تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ عبد العزيز البدري: قدرة الحق في مقاومة الباطل/ بقلم حليم الاعرجي



abunaeem
08-28-2006, 08:37 PM
افاق ستراتيجية (http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&page=31): الشيخ عبد العزيز البدري: قدرة الحق في مقاومة الباطل

حليم الاعرجي
عندما قررت ان التقي به لاستطلع رأيه في قضية اجتماعية كانت موضوعا لتحقيق صحفي لحساب جريدة المنار التي كنت احد محرريها في عام 1965 لم اكن اعرف على وجه التحديد من يكون الشيخ الفاضل المرحوم عبد العزيز البدري،


ولم تكن لدي ادنى فكرة حول مكانته وغزارة علمه وجهاده من اجل الحق والعدل بل كل ما اعرف عنه انه امام وخطيب جامع اسكان غربي بغداد وكفى، غير ان احد زملائي انقذني من جهلي بان حدثني بالتفصيل الممل عن الشيخ عبد العزيز منذ ان كان مدرسا في مدرسة التربية الاسلامية .
واكتشفت مقدار احترام علماء الشيعة لهذا الرجل العالم فما ان ذكرت اسمه للسيد محمد مهدي الحكيم(رحمه الله) حتى قطع حديثي معه مستفسرا عن صحته ثم امسك بسماعة الهاتف ليتصل بالشيخ الجليل ودار بينهما حديث تشعب وتوسع ليأخذ مساحة زمنية استمرت لاكثر من نصف ساعة وقد كان موضوع الحديث السفر الى القاهرة واللقاء المنتظر بالشيخ (شلتوت) في اطار مسعى يستهدف رأب الصدع ولم الشمل وقبر دعوات الفرقة والتفرقة .
تكررت زياراتي للشيخ عبد العزيز حتى صرت من مدمني جامع اسكان غربي بغداد وفي كل مرة اكتشف بالرجل اشياء جديدة في سيرته العطرة وخصوصا انحيازه الدائم الى جانب الحق والصمود في هذا الموقف وادهشتني صراحته حتى وجدت ان من واجبي ان اذكره بان هناك من ينقل كلامه الى الامن واشرت الى اني اطلعت على بعض الامور التي تعبر عن عدم موافقة السلطات بما يقوله ويتحدث عنه ويصرح به فرد علي: وهل يملكون اكثر من القتل والاعدام تلك هي امنية ليس في وسعي عدم الترحيب بها.
برز الشيخ عبد العزيز البدري في العراق منذ اوائل الخمسينيات من القرن الماضي وعرف عالما شابا نشطا جريئاً صادقا امينا صديقا وفيا وجارا مخلصا، مؤمنا وفيا لدينه ومقاوما في سبيل ما يؤمن به من مثل وقيم وجسد بامانة وبعفوية مطلقة القدرة على نصرة المسلمين.
ولعلني لن اقع فريسة الوهم او المبالغة اذا قلت ان الشيخ عبد العزيز البدري مثل الذروة في ادراك رجل الدين للسياسة والاعيبها ومؤثراتها السلبية على مجمل حركة الاسلام باتجاه اداء رسالته الايمانية ووظيفته الاخلاقية في انقاذ البشرية من السقوط في قاع الرذيلة والانحدار في وديان التيه ودهاليز الانغلاق والتعصب.
ولد الشيخ عبد العزيز البدري عام 1930 ونشأ في بيت علم وادب وفضيلة ودرس علوم القرآن واصول تلاوته على يد العلامة الشيخ عبد القادر الخطيب، وقد لازم الشيخ البدري رحمه الله سماحة الامام الجليل علامة العراق الشيخ امجد الزهاوي رئيس رابطة العلماء في العراق ودرس على يده الفقه واللغة والادب ومبادئ علم الشريعة في جامع الامام الاعظم ثم عين مدرسا في مدرسة التربية الاسلامية، تولى بعدها الوعظ والارشاد في مساجد بغداد وغيرها فعين اماما في مسجد النور بتاريخ 7-6-1949 بعدها في جامع الخفافين بتاريخ 25-8-1950 ثم في جامع الوشاش 10-12-1951 ثم جامع الحيدر خانة وجامع الحديد في بعقوبة 1954 ومسجد نعمان الباجه جي 1955 وجامع الحاج امين 1956 وجامع عادلة خاتون في 1963 وجامع الخلفاء 1964 وجامع اسكان غربي بغداد 1965 وبذلك يتضح ان الشيخ الجليل عبد العزيز البدري قد عاش وعاصر عهودا مختلفة ومتقاطعة ومتعارضة ذات اجواء واهداف متباينة.
بدأ نجم الشيخ عبد العزيز يلمع منذ نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، عندما فرضت عليه الاقامة الجبرية في 2 / 12 / 1959 واستمرت الى 4 / 12 / 1961 وتصدى بكل شجاعة واباء لتوجهات عبد السلام عارف ولسياسته آنذاك فابعد من مدرسة التربية الاسلامية في منطقة الكرخ الى جامع لم يكتمل بناؤه بعد، فعمل ليل نهار من اجل اكماله. وبعد فترة تم اكمال الجامع ”جامع عادلة خاتون“ وعند اكتمال الجامع القى خطبة مشهورة فوجئ خلالها بدخول عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية أنذاك الجامع. ولم يكد يأخذ عارف مكانه حتى بدأ الشيخ البدري بتوجيه كلماته ذائعة الصيت الى عارف من دون خوف او وجل يا عبد السلام طبق الا سلام. ان تقربت من الاسلام باعاً تقربنا اليك ذراعا.ً. يا عبد السلام القومية لاتصلح لنا وحدة الاسلام ملاذنا وعند الانتهاء من خطبته جلس جانبا ولم يلتفت الى الرئيس العراقي. فقام الاخير وصافحه قائلا: ”انا اشكرك على هذه الجرأة “ لينقل بعدها الى جامع الخلفاء المغلق وفي زمن عبد الرحمن نقل الى جامع اسكان غربي بغداد بعد ان كثر اللغط والنقد حول تجميد الشيخ ووضعه في جامع مغلق. ومن هناك نظم مظاهرة احتجاج كبرى ضد محاضرة ”نديم البيطار“ في احدى قاعات المنصور ليضطر البيطار للهرب من الباب الخلفي وتحت الحماية المسلحة لقوات الانضباط العسكري والامن والجيش. ليتم اعتقال الشيخ البدري بعد ذلك بعدة ايام. وبعد نكسة حزيران عام 1967 التحق الشيخ الفاضل بالمقاومة الفلسطينية وكتب وصيته واودعها عند صديقه الدكتور وجيه زين العابدين وبعد حين الف وفدا اسلاميا برئاسته وعضوية الدكتور صالح السامرائي والدكتور عدنان البكاء وعبد الغني شندالة وغيرهم للقيام بجولة في الدول الاسلامية لشرح القضية الفلسطينية بعد النكسة.
النهاية لم تبدأ بعد
كان واضحا منذ ان تسلم حزب البعث السلطة في 1968 ان لا تلاقي ولا تعايش بين الشيخ البدري الذي شمر للحق عن ساعده وبين نظام صدام الذي قرر ان يسكت صوت الحق ويقتلع لسان الصدق فوضع الشيخ تحت المراقبة والمتابعة وادرك الشيخ الفاضل انه امام جهة لا تراعي في الاسلام عترة ولا ذمّة فقد اخذ يبدأ خطبته بلازمة اشتهر بها: ”اعوذ بالله من شرور انفسنا وسيئات حكامنا“ ويختم خطبته بـ”اللهم إنا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الاسلام واهله وتذل بها النفاق واهله وتجعلنا من الدعاة الى طاعتك والقادة الى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والاخرة وشهادة في سبيلك“.
وازاء ذلك لم يكن من المتوقع ان يبقى الشيخ الفاضل بعيداً عن سطوة وظلم الطغاة. خصوصاً بعد ان اظهر جليا ما كان يعمل الشيخ رحمه الله من اجله. وهو التقريب في المواقف والاراء بين السنة والشيعة من خلال لقاءات واجتماعات وجهود بذلت ولم تكن نتائجها واثارها وما ترتب عليها ببعيد عن متابعة ومراقبة السلطة.
وفي ذات يوم عاد الشيخ المجاهد الى بيته مع صديقه عبد الغني شنداله فانقض عليهما نفر من ازلام صدام فقادوهما الى مديرية الامن العامة حيث كان ناظم كزار وصدام بانتظارهما فيما قامت مجموعة اخرى بمداهمة منزل الشيخ وصادروا كل ما وقع تحت ايديهم كما صادروا مخطوطي كتابين من تأليفه وهما: ”كتاب الله الخالد والاسلام حرب على الاشتراكية والرأسمالية“ وبعد تحقيقات سريعة نقل الى ”قصر النهاية“ سيئ الصيت حيث بدأت لجان خاصة برئاسة صدام باستجواب الشيخ وايقاع اكبر واسوأ العذاب عليه. وتم تسليم جثمانه الطاهر الى اهله وذويه حيث تم دفنه في مقبرة الشيخ ابو حنيفة الى جوار شيخه واستاذه امجد الزهاوي. وقبل الدفن وتحت انظار الالاف من المشيعين تم كشف جثة الشهيد من قبل احد اقربائه ليطلع المشيعون على واقع الحال وليدحضوا اكاذيب السلطة.
وينقل احد شهود العيان تفاصيل لقاء جرى بين الشيخ وصدام ليلة استشهاده فيقول بعد ان شدد عليّ بعدم ذكر اسمه باي حال من الاحوال: لقد كنا جالسين في مطعم فاروق قرب معرض بغداد الدولي نتناول طعام العشاء بعد جهد متعب بذلناه في القصر الجمهوري وكان عدد الحاضرين خمسة اشخاص فضلا عن صدام وهم: ناظم كزار وطه الجزراوي ومرتضى الحديثي وعزت مصطفى وانا وبعد الانتهاء من العشاء وكان ذلك في حدود الساعة الثانية صباحا، ارسل صدام على الشيخ الشهيد البدري وكان سجينا في قصر النهاية القريب وعندما دخل الشيخ ذهلنا لما كان عليه من اثار التعذيب فبادر صدام الى ابداء اسفه قائلا: اعتذر ايها الشيخ لان الشباب لم يعرفوك جيدا فعذبوك.. فرد الشيخ بصعوبة بالغة لاتكلف نفسك مشقة الاعتذار فالشباب يعرفونني جيدا لانهم جميعا كانوا يحضرون ايام الجمع لمراقبتي ويحفظون كل قول قلته! وتلعثم صدام وهو يرى في عيني الشيخ الشهيد التحدي والشجاعة والجلد. فاراد مهاجمته ليهبط عزيمته ويحد من شجاعته قائلا: يا شيخ لاتشغل بالك باشياء بعيدة عن وظيفتك وعملك. فللسياسة رجالها، فرده بقوة وعنف: تريد ان تقول ان للسياسة شياطينها: فثارت ثائرة صدام وهو يقول: تترك عملك في ارشاد الناس للدين وتأتي تتحدث في السياسة قل لي شيئاً ينفع في العقيدة الاسلامية قبل ان تطيل لسانك فيما ليس لك فيه صلاح فرد الشيخ الوقور احدثك عن العقيدة الاسلامية عندما تكون متمالكا لقواك العقلية! (في اشارة واضحة الى ان صدام كان في حالة سكر) فصرخ صدام باعلى صوته وهو يضرب بشدة على الطاولة التي كان جالسا بالقرب منها: انت صلف.. وهدام فرد الشيخ بل ان افكاركم هي الهدامة انها مزاوجة فاشلة بين افكار ماركس الالحادية ونيتشه الزراد شتية فغضب صدام غضبا شديدا وهو يقول للشيخ الصابر وماذا تعرف عن البعث وافكاره ؟ فرد الشيخ الشهيد اعرف اشياء كثيرة وهي ليست من النوع الذي يشرف الانسان الايمان بها او التعاطي معها انها افكار مسروقة وفي بعض جوانبها تصلح لغيرنا وكثير منها لايصلح للبشر وفي مقدمة ذلك دمويتكم ولا انسانيتكم واستمر النقاش الذي كان في كثير من جوانبه يتسم بالغضب والسب والشتم من قبل صدام الذي كان يبدو عليه ان الزمام قد فلت من يديه فتحول الى برميل من البارود يتفجر فوجه سباباً وشتائم للشيخ رحمه الله وقال انك تتجاوز وتعرف من انا فرد عليه الشيخ بجلد وشجاعة اعرف فانت قاتل محترف هنا قرع صدام الجرس فدخل برزان الذي كان ينتظر نتيجة المساجلة فطلب منه تنفيذ الواجب قائلا (ارسلوه الى النجف) ليذهب مع جماعته وبعد دقائق دوت طلقات لتضع نهاية لرجل اوقف حياته من اجل الاسلام والوطن والشعب وفي فجر تلك الليلة الحزينة في يوم 26-6-1969 خرجت السيدة الفاضلة زوجته لشراء الخبز لاولادهما من خباز مجاور للدار في السوق الشعبي وما ان فتحت الباب حتى تراجعت مذهولة وهي تصيح بهلع ولم تلبث ان وقعت على الارض مغشيا عليها بعد ان فوجئت بجثة زوجها الشهيد الصالح مسجاة امام الباب مضرجة بالدماء.


http://www.alsabaah.com/paper.php?source=akbar&mlf=interpage&sid=20977