تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حميدان التركي: عكس المرحلة!



مقاوم
09-08-2006, 02:32 PM
حميدان التركي: عكس المرحلة!

بقلم إبراهيم العسعس

المشهد من خلف الكواليس كما يراه المُخرج، لا كما يراه جمهور المشاهدين: حميدان التركي طالب دراسات عليا في تخصص مثير ومفزع، مسلم نشيط اجتماعياً، وله جهد في المدرسة السعودية، ويرأس مجلس المسجد في مدينة بولدر بولاية كولورادو، وله حضور في مدرسة الهلال الإسلامية! وله مكتبة إسلامية استفادت من تنوعها وثرائها وتراثها الجالية الإسلامية.. كلُّ هذا يزعجنا، ولا بدَّ من الخلاص من أمثال هذا الرجل، ونحن بالخيار، فإما أن نُرسله إلى "غوانتينامو" بقانون الإرهاب، يعني بلا قانون، وإما أن نعتقله هنا بقانوننا الراقي.

ولأنَّ الرجل لا مَمْسك عليه، فإنَّ خيار "غوانتينامو" غير وارد، لا لأننا نستحي من أحد، أو لأنَّ القانون يعنينا، فنحن فوق القانون، لأنَّنا من يصنع القانون، ومن يصنع القانون يمتلك حقَّ "العزف" عليه! وهو أيضا يعيش على أرض أمريكية، فلم يبق إلا أن ندمره بالقانون.

وبما أننا لا نستطيع إزعاجه هكذا بلا سبب حتى لا نتهم بالعنصرية، أو متابعة الناس على أسس عرقية أو دينية فسندبر له تهمة قانونية، ولتكن أخلاقية تشمئز منها النفوس، كل النفوس، وتضعه في مربع التهمة حتى عند أصحابه وأتباع دينه!

حميدان التركي: متألم من أجلك؟ نعم ... قلق عليك؟ نعم ... عواطفي معك؟ نعم ... متعجبٌ مما جرى؟ كلا! وكيف؟! وكلنا مشروعُ أسير! ومُختَطَف! وسَّيان أن تكون أسيراً في أمريكا أو في مكان آخر، فأرض الله واسعة، وأمريكا تحكم حتى أزقتها! فأين المفر؟

حميدان التركي: مع من نتحدث؟ ولمن نكتب؟ للذين اعتقلوك؟! دعها بلا تعليق! أو مع مَن يقدر ولا يريد؟ أو مع مَن يريد ولا يقدر؟ مشكلتك أنَّك اعتقلت في الظرف غير المناسب، إذ لو ... لأقمنا العالم على رجل واحدة من أجلك، ولما ارتاح كوفي عنان وهو يتحرك كالمكوك لإخراجك! ولقلنا "وا" تملأ الدنيا من أجلك، أمَّا الآن فصرختنا "لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم"، إذ "فلا الأذان أذان، ولا الآذان آذان". فقط لو كان الظرف مختلفا! أما هذا الظرف حيث "اتحد الشقيق مع العدو"، فالأمر صعب! الظرف صعب لأننا نتحرك في كل لحظة بين اختطافَين، وبين هجرتين، وبين قتيلين! فاعتقلت والكأس، يا حميدان، قد امتلأت ...

أبنتَ الدهر عندي كلُّ بنتٍ *** فكيف وصلتِ أنت من الزحام؟!

اعتقلت أنت والزحام شديد، وقد تكاثرت علينا المصائب فلم نعد ندري على من نشق الثوب، ونسكب الدمع. ومن نلوم: من اشتراك أم من باعك، حيث الأمة كلها معروضة في سوق النخاسة، وكلنا عبيد؛ ومن يبيعنا عبد، عبيد يبيعون عبيدا! يا حميدان، يا أخي ألا اخترت ظرفا أجمل؟! وتكاد يا أخي تغلبني الحروف فأقول: وأمة أخرى! ولكن يصدها الإيمان فتنكفئ!

حميدان التركي، حالة الأمة مختصرة في رجل، فكل مسلم من الأمة متهم حتى تثبت تهمته! لم أخطأ هي هكذا! أخشى أن يكون ضحية صفقة، أو بيدقا على رقعة شطرنج. والذين قد يرون بأننا أسرى نظرية المؤامرة، وأننا نبالغ، فليقرؤوا العالم مرة أخرى، وليخرجوا هم من عقدة المبالغة في رفض نظرية المؤامرة! فبعضهم يلمس المؤامرة لمسا ويرفضها كيما يقال نزيه!

حميدان مأساة هذه الأمة المعتقلة من المحيط إلى المحيط. ولا تقولوا بأنني متشائم! فلست كذلك، ولست ـ كذلك ـ متفائلا! فأنا لا أكتب وفي ذهني هذين القيدين، وإنما أكتب كما أرى الواقع، "وأنا لا أبيع مخدرات"، ونثري "عصارة عصرنا لا تطلبوا مني اجتراح المعجزات"! ومع ذلك أقول حميدان ليس وحده، وراءه الواعون من هذه الأمة، الذين لا يضنون عليه بشيء من همِّ القلب المليء بالآلام. وهم يطمعون أن يقرأ مثل هذا الكلام كل مسلم، لا ليشتموا أمريكا، أو لينوحوا على واقعنا المرير، ولكن ليفهموا من خلال حميدان، لعل جذوة تشتعل في القلوب لتحرق من هم خلف الظهور: وسوى الروم خلف ظهرك روم *** فعلى أي جانبيك تميل
وكلنا أمل أن نتحرر من أسرنا وأسرك، ودعاؤنا لك بالعودة سريعا، وها هي أمُّك (والأمَّة) قد أشعلت لك المصباح تضيئه لك بدموعها، ووضعته على النافذة كي تعرف (ونعرف) طريق العودة !!!