيه وتقف عند حدوده ولا تقدم على انتهاك شيء من حرماته .
وبناء على هذا فان على أهل الجزيرة جميعا أن يحاسب كل واحد منهم نفسه منذ بلغ الحلم والى زمانه هذا ، وان يتخلص من التبعات جميعا ، وان يتوب الى الله توبة نصوحا ، وان يقلب صفحة عمره من الشر الى الخير ، ومن المعصية الى الطاعة ، ومن الفساد الى الصلاح ، لتكون هذه القلوب بأسرها موصولة بالله سبحانه تعالى ، ولتنخرط هذه النفوس في سلك النفوس المؤمنة . وفعلا اخذ الناس بهذه الوصية . وكان أيضا من وصيته لهم بان تعنى كل حلقة من حلقاتهم بتلاوة كتاب الله سبحانه وتعالى بحيث تختم كل حلقة القرأن في اقل من أسبوع ثم بعد ذلك بعد نهاية قراءة القرآن تتوجه كل حلقة الى الله سبحانه وتعالى بالدعاء من اجل أن ينصر الله تعالى هذه الفئة المؤمنة ويثبتها بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة . وعمل الناس بهذه الوصية وحاسبوا أنفسهم وتخلصوا من التبعات وتحاللوا فيما بينهم وصاروا كنفس واحدة قلوبهم كقلب رجل واحد .
وإذا بهم في شهر ربيع الأول من عام910 هـ يصل إليهم أسطول من أساطيل هؤلاء الغزاة النصارى وكان يتكون الأسطول من عشرين سفينة ، وعلى راس من في هذا الأسطول قائد يسمى وردونفارو . وأرسل القائد رسولا الى شيخ الجزيرة برسالة من عنده يقول له فيها إما إن تسلموا الجزيرة واما أن تستعدوا للقتال . فاجابه الشيخ أبو زكريا يحيى السمومني بقوله ان الجزيرة لن تسلم نفسها حتى يكون أهلها جثثا هامدة . فشق هذا الجواب على القائد المتكبر الذي شمخ بأنفه، وكان يتصور بان هذه الجزيرة ليشت الا لقمة سائغة تزترد بأسرع وقت . وظل بين عاطفته الجامحة التي تدفعه للانتقام وبين عقله الذي يحول بينه وين ذلك نظرا الى ان هذا الجواب إنما ينم عن قوة ان لم تكن قوة مادية فهي قوة معنوية وتردد بين الأمرين ورأى أخيرا ان يقدم جانب العقل ، وان يرجع الى طرابلس ليتزود بقوة اكبر فرجع بقوة اكبر ، إذ كون أسطولا من مائة وعشرين سفينة تحمل عشرين ألفا من المقاتلين الذين زودوا بأنواع السلاح المبتكرة في ذلك الوقت بأحدث ما كانت العقول البشرية ابتكره من أنواع الأسلحة . وعاد أدراجه الى الجزيرة مرة أخرى . وعلم آهل الجزيرة بذلك . ونزل أولئك الغزاة في أطراف الجزيرة ، وشغلوا ليلهم بإرهاب أهل الجزيرة بوسائل مختلفة منها إطلاق المدافع ، ومنها إنشاد الأناشيد الحربية المصحوبة بالآلات الموسيقية . ولكن ما هال ذلك أهل الجزيرة فأولئك باتوا على هذه الحالة حالة الغرور والعنجهية ، وأهل الجزيرة باتوا موصولين بالله باتوا بين راكعا وساجدا وكان ذلك في ليلة الجمعة وفي وقت الصباح ظل أهل الجزيرة ينتظرون تحرك هؤلاء الجنود نحوهم وهم في شغف الى ذلك الى ان حان وقت الصلاة ولما حان وقت الصلاة صلى بالناس الشيخ أبو النجاة يونس بن سعيد التعاريتي وخطب فيهم خطبة شوقهم فيها الى الجهاد والى الاستشهاد في سبيل الله ورغبهم في ذلك . واخبرهم بانه مما يجب في خلد كل أحد ان الشهادة هي احب اليه من النصر فهي الحسنى الكبرى التي يجب على المسلم ان يحرص عليها . والأمر الذي يجب ان يكون في قرارة نفوس الجميع بان التسليم يستحيل على أي واحد من جيش المسلمين ، فلا بد ان يقاتل كل أحد جهده حتى يلقى الله سبحانه وتعالى ، وعلى كل واحد منهم ان يحرص ان يقتل على الأقل اثنين من الكفرة قبل ان يلقى ربه سبحانه وتعالى شهيدا . وكان عدد المقاتلين من أهل الجزيرة حسب إحصائيات الغربيين أنفسهم لا تتجاوز ثلاثة آلاف ، وهؤلاء لا يملكون سلاحا الا الأسلحة البدائية العادية . كانوا أما ان يكونوا يقاتلوا بالرماح ، واما ان يكونوا يقاتلون بالسيوف ، واما ان يكونوا يقاتلون بالبنادق البسيطة بنادق الصيد فحسب.
ثم تحرك بعد ذلك الجيش ، وتقدم الجيش الإسلامي واصطف المسلمون صفا واحدا في مواجهة صفوفا متراصة من قبل العدو . وكان من خطة العدو ان كل صف من صفوفهم يرتاح أولا الا الصف الأمامي فهو الذي يقابل الجيش الإسلامي ثم عندما يحس بالتعب يرجع أدراجه الى الخلف ، ويتقدم الصف الذي يليه ويأخذ هو قسطا من الراحة بحيث لو تمكن المسلمون من أحد هذه الصفوف صفا بعد صف لكان ذلك الصف الذي قاتل أولا قد اخذ قسطا من الراحة وتمكن من استعادة نشاطه وقوته . ووسط هذه الصفوف ما كان المسلمون يملكون الا ذلك الصف الواحد فقط ، ونادى شيخ الجزيرة في الجيش الإسلامي ليؤكد لهم ما قاله الشيخ أبو النجاة من التسليم أمر مستحيل ، فيجب على كل أحد ان يقاتل الى ان يلقى الله سبحانه وتعالى شهيدا . ولا يجوز ان يدور في بال أي أحد انه يستسلم . وبدأت المعركة فواجه الصف الإسلامي الصف الأول ثم لم يلبث المسلمون بمشيئة الله سبحانه ان دحروا ذلك الصف وأعاد أدراجه الى الخلف وتقدم الذي يليه . وراء ابن شيخ الجزيرة ويدعى أبا الربيع سليمان ابن أبى زكريا السمومني ، راء ان هذا الصف من قتل منه يظل مكانه فارغا بينما العدو بخلاف ذلك لكثرة المقاتلين فيهم فراء ان أحداث بلبلة في قلب جيش العدو السبب في تحقيق النصر بمشيئة الله . فخرج بطائفة من المسلمين الى الخلف ، وبينما المقاتلين الأولون الذين قاتلوا المسلمين ، أي أصحاب الصف الأول يتحدثون الى أصحابهم عن بطولات المسلمين ، وما كانوا يلقونه منهم بحيث كاد الموت يخرج من ذلك الصف الإسلامي من غير سلاح ليشتت ذلك الصف الكافر الذي واجهم . بينما هم يتحدثون بهذا إذا بالأمر الذي يتحدثون عنه يفاجئهم ، فاخذ المسلمون يقتلون ويأسرون ، وهنا حدثت بلبلة ، وحاول الضباط والقواد ان ينظموا الجيش فلم يكن لينتظم ، فبينما هم يحاولون ان يتقدموا للأمام إذا بهم يلقون الموت الزؤام ، وإذا بالمسلمين يطوقونهم كما يطوق الخاتم الإصبع ، فإذا تقدموا وجدوهم أمامهم وإذا تأخروا وجدوهم خلفهم ، وإذا ايمنوا وجدوهم أيضا على الميمنة ، وإذا اشئموا وجدوهم على المشئمة ، فأينما ذهبوا وجدوا المسلمين فشق عليهم الامر وما راءو الا الفرار واخذوا يفرون الى جهة السفن والمسلمون ورائهم يقتلون وبأسرون حتى وصلوا الى البحر وقد أعياهم التعب والخوف ، فاستسلموا للمضاجع ، وعاد المسلمون بعدد من الأسرى يتراوح بين 6000 ـ 7000 أسيرا بينما القتلى يتجاوزن الـ 3000 قتيل ـ اكثر من المقاتلتين من أهل الجزيرة ـ … وهنا شاء الله سبحانه وتعالى ان يخبئ لهم ما لم يكن بحسبانهم ، فينما هم في نومهم ، إذا بأحدهم تصور له الأحلام المزعجة ان المسلمون أحاطوا بهم ذلك المكان ، فاستنجد واستصرخ فإذا بهم يقتل بعضهم البعض ، ولم يروا ملاذا الا ان يعودوا الى السفن ، فالقوا بأنفسهم في البحر ، وكان البحر يلتهمهم الواحد تلو الآخر ، فابتلع الكثير الكثير ، وعاد القليل منهم الى السفن ثم ان الله سبحانه وتعالى أرسل عليهم بعد ذلك ريحا عظيمة دمرت كثير من سفنهم وعادوا أدراجهم الى طرابلس وهو يجرون أذيال الخيبة ، وهكذا كان نصر الله تعالى سبحانه للمؤمنين .. ثم انهم بعد ذلك حاولوا ان يعيدوا الكرة بعد عشر سنوات ولكن الله سبحانه وتعالى مكن للمسلمين فاستطاعوا دحرهم مرة أخرى. وهكذا شأن الأيمان وشأن العزيمة الصادقة الموصولة بالله تعالى ، وهذا من وعد الله تعالى للمؤمنين بالنصر والتمكين . فلذلك نقول نحن بان المسلمين في وقتنا هذا هم جميعا يعتبرون على خط النار ، وكل مسلم عليه ان يتصور بانه على ثغرة من ثغرات الإسلام يخشى ان يؤتى الإسلام من قبله . فمن هنا كان على كل مسلم ان يتوب الى الله توبة نصوحا وان يحاسب نفسه على ما قدم وأخر ، وان يطهر نفسه تطهيرا من الغل والحسد ومن كل أهواء النفوس ، لتكون هذه النفوس مترابطة متوائمة ، ولتكون القلوب متآلفة متآخية بمشيئة الله سبحانه ، ليحق نصر الله سبحانه وتعالى لهم .

· سماحة المفتي نحن نرجو ان تلقى هذه الدعوة استجابة من كل مسلم يستمع إليك بأذن الله تعالى .. بالإضافة الى هذا نحن نعلم ان الأوضاع الاقتصادية حاليا هي في يد أعدائنا ، فاليهود سواء جاءت بضائعهم بمسميات إسرائيلية ، أو جاءت بمسميات أخرى ، لا سيما الدول التي تعينهم عونا كثيرا ، تنتشر بضائعهم ويشتريها المسلمون وبذلك تقوى شوكتهم .. كيف يستطيع الفرد المسلم ، بعيدا عن الحكومات والأنظمة ان يضعضع اقتصاد اليهود الغاصبين حتى يمهد بذلك الطريق لتقريب المدة التي يرتكسون فيها الى القرار الأسفل بأذن الله تعالى ؟

· نعم المسلم عليه ان يسهم بكل ما استطاع في هذا الامر ، ومعنى ذلك ان كل بضاعة يعرف أنها صناعة يهودية عليه يتفادى شراءها، وان يستغني عنها بغيرها . وان يحرص دائما على ان يكون تعامله مع ما يرد من البلاد الإسلامية ان أمكن ، وان لم يمكن ذلك فما يرد من الدول الأخرى التي لا تظهر حقدا وعداءا للمسلمين ولا تتحيز الى جانب اليهود .

· يعني تكون اقل اقترابا من اليهود ؟

· نعم اقل اقترابا

· هذه المقاطعة هل يكتفي المسلم بأن يطبقها بنفسه أو انه تتأكد الدعوة إليها ـ تندب ، تجب ـ ماذا يكون شان الدعوة الى هذه المقاطعة ؟

· بقدر المستطاع من استطاع أن يدعو فعليه إن يدعو بقدر استطاعته .

· سماحة الشيخ من خلال كلامك ابتداء ، علمنا بأن اليهود هم العدو الأول للمؤمنين ، فماذا بالنسبة لتربية الأجيال المؤمنة على بغض اليهود ، كيف يستطيع الأب المسلم أن يربي أبنائه ويغرس فيهم بغض اليهود ؟

· ذلك إنما هو من خلال تعليمهم القرآن الكريم وتفهيمهم مقاصده ومعانيه ، حسبه أن يتلو عليهم قول الله تبارك وتعالى (( لتجدن اشد الناس عداوة للذين ءامنوا اليهود والذين أشركوا )) الله سبحانه ذكرهم قبل المشركين ، وان يقص عليهم ما كان من أخبار كيدهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتآمرهم على دولة الإسلام عندما نشأت ، مع ما لقوه من الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين من حسن المعاملة، ومن الرفق بهم في جميع أحوالهم . لكن أبت نفوسهم الا إن يواجهوا الإحسان بالأساة وان يواجهوا هذا الرفق من المسلمين بالكيد والمؤامرات ، فمن اجل ذلك تم إجلائهم بمشيئة الله سبحانه وتعالى . ثم مع هذا كله تاريخهم ، هم الذين دسوا في الإسلام الدسائس وهم الذين كادوا للمسلمين بشتى الوسائل من اجل تدمير الأمة كما هو معهود .

· سماحة الشيخ الان الأحداث كما نشاهد ونسمع فيها كثير من المشاهد الدامئة ابتداء من قتل الطفل المسلم محمد جمال الدرة ، الذي جعل الله سبحانه وتعالى يقظة كثير من المسلمين بسبب الصور التي نشرت لهذا الطفل وغيره من الأطفال الذين فتلوا والنساء ، والمشاهد المتكررة كل اليوم . هذه الأحداث في حقيقتها هل تدعو المسلم الى اليأس أم أن تحليلكم له أنها تبشر بيوم النصر الموعود ؟

· أما أنا فاني لا اتشائم قط ، والحمد لله أنا متفائل ، ولا ريب أنني أرى ان يقظة المسلمين اليوم هي خير منها بالأمس ، مهما كانت الأحوال سابقا ولكن كان القتال من اجل التراب ولم يكن من اجل العقيدة وكان من اجل العنصرية ولم يكن من اجل الأمة الإسلامية ، فلذلك وقع الناس فيما وقعوا فيه من الذل والهوان . أما اليوم والحمد لله فان شعار الإسلام يتردد على الأفواه ، والكل يعلم أن سبيل النصر هو الإسلام ، لا القوميات الضيقة التي مزقت الأمة كل ممزق ، ولا العصبية للأرض والتراب وانما لاجل مقدسات الإسلام ، ولاجل دين الله تعالى ، ولاجل عقيدة الحق ، ولاجل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ، وهذا مما يبشر بخير ، فهذه الصحوة الإسلامية إنما هي تباشير صبحا مقبل بمشيئة الله وأننا لننتظر وصوله عما قريب ان شاء الله تعالى .

· سماحة المفتي من خلال الإطلاع على سورة التوبة بالأخص في القران الكريم ، نجد كثيرا من الربط بين قضية الجهاد وبين قضية الإنفاق ، فتجد مجموعة آيات في الجهاد تعقبها آيات في الإنفاق ، وهكذا تظل السورة في ترابط أو ربط مستمر بين هذين العنصرين هل هناك رابط كبير بين قضية الإنفاق وبين الجهاد ؟

· وهل يقوم الجهاد الا بإنفاق المال ، ان شحت أيدي الأغنياء عن الأنفاق هل يمكن ان يكون هنالك جهاد ، ان الله سبحانه وتعالى جعل لكل شيئا سببا ، وجعل المال قوام الحال جعل المصالح تقضى بالمال ، ومن بين هذه المصالح الجهاد في سبيل الله ، ولذلك عندما أمر الله سبحانه وتعالى بالإنفاق أطر هذا الإنفاق المأمور به في إطار سبيله فهو تعالى يقول (( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة انبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم )) (( الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى )) الإنفاق المأمور به في سبيل الله ، وان كان سبيل الله وعاء عاما يشمل كل بر ، حتى نفقة الانسان على أهله عندما تكون بنية خالصة يكون ذلك في سبيل الله لكن من المعلوم ان الجهاد على راس الأمور التي يجب ان ينفق المال من اجل تحقيقها ، فالنفقة من اجل الجهاد إنما هي نفقة مقربة الى الله عز وجل بل في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من جهز غازيا كان كمن غزا ) .

· سماحة المفتي هنا سؤال متصل بهذا الموضوع وقد يكون جانبيا بعض الشيء . حينما تقام حملات التبرعات من اجل نصرة المجاهدين الذين يجاهدون بأنفسهم تجد النفوس تتفاعل ، حتى نفوس الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم ، ينفعلون ويأتون إلينا بأموالهم التي لا تشح بها النفوس عادة من مثل مبلغ المائة ببيسة أو النصف ريال ، مع انهم ليسوا أهلا للمعاوضات المالية كما يقول الفقهاء . لكن من باب تربيته على الإنفاق في سبيل الله ومن باب تربيتهم على ان يكونوا مجاهدين كإخوانهم أولئك الذين يجاهدون بأنفسهم . هل الأولى ان تأخذ منهم هذه الأموال أم لا ؟

· نعم . لكن على أي حال مع معرفة أوليائهم بذلك ، والأولى ان تأخذ منهم وان يشجعوا على هذا ، لاجل تربية روح التسامح عندهم وروح حب التضحية .

· السؤال الأخير: جيل النصر لا بد له من مقومات ومن شروط . هل تعتبرون ان الجيل الحالي هو جيل النصر الموعود ؟

· أنا قلت بان الأمور اختلفت ما بين الأمس واليوم ، فاليوم خير من الأمس وارجو ان يكون الغد خيرا من اليوم ان شاء الله . اليقظة التي في نفوس الناس بحيث أابت هذه النفوس الى الله سبحانه وتعالى، وعرفت ان النصر من عند الله ، ولو لم تحقق جميع الإياب لكن سلوك طريق الإياب بحيث أدركت النفوس أن النصر لا يكون الا من عند الله ، لا من العتاد العسكري ولا من أي شيء .. نعم إعداد ذلك العتاد إنما هي سنة من سنن الحياة ولا بد منه ، ولكن على الا يكون المعول عليه وانما المعول على الله تبارك وتعالى ، وان يكون هذا الإعداد إنما هو امتثال لامر الله سبحانه وتعالى لا اجل أن النصر يتحقق به وحده ، فهذه النفوس توجهت الى الله بحيث أدركت أن النصر من عند الله ، وكانت كلمة الإسلام شعار يردد ونحن نرجوا أن يتحول هذا الشعار الى واقع حي ملموس يطبق تطبيقا تاما فلذلك نرجو أن يكون هذا الجيل نفسه هو جيل النصر .

· الجلوس معكم لا يمل ، وان كنت قلت بان هذا هو السؤال الأخير لكن سؤال آخر أرجو أن يكون هو السؤال الأخير . بعيدا عن التعصب المذهبي الضيق المقيت ، الحمد لله المسجد الأقصى له مكانه في نفوس كل المسلمين أيا كانت مذاهبهم ، وهم يسهمون جميعا بأذن الله في تخليصه من أرجاس اليهود . حينما قاد صلاح الدين الأيوبي الجيوش الفاتحة التي طهرت أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين من أرجاس اليهود ، هل كان هنالك دور للإباضية ، نسألكم باعتباركم ممثلا للمذهب الإباضي وعلى راس قائمة علمائه الان . هل كان للإباضية أي دور في ذلك التحرير ؟

· لا ريب أن دور الإباضية كان دورا إيجابيا ليس في عهد صلاح الدين الأيوبي فقط ، بل في عهود كثيرة كما هو معلوم ، ومن اجل هذا كان صلاح الدين يرعاهم مراعاة خاصة في مصر حتى أن مسجد ابن طولون كان في قبضتهم وتحت أيديهم ويقيمون فيه حلقاتهم . فعل ذلك صلاح الدين الأيوبي عرفانا بجميلهم ولاجل مكافأتهم على مواقفهم النبيلة .

· في نهاية هذا اللقاء لا يسعنا الا أن نتوجه إليكم سماحة الشيخ بجزيل الشكر ، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يمتعنا وإياكم بالصلاة في رحاب الطهر والقداسة .

· آمين .. آمين