تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : عندما يبطئ النصر .... لسيد قطب رحمه الله



chidichidi
09-05-2006, 05:25 AM
عندما يبطئ النصر .... لسيد قطب رحمه الله
والنصر قد يبطىء على الذين ظلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله. فيكون هذا الإبطاء لحكمة يريدها الله.

قد يبطىء النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعد نضجها, ولم يتم بعد تمامها, ولم تحشد بعد طاقاتها, ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات. فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكا لعدم قدرتها على حمايته طويلا!

وقد يبطىء النصر حتى تبذل الأمة المؤمنة آخر ما في طوقها من قوة, وآخر ما تملكه من رصيد, فلا تستبقي عزيزا ولا غالبا, لا تبذله هينا رخيصا في سبيل الله.

و قد يبطىء النصر حتى تجرب الأمة المؤمنة آخر قواها, فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر. إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعدها إلى الله.

و قد يبطىء النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله, وهي تعاني وتتألم وتبذل; ولا تجد لها سندا إلا الله, ولا متوجها إلا إليه وحده في الضراء. وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن به الله. فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله.

وقد يبطىء النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها وتضحياتها لله ولدعوته فهي تقاتل لمغنم تحققه, أو تقاتل حمية لذاتها, أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها. والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله, بريئا من المشاعر الأخرى التي تلابسه. وقد سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل شجاعة والرجل يقاتل ليرى. فأيها في سبيل الله. فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله".

كما قد يبطىء النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير, يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصا, ويذهب وحده هالكا, لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار!

و قد يبطىء النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماما. فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصارا من المخدوعين فيه, لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله; فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة. فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عاريا للناس, ويذهب غير مأسوف عليه من ذي بقية!

وقد يبطىء النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة. فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار. فيظل الصراع قائما حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر, ولاستبقائه!

من أجل هذا كله, ومن أجل غيره مما يعلمه الله, قد يبطىء النصر, فتتضاعف التضحيات, وتتضاعف الآلام. مع دفاع الله عن الذين آمنوا وتحقيق النصر لهم في النهاية.


--------
منقول
--------