تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دماء لبنان تباع بقرار قاتل في سوق الصراع الأمريكي الفرنسي



ابو شجاع
08-19-2006, 01:18 PM
دماء لبنان تباع بقرار قاتل في سوق الصراع الأمريكي الفرنسي وبمباركة وتواطؤ الحكام في بلاد المسلمين!


صدر اليوم قرار مجلس الأمن رقم 1701 المتعلق بعدوان دولة يهود الوحشي على لبنان الذي طال البشر والشجر والحجر، وقد اخترع القرار لفظ (وقف الأعمال العدائية العسكرية) بدل وقف إطلاق النار، ثم انسحاب الجيش الإسرائيلي بالتزامن مع انتشار قوات دولية مع الجيش اللبناني، قوام كل منها خمسة عشر ألفاً. كما تضمن القرار سحب جند حزب الله إلى شمال الليطاني، وتنفيذ القرار 1559 القاضي بنزع سلاح حزب الله. ولم ينسَ القرار أن ينص، دون قيد أو شرط، على إطلاق الأسيرين الإسرائيليين اللذين أسرهما حزب الله في عملية قتالية، في الوقت الذي ترك فيه موضوع الأسرى اللبنانيين معلقاً!

وقبل إلقاء الضوء على خطورة القرار وفظاعته نعود إلى خلفيات هذه المسألة:
لقد سارت الأمور في العراق وأفغانستان على غير ما تشتهي أمريكا، فهي غرقت في مستنقع تبين لها أن الخروج منه مكلف وأمره يطول، وأن العراق (بخاصة) قد أصبحت مركزاً قتالياً ساخناً ضدها لا ينقذها منه إلا تسخير الدول المجاورة في الموضوع، وأبرز هذه الدول إيران وسوريا وهي دول لأمريكا نفوذ محسوب فيهما، ولكن دخولهما في هذا الأمر لا يتم دون حل شامل لما تبقى من قضايا المنطقة، أي إنهاء أزمة الشرق الأوسط. ووجدت أمريكا أن هذا الأمر (الحل الشامل) يحقق لها الأمور التالية وفق تقديراتها:

1- صرف الأنظار ولو مؤقتاً عن جرائمها في العراق وأفغانستان وفضائحها هناك وفشلها في تحقيق أهدافها من عدوانها، وإيجاد مدخل معلن لتلزيم العراق أو جزء كبير من العراق لإيران كما حدث في سنة 1975م في لبنان عندما تم تلزيم لبنان لسوريا برعاية أمريكية، ومن ثَمَّ تنتهي الأزمة النووية الإيرانية لأن أمريكا هي التي كانت تعطِّل حلها وتشغل أوروبا بها.

2- تسهيل الحل لموضوع الجولان السوري وفلسطين ثم الاعتراف المعلن من سوريا بدولة يهود وبالتالي تتبعها التنظيمات الفلسطينية، ووضع حد نهائي للنزاع، ومن ثم ضمان الهيمنة الأمريكية في المنطقة.

3- ويترتب على ذلك تحسين صورة أمريكا في المنطقة! والأهم منها رفع شعبية بوش والحزب الجمهوري في أمريكا ما يسهل فوزه في الانتخابات المقبلة.

غير أن ثلاثة أمور كانت تعوق تحقيق أمريكا أهدافها للتسوية الشاملة:
1- وقوف أوروبا في وجهها، لأن أوروبا (فرنسا وبريطانيا) قد وجدت في اغتيال الحريري فرصةً ذهبيةً لمنازعة أمريكا النفوذ في لبنان بعد أن أقصيت منه منذ ثلاثين سنة بشكل جزئي، ومنذ اتفاق الطائف نحو خمس عشرة سنة بشكل كلي. وليس من السهل عليها أن توافق على عودة زمام الأمور في المنطقة بيد أمريكا.
2- موضوع حزب الله، فهو منذ أوائل الثمانينات مدعوم من إيران وسوريا عسكرياً وتدريباً... وقد كانتا تدعمانه إلى أن يحين موعد التسوية وعندها ينهيانه بالحسنى أو بخذلانه إن لزم والتخلي عنه في قتال يهود، ولم يكن الحزب يدرك ذلك جيداً.

المهم أن حزب الله قد تعاظمت قوته، وهو يضم شباباً مخلصاً في قتاله ليهود، وأصبح في وضع يصعب على سوريا أن تأمره بالعودة حزباً سياسياً فحسب، وكفِّ قتاله عن يهود. ومعروف أن التسوية إذا ما حان موعدها فإن أركان التسوية لا يقبلون بقاء دور لحزب الله، ولذلك فموضوع حزب الله كان من العوائق في وجه التسوية.

3- موضوع دولة يهود، فأمريكا تعلم أنهم لن يقبلوا بتسوية تكفل لهم دولة قوية ضمن حدود محددة، ويتركوا الدول الأخرى المحيطة بهم وشأنها، ناهيك عن قبولهم بأية دولة ولو ضعيفة في فلسطين، فاليهود يتحركون وتوراتهم المزيفة في قلوبهم وعقولهم، ولايزال هدفهم البعيد هو المنطقة كلها من النيل إلى الفرات عندما تحين الفرصة لهم.

وما لم يشعروا بضرر يصيبهم، وخطر يدهمهم، فلن يقبلوا بالدخول في تسوية تحفظ ماء الوجه لا لسوريا ولا للبنان ولا لفلسطين؛ ولذلك فإن موضوع دولة يهود كان من العوائق في وجه التسوية.
ولقد رأت أمريكا أن إزالة هذه العوائق يتم بالحيلولة دون وقف إطلاق النار، فلا تجعل مجالاً لأوروبا في التدخل، ومن ثمَّ إطالة أمد العدوان فيلحق ضرر كبير بحزب الله، وضرر مؤثر بدولة يهود.
أما اليهود فهم في هذه الحالة سيلجأون إلى أمريكا لوضع المشروع المناسب.

وأما شباب حزب الله فهم يقاتلون بإخلاص لإحدى الحسنيين النصر أو الشهادة، ولكن أمريكا عن طريق إيران وسوريا ستتحكم في المشروع المناسب، بأن تتولى إيران وسوريا ضبط الحزب في الاتجاه المطلوب.

وهكذا فإن أمريكا لم توافق على وقف إطلاق نار فوري، إلا بعد أن «تكون الظروف مؤاتية!» كما جاء في تصريح رايس وزيرة الخارجية الأمريكية في 19/7/2006م عقب اجتماعها مع وزير الخارجية المصري في واشنطن.

غير أن يهود بسبب الضربات الموجعة التي تلقوها من حزب الله فقدوا صوابهم، وضاعف من ذلك عجزُهم عن النصر العسكري الذي كانوا معتادينه في حروبهم السابقة، فصاروا يقصفون المدنيين، يمنة ويسرة، دون تفريق بين شيخ أو طفل أو امرأة، ولا بين منزل سكني أو مستشفى أو مدرسة ولا حتى جامع، بل حتى الأشجار والجبال والجسور والطرق... ما جعل أوروبا تستغل ذلك في الرأي العام لإيجاد وقف لإطلاق النار قبل أن تصل أمريكا إلى مبتغاها، وذلك لتمسك أوروبا بشيء من خيوط القضية ولا تتركها كلها بيد أمريكا.

وهكذا وضعت فرنسا مشروعها الذي يركز على وقف إطلاق النار، ودعمتها أوروبا بفاعلية في ذلك، وبخاصة بريطانيا من وراء ستار وفقاً لسياستها بعدم معارضة أمريكا علناً. واضطرت أمريكا للبحث في إصدار قرار من مجلس الأمن، ولكنها اخترعت موضوع (وقف الأعمال العسكرية العدائية) بدل وقف إطلاق النار لتطيل أمد العدوان لتعود إلى أصل خطتها: التسوية الكاملة، إن استطاعت، فتنطلق من تسوية المشكلة في لبنان إلى التسوية الكاملة بقيادتها لصياغة المنطقة وفق ما سمته (الشرق الأوسط الجديد). ومن ثم جاء هذا القرار الذي يحمل في طياته إطالة أمد تنفيذه، بحيث تحتاج كل فقرة منه إلى نقاش وتفاوض حولها:

فانسحاب اليهود متزامن مع انتشار القوة الدولية، وتكوين هذه القوة وتشكيلها يأخذ وقتاً ليس بالقصير، ووقف الأعمال الحربية اختراع مطاط مقصود لإيجاد مدخل لاستمرار القتال في أية لحظة، هذا فضلاً عن النص على وقف الأعمال الهجومية، ومعروف أن دولة يهود تفسر قتلها للأطفال بالأعمال الدفاعية! وإطلاق الأسيرين دون تزامن ذلك مع إطلاق الأسرى اللبنانيين أمر مذل بعد كل الدماء التي سفكت، وانسحاب حزب الله إلى شمال الليطاني قبل انسحاب الجيش الإسرائيلي كذلك هو إهانة، وتنفيذ 1559 هو إفراغ لأي مقاومة لعدوان يهود... وكل ذلك يعيد الأمور إلى نقطة الصفر أو فوقها بقليل.
إن صياغة هذا القرار قد سجَّل نقاطاً عدة إن لم يكن كل النقاط لصالح أمريكا حتى إن شيراك الذي صرح مراراً على وجوب النص على وقف إطلاق النار في أي قرار وإلا كان عملاً غير أخلاقي، عاد فابتلع ما صرح ووافق على مشروع القرار!.

أيـّها المسلمون: إن هذا القرار هو مقتل للأمة كلها وليس للبنان فحسب، فهو قد أُعِدَّ لتثبيت تسوية بين يهود ولبنان تنطلق منها أمريكا لتسوية أشمل بقيادتها في المنطقة لصياغتها وفق ما سمَّته (الشرق الأوسط الجديد) كما صرحت بذلك رايس خلال العدوان في 22/7 بأن العدوان اليهودي سيتمخض عن (شرق أوسط جديد).
إن القرار قد حقق لدولة يهود نصراً لم تستطعه في ميدان القتال، ولولا أنها كانت مطمئنة بعدم تدخل الدول القائمة في بلاد المسلمين، سواء منها من كان يصرخ بدعم حزب الله كسوريا وإيران، أم كالدول الأخرى التي كانت تعاديه بسر وإعلان، لولا ذلك لطلبت دولة يهود نفسها وقف القتال منذ أيامه الأولى.

إن قضايا المسلمين لا تحل بقرار دولي يقره مجلس الأمن الذي تهيمن عليه أمريكا الراعي (الكبير) لدولة يهود. إنها تحل بالجهاد، بفتح الجبهات واندفاع الجيوش من خلالها للجهاد في سبيل الله، وجمع القادرين جنوداً في تلك الجيوش، فهو فرض فرضه الله على المسلمين إذا اغتصب العدو أي شبر من أرضهم فكيف وقد ضاعت أشبار بل واعتدى عليهم في عقر الدار؟! وما غزي قوم في عقر دارهم ولم يدفعوه بعنفوان إلا ذلّوا، وأوشك أن يعمهم العذاب. قال تعالى: { إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
إن تخلف الدول القائمة في بلاد المسلمين عن نصرة فلسطين ولبنان ضد يهود هو جريمة كبرى، وإن خذلان سوريا وإيران لحزب الله وتركه وحده هو تواطؤ لتسهيل دخول مشاريع أمريكا المنطقة. وإن وقوف الدول العربية الأخرى وبخاصة مصر والسعودية والأردن، وبقية الدول القائمة في بلاد المسلمين، وقفة العاجز الخائن المؤيد لأمريكا وعدوان يهود في السر بل في العلن أيضاً، هو جريمة تطوِّق أعناقهم بالخزي والعار في الدنيا والآخرة.

أيـّها المسلمون: إن الموافقة على هذا القرار وتنفيذه هو خيانة لله ولرسوله والمؤمنين، وإن الفرصة قائمة أمام الجند في الجيوش أن يزيلوا هؤلاء الحكام، ويعيدوا مجد الإسلام، فيقيموا دولة الخلافة على منهاج النبوة، لتنتقم من يهود للأطفال الذين قتلوا والذين شوِّهوا، وللنساء اللاتي روِّعت ورمِّلت وأهينت، وللشيوخ الذين تخضّبت لحاهم بالدم، لتنتقم من يهود ومَنْ هم وراء يهود، وعندها سيُخْرب اليهود بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين، وسيشفي الله سبحانه صدور قوم مؤمنين.

{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ المُؤْمِنُونَ ، بِنَصْرِ اللهِ}


18 رجب 1427هـ


حـزب التحـرير


الموافق 12/8/2006 م



http://www.hizb-ut-tahrir.info/arabic/index.php/isdarat/single/1384 (http://www.hizb-ut-tahrir.info/arabic/index.php/isdarat/single/1384)