تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ما بعد بعد النصر!؟



ابو شجاع
08-20-2006, 12:57 PM
ما بعد بعد النصر!؟

يحق للسيد حسن نصر الله وكل المقاومين معه إضافة إلى كل من خفق قلبه وهو يراقب صمودهم من بعيد أو قريب ودعا لهم بظهر الغيب أن ينتشي بنصرهم في جنوب لبنان. كما ينبغي أن يخجل من نفسه كل من تعمد خذلان هذه المقاومة الباسلة قولاً أو فعلاً. فالعدو هذه المرة كان واضحاً والقضية المعلنة (تحرير الأسرى) محقة تماماً، كما أنها لأول مرة تُرَدّ الصفعات ل (إسرائيل) بلكمات تصيبها بنزيف حاد. ولو أني شاهدت المقاومين في جنوب العطاء يرقصون انتشاء بالنصر لشاركتهم به، ولن أعجز عندها عن القفز إلى السماء ابتهاجاً وتقليداً لرقصة النصر التي يؤديها أبطال الشيشان، تلك التي كان يقفز فيها العجوز المحدودب الظهر في السماء بعد أن يسابق الريح في دورته اللولبية في حلقة الأبطال. فنعم العطاء ونعم الصبر ونعم النصر.

لقد أثبتت ضربات حزب الله نجاعتها إذ هشمت العقيدة العسكرية التي نشأ على أساسها كيان يهود على أرض فلسطين الطاهرة. ذلك الكيان الاستيطاني صنيعة الاستعمار وربيبه، الذي جمع هجيناً مختلطاً من الشعوب المتباينة عرقياً وثقافياً، من أوروبا وأميركا ووسط آسيا والدول العربية وأفريقيا وايران، حتى بات معه مجتمعاً يجمع الأضداد ولا يتميز بشيء سوى بنيته العسكرية العدوانية، ما جعله مجتمعاً حربياً بالدرجة الأولى، أشبه ما يكون بتلة نصب على قمتها مدفع يقصف في كافة الاتجاهات.

ومن هنا تأتي أهمية النصر الذي تحقق ميدانيا على هذه القوة العمياء الغاشمة مؤخرا، ولذلك كان النصر بالفعل استراتيجياً، ما شحن الأمة الإسلامية وأوقد فيها الرغبة برؤية تفكك دولة اليهود ومشاهدتها وهي تنهار تحت ضربات المجاهدين القادمين من كل مكان، من مصر والأردن وسوريا قبل لبنان وغزة. فيكون النصر آنذاك نتيجة حرب شاملة لا مجرد معركة، على أهميتها. وهكذا يكون قد تحقق النصر، ولن يضيرنا المتسلقون والطغاة الذين يريدون أن يسرقوا هذا النصر من أصحابه وينسبوه لأنفسهم، بل ينبغي الآن أن يتم البناء على الأمر مقتضاه، أي توجيه الأمة للتفكير جدياً بكيفية تحرير فلسطين كلها من نهرها إلى بحرها وليس فقط تحرير الأسرى بعضهم أو كلهم، على أهميته. وللوصول إلى ذلك لا بد من التحرر بداية من قيود الأنظمة الحاكمة القائمة، بخاصة بعد أن ثبت يقيناً أنها الحائل الحقيقي بين الأمة وبين تحريرها من قيود الاستعباد والاحتلال والتبعية.

إلا أن ما سبق، لا يعني بحال إغفال دور الدول الكبرى وعملها الدؤوب على ما أسمته إنضاج الظروف الموائمة بغية استثمارها في تحقيق أجندتها المتعلقة بولادة الشرق الأوسط الجديد. بخاصة إذا ما اقتنع بيادق اللعبة الأهم (إيران – سوريا – (إسرائيل)) بإتمام صفقات باتت معالمها واضحة، فضلاً عن أنها ليست بجديدة، سواء على صعيد ايران التي ارتضت تغطية احتلال أميركا للعراق وقبله أفغانستان، بل ودفعت أتباعها إلى أن يكونوا سدنة الاحتلال هناك. أو سوريا تلك التي تتطلع إلى الخروج من مأزق اغتيال الحريري والحدّ من تداعيات مغادرتها لبنان بالشكل المهين الذي جرى، بأي ثمن وأية وسيلة تحفظ استمرار النظام، مع حل مشكلة الجولان كيفما اتفق، حتى ولو أدى ذلك إلى مقايضة الاحتلال اليهودي فيها باحتلال أميركي تحت اسم قوات فصل دولية. يأتي هذا متوافقاً مع اقتناع الرأي العام اليهودي (كما يبدو بعد الهزيمة الأخيرة) بضرورة التنازل عن أحلامهم البائسة، فالهزيمة الأخيرة شكلت لديهم مفهوماً بأن أمان (إسرائيل) لا يمكن ضمانه بالقوة العسكرية وحدها، وأن عملية تسوية شاملة تضمنها الدول الكبرى وعلى رأسها أميركا هي الحل، فبدون خضوعها للتسوية القادمة، فإن عليها أن تنتظر مزيداً من وابل الصورايخ التي لن تعتق المرة القادمة تل أبيب وربما ديمونا! ما يعني ذلك اضطرار سير ساسة اليهود كرهاً أو اختياراً في ما يسمونه بطريق التنازلات الأليمة.

إذا تحقق ذلك، فتكون آنذاك تصريحات رجالات النظام السياسي في ايران بشأن (إسرائيل) وبالأخص تكرار نجاد شعارات سحقها وتدميرها، إضافة إلى الانتخابات الفلسطينية التي أفرزت اكتساح حماس بإشراف أميركي مباشر، والانتخابات الإسرائيلية بعد انشقاق حزبي العمل والليكود وتفريخ حزب كاديما برئاسة شارون وفوزه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بناء على تبنيه الأجندة الأميركية، إضافة إلى اعتراف الأطراف الفلسطينية بوثيقة الأسرى التي تتضمن الاعتراف ب(إسرائيل)، وقول إيران نرضى بما يرضى به الفلسطينيون، واعتبار سوريا أن السلام خيار استراتيجي وما تلى ذلك من تصريحات آخرها ما قاله بشار الأسد اليوم أن غاية المقاومة تحقيق السلام وإعادة الحقوق عندما ترفض (إسرائيل) ذلك من خلال المفاوضات، ما يؤدي إلى أن جملة هذه الأحداث هي عبارة عن حلقات مضطردة ومترابطة في سلسلة هادفة، يراد توظيفها سياسياً ضمن أجندة الإدارة الأميركية التي تعمل جادة هذه المرة على طي ملف الشرق الأوسط على نحو ما. وعليه، فهل سيكون النصر المشهود هو مقدمة للمفاوضات الجدية حول قضايا الصراع المزمن؟ وما بعد مفاوضات ما بعد النصر عملية تسوية شاملة تنتج شرق أوسط أميركياً جديداً!؟؟؟ نتمنى أن لا يكون ذلك، ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه! وأملنا بعد الله لإفشال مشاريع أميركا أن هذه الإدارة الأميركية المتغطرسة عمياء تمشي وهي مكبة على وجهها، وأنها لم تضع خطة وتمت لها على الوجه الذي أرادت.

حسن الحسن



نائب ممثل حزب التحرير في المملكة المتحدة

http://www.odabasham.net/show.php?sid=63&cat=a159 (http://www.odabasham.net/show.php?sid=63&cat=a159)