تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نص لقاء السحاب مع الدكتور أيمن الظواهري



اخو سعد
09-12-2006, 10:31 PM
بسمِ اللهِ، والحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وآلهِ وصحبِهِ ومن والاهُ


الأخُ الكريمُ أيمنُ الظواهريُ السلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

وعليكم السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

يسرُ مؤسسةُ السحابِ للإنتاجِ الإعلاميِ، أن تجريَ حوارَها الثانيَ معكم، بعد قرابةِ عامٍ من الحوارِ الأولِ، وقد مرت خمسُ سنواتٍ على غزوتي نيويوركَ وواشنطنَ المباركتين، ومرت أيضاً أحداثٌ كثيرةٌ منذ الحوارِ الأولِ، فمرحباً بك يا أخانا الكريمَ ضيفاً على مؤسسةِ السحابِ، ونسألُ اللهَ أن يكونَ في هذا الحوارِ تجليةً للحقائقِ، وفائدةً للمجاهدين والمسلمين بل ولكلِ حرٍ طالبٍ للحقِ.

آمين نسألُ اللهَ ذلك.

الأخُ الكريمُ أيمنُ الظواهريُ، في الحقيقةِ لدينا مجموعةٌ مزدحمةٌ من القضايا الهامةِ بل والخطيرةِ، التي نرجو أن نطرحَها على بِساطِ البحثِ والنقاشِ، فلدينا لبنانُ وفلسطينُ والعراقُ وأفغانستانُ والجزائرُ وأمريكا والأوضاعُ في البلادِ العربيةِ والإسلاميةِ وغيرُها، فما رأيكم نبدأُ بلبنانَ وفلسطينَ مثلاً.

لا بأسَ. تفضل.

ما تعليقُكم على هذا الظلمِ البينِ الذي يجري في لبنانَ وغزةَ، وما هو واجبُ المسلمين تجاه ذلك؟

بسمِ اللهِ والحمدُ للهِ والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله وآلِه وصحبِه ومن والاه.
وبعد
هذا الظلمُ والتجني هو مظهرٌ واضحٌ من مظاهرِ العدوانِ الصليبي الصهيونيِ على الأمةِ المسلمةِ. فلما أُسر ثلاثةُ جنودٍ إسرائيليين تداعى الصليبيون جميعاً لمناصرةِ إسرائيلَ، أما أن يقبعُ عشرةُ آلافِ فلسطينيٍ في سجونِ الاحتلالِ اليهوديِ لفلسطينَ المسلمةِ -منهم قرابةُ سَبعمائِة امرأةٍ وطفلٍ- فهذا أمرٌ لا يحركُ للصليبيين ولا للأممِ المتحدةِ شاهدةُ الزورِ الدوليةِ ساكناً.
وعلى الأمةِ المسلمةِ أن تهُبَ بكلِ ما تملكُ لمناصرةِ إخوانِها المسلمين في لبنانَ وغزةَ، كلٌ بما يستطيعُ، وأقوى صورِ مناصرةِ إخوانِنا المسلمين فيهما هو ضربُ مصالحِ اليهودِ والصليبيين المتعاونين معهم، فالقذائفُ والصواريخُ الإسرائيليةُ التي تشوي لحومَ أطفالِنا تأتي من أممِ الغربِ الصليبيِ، التي تدعمُ إسرائيلَ منذُ إنشائِها، والحضارةُ الغربيةُ الصليبيةُ الماديةُ لا تعرفُ لغةَ الأخلاقِ والمبادئِ، بل تفهمُ لغةَ العقابِ والقِصاصِ. فإذا ذاقوا بعضاً مما ينزلونه بنسائِنا وأطفالِنا، فسيبدءون في التخلي عن غطرستِهم وعنادِهم وطمعِهم، وسيسعون لحلِ المشكلةِ بينهم وبين المسلمين.
ويجبُ أن يكونَ التركيزُ على مصالحِهم الاقتصاديةِ، وخاصةً على إيقافِ سرقةِ بترولِ المسلمين المنهوبِ.
ويجبُ أن يعتبرَ كلُ مسلمٍ أن ما يصيبُ المسلمين في لبنانَ وغزةَ يصيبُ ابنَه وابنتَه وأخاه وأختَه وأباه وأمَه.
وعلى الأمة المسلمة أن تعلم أن حكوماتِ البلادِ العربيةِ والإسلاميةِ عاجزةٌ بل ومتواطئةٌ مع أعداءِ الأمةِ، وإسرائيلُ لم تطغَ على لبنانَ وغزةَ إلا لأن مصرَ قد خرجت تماماً من ميدانِ الصراعِ مع إسرائيلَ، بل وأقرت بتخليها عن إعانةِ أيةِ دولةٍ عربيةٍ تعتدي عليها إسرائيلُ في المادةِ السادسةِ من معاهدةِ السلامِ مع إسرائيلَ، التي تؤكدُ على أولويةِ وعلوِ معاهدةِ السلامِ على أي اتفاقٍ آخرَ، وبهذا نفضت مصرُ يدَها رسمياً من معاهدةِ الدفاعِ العربيِ المشتركِ -المقبورةِ منذ زمنٍ طويلٍ- التي تلزمُ الدولَ العربيةَ بالتعاونِ على صدِ أيِ عدوانٍ يقعُ على أيٍ منها. ثم تتابعت الدولُ العربيةُ خلفَ مصرَ في هذا التملصِ.
وقد تجلى هذا التواطؤُ بوضوحٍ في مواقفِ حكامِ مصرَ والسُعوديةِ والأردنِ من العدوانِ الإسرائيليِ على غزةَ ولبنانَ.
إن كلَ الحكوماتِ في بلادِ العربِ والمسلمين أعضاءٌ في الأممِ المتحدةِ، التي يلزمُهم ميثاقُها بالمحافظةِ على أمنِ وسلامةِ ووحدةِ أراضي إسرائيلَ، لأنها عضوةٌ مثلُهم في الأممِ المتحدةِ، هذه حقيقةٌ أوضحُ من الشمسِ.
إن حكوماتِ كلِ الدولِ العربيةِ والإسلاميةِ قد اعترفت بشرعيةِ الأممِ المتحدةِ التي تحاولُ أن تقبرَ فلسطينَ، وأن تمحوَها من الوجودِ وتستبدلَ بها إسرائيلَ.
والأممُ المتحدةُ تحاولُ أن تفرضَ حول إسرائيلَ نطاقاً من اتفاقياتِ الاستسلامِ والقواتِ الدوليةِ، لتحولَ دون المسلمين وتحريرِ فلسطينَ، ولتعزلَ المجاهدين في فلسطينَ عن المجاهدين خارجَها، لذا يجبُ على الأمةِ المسلمةِ أن ترفضَ كلَ هذه الاتفاقياتِ وكلَ تلك القواتِ الدوليةِ، وأن تنشأَ قواعدَها الجهاديةَ على حدودِ فلسطينَ رُغم أنفِ أعداءِ المسلمين، الذين يسعون لتحويلِ إسرائيلَ لحقيقةٍ واقعةٍ دائمةٍ.
ولذا على المسلمين في كلِ مكانٍ أن يسعوا بكلِ ما يستطيعون لتحطيمِ هذه الحواجزِ التي أُنشئت وتُنشأُ حول فلسطينَ، وألا نيأسَ مهما طال الزمنُ من الوصولِ لفلسطينَ والتواصلِ مع مجاهديها لتحريرِ أولى القبلتين وثالثِ الحرمين.

ولكن القصفَ الإسرائيليَ على لبنانَ كان عنيفاً جداً، فبماذا تطالبون المسلمين في لبنانَ ومناصريهم في العالمِ الإسلاميِ؟

أطالبُهم بألا يستسلموا لضغوطِ الغربِ الصليبيِ، وأن يشنوا حرباً جهاديةً شعبيةً ضد الغزوِ الصليبيِ وضد كلِ من يحاولُ أن يحولَ بين المجاهدين وتحريرِ فلسطينَ.
فليس معقولاً أنه كلما قَصَفنا أعداءُ الإسلامِ نستسلمُ، ونسلمُ لهم بما يريدون. فقد قصف العدوُ الصليبيُ أبناءنا ونساءنا في الشيشانِ وأفغانستانَ والعراقِ، ومع ذلك لم يستسلمْ المجاهدون، ولم يقبلوا بمشاريعِ العدوِ الصليبيِ، وواصلوا المقاومةَ الجهاديةَ الشعبيةَ التي أنهكت العدوَ من نزيفِه المتواصلِ.
وعلى المسلمين في لبنانَ أن يتحرروا من قيودِ الارتباطاتِ السياسيةِ ومن ضيقِ حدودِ سايكس بيكو، وأن يشنوا جهادَهم في سبيلِ اللهِ بعيداً عن مصالحِ الدولِ وأطماعِها في معركةٍ تتكاملُ مع جهادِ كلِ الأمةِ ضد الحملةِ الصليبيةِ المعاصرةِ، ويخوضوا حربَ جهادٍ شعبيةً لا تتوقفُ، حتى يكونَ الدينُ كلهُ للهِ. فالحربُ الجهاديةُ الشعبيةُ هي أخوفُ ما يخافُه العدوُ الصليبيُ الصهيونيُ، وقد مرغت أنفُه في الترابِ في الشيشانِ وأفغانستانَ والعراقِ.

ولكن قد يجادلُ البعضُ بأن هذا قد يكونُ فوق طاقةِ أهلِ لبنانَ.

يقولُ الحقُ تبارك وتعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾. فإذا عجز المسلمون عن دفعِ العدوِ، فلابد من الإعدادِ لذلك، ولكن الأمرَ الهامَ والخطيرَ أن لا يقبلَ المسلمون في لبنانَ بالقراراتِ الدوليةِ، وخاصةً بقرارِ مجلسِ الأمنِ الأخيرِ رقمِ ألفٍ وسَبعمائةٍ وواحدٍ، تلك القرارات التي تسعى لحصارِ المجاهدين وحمايةِ اليهودِ في فلسطينَ. يجب ألا نقبلَ بهذه القراراتِ، وألا نساعدَ في ترسيخِ وجودِ إسرائيلَ وحمايتِها بالقراراتِ والاتفاقياتِ الدوليةِ.
أخي الكريم. إن المصيبةَ الكبرى في القرارِ ألفٍ وسبعمائةٍ وواحد وأمثالِه من قراراتِ إذلالِ المسلمين أنه يقرُ بوجودِ الدولةِ العبريةِ، وبعزلُ المجاهدين في فلسطينَ ويفصلَهم عن المسلمين في لبنانَ، ويرسخُ هذا الانفصالَ بقواتٍ دوليةٍ معاديةٍ للإسلامِ، ويؤكدُ على تجريمِ الجهادِ ضد الدولةِ اليهوديةِ، وعلى حقِها في ضربِ المجاهدين، وللأسفِ فإن كلَ من يوافقُ على هذا القرارِ يقرُ بكلِ هذه الكوارثِ.

هل نستطيعُ أن نستنتجَ من كلامِكم هذا أنكم تعتبرون فلسطينَ القضيةَ المركزيةَ للأمةِ المسلمةِ، وأن مشكلةَ لبنانَ متفرعةٌ عنها أو تابعةٌ لها أو تاليةٌ لها في الأهميةِ؟

لا شك في ذلك، وقبل كلِ هذا فإن مشكلةَ فلسطينَ ومشكلةَ لبنانَ وباقيَ مشاكلِنا محكومةٌ بأحكامِ الشريعةِ الإسلاميةِ، ولا يمكنُ أن نحلَها حلاً يناقضُ شريعةَ الإسلامِ، هذا هو الأصلُ، أما من حيثُ التطبيقِ، فليس أيضاً من المقبولِ أن نعالجَ قضيةَ لبنانَ علاجاً يجني على قضيةِ فلسطينَ، زدْ على هذا أننا أمةٌ واحدةٌ نقاتلُ حرباً واحدةً على جبهاتٍ متعددةٍ، فكلُ قضايا المسلمين في الشيشانِ وكشميرَ وأفغانستانَ والعراقِ وفلسطينَ ولبنانَ والجزائرِ هي قضايانا ومعاركُنا.

ولكن البعضَ يقولُ إن ما تدعون إليه ضربٌ من الجنونِ وتجاهلٌ لحقائقِ السياسةِ الدوليةِ؟

هذا التفكيرُ هو الذي أوصلنا لما وصلنا إليه، ففي كلِ مرةٍ نخالفُ ثوابتَ الإسلامِ ونخضعُ لشرعيةِ الدولِ الكافرةِ وننحني لقراراتِها، حتى نشتري بدينِنا وحقِنا ثمناً قليلاً، نخسرُ الدينَ والدنيا معاً، وحقائقُ السياسةِ الدوليةِ هي حقائقُ إذلالِ المسلمين وقهرِهم بأيدي الطواغيتِ المتحكمين في هذا العالمِ. ولذلك لا يقبلُ بها إلا من هان عليه دينُه وشرفُه وعزتُه. وعقلُهم الذي يزعمونه قال عنه المتنبي:
يرى الجبناءُ أن العجزَ عقلٌ وتلك خديعةُ الطبعِ اللئيمِ
أخي الكريمَ. حقائقُ السياسةِ الدوليةِ -هذه التي يتحدثون عنها- تنشأُ مما يسمونه بالشرعيةِ الدوليةِ والأممِ المتحدةِ والدولِ العلمانيةِ ثمارِ شجرةِ سايكسَ بيكو الخبيثةِ، وكلُ هذه النظمِ فُرضت على الأمةِ المسلمةِ بعد سقوطِ دولةِ الخلافةِ لتقهرَها على الرضوخِ لنظمٍ وهيئاتٍ مخالفةٍ لشريعةِ الإسلامِ، ولتضمنَ تفتتَ وتشرذمَ الأمةِ المسلمةِ، الأمرُ الذي يؤدي في النهايةِ لإبقاءِ الأمةِ المسلمةِ تابعةً ذليلةً منهوبةً، لقد آن الأوانُ لنحطمَ هذه الأوثانُ والأصنامُ التي فرضوا علينا عبادتَها من دونِ اللهِ.

ولكن من يقومُ بهذا العبءِ ليحشدَ الأمةَ في ميدانِ المواجهةِ ضد أعدائِها؟

الطليعةُ المجاهدةُ للأمةِ المسلمةِ، لأن الهيئاتِ المنتسبةَ للإسلامِ التي تخلت عن الجهادِ واعترفت بشرعيةِ الطغاةِ أعجزُ من أن تواجهَ العدوَ الصائلَ، ولم تبقَ إلا الأمةُ المسلمةُ بطليعتِها المجاهدةِ في ميدانِ المواجهةِ، تدافعُ عن عقيدةِ الأمةِ وحرماتِها وديارِها ومقدراتِها.

ولكن كثيراً من الأسماءِ الرنانةِ والهيئاتِ ذاتَ التاريخِ تضللُ الأمةَ في متاهاتِ السياسةِ لتحرفَها عن المواجهةِ.

كلُ من يحاولُ أن يصرفَ الأمةَ عن ذلك فهو إما خادعٌ لها أو معينٌ عليها، أو الأمران معاً. وما حدث في قانا والمجازرَ اليوميةَ -التي لا تتوقفُ- في غزةَ تعني أننا أصبحنا عند أعدائِنا أمةٌ بلا ثمنٍ، وأننا لن نقيمَ دينَنا ونستعيدَ كرامتَنا إلا بقتالِ الصليبيين والصهاينةِ وعملائِهم.

في الحقيقةِ هذه الإجابةُ تستدعي أكثرَ من سؤالٍ:
) فأولاً) ما هي الأهدافُ التي يجبُ أن يضربَها المجاهدون؛ هل هي الأهدافُ العسكريةُ للصليبيين واليهودِ أم المدنيةُ أيضاً؟ وما هو مبررُ ذلك؟
) وثانياً) هل يقتصرُ الجهادُ ضد إسرائيلَ على قتلِ اليهودِ في فلسطينَ فقط؟
) وثالثاً) هل سيستجيبُ الصليبيون والصهيونيون للضرباتِ العنيفةِ؟ أم أن المجاهدين ينطحون الصخرَ برؤوسِهم؟

بالنسبةِ للأهدافِ التي يجبُ أن يتقصدَها المجاهدون؛ فهي كلُ هدفٍ تؤثرُ إصابتُه في إضعافِ الحملةِ العدوانيةِ الصليبيةِ الصهيونيةِ على ديارِ الإسلامِ، وتقسيمُ الناسِ لعسكريين ومدنيين لم يأتِ في الشريعةِ، ولكن الشريعةَ قسمت الناسَ لمقاتلين وغيرِ مقاتلين، والمقاتلُ في مقياسِ الشريعةِ هو كلُ من يقاتلُ بنفسِه، أو يعينُ على القتالِ بمالِه أو برأيِه، فدريدُ بنُ الصمةِ قُتل يومَ حنينٍ وهو شيخٌ كبيرٌ لاستعانةِ هوازنَ برأيه.
وشعوبُ الغربِ الصليبيِ في ميزانِ الشريعةِ هي شعوبٌ محاربةٌ مقاتلةٌ للمسلمين، لأن هذه الشعوبَ قد اختارت حكامَها ومجالسَها النيابيةَ بإرادتِها الحرةِ، أي أنها قد اختارت السلطةَ التنفيذيةَ التي تمارسُ العدوانَ ضد الإسلامِ والمسلمين، واختارت السلطةَ التشريعيةَ، التي تراقبُ وتحاسبُ السلطةَ التنفيذيةَ، وتقرُ أو ترفضُ من سياساتِها ما تشاءُ، وهذه الشعوبُ هي أيضاً التي تدفعُ الضرائبَ لتمويلِ حملاتِ العدوانِ على المسلمين، وهي التي تُمِدُ الجيوشَ الغازيةَ لبلادِ الإسلامِ بالرجالِ والمالِ والخبراتِ، وهي التي توفرُ الرجالَ والكفاءاتِ لأجهزةِ الأمنِ الصليبيةِ التي تسعى للنكايةِ في المسلمين، وحتى المعارضين لسياساتِ الحكوماتِ الصليبيةِ من هذه الشعوبِ يعتبرون أن هذه الحكوماتِ حكوماتٌ شرعيةٌ، من حقِها أن تأمرَهم بالمشاركةِ في القتالِ ضدنا، وأن عليهم أن يسمعوا لها ويطيعوا.
كما أن الأحزابَ السياسيةَ في الغربِ الصليبيِ كلَها أيدت إنشاءَ إسرائيلَ واغتصابَها لفلسطينَ، ولا زالت حتى اليومِ تؤيدُ بقاءَها ووجودَها، بل وتدعمُها بالمالِ والسلاحِ والخبراتِ والرجالِ.

وماذا عن قصرِ العملياتِ من أجلِ تحريرِ فلسطينَ ضد اليهودِ داخلَ فلسطينَ فقط؟

الداعي لهذا الرأيِ إن كان يظنُه أمراً شرعياً فهو خاطئٌَ لأن الحقَ تباركَ وتعالى يقولُ: ﴿وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً﴾، أما إن كان يدعو إليه من بابِ المصلحةِ، فهو خاطئٌ أيضاً، لأنه يحمي العدوَ الصليبيَ الصهيونيَ خارجَ فلسطينَ، ويبررُ للقاعدين من علماءِ السلاطينِ وأشباهِهم قعودَهم عن نصرةِ المسلمين في فلسطينَ، فلا يمكنُ أن نرى إخوانَنا في لبنانَ وفلسطينَ يقتلون بيدِ اليهودِ وبدعمِ الغربِ الصليبيِ، ثم نقفُ صامتين لا نحركُ ساكناً. إن نصرةَ إخوانِنا المسلمين في لبنانَ وفلسطينَ ونصرةَ المسلمين المعتدى عليهم في كلِ ديارِ الإسلامِ فريضةٌ شرعيةٌ على كلِ مسلمٍ. يجبُ أن يدفعَ اليهودُ والصليبيون في كلِ مكانٍ ثمنَ قتلِ إخوانِنا المسلمين في لبنانَ وفلسطينَ وفي سائرِ ديارِ الإسلامِ.
وهناك نقطةٌ هامةٌ أودُ أن ألفتَ انتباهَ المسلمين لها، وهي أن القتالَ ضد الغزاةِ في لبنانَ وفلسطينَ والعراقِ وكشميرَ والشيشانِ وفي كلِ مكانٍ يجبُ أن يكونَ مبنياً على العقيدةِ الإسلاميةِ، وليس على أيِ توجهٍ آخر، فلا يجبُ أن يكونَ قتالُنا من أجلِ احترامِ ميثاقِ الأممِ المتحدةِ ولا قرارتِها ولا سلامةِ أراضي أعضائِها، التي من ضمنِهم إسرائيلُ، ولا من أجلِ تحقيقِ معاهدةِ الهدنةِ ولا اتفاقِ وقفِ إطلاقِ النارِ ولا تأكيدِ خطوطِ سايكسَ بيكو، ولا الاعترافِ بالشرعيةِ الدوليةِ، ولكن يجبُ أن يكون قتالُنا جهاداً في سبيلِ اللهِ، حتى يكونَ الدينُ كلُه للهِ. جهادٌ يسعى لتحريرِ فلسطينَ كلِ فلسطينَ، وتحريرِ كلِ أرضٍ كانت دارَ إسلامٍ، من الأندلسِ حتى العراقِ.

وبالنسبة للبنان تحديداً هل لديكم نصيحةٌ للمسلمين حول السعيِ في ردعِ إسرائيلَ عن العدوانِ عليها؟

إني أدعو كلَ مسلمٍ مخلصٍ يستطيعُ الوصولَ لجنوبِ لبنانَ أن يبادرَ بذلك للنكايةِ في القواتِ الصهيونيةِ الغازيةِ للبنانَ. يجبُ علينا أن نثخنَ -بعونِ اللهِ- في تلك القواتِ، وأن نسعى -بكلِ ما نملكُ- لإنشاءِ قاعدةٍ جهاديةٍ على حدودِ فلسطينَ، تتواصلُ مع المجاهدين داخلَها من أجلِ تحريرِ بيتِ المقدسِ، ومن أجلِ إعادةِ كلِ حبةِ رملٍ في فلسطينَ للمسلمين.

وماذا عن الذين يشككون في جدوى العملياتِ الجهاديةِ ضد اليهودِ والصليبيين؟

هؤلاءِ يشكلون ظاهرةً مرضيةً في تاريخِ كلِ الأممِ، وقد سجل تخاذلهَم وذمَهم للمجاهدين القرآنُ الكريمُ حيث يقولُ الحقُ تباركَ وتعالى: ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَـؤُلاء دِينُهُمْ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾، وحيثُ يقولُ سبحانه: ﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا﴾.
وهؤلاء يتعامون عن الكارثةِ التي لحقت بأمريكا بسبب غزوتي نيويوركَ وواشنطنَ المباركتين، ويتعامون عن الورطةِ التاريخيةِ التي تورطت فيها أمريكا في العراقِ وأفغانستانَ، ويتجاهلون الهزيمةَ الكبرى التي لحقت بروسيا -القوةِ العظمى- في أفغانستانَ.

حسناً ننتقلُ للعراقِ بعد إذنِكم.

لا بأس تفضل.

في العراقِ اليومَ تيارٌ يقودُ الجهادَ ضد التحالفِ الصليبيِ بقيادةِ أمريكا، ويعلنُ عقيدةَ السلفِ الصالحِ بوضوحٍ وجلاءٍ، وينصرُها بيدِه ولسانِه ودمِه ومالِه، وهو تيارُ الجهادِ والمجاهدين، وقد بارك اللهُ في تضحياتِهم، حيث –كما ذكرتم- تورطت أمريكا في العراقِ ورطةً تاريخيةً، وتيارٌ آخرُ يدعو لمهادنةِ الأمريكانِ ولوقفِ المقاومةِ الجهاديةِ ضدهم بزعمِ أن الأمريكانَ سيبقون ما بقيت المقاومةُ، وسيرحلون إذا اطمئنوا لانتهاءِ المقاومةِ. ما تعليقُكم على ذلك؟

أرجو السماحَ لي بشيءٍ من التفصيلِ هنا لخطورةِ القضيةِ.

تفضل.

حاولت أمريكا للالتفافِ على المقاومةِ الجهاديةِ الإسلاميةِ ضدها في العالمِ الإسلاميِ أن تتعاونَ وتتفقَ وتنسقَ مع ثلاثِ اتجاهاتٍ، أحدُ هذه الاتجاهاتِ هو تيارٌ يتاجرُ بالدينِ، وينشرُ الخزعبلاتِ والخرافاتِ، ويسيطرُ على أتباعِه بزعمِ أن له صلةً بالغيبِ ترشدُه وتوجهُه، وهذا التيارُ تعاون مع المحتلِ الأمريكيِ قبلَ وأثناءَ الغزوِ وبعدَ دخولِه للعراقِ. وكون هذا التيارُ بإشرافِ الأمريكانِ وتحت إدارتِهم التشكيلاتِ العسكريةَ الأساسيةَ المساندةَ للمحتلِ والمعتديةَ على المجاهدين وعلى عمومِ المسلمين في العراقِ، وتناسى هذا الاتجاهُ وقادتُه الدجاجلةُ شعاراتِ الموتِ لأمريكا، تلك الشعاراتُ التي بادت، وحل محَلَها شعارُ التعاونِ مع المحتلِ من أجلِ حفظِ الأمنِ، وتخلى هذا الاتجاهُ عن حاكميةِ الشريعةِ، وشكل المِخلبَ الأساسيَ الذي ينهشُ به المحتلُ الصليبيُ في جسدِ الأمةِ المسلمةِ في العراقِ. ولذلك يحرصُ هذا الاتجاهُ –اتجاهُ الدجالين المتاجرين بالدينِ- على ترديدِ وهمِ أنه طالما بقيت المقاومةُ فسيبقى الاحتلالُ.
ولذا يجبُ على الأمةِ المسلمةِ في كلِ مكانٍ أن تنتبَه وتحذرَ من هذا الاتجاهِ المتمسحِ بالإسلامِ، وأن تصدعَ في وجهِه بالحقِ، وأن تقولَ له إن الاحتلالَ سيرحلُ تحت قرعِ ضرباتِ المقاومةِ المجاهدةِ، أو إذا تحول كلُ أحرارِ العراقِ ومجاهديه لخونةٍ دجالين مثلَكم يتاجرون بالدينِ من أجلِ عرضٍ من الدنيا قليلٍ، وتحولوا لعملاءَ للمخابراتِ الأمريكيةِ، وحماةٍ للمصالحِ الصليبيةِ اليهوديةِ، فحينئذٍ سيرحلُ الاحتلالُ لأنه سيطمئنُ أن مصالحَه تتحققُ ضد الأمةِ المسلمةِ على أيدي الخونةِ تجارِ الدينِ أمثالِكم، ولكن طالما بقي في عراقِ الخلافةِ والإسلامِ أحرارٌ يضحون من أجلِ دينِهم ويبتغون رضا ربِهم، فسيرحلُ الاحتلالُ من نزيفِه المتدفقِ من ضرباتِهم، وإن رغُمت أنوفُ الدجالين والصليبيين.
هؤلاء الدجالون فُضِحوا فضيحةً تاريخيةً لا يغسلها ماءُ البحارِ، فسيذكرُ التاريخُ أنه لما غزا الصليبيون العراقَ تصدى له الأحرارُ المجاهدون، وتعاون معه الدجالون تجارُ الدينِ ضد المسلمين، تعاونوا معه عن عمدٍ وقصدٍ وطلبٍ وعلمٍ تامٍ بأهدافِه ومعرفةٍ تامةٍ بمدى بشاعةِ الخيانةِ التي يمارسونها من أجلِ السلطةِ والمناصبِ والمغانمِ، هؤلاء مجرمون ارتكبوا جريمةً كاملةَ الأركانِ.
يروى ابنُ الجوزي -رحمه اللهُ- في المنتظمِ أن سِنانَ بنَ أنسٍ النخعيَ حملَ على الحسينِ رضي اللهُ عنه، فطعنَهُ بالرُمحِ، فوقعَ، فنزلَ إليهِ، فذبحَهُ، واجتزَ رأسَهُ، وجاءَ سنانُ حتى وقَفَ على فِسطاطِ عمرو بنِ سعدٍ ثم نادى:
أوقرْ ركابيَ فضةً وذهباً فقدْ قتلتُ السيدَ المحجبَا
قتلتُ خيرَ الناسِ أماً وأباً وخيرَهم إذ ينسبونَ نسباً
فقالَ لهُ عمرو: يا مجنونُ تتكلمُ بهذا الكلامِ؟.
قتل سنانُ بنُ أنسٍ النخعىُ الحسينَ بنَ عليٍ -رضي اللهُ عنهما- عامداً متعمداً قاصداً حريصاً طالباً له متتبعاً، وهو يعلمُ من هو الحسينُ؟ ولماذا خرج؟ ولماذا يقاتلُه أعداؤه؟ وكان باعثَه على قتلِ الحسينِ -رضي اللهُ عنه- هو طلبُ المالِ والمغنمِ، ولو أدى ذلك لسخطِ اللهِ ولعنتِه وعذابِه، وطعنَ الحسينَ -رضي اللهُ عنه- قاصداً قتلَه، فتم له ما أراد، وتحققت نتيجةُ القصدِ والفعلِ.
إذن هي جريمةٌ كاملةُ الأركانِ، توفر فيها القصدُ الإجراميُ الناشئُ عن الباعثِ الإجراميِ، الذي تبعه الفعلُ الإجراميُ ثم النتيجةُ الإجراميةُ. جريمةٌ كاملةُ الأركانِ عند كلِ قضاةِ البشرِ.
وكذلك بالضبطِ هؤلاء الدجالون تجارُ الدينِ تعاونوا مع المحتلِ الصليبيِ قبلَ وصولِه لأرضِ العراقِ عامدين قاصدين حريصين طالبين باحثين عن المغنمِ والسلطةِ، وهم يعلمون من هو هذا المحتلُ الصليبيُ؟ وماذا يريدُ؟ وإلى ماذا يهدفُ؟ وما هي مخططاتُه لاستعبادِ الأمةِ المسلمةِ وإذلالِها وتقسيمِها والتمكينِ لإسرائيلَ وتوسيعِ رقعةِ احتلالِها؟ ثم شاركوا المحتلَ في جرائِمه، وساندوه في معاركِه، وقاتلوا المجاهدين، ولعنوهم على الملأِ إرضاءً له، وتحققت نتيجةُ قصدِهم وفعلِهم بقتلِ آلافِ المسلمين والتنكيلِ بهم والدفاعِ عن قواتِ الصليبيين.
إذن هذه أيضاً جريمةٌ كاملةُ الأركانِ مثلُ جريمةِ سنانِ بنِ أنسٍ النخعيِ في قتلِ الحسينِ بنِ عليٍ رضي اللهُ عنهما. جريمةٌ كاملةُ الأركانِ لو عُرضت على أي قاضٍ منصفٍ فلن تجدَ منه إلا الإدانةَ والعقوبةَ.
وكما لم يستحِ سنانُ بنُ أنسٍ وهو ينادي عمرو بنَ سعدٍ
أوقرْ ركابيَ فضةً وذهباً فقدْ قتلتُ السيدَ المحجبَا
قتلتُ خيرَ الناسِ أماً وأباً وخيرَهم إذ ينسبونَ نسباً
فهؤلاء الدجالون لم يستحوا أيضاً، وهم يخاطبون بريمرَ وبوشَ وزلمي خليل زاده: أوقروا ركابَنا فضةً وذهباً، فقد حاربنا المسلمين في صفِكم وتحت صليبِكم، ولعنَّا المجاهدين، وحرضنا الناسَ على كفِ التعاونِ معهم والوشايةِ بهم ومحاربتِهم، فأين نصيبُنا من المغانمِ والأسلابِ؟

إذن هذا عارٌ تاريخيٌ تتناقلُه الأجيالُ.

نعم لا شك هو عارٌ تاريخيٌ ينقلُه الجيلُ للجيلِ، كما نُقِلت إلينا خيانةُ أبي رغالٍ وخيانةُ أهلِ الكوفةِ للحسينِ رضي اللهُ عنه، وخيانةُ ابنِ العلقميُ للمسلمين في العراقِ، وخيانةُ الخديوي توفيقُ بتحالفِه مع الإنجليزِ لاحتلالِ مصرَ، وخيانةُ الشريفِ الحسينِ بنِ عليٍ وعبدِ العزيزِ آلِ سعودٍ في تواطئهِما مع الإنجليزِ ضد الدولةِ العثمانيةِ، وخيانةُ الساداتِ بذهابِه للكنيستِ وتوقيعِه اتفاقياتِ الاستسلامِ مع إسرائيلَ، وخيانةُ المنتسبين للجهادِ السابقِ مع قواتِ التحالفِ الصليبيِ بقيادةِ أمريكا في كابلَ. وخيانةُ مشرفٍ للمسلمين في باكستانَ وأفغانستانَ. كلُ هذه خياناتٌ موثقةٌ مسجلةٌ لا يستطيعُ أصحابُها منها فكاكاً ولا تملصاً.
لقد سقطت كثيرٌ من الأقنعةِ، ففي الوقتِ الذي كانت القاصفاتُ الإسرائيليةُ تَدكُ فيه القرى والبيوتَ في غزةَ ولبنانَ، كان الخونةُ في بلادِنا يتصافحون مع الصليبيين ويتعانقون ويتوددون ويتآمرون، ومن أبرزِ هؤلاءِ المتآمرين؛ حكامُ مصرَ والجزيرةِ والأردنِ والخونةُ في العراقِ الذين يستظلون بصليبِ أمريكا الشيطانِ الأكبرِ! فيا أيها الخونةُ: لماذا تعانقون في العراقِ من يقتلُ إخوانَكم في لبنانَ؟ لماذا لا تقاتلون في العراقِ من يمزقُ أجسادَ من تزعمونهم إخوانَكم في لبنانَ؟ لماذا تخدُمون في العراقِ وتدافعون عمن يقتلُ من تعتبرونهم إخوانَكم في لبنان؟ لقد ذهب شعارُ (الموتُ لأمريكا. الموتُ لإسرائيل)، وحل محَلَه (الحكمُ من أمريكا والسِلمُ مع إسرائيلَ). لقد ذهب نوري المالكيُ ليتسولَ في واشنطنَ بقاءَ قواتِها في العراقِ، بينما صواريخُها تمزقُ أجسادَ النساءِ والأطفالِ في قانا وغزةَ.
ويهمني هنا أن أستخلصَ ثلاثَ نتائجَ خطيرةٍ، أرجو من كلِ مسلمٍ أن يتدبرَ فيها، وأن يتخذَ موقفاً حيالَها، وأن يُعِدَ جواباً عن موقفِه منها يومَ القيامةِ:
النتيجةُ الأولى: أن ما يقومُ به تجارُ الدينِ الدجاجلةُ الخونةُ في العراقِ، يصبُ في مصلحةِ أمريكا، بل ويصبُ أيضاً بصورةِ مباشرةٍ في مصلحةِ الكيانِ الصهيونيِ، وحمايتِه ودعمِه وتوسعِه، بتحويلِ العراقِ لقاعدةٍ أمريكيةٍ مستقرةٍ تحافظُ على سلامةِ الجبهةِ الشرقيةِ المواجهةِ لإسرائيلَ، فليس هناك خدمةٌ تقدمُ لإسرائيلَ أكبرُ من تحويلِ العراقِ لقاعدةٍ مستقرةٍ لأمريكا.
النتيجةُ الثانيةُ: أن الخيانةَ التي قامَ بها الدجاجلةُ تجارُ الدينِ في العراقِ، يمكنُ أن يكرروها في أي بلدٍ آخر يقعُ على قائمةِ العدوانِ لدى الصليبيين والصهاينةِ.
النتيجةُ الثالثةُ: أن هذا التيارَ المتاجرَ بالدينِ المتعاونَ مع عدوِ الأمةِ لا يمكنُ أن تسندَ الأمةُ قيادتَها له، لأنه يبيعُها باسمِ الإسلامِ لأعداء الإسلام.

إذن وما السبيلُ للنجاةِ من هذه المهالكِ لمن تورطَ فيها في العراقِ وأفغانستانَ مثلاً؟

السبيلُ هو التوبةُ إلى اللهِ وإبدالُ الحسناتِ بالسيئاتِ، بأن يعودوا لجادةَ الإسلامِ والجهادِ، وينابذوا الأمريكانَ، ويعينوا المجاهدين، ويقفوا في صفِهم.

وهل تتوقع أخانا الكريمَ أنهم سيفعلون ذلك؟

والله ما علينا إلا البلاغُ. يقول الحقُ تبارك وتعالى: ﴿فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ﴾.

حسناً ننتقل لأحوالِ قاعدةِ الجهادِ في بلادِ الرافدين بعد استشهادِ الشهيدِ –كما نحسبُه- الأميرِ أبي مصعبٍ الزرقاويِ، كيف تراها الآن؟

لا شك أن استشهادَ أبي مصعبٍ –رحمه اللهُ- خسارةٌ للجهادِ والمجاهدين، ولكن قاعدةَ الجهادِ -بفضلِ اللهِ- هي فصيلٌ من فصائلِ الصحوةِ الجهاديةِ، التي تزدهرُ في الأمةِ المسلمةِ، وتنشرُ فيها معانيَ التوحيدِ والجهادِ والأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ والعزةِ والكرامةِ. وأبو مصعب ليس إلا جندياً من جنودِ الإسلامِ المدافعين عن رايةِ النبيِ -صلى اللهُ عليه وسلم- ضد قوى الكفرِ والعمالةِ والخيانةِ. وقد كفانا زلمي خليل زاده البيانَ حين قرر أن نشاطَ القاعدةِ في العراقِ لم يتأثرْ بمقتلِ أبي مصعبٍ رحمه اللهُ، والفضلُ ما شهدت به الأعداءُ.
ونحن مستبشرون استبشاراً كبيراً بانتقالِ رايةِ الجهادِ والمقاومةِ لأبي حمزةَ المهاجرِ، وفقه اللهُ لكلِ خيرٍ، وجمع به صفوفَ المجاهدين، ونصره -وإخوانَه المجاهدين- على أعدائِهم من الصليبيين والخونةِ.

هناك كلامٌ كثيرٌ قيل عن موقفِ القاعدةِ في العراقِ من بعضِ فئاتِ الشعبِ العراقيِ، ما حقيقةُ ذلك بصورةٍ واضحةٍ؟

نعم. دعني أكن معك صريحاً ومحدداً في هذه النقطةِ بالذاتِ. لقد كانت تعليماتُ الشيخِ أسامةَ -حفظه اللهُ- للإخوةِ في العراقِ وعلى رأسِهم أبي مصعبٍ -رحمه اللهُ- واضحةً ومحددةً، فقد طلب منهم أن يركزوا على الأمريكانِ، وأن يحيدوا باقي القوى قدرَ استطاعتِهم، ولكنه أعطاهم شيئاً من حريةِ الحركةِ، فقال لهم: ولكن الشاهدَ يرى ما لا يرى الغائبُ، وقال لهم ذلك لسببين، الأولِ ليعطيَهم حريةَ الحركةِ في التصدي لأيِ تيارٍ يوالي الأمريكانَ على المسلمين في العراقِ، أياً كان جنسُه أو مذهبُه، والسببِ الثاني ليعطيَهم حريةَ الحركةِ ضد أي تيارٍ مثيرٍ للفتنةِ، يشنُ حربَ إبادةٍ ضد المسلمين في العراقِ.
وقد اتضح للجميعِ أن هناك حربُ إبادةٍ تُشنُ ضد المسلمين في العراقِ، وأن هذه الحربَ تقومُ بها قواتٌ تابعةٌ للحكومةِ العراقيةِ، تستغلُ صفتَها الرسميةَ في تنفيذِ جرائمِها ومذابحِها، وأن وزارةَ الداخليةِ والهيئاتِ الأمنيةَ لها سجونُها السريةُ، التي يُنكلُ فيها بالمسلمين، وتُزهَقُ أرواحُهم، وتُشوهُ أجسادُهم، هذا أمرٌ اعترف به القاصي والداني، حتى الأمريكانِ أنفسِهم كشفوه، ليتبرءوا من تبِعةِ بشاعتِه.

ولكن هناك فئاتٌ تتهمُكم بأنكم كنتم البادئين في هذا الصراعِ، وأنتم الذين أشعلتموه.

هذا لا يمكنُ أن يكونَ، ولا يصدقُه عاقلٌ، فمن البديهيِ أن المنشغلَ بمقاتلةِ الأمريكانِ يكونُ أحرصَ الناسِ على تقليلِ أعدائِه وتكثيرِ أصدقائِه، كيف لا وهو يواجهُ أقوى قوةٍ في العالمِ، هذه واحدةٌ، الثانيةُ أن العراقَ فيه كثيرٌ من الطوائفِ من غيرِ المسلمين كالنصارى واليهودِ وغيرهم، ولم تتعرضْ لهم القاعدةُ بشيءٍ، لأن القاعدةَ في العراقِ منشغلةٌ بجهادِ المحتلِ الصليبيِ، فكلُ من أعان الأمريكانَ باليدَ واللسانِ على المسلمين في العراقِ فنحن ضده. يقولُ الحقُ تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {51} فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾.
أما الذين اتفقوا مع الأمريكانِ من قبلِ الغزوِ على حكمِ العراقِ في مقابلِ غضِ الطرفِ عن الوجودِ الصليبيِ في عراقِ الخلافةِ، وتشجيعِه ومساندتِه ومحاربةِ من يقاومُه، فهؤلاء لهم المصلحةُ الكبرى في فتحِ جبهاتٍ جديدةٍ على المجاهدين لتخفيفِ ضغطِهم على الأمريكانِ. هذا تقسيمٌ للأدوارِ تم بين الأمريكانِ وهذه الفئاتِ.

ولكن هذه القوى التي تصفُها بالمتعاونةِ مع الأمريكانِ و بالمثيرةِ للفتنةِ يدعمُها الأمريكانُ وهم أقوى قوةٍ في العالمِ، وأنتم مجموعةٌ من العصاباتِ المتمردةِ، والأمريكانُ يطمئنونهم بمواصلةِ الدعمِ، فكيف ستواجهونهم؟

هناك أمران يدرِكُهما أيُ عاقلٍ: الأولُ أن الأمريكانَ كثيراً ما فروا وتركوا حلفاءهم، والثاني أن المجاهدين –بفضلِ اللهِ- قد حطموا حدودَ سايكس بيكو. والعاقلُ من يتعظُ بغيرِه.

حسناً إذا طلبتُ منك في هذه القضيةِ المتشابكةِ أن تلخصَ لي رأيك في كلماتٍ معدوداتٍ، فماذا تقولُ؟

أقول مستعيناً بالله: كلُ من شارك الأمريكانَ في احتلالِ العراقِ والعدوانِ على المسلمين فسنجاهدُه بعونِ اللهِ، وكل من يقاومُ الأمريكانَ ويسعى لإقامةِ حكمِ الإسلامِ في العراقِ فنحن مستعدون للتفاهمِ والتباحثِ معه.

ولكن أمريكا في العراقِ لم تعتمدْ على تجارِ الدينِ فقط، بل اعتمدت على إثارةِ النعراتِ القوميةِ، والظهورِ بمظهرِ أنها حاميةُ الأكرادِ مثلاً ضد القوميين العرب.

نعم من المؤسفِ أن أمريكا دعمت بالمالِ والسلاحِ بعض التياراتِ العلمانيةِ الكرديةِ التي باعت الأكرادَ للأمريكانِ واليهودِ باسمِ الدفاعِ عن حقوقِ الأكرادِ، لقد سجل الأكرادُ اسمَهم في تاريخِ الإسلامِ بحروفٍ من نورٍ، فهم حماةُ الإسلامِ وهم المدافعون عن بيتِ المقدسِ، وهم الصخرةُ التي تحطمت عليها الحملاتُ الصليبيةُ. فمن المؤسفِ أن تُسلطَ حكومةٌ عميلةٌ لأمريكا وإسرائيلَ على هذا الشعبِ المسلمِ المجاهدِ العزيزِ الأبيِ.

ولكن لا يجبُ أن ننسى أن هذه الأحزابِ تستغلُ جرائمَ البعثِ العراقيِ ضد الأكرادِ، وتصورُ لهم أن كلَ العربِ معادون للأكرادِ، وأن الحركاتِ الجهاديةِ وتنظيم القاعدةِ حلفاءٌ للبعثِ العراقيِ، إلى آخرِ هذه الترهاتِ.

الحركاتُ الجهاديةُ كلُها بفضلِ اللهِ أعداءٌ عقائديون ليس للبعثِ العراقيِ فقط بل ولكلِ الاتجاهاتِ القوميةِ والعلمانيةِ التي تناقضُ مبادؤها أصولَ الإسلامِ، الذي يقومُ على المساواةِ بين المسلمين وعلى الموالاةِ الإيمانيةِ وليس على العصبيةِ القوميةِ، فالحقُ تبارك وتعالى يقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾.
هذا على مستوى العقيدةِ، أما على مستوى العملِ فالمجاهدون في كلِ مكانِ من الفلبين وحتى العراقِ تضمُ صفوفُهم المسلمين من كلِ الأقطارِ والأجناسِ، بلا فرقٌ بين عجميٍ وعربيٍ ولا أسودٍ ولا أبيضٍ، وللإخوةِ المجاهدين من الأكرادِ أدوارٌ بطوليةٌ في التصدي لأعداءِ الإسلامِ في الشيشانِ والبوسنةِ وأفغانستانَ وبالطبعِ في العراقِ.
ثم نحن في تنظيمِ القاعدةِ قد بايعنا أميرَ المؤمنين الملا محمدَ عمرَ، وهو ليس بعربيٍ، فنحن -بفضلِ اللهِ- أبعدُ الناسِ عن النعرةِ العصبيةِ القوميةِ.
لذا فإني أهيبُ بإخواني في الإسلامِ –الأكرادِ- أن ينبذوا هذه الدعواتِ المواليةِ لأمريكا وإسرائيلَ، وأن يكتبوا صفحةً مشرفةً في التاريخِ المعاصرِ للإسلامِ، كما كتب أسلافُهم من قبلُ صفحاتٍ مشرفةٍ في تاريخِ الإسلامِ السابقِ.

وما هو التصورُ العامُ للقاعدةِ بالنسبةِ للجهادِ في العراقِ وأفغانستانَ؟

التصورُ العامُ للمجاهدين في العراقِ وأفغانستانَ هو إقامةُ إمارةٍ إسلاميةٍ في كلٍ منهما، تكونُ منطلقاً للدفاعِ عن الإسلامِ والمسلمين، وخطوةً على طريقِ إحياءِ الخلافةِ، وفي العراقِ علينا ألا ننسى أن بيتَ المقدسِ على مرمى حجرٍ من بغدادَ، فإذا قامت الإمارةُ الإسلاميةُ في العراقِ بعونِ اللهِ، واستطاعت اختراقَ الكِيانِ الأردنيِ الخائنِ لتقفَ على حدودِ فلسطينَ، وتَواصلَ -بإذنِ اللهِ- المجاهدون من داخلِ فلسطينَ وخارجِها، فحينئذٍ سيكونُ الفتحُ الأكبرُ والنصرُ الأعظمُ بإذنِ اللهِ.

حسناً ما هي رؤيتُكم للوضعِ في أفغانستانَ الآن؟

الوضعُ في أفغانستانَ جيدٌ جداً بفضلِ اللهِ، وهذا الصيفُ –بفضلِ اللهِ- يحرقُ بلهيبِه الصليبيين في أفغانستانَ، كما حذرهم أميرُ المؤمنين الملا محمدُ عمرُ -حفظه اللهُ- من قبلُ، والأمريكانُ قد انسحبوا انسحاباً سرياً من جنوبِ وشرقِ أفغانستانَ، ودفعوا بالصليبيين من الدرجةِ الثانيةِ كالإنجليزِ والكنديين والهولنديين وغيرِهم ليقتلوا بدلاً منهم.
ثم انسحبت قواتُ التحالفِ لتحلَ محَلَها قواتُ حلفِ شمالِ الأطلسيِ في جنوبِ وشرقِ أفغانستانَ.
وبلير وأقرانُه يبيعون دماءَ مواطنيهم من أجلِ رضا أمريكا، إلا أني أود لفتَ انتباهِ الشعبِ البريطانيِ أن دكتورَ برايدونَ لن يعودَ هذه المرةَ للهندِ، لأن جثتَه ستُلقى للكلابِ في أفغانستانَ.

اخو سعد
09-12-2006, 10:33 PM
حسناً. نعودُ للمنطقةِ العربيةِ، ودعواتِ أمريكا فيها لنشرِ الديمقراطيةِ، وحركاتِ الاحتجاجِ بين الصحفيين والقضاةِ في مصرَ من أجلِ توفيرِ ضماناتٍ لهم، ما هو تصورُك لكلِ هذا الذي يجري؟

الأمةُ المسلمةُ في حالةِ غليانٍ من العدوانِ الخارجيِ والقهرِ الداخليِ، وحالةُ الغليانِ هذه يجبُ على طليعةِ الأمةِ المسلمةِ أن توظفَها التوظيفَ الصحيحَ لتحولَ طاقةَ الأمةِ الغاضبةِ لحركةِ تغييرٍ فاعلةٍ مؤثرةٍ، تصلُ بالأمةِ للنصرِ بإذنِ اللهِ. ولذا يجبُ علينا أن نضعَ أيديَنا على الجُرحِ حتى نعالجَه العلاجَ السليمَ.
ودعني أضربُ لك مثالاً جراحياً، لو أن هناك مريضاً مصاباً بانسدادٍ في أمعائِه أو بخراجٍ في بطنِه أو بزائدةٍ دوديةٍ منفجرةٍ، فقد يرى بعضُ المشفقين -ممن لا يملكون الرؤيةَ الحقيقيةَ الشاملةَ للمشكلةِ وخطورتِها- أن يبذلوا جهدَهم في خفضِ حرارةِ المريضِ أو تسكينِ ألمِه، ولكن قبل كلِ هذا لا بد أن نصلَ لسببِ الداءِ ونستأصلَه أو نعالجَه، وحينئذٍ ستنخفضُ حرارةُ المريضِ وسيسكنُ ألمُه.
وكذلك الأمرُ في مشاكلِنا الاجتماعيةِ والسياسيةِ، علينا أن نضعَ يدَنا على المشكلةِ الأساسيةِ ونتقدمَ بشجاعةٍ لحلِها، وحينئذٍ سيسهلُ حلُ كلِ المشاكلِ المتفرعةِ عنها.
فمشكلتُنا الأساسيةُ هي تسلطُ أنظمةٍ فاسدةٍ متعفنةٍ لا تحكمُ بالشريعةِ وتبيحُ البلادَ للعدوِ الأجنبيِ وتَعيثُ في البلادِ فساداً وإفساداً.
لذا فالعلاجُ الأساسيُ يوجبُ التصدي بشجاعةٍ للتحالفِ الشريرِ المكونِ من العدوِ الخارجيِ والحكامِ الفاسدين، فإنه من العبثِ أن تبحثَ عن حكمٍ بالشريعةِ أو حريةٍ أو عدالةٍ في بلدٍ محتلٍ يديرُه عملاءٌ خونةٌ.
الأمرُ الآخرُ الهامُ أن الحقوقَ لا تمنحُ ولكن تنتزعُ. ولن تنتزعَ إلا بالجهادِ والتضحياتِ.
لذا فإن مؤْثِرَ السلامةِ لا يمكنُ أن ينتزعَ حقاً.
يقولُ الطغرائيُ:
حبُّ السلامةِ يُثْني همَّ صاحِبه عن المعالي ويُغرِي المرءَ بالكَسلِ
فإن جنحتَ إليه فاتَّخِذْ نَفَقاً في الأرضِ أو سلَّماً في الجوِّ فاعتزلِ
ويقولُ شوقي:
وَمَن يَسقي وَيَشرَبُ بِالمَنايا إِذا الأَحرارُ لَم يُسقوا وَيَسقوا
وَلا يَبني المَمالِكَ كَالضَحايا وَلا يُدني الحُقوقَ وَلا يُحِقُّ
فَفي القَتلى لِأَجيالٍ حَياةٌ وَفي الأَسرى فِدىً لَهُمُ وَعِتقُ
وَلِلحُرِّيَّةِ الحَمراءِ بابٌ بِكُلِّ يَدٍ مُضَرَّجَةٍ يُدَقُّ
الأمرُ الآخرُ الهامُ أيضاً هو أن المجاهدَ المطالبَ بحقِه لا ينتظرُ ضماناتٍ ولا يتوقعُها، ولكن يتصدى للظلمِ والفسادِ ويعرضُ نفسَه للمخاطرِ والقتلِ من أجلِ نصرةِ الحقِ. وإلا فما هي الضماناتُ التي وفرها كفارُ قريشٍِ للنبي -صلى اللهُ عليه وسلم- حين جهرَ بدعوتِه في وجهِ دنيا الشركِ والظلمِ والفسادِ، وما هي الضماناتُ التي وفرها يزيدُ لما قام عليه الحسينُ بنُ عليٍ وعبدُ اللهِ بنُ الزبيرِ رضي اللهُ عنهم، وما هي الضماناتُ التي وفرها الحجاجُ لسعيدِ بنِ جبيرٍ رحمه اللهُ، وما هي الضماناتُ التي قدمها أبو مسلمٍ الخراسانيُ لإبراهيمَ الصائغِ رحمه اللهُ، والمعتصمُ لأحمدَ بنِ حنبلٍ رحمه اللهُ، والواثقُ لأحمدَ بنِ نصرٍ الخزاعيِ رحمه اللهُ، وما هي الضماناتُ التي قدمها الصالحُ إسماعيلُ لسلطانِ العلماءِ العزِ بنِ عبدِ السلامِ -رحمه اللهُ- لما أنكر عليه تسليمَ حصونِ المسلمين للصليبيين، وما هي الضماناتُ التي قدمها عبدُ الناصرِ لسيدِ قطبٍ –رحمه اللهُ- حين قالَ إن الأُصبعَ التي تشهدُ للهِ بالوحدانيةِ في كلِ صلاةٍ ترفضُ أن تكتبَ استرحاماً لظالمٍ، وما هي الضماناتُ التي قدمَها القاضي العسكريُ اللواءُ سميرُ فاضلٍ لخالدِ الإسلامبوليِ –رحمه اللهُ- لما صاح في المحكمةِ العسكريةِ: نعم أنا قتلتُ فرعونَ مصرَ، وما هي الضماناتُ التي قدمها القاضي عبدُ الغفارِ محمدٍ للشيخِ عمرَ عبدِ الرحمنِ لما قال له: أيها القاضي المستشارُ احكمْ بما أنزل اللهُ، وإلا فأنتَ الكافرُ الظالمُ الفاسقُ. الضمانُ الوحيدُ هو السعيُ في رضا اللهِ سبحانه وتعالى والثقةُ بوعدِه، لقد خلد القرآنُ الكريمُ في سورةٍ كاملةٍ تتلى إلى يومِ القيامةِ قصةَ أصحابِ الأخدودِ، قومٌ شهدوا بالحقِ في وجهِ حاكمِهم الطاغيةِ وقتلوا في سبيلِ ذلك.
هذا هو كتابُنا، وهذه سنةُ نبيِنا صلى اللهُ عليه وسلم، وسيرةُ أصحابِه وآلِ بيتِه رضي اللهُ عنهم، وتاريخُ أئمتِنا وقادتِنا. قال النبيُ صلى اللهُ عليه وسلم: "(سيدُ الشهداءِ حمزةُ بنُ عبدِ المطلبِ ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فأمره ونهاه فقتله)" وقال النبيُ صلى اللهُ عليه وسلم: ""أفضلُ الجهادِ كلمةُ حقٍ عند سلطانٍ جائرٍ".
لذا يجبُ نشرُ الوعيِ بين صفوفِ الأمةِ بأن الفسادَ فسادٌ ضاربُ الجذورِ سببُه تسلطُ أعداءِ الأمةِ المسلمةِ وفسادُ وكلائِهم، وأن تغييرَ هذا الفسادِ لا بد له من طليعةٍ مستعدةٍ للتضحيةِ في سبيلِ اللهِ من أجلِ الحكمِ بالشريعةِ وتحريرِ الأوطانِ من المحتلِ وتحريرِ الإنسانِ من الظلمِ والفسادِ والقهرِ، ومن أجلِ أن تنتزعَ الأمةُ حقَها في الحكمِ بالشريعةِ واختيارِ حكامِها ومحاسبتِهم.

كلامُكم عن ضرورةِ نشرِ الوعيِ بين الأمةِ يؤكدُه أن أمريكا أعلنت أثناءَ قصفِ لبنانَ الأخيرِ عن مشروعِ الشرقِ الأوسطِ الجديدِ، لذا على الأمةِ في مسيرتِها نحو التغييرِ أن تستندَ لوعيِها العقديِ بأصولِ التوحيدِ، وبإدراكِها لما يدورُ حولهَا من مؤامراتٍ.

لا شك، وأُعقبُ على كلامِك؛ بأن تعريفَ الشرقِ الأوسطِ يتضمنُ أفغانستانَ، وهذا يظهرُ مدى الدورِ القذرِ الذي يلعبُه عملاءُ أمريكا في أفغانستانَ والعراقِ في مشاريعِ الإصلاحِ الأمريكيةِ، ويظهرُ أيضاً مدى ضرورةِ مساندةِ الأمةِ المسلمةِ بالمالِ والرجالِ والرأيِ والخبرةِ والمعلوماتِ للمجاهدين في هذين الميدانين الخطيرين.

على ذكرِ أمريكا ونشرِ الديمقراطيةِ ذكرت آنفاً أن أمريكا تتعاونُ مع ثلاثِ فئاتٍ للالتفافِ على المقاومةِ الجهاديةِ الإسلاميةِ ضدها، وذكرت أولاً فئةً واحدةً وهي ما أسميتَهم بتجارِ الدينِ الدجالين، فما هما الفئتان الأخيرتان؟

نعم. الأولى ذكرناها، وهي فئةُ تجارِ الدين الدجالين، وأما الثانيةُ فهي فئةُ المنهزمين، وأما الثالثةُ فهي فئةُ المتسولين.

عجيبٌ. أنت اخترت لها أوصافاً شديدةً؛ دجالين ومنهزمين ومتسولين!

نعم لبشاعةِ ما يرتكبونه.

خيراً من هي –في نظرِكم- فئةُ المنهزمين هذه؟

بعد سقوطِ الخلافةِ العثمانيةِ، سرت موجةٌ من الانهزامِ النفسيِ والانكسارِ العقديِ، وسرى في الناسِ تيارٌ –بحسنِ نيةٍ- أن علينا أن نستفيدَ من الوضعِ القائمِ لإنقاذِ ما يمكِنُ إنقاذُه، وتحقيقِ ما يمكنُ تحقيقُه، وظل هذا التيارُ -مع توالي الضرباتِ الموجهةِ للمسلمين- يتراجعُ خطوةً بعد أخرى، حتى وصلَ بهم الأمرُ -في النهايةِ- إلى أن بايعوا حسنيَ مباركٍ رئيساً للجمهوريةِ وعليَ عبدِ اللهِ صالحٍ أميراً للمؤمنين وعبدَ اللهِ بنَ الحسينِ أميراً للمسلمين وآلَ الصباحِ أولياءً لأمورِ المسلمين ..الخ، ودخلوا كابلَ على متونِ الدباباتِ الأمريكيةِ وتحت حمايةِ قاصفاتِها وفي ظلِ صليبِها، واتخذوا من أردوغانَ وصحبِه قدوةً على النجاحِ والتفوقِ، وأعلنوا التزامَهم التامَ بحاكميةِ الأغلبيةِ وتخليَهم عن حاكميةِ الشريعةِ، وحددوا انتماءَهم بالانتماءِ القطريِ الوطنيِ الذي يفضلُ الكافرَ الوطنيَ على المسلمِ الأجنبيِ، فتبنوا عقيدةً جديدةً مخالفةً لعقيدةِ الإسلامِ تقومُ على التحاكمِ للأغلبيةِ والانتماءِ الوطنيِ والانحصارِ داخلَ حدودِ سايكس بيكو والولاءِ للدولةِ القوميةِ في مقابلَ عقيدةِ الإسلامِ التي تقومُ على التحاكمِ للشريعةِ الربانيةِ وإخوةِ الإسلامِ ووحدةِ دارِ الإسلامِ وإقامةِ دولةِ الخلافةِ.
فهؤلاء في الحقيقةِ يسعون لعلمنةِ الإسلامِ، بل العلمانيون أشجعُ منهم، وإذا كان العلمانيون في الأصلِ أجبنُ من الملحدين، لأن الملحدَ يعلنُ -في وضوحٍ- أنه لا يؤمنُ بالدينِ، لأنه يعتبرهُ عقيدةً باطلةً يجبُ محاربتُها، ويجبُ إخراجُها من شؤونِ الحياةِ الخاصةِ والعامةِ، بينما العلمانيُ جبانٌ، يعلمُ أن المجاهرةَ بالإلحادِ ستثيرُ سخريةَ العقلاءِ، وستكشفُ موقفَه العقديَ المهترئَ، وبالتالي سينهارُ النظامُ الذي يدعو له، ولذلك فهو يدعو إلى إقصاءِ الدينِ عن الحياةِ وإبقائِه أمراً شخصياً، ويهربُ من المواجهةِ الفكريةِ الصريحةِ الجادةِ؛ وهي أن الدينَ إذا كان عقيدةً باطلةً فيجبُ نبذُها من كلِ شؤونِ الحياةِ الخاصةِ منها والعامةِ، وإذا كان الحقُ تباركَ وتعالى موجوداً وخالقاً للكونِ، فكما أنه هو الخالقُ الرازقُ فلا بد أن يكونَ المشرعَ الحاكمَ. فإذا كان العلمانيون أجبنَ من الملحدين فلك أن تتصورَ حالَ هؤلاء الذين يسعونَ للعلمانيةِ تحت قشرةٍ إسلاميةٍ.

حسناً هذا طرحٌ عقديٌ قوىٌ، وقد نفسحُ له مجالاً آخر لنستوفيَه، ولكن دعنا نركزُ على علاقةِ هؤلاء الذين تُسميهم بالمنهزمين بما ذكرتَه آنفاً من السعيِ الأمريكيِ للالتفافِ على المقاومةِ الإسلاميةِ المجاهدةِ للعدوانِ الصليبيِ.

أنا سأصوغُ إجابتي في صورةِ سؤالٍ، ثم أجيبُ.

تفضل.

ماذا يمكنُ أن تتوقعَ من فئةٍ تركيبتُها النفسيةُ وتصرفاتُها السلوكيةُ تسمحُ لها بأن تبايعَ حسنيَ مباركٍ رئيساً للجمهوريةِ وعليَ عبدِ اللهِ صالحٍ إماماً للمسلمين وعبدَ اللهِ بنِ الحسينِ وآلَ الصباحِ وبوتفليقةَ وحامدَ كره زي حكاماً للمسلمين؟ هل يمكِنُ لفئةٍ بهذه النفسيةِ وبهذه السلوكياتِ أن تقودَ جهادَ الأمةِ المسلمةِ في وجهِ أعتى حملةٍ صليبيةٍ تواجهُها، وفي وجهِ زمرةٍ من أخبثِ الوكلاءِ لأعداءِ الأمةِ؟.
إن هذه الفئةَ تلتفُ حولَ الطليعةِ المجاهدةِ للأمةِ وتحاولُ عبثاً أن تصرفَ الجماهيرَ المسلمةَ عنها، بخدعةٍ مركبةٍ، مؤداها أن المواجهةَ العنيفةَ الخارجةَ على القانونِ الوضعيِ الذي فرضَه الحكامُ العملاءُ ضد أنظمةِ الحكمِ ممنوعةٌ ومحرمةٌ، ويتهربون من الجهادِ ضد العدوِ الخارجيِ فيسمحون به ولكن بشرطين: أن يكونَ في البلدِ المحتلِ فقط، وبعد تصريحِ وليِ أمرِهم المحليِ بالسفرِ لميدانِ المعركةِ. ثم في البلدِ المحتلِ كالعراقِ وأفغانستانَ يسعون للتعاونِ مع السلطةِ الصليبيةِ المحتلةِ لمقاومةِ الجهادِ –الذي يسمونه إرهاباً- وللدخولِ في العمليةِ السياسيةِ المزورةِ تحت إشرافِ شاهدةِ الزورِ الدوليةِ الأممِ المتحدةِ.
فخبرني باللهِ بعد هذه الحيلةِ أو الورطةِ كيف يمكنُ أن ينشأَ الجهادُ. وما أسعدَ الأمريكانَ الصليبيين بهذه الحيلِ.
دعني أضعُ لك هذه المأساةَ في صورةٍ تمثيليةٍ حتى تتضحَ أبعادُها البشعةُ، لو افترضنا أن مجموعةً من شبابِ هذه التياراتِ أدركوا واجبَهم الشرعيَ ضد أعداءِ الأمةِ الخارجيين والداخليين وقرروا أن يقوموا بالفريضةِ العينيةِ؛ فريضةِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ. فذهب هؤلاء الفتيةُ المخلصون لقادتِهم يطالبونهم بالجهادِ ضد الحاكمِ العميلِ المبدلِ للشريعةِ، فسينهاهم قادتُهم نهياً قاطعاً، ويقولون لهم: نحن قد اعترفنا بهم حكاماً شرعيين، ولا تغيير إلا عبرَ الانتخاباتِ، فيقولُ لهم الشبابُ: ولكن الانتخاباتَ لا تقومُ على دستورٍ إسلاميٍ، وهي في النهايةِ مزورةٌ، فسيردُ عليهم القادةُ: ولكن عقيدتَنا -أياً كانت حجتُكم- هي عدمُ قتالِ أبناءِ وطنِنا، والجهادُ فقط ضد العدوِ الخارجيِ، فيقولُ لهم الشبابُ: حسناً دعونا نذهبُ للعراقِ أو أفغانستانَ، فيقولُ لهم الكبارُ: ولكن بشرطِ موافقةِ الحاكمِ، فتقدموا بطلبٍ لإدارةِ الجوازاتِ، تطلبون فيه استصدارَ جوازاتِ سفرٍ للجهادِ في العراقِ وأفغانستانَ، ولنفترضْ أن هؤلاء الشبابَ فعلوا ذلك، ورُفِع طلبُهم للحاكمِ، ولنفترضْ رابعَ المستحيلاتِ؛ أن الحاكمَ قد رق قلبُه، وتعاطفَ مع المجاهدين، ووافقَ على سفرِهم، ومنحهم جوازاتِ سفرٍ، فلما رجع الشبابُ لمشايخِهم فرحين، قالوا لهم: خيراً. ولكن أنتم تعرفون أننا تنظيمٌ دوليٌ، وعندنا مبدأٌ مهمٌ جداً، وهو عدمُ تخطي التنظيمِ الإقليميِ، ومراعاةُ خصوصيةِ كلِ بلدٍ.
وأرجو الانتباهَ لمبدأِ مراعاةِ خصوصيةِ كلِ بلدٍ هذا، فقد ارتكبت به الموبقاتُ.
المهم مشايخُهم قسموهم مجموعتين: مجموعةً للعراقِ، وأعطوهم خطاباً للتنظيمِ في العراقِ، ومجموعةً لأفغانستانَ وأعطوهم خطاباً للمجاهدين المتقاعدين في أفغانستانَ، فلما وصل الشبابُ لقادةِ التنظيمِ في العراقِ، وقالوا لهم: جئنا إليكم لجهادِ الأمريكانِ، فقال لهم قادةُ التنظيمِ، ولكن العراقَ له خصوصياتُه، ونحن تعاونا مع بريمرَ في مجلسِ الحكمِ، والآن وافقنا على الدستورِ في الاستفتاءِ المزورِ، وشاركنا في الانتخاباتِ النيابيةِ المزورةِ، وكنا نحتاجُ لجهودِكم حينها لتشاركونا في الجهادِ بلصقِ صورِنا على الجدرانِ، ولكن الحمدُ للهِ على وصولِكم لنا في هذه المرحلةِ الهامةِ، فنحن الآن نجاهدُ ونناضلُ في المساوماتِ والصفقاتِ تحت إشرافِ زلمي خليل زاده للحصولِ على بعض الوزاراتِ ومنها وزارةُ الدفاعِ، فإن لم نحصلْ على وزارةِ الدفاعِ فسنحاولُ أن نحصلَ على بعضِ المناصبِ في وزارةِ الدفاعِ، وعبر رجالِنا في هذه المناصبِ سنحاولُ إدخالَ بعضِ شبابِنا لوزارةِ الدفاعِ، وقد تكونون منهم، فإذا تم هذا يمكنكم أن تكونوا من ضمنِ قواتِ وزارةِ الدفاعِ، وتحصلون على السلاحِ والتدريبِ بصورةٍ رسميةٍ على أيدي الأمريكانِ، فسألهم الشبابُ المساكينُ: وبعد كلِ هذا العناءِ هل سيمكننُا بذلك السلاحِ مقاتلةَ الأمريكانِ، فأجابهم المشايخُ مستنكرين: كلا وألفُ كلا بل تقاتلون به الإرهابيين.
أما المجموعةُ التي وصلت لأفغانستانَ، فوصلت إلى كبارِ المجاهدين المتقاعدين، ولما سلموهم خطابَ التنظيمِ احتفلوا بهم وأكرموهم إكراماً بالغاً، وبعد السلامِ والإكرامِ سألهم الشبابُ: متى يمكننا أن نقاتلَ الأمريكانَ، فأجابهم المتقاعدون: أفغانستانُ لها خصوصيتُها، ونحن قد دخلنا كابلَ مع الأمريكانِ وفي حمايتِهم، ثم دخلنا اللويا جركا، ثم خرجنا من اللويا جركا، ثم دخلنا البرلمانَ، ولكن الأمريكانَ حرمونا من الوزاراتِ، لأننا مجاهدون متقاعدون، ولكن سعينا في الحصولِ على بعضِ المناصبِ في وزارتي الداخليةِ والدفاعِ، وعبر رجالِنا فيهما قد نستطيعُ أن نوفرَ لكم بعضَ السلاحِ والتدريبِ، فسألهم الشبابُ: وأين سلاحُكم السابقُ الذي كان أمثالَ الجبالِ؟ فرد المتقاعدون: لقد سلمناه للأممِ المتحدةِ في برنامجِ نزعِ السلاحِ، فسألهم الشبابُ: ولماذا لم تسلموه للطالبانِ؟ فرد المتقاعدون في تأففٍ: لأنهم عملاءُ باكستانَ، وباكستانُ عدوةٌ للإسلامِ. فرد الشبابُ وقد أوشك صبرُهم على النفادِ: وبعد كلِ هذه الاحتمالاتِ، إذا وصل السلاحُ لأيدينا هل سنقاتلُ به الأمريكانَ، فرد المتقاعدون مستنكرين: لا. ولكن ستقاتلون به القاعدةَ وطالبانَ! لأن القاعدةَ عملاءُ أمريكا، والطالبانُ عملاءُ باكستانَ.

ولكن من حججِ زعماءِ هذه التياراتِ؛ أن أسلوبَكم في الصدامِ العنيفِ المسلحِ أسلوبٌ فاشلٌ، وانتهى بنتائجَ كارثيةٍ، وأن أسلوبَكم فوقيٌ يسعى لتغييرِ المجتمعِ بتغييرِ قيادتِه، وهو أسلوبٌ لا يُضمنُ له الاستمرارُ حتى ولو نجح، بينما أسلوبُهم يعتمدُ على الحكمةِ والعملِ الهادئِ المتواصلِ، وقد انتقل من نجاحٍ لآخر، وأنهم يسعون لتغييرِ المجتمعِ من قاعدتِه، بجذبِها للإسلامِ، وهو أسلوبٌ يضمنُ استمرارَ أي نظامٍ إسلاميٍ يصلُ للسلطةِ.

هذا خلطٌ واضحٌ وقفزٌ فوقَ الحقائقِ وهروبٌ من نقطةِ الخلافِ الرئيسيةِ، وبدونِ الدخولِ في التفاصيلِ، فأودُ أن أوضحَ أ خلافِنا الأساسيِ مع هذه التياراتِ -أسرى ثقافةِ الهزيمةِ والانكسارِ- ليس في جدوى الصدامِ وعدمِه، ولكن خلافَنا الأساسيَ معهم في انتكاسِهم العقديِ.
فنحن ليس بيننا كبيرُ خلافٍ وبين من يدعو إلى عدمِ الصدامِ الآن لأن أسبابَه لم تتوفرْ في بلدٍ ما أو منطقةٍ ما، وإذا وجد هذا الخلافُ فسينحصرُ في البحثِ عن الجدوى وأنسبِ الوسائلِ، وقد يكونُ مصيباً، وقد نكون مصيبين، أما من يحرِّمُ الجهادَ ضد الحكامِ العملاءِ المرتدين، ويعترفُ بحاكميةِ الأغلبيةِ، ويعتبرُها دينَه الذي يدينُ به، ويدينُ بالانتماءِ الوطنيِ، ويعليه فوقَ أخوةِ الإسلامِ، ويخضعُ لتقسيماتِ سايكس بيكو، ويتخلى عن إقامةِ الخلافةِ، ويبايعُ الخونةَ أعداءَ الأمةِ حكاماً لبلادِ الإسلامِ، ويتعاونُ مع الغزاةِ الصليبيين، ويلعنُ المجاهدين، ويصفُهم بالمجرمين، فهذا خلافُنا معه ليس خلافاً حول الوسائلِ، بل هو خلافٌ حول عقيدةِ الإسلامِ، التي ينسلخُ منها.

ولكن لا تستطيعُ أن تنكرَ أن هذه التياراتِ لها جماهيرٌ عريضةٌ.

والطرقُ الصوفيةُ وأنديةُ كرةِ القدمِ لها جماهيرٌ أعرضُ.

ولكن الطرقَ الصوفيةَ وأنديةَ كرةِ القدمِ ليس لديها عناصرُ مخلصةٌ وعلى درجةٍ عاليةٍ من الكفاءةِ والتعليمِ والتنظيمِ.

أنا لا أنكرُ أن كثيراً من المخلصين نتيجةَ حالةِ الفراغِ التي وجدت في الساحةِ الإسلاميةِ من ناحيةٍ، ونتيجةَ قلةِ التضحياتِ في هذه الأساليبِ، اندفعت لتفرغَ طاقاتِها الرافضةَ للفسادِ في هذه التنظيماتِ. ولكن هذه القواعدَ التي تملكُ الإخلاصَ والرغبةَ في التضحيةِ للإسلامِ يجبُ أن تقفَ مع نفسِها وقفةً صادقةً، وأولُ شيءٍ عليها أن تتذكرَه، أن كلَ إنسانٍ سيأتي ربَه وحدَه يومَ الحسابِ، يقولُ الحقُ تبارك وتعالى: ﴿وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا﴾. وأن زعيمَه وتنظيمَه لن يغنوا عنه يومَ القيامةِ شيئاً، فعليه أن يُعدَ الجوابَ لذلك الموقفِ الرهيبِ، نسألُ اللهَ لنا وللمسلمين السلامةَ فيه، ليُعدْ كلٌ منهم الجوابَ على سؤالِ: هل المجاهدون مجرمون؟ كما يصورُهم زعماؤه، وهل حسني مباركٍ وكره زي وعليُ عبدِ اللهِ صالحٍ وعبدُ اللهِ بنُ الحسينِ أئمةٌ شرعيون كما بايعهم زعماؤه؟

إذن ماذا تريدُ من قواعدِ هذه التياراتِ؟

أريدُ منهم أن يقفوا وقفةً صادقةً مع أنفسِهم ومع تنظيماتِهم ومع زعمائِهم، ويسألوهم لماذا تمنعوننا من الجهادِ ضد الصليبيين، ولماذا تعترفون بشرعيةِ أنظمةِ العمالةِ والفسادِ العلمانيةِ المجرمةِ؟ ولماذا تخليتم عن حاكميةِ الشريعةِ وأخوةِ الإسلامِ ووحدةِ دارِ الإسلامِ والسعيِ لإقامةِ الخلافةِ، وانتكستم لحاكميةِ الأغلبيةِ والانتماءِ الوطنيِ والولاءِ للدولةِ القطريةِ وتفرقةِ المسلمين؟ لماذا تعاونتم مع المحتلِ الصليبيِ في أفغانستانَ والعراقِ؟ ولماذا تعجبون بأوردغانَ وتثنون عليه، وهو الذي يعترفُ بإسرائيلَ، ويعقدُ معها الاتفاقاتِ الأمنيةِ، ويشاركُها في المناوراتِ العسكريةِ، ويتباهى بعلمانيتِه وانسلاخِه من الإسلامِ؟ أنا لا أطالبُهم بأن يأخذوا كلامَنا كقضايا مسلمةٍ، ولكنه حجةٌ أقيمت عليهم، سيُسألُ كلٌ منهم عنها وحدَه يومَ القيامةِ، ليس بينه وبين اللهِ ترجمانٌ، فلينظروا في كلامِنا ويتدبروه ويعملوا بما يرونه موافقاً للشرعِ منه.

حسناً كان هذا رأيكم في من أسميتهم بالمنهزمين، فمن هم -في نظرِكم- فئةُ المتسولين؟

هم الذين فضحُهم الإمامُ عبدُ اللهِ بنُ المباركِ -رحمه اللهُ- حين قال:
وهل أفسدَ الدينَ إلا الملوكُ وأحبارُ سوءٍ ورهبانُها
أولئك البائعون دينَهم بالمناصبِ والرواتبِ والتأشيراتِ والجنسياتِ، مثلُ هذا الذي يستنكرُ العنفَ، ولكنه يبيحُ للمسلمِ أن يقاتلَ المسلمين في صفوفِ الجيشِ الأمريكيِ، ومثلُ أولئك الذين يفخرون بجنسيتِهم البريطانيةِ، واجتمعوا أمام البرلمانِ عقيبَ غزوةِ لندنَ المباركةِ، ليعلنوا ولاءَهم لإليزابيثَ رئيسةِ كنيسةِ انجلترا، ومثلُ ذلك الذي أقر باتفاقيةِ الاستسلامِ مع إسرائيلَ، واعترف بياسرِ عرفاتٍ ولياً لأمرِ المسلمين، ومثلُ ذلك الذي يسبُ المجاهدين ليلاً نهاراً، ويستقبلُ السفيرَ والحاخامَ الأكبرَ الإسرائيليين في مكتبِه، ويبيحُ لفرنسا منعَ المسلماتِ من تغطيةِ رؤوسِهن في المدارسِ، ويسلمُ وفاءَ قسطنطينَ للتعذيبِ في سجونِ الأديرةِ.

وهل لهذه الفئاتِ الثلاثةِ من صفاتٍ جامعةٍ؟

نعم تجمعُهم ثلاثُ خصالٍ: التخلي عن حاكميةِ الشريعةِ والاعترافُ بشرعيةِ الأوضاعِ القائمةِ الفاسدةِ وسبُ المجاهدين.

ولكن هناك فئةً لم تذكرْها في حوارِكم الليلةَ، وهي فئةُ القياداتِ المتراجعةِ في الجماعةِ الإسلاميةِ.

هؤلاء حكموا على أنفسِهم بأنفسِهم، بماذا أردُ على شخصٍ يزعمُ أن أنورَ الساداتِ مات شهيداً؟ ويتندمُ على قتلِه، وبماذا أردُ على شخصٍ يعتبرُ حسنيَ مباركٍ ولياً لأمرِ المسلمين؟ وبماذا أردُ على من يقولُ: إننا كنا سابقاً نضعُ النصَ قبلَ المصلحةِ، أما اليومَ فإننا نضعُ المصلحةَ قبل النصِ، ولا أدري ماذا سيقول غداً؟ وبماذا أردُ على من يقولُ: إن القاعدةَ هي التي استفزت أمريكا ضد المسلمين؟ وبماذا أردُ على من يقولُ: إن الطالبانَ قد فوتوا الفرصةَ بالاستفادةِ من مزايا العرضِ الأمريكيِ بتسليمِ أسامةَ بنِ لادنٍ؟ وبماذا أردُ على من يقولُ إنه سيبَلِِّغُ الأمنَ عن إخوانِه الذين لا يقبلون بتراجعِهم؟
الذي يقولُ هذا لا يحتاج لردٍ، ولكن يحتاجُ لموعظةٍ، يحتاجُ لمن يذكَّرُه بحديثِ النبيِ صلى اللهُ عليه وسلم: "إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى؛ إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَافْعَلْ مَا شِئْتَ".
والحمدُ للهِ فقد كفانا الردَ عليهم فضيلةُ الشيخِ عمرَ عبدِ الرحمنِ والشيخِ رفاعي طه-فك اللهُ أسرَهما- والشيخِ عبدِ الآخرِ حمادٍ والشيخِ محمدٍ مصطفى المقرئِ والشيخِ محمدٍ الإسلامبوليِ من أعيانِ الجماعةِ الإسلاميةِ الثابتين على الحقِ.

ولكن هؤلاء يزعمون أن الدكتورَ عمرَ عبدِ الرحمنِ –فك اللهُ أسرَه- قد أيدَهم فيما ذهبوا إليه؟

لا. فضيلةُ الشيخِ عمرَ عبدِ الرحمنِ فكَ اللهُ أسرَه، سحب تأييدَه لمبادرتِهم لما انكشفت له حقيقتُها، فزادت أمريكا من حصارِها له، وأمريكا بهذه المعاملةِ الدنيئةِ والحصارِ الذي تحاصرُه به توجهُ إهانةً لكلِ مسلمٍ، ولا يمكنُ تبريرُ ذلك إلا بالحقدِ الصليبيِ اليهوديِ الذي تغلي به قلوبُهم، وأنا أدعو كلَ مسلمٍ أن ينتهزَ كلَ فرصةٍ تسنحُ له للانتقامِ من أمريكا لأسرِها الشيخِ عمرِ عبدِ الرحمنِ. وليقتدوا في ذلك بأبي مصعبٍ الزرقاويِ -رحمه اللهُ- الذي خصص غزوةً باسمِ الشيخِ عمرَ عبدِ الرحمنٍِ.

ولكن هل الأغلبيةُ العظمى من الجماعةِ الإسلاميةِ بتاريخِها الناصعِ في الدعوةِ والجهادِ يمكن أن تكون قد وصلت لما وصلت إليه هذه القياداتُ المتراجعةُ؟

بالقطع لا بفضلِ اللهِ ومنتِه، ويشرفني هنا أن أنقلَ للمسلمين في أنحاءِ العالمِ الإسلاميِ بشرى انضمامِ قطاعٍ هامٍ من إخوةِ الجماعةِ الإسلاميةِ لجماعةِ قاعدةِ الجهادِ، وأظنُكم في مؤسسةِ السحابِ تشاركون في إخراجِ هذه البشرى بالتدريجِ الذي تسمحُ به الظروفُ.

نعم بفضلِ اللهِ.
ولكن كانت هناك بشرى أخرى كنا نتحدثُ فيها قبلَ الحوارِ.

نعم هي بشرى عظيمةٌ بفضلِ اللهِ ونعمتِه، فقد كلفني أميرُنا الشيخُ المجاهدُ أسدُ الإسلامِ أسامةُ بنُ لادنِ -حفظه اللهُ- أن أبشرَ عامةَ المسلمين وإخواني المجاهدين في كلِ مكانٍ بانضمامِ الجماعةِ السلفيةِ للدعوةِ والقتالِ لجماعةِ قاعدةِ الجهادِ، فالحمدُ للهِ ثم الحمدُ للهِ ثم الحمدُ للهِ على هذا الانضمامِ المباركِ، الذي نسألُ اللهَ أن يكونَ شوكةً في حلوقِ الصليبيين الأمريكانِ والفرنسيين وأحلافِهم، وغماً وهماً وكمداً في قلوبِ المرتدين أبناءِ فرنسا الخونةِ، ونسألُه سبحانه أن يوفقَ إخوانَنا في الجماعةِ السلفيةِ للدعوةِ والقتالِ للنكايةِ في أركانِ التحالفِ الصليبيِ وخاصةً في زعيمتِهم العجوزِ أمريكا الفاجرةِ، والحمدُ للهِ أولاً وآخراً.
كما انتهز فرصة هذه البشرى لأذكرَ نفسي وكلَ إخواني العاملين لخدمةِ الإسلام ونصرة المسلمين والتصدي للحملة الصليبية الصهيونية وعملائها بضرورةِ الوحدةِ فهي بوابةُ النصر، وهي الواجبُ الشرعيُ على المسلمين عند مواجهةِ أعدائِهم، يقولُ الحقُ تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ {45} وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.

شهدت الفترةُ الأخيرةُ في الصومالِ تطوراتٍ هامةٍ، وبرزَ التوجهُ الإسلاميُ للشعبِ الصومالِي قوياً ورافضاً للوجودِ الأمريكيِ الصليبيِ في الصومالِ، فما تعليقُكم على ذلك؟

هذه نتيجةُ تجاوبِ الشعبِ الصوماليِ مع الدعوةِ للتحاكمِ للشريعةِ، وما أحس به من بركاتِ الأمنِ والأمانِ وقمعِ الفسادِ بفضلِ التحاكمِ للشريعةِ، ونتيجةٌ لعزةِ وإباءِ الشعبِ الصوماليِ المسلمِ الرافضِ للوجودِ الأمريكيِ الصليبيِ ولأذنابِه، والذي أذاق الأمريكانَ مرارةَ الهزيمةِ من قبلُ.
ولذا فإني أناشدُ الشعبَ الصوماليَ المسلمَ أن يرفضَ الوجودَ الأمريكيَ الصليبيَ في الصومالِ وأن يضربَ بقوةٍ أذنابَ أمريكا في الصومالِ، وأن يستعينَ باللهِ ويتصدى للقواتِ الإثيوبيةِ الغازيةِ للصومالِ المسلمِ، وأن يقبرَها فيه، وأن يدركَ أنه مسؤولٌ أمامَ اللهِ سبحانه، ليس فقط عن إقامةِ الحكومةِ المسلمةِ في الصومالِ، بل هو مسؤولٌ أيضاً عن طردِ الوجودِ الصليبيِ الصهيونيِ من كلِ القرنِ الأفريقيِ، ومسؤولٌ عن دعمِ إخوانِه المسلمين في العراقِ وأفغانستانَ وفلسطينَ بإنزالِ الضرباتِ المنكيةِ في الوجودِ الصليبيِ الصهيونيِ في القرنِ الإفريقيِ, والله يوفقُهم لنصرةِ الإسلامِ والمسلمين.

حسناً ننتقلُ للشعوبِ الغربيةِ هل لديكم رسالةٌ لها.

نعم أقولُ لهم: قادتُكم يخفون عنكم حجمَ الكارثةِ التي ستذهلُكم. والأيامُ حبالى يلدن كلَ جديدٍ بإذنِ اللهِ وتوفيقِه.
وأقولُ لهم: أنتم وفرتم لنا كلَ الأسبابِ الشرعيةِ والعقليةِ لقتالِكم وللقِصاصِ منكم، فقد ارتكبتم الجرائمَ البشعةَ، وخالفتم المواثيقَ التي كنتم تلزمون غيرَكم بها، ومن ناحيتِنا فقد تكرر إنذارُنا لكم، وتكرر عرضُ الهدنةِ عليكم، فنحن الآن لدينا كلُ المبرراتِ الشرعيةِ والعقليةِ للاستمرارِ في قتالِكم حتى تدميرِ قوتِكم أو رضوخِكم للاستسلامِ.
وأقولُ لهم: أنتم الآن يجبُ ألا تنشغلوا بالدفاعِ عن قواتِكم في العراقِ وأفغانستانَ، فهذه قواتٌ كُتبت عليها الهزيمةُ، وهي في حكمِ المهزومةِ، تقاتلُ معاركَ مؤخرةٍ، ولكن عليكم بتحصينِ دفاعاتِكم في منطقتين الأولى في الخليجِ فأنتم مطردون منه إن شاء اللهُ بعد الهزيمةِ في العراقِ، وحينئذ يتحققُ خرابُكم الاقتصاديُ، والثانيةُ إسرائيلُ فإن المددَ الجهاديَ يتقاربُ منها بعونِ اللهِ وقوتِه. وهزيمتُكم فيها ستكونُ نهايةَ العلوِ الصليبيِ الصهيونيِ المعاصرِ، ولأن اليهودَ يعلمون أن الدورَ عليهم بعد الهزيمةِ في العراقِ، فلذلك هم يسعون بكلِ ما أوتوا من نفوذٍ ومالٍ ودعايةٍ أن يطيلوا بقاءَكم في العراقِِ قدر الإمكانِ، مهما كلفكم ذلك من خسائرَ.
واليهودُ يعلمون أن السببَ الأساسيَ في المصائبِ التي تتوالى عليكم هو تأييدُكم ودعمُكم لهم، ولذلك هم يحاولون طمسَ الحقائقِ بقدر ما يستطيعون، ومن حيلِهم في طمسِ الحقائقِ تصويرُهم للمجاهدين بأنهم أنصافُ مجانين مهوسون متعطشون للدماءِ، سيظلون يقاتلونكم حتى أخرِ فردٍ منكم، وكلما خاطبكم المجاهدون بلغةِ العقل شوشوا عليكم، وصرفوكم عن ذلك، حتى يبقوكم في الميدانِ، تُقتلون من أجلِ حمايتِهم.

نعم هذه مقولةٌ تترددُ في وسائلِ الإعلامِ؛ أنكم لا تقدمون عرضاً جدياً للغربِ، وإنما أنتم تسعون للقتالِ من أجلِ القتالِ، وأنكم تريدون الحربَ للنهايةِ؟

هذا تضليلٌ، فقد أعلنا مراراً عن عرضِنا السياسيِ للغربِ، ولكن زعماءَ الغربِ -وخاصةً بوشَ وبليرَ- حريصون على التشويشِ على ذلك. فقد عرض الشيخُ أسامةُ بنُ لادنٍ -حفظه اللهُ- هدنةً على الغربِ وهدنةً على أمريكا، وسبق أن أخبرتُ الغربَ أن طريقَ السلامِ هو بالانسحابِ من بلادِنا والتوقفِ عن نهبِ ثرواتِنا والكفِ عن دعمِ الحكوماتِ الفاسدةِ في ديارِنا.

على ذكرِ نهبِ الثرواتِ والمظالمِ والمظلومين في العالمِ، فقد تكررت في إصداراتِ قاعدةِ الجهادِ الأخيرةِ الدعوةُ لمناصرةِ المظلومين والمضطهدين في العالمِ، فهل هذا توجهٌ جديدٌ للقاعدةِ؟

كلا هذا حكمٌ شرعيٌ ثابتٌ، فقد قال المولى سبحانه وتعالى في الحديثِ القدسيِ: "يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا" ، كما شهد النبيُ –صلى اللهُ عليه وسلم- حلفَ الفضولِ بمكةَ قبل بعثتِه الشريفةِ عليه الصلاةُ والسلامُ، وامتدحه بعد مبعثِه -صلى اللهُ عليه وسلم- فقال: "شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي، وَأَنَا غُلَامٌ، فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ وَأَنِّي أَنْكُثُهُ" .
وأنا أدعو كلَ ضحايا أمريكا إلى الإسلامِ، الدينِ الذي يأبي الظلمَ والغدرَ، فإن لم يسلموا فلا أقلَ من أن ينتهزوا فرصةَ حملةِ المسلمين الدفاعيةِ، لردِ عدوانِ أمريكا عليهم، فينكوا فيها، كلٌ بطريقتِه وتحتَ رايتِه وبما يستطيعُه. فهذه فرصتُهم التاريخيةُ، فإن أمريكا تترنحُ –بفضلِ اللهِ- من ضرباتِ المجاهدين في العراقِ وأفغانستانَ.

حسناً لو سألتك الآن بعد خمسِ سنواتٍ من غزوتي نيويوركَ وواشنطنَ أن تلخصَ لي رؤيتَك لجماعةِ قاعدةِ الجهادِ، فماذا تقولُ؟

أقولُ -مستعيناً بالله- إن القاعدةَ قد وفقها اللهُ في أن تبلغَ رسالتَها للأمةِ المسلمةِ التي تجاوبت معها، ووفقها اللهُ لأن تتمددَ وتنتشرَ، وتنضمَ لها العديدُ من الجماعاتِ التي أعلن عنها والتي لم يعلنْ، وكل هذا بتوفيقِ اللهِ وحده ثم ببركةِ دماءِ الشهداءِ تقبلُهم اللهُ، ولا أنسى هنا أن أسألَه سبحانه أن يتقبلَ شهادةَ الأبطالِ التسعةَ عشرَ، الذين جعلهم اللهُ سبباً في كسرِ كبرياءِ أمريكا وتغييرِ مسارِ التاريخِ، وذلك فضلُ اللهِ يؤتيه من يشاءُ. كما أسألُه سبحانه أن يعيَننا على فكِ أسارى المسلمين الذين يمهدون الطريقَ لنصرِ الإسلامِ بمعاناتِهم وتضحياتِهم وعذابِهم، وعلى رأسِهم رمزُ الجهادِ والدعوةِ والعلمِ والعملِ في هذا الزمانِ فضيلةُ الشيخِ عمرَ عبدِ الرحمنِ فك اللهُ أسرَه، الذي جعله اللهُ حجةً على علماءِ السلاطينِ المتسولين وطلابِ الدنيا المتهالكين، وكذا فضيلة الشيخ سعيد بن زعير وسائر أسارى المسلمين أسألُ اللهَ أن يعجلَ لنا ولهم بكلِ فرجٍ قريبٍ، وأطمئنُهم بأن فكَ أسرِهم دينٌ في أعناقِنا، نسألُ اللهَ أن يعيننا على الوفاءِ به.

في الختامِ هل لكم رسالةٌ للأمةِ المسلمةِ؟

أقولُ لها ساندي أبناءَك المجاهدين في كلِ مكانٍ، فهم درعُك المتينُ وحصنُك الحصينُ، وأحرضُ شبابَ الإسلامِ على اللحاقِ بميادينِ الجهادِ، كما أعزي إخواني المجاهدين في الشيشانِ في شهادةِ المجاهدِ البطلِ شاملِ باسييفَ تقبله اللهُ في الشهداءِ، كما أحرضُ المسلمين في باكستانَ على خلعِ مشرفٍ والتصدي له بكلِ الوسائل السلبيةِ والإيجابيةِ، وأحرضُهم على مساندةِ إخوانِهم المجاهدين في أفغانستانَ، وأوصي كلَ مسلمٍ بقولِ الحقِ تبارك وتعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.
كما أوصي كلَ من وجد في هذه الكلماتِ حقاً ونفعاً أن يسعى في نشرِها بكلِ ما يستطيعُ، واللهُ من وراءِ القصدِ وهو يهدي السبيلَ، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِ العالمينَ، وصلى اللهُ على سيدِنا محمدٍ وآلِهِ وصحبِهِ وسلمَ.

في ختامِ هذا اللقاءِ نشكرُ الأخَ أيمنَ الظواهريَ على مساهمتِه معنا، ونسألُ اللهَ أن يوفقنا وإياه والمسلمين لما يحبُ ويرضى، والسلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.

وعليكم السلامُ ورحمةُ اللهِ وبركاتُه.