احمد جبريل
08-18-2006, 12:13 AM
ما هي أسباب الدعم الأمريكي لإسرائيل؟
لقد شغل هذا التساؤل العديد من المناقشات في المجتمع العربي، وعادة ما تبدأ معظم الإجابات المطروحة من المشاهد العربي بلفظ "لوبي" إشارة إلى المصطلح الانجليزي Lobby وفي هذه الحالة تكون الإشارة إلى المنظمات والأفراد بالمجتمع الأمريكي الذين يدعمون موقف الدولة الإسرائيلية داخل الساحة السياسية الأمريكية بهدف تبني سياسيات أمريكية تتلاءم مع المصالح الإسرائيلية. ومع أن ظاهرة اللوبي الإسرائيلي أمر معروف جيدا في الولايات المتحدة، إلا أن الاعتقاد ترسخ عبر السنين من خلال مقولة بعض محللي السياسية الأمريكية، من أن مصالح الولايات المتحدة ومصالح إسرائيل متماثلة، ويقول البعض انها مترادفة، أي أن جهود اللوبي الإسرائيلي تعزز وتحافظ عما هو معترف به كالمصلحة العامة الأمريكية. ويقول مؤيد هذا الرأي ان دعم واشنطن لإسرائيل مبني على مصالح ومبادئ مشتركة، فالولايات المتحدة وإسرائيل حلفاء في "الحرب ضد الإرهاب"، كما يجمعهما مبادئ الحرية والديمقراطية، وهما أعضاء في نادي "العالم الحر". وخلال العهدين السابقين بذل العديد من الشخصيات والمفكرين بالمجتمع السياسي الأمريكي جهودا مكثفة لتحدي هذا المنظور باعتباره من وجهة نظرهم فكرا خاطئا، لأن مصالح الولايات المتحدة ومبادئ الحرية التي يتبناها شعبها لا تتفق مع السياسة الإسرائيلية، وبالتالي يصبح التساؤل عن استمرار الدعم الأمريكي غير المشروط للحليف الإسرائيلي مبررا. ورغم ذلك لم ينجح أحدهم في تغيير هذا الفكر السائد بأن الدعم الأمريكي لإسرائيل هو حجر الأساس لأي سياسية أمريكية تسعى لخدمة مصالح الولايات المتحدة الأمنية بالشرق الأوسط. ولكن اليوم الأمر اختلف، فيبدو أن هناك نقاشا كبيرا حول هذا الِشأن في المجتمع السياسي الأمريكي-وإن كان هذا النقاش لازال ضئيلا نسبيا على المستوى الشعبي. وقام تقرير واشنطن بإعداد تحقيق واف عن هذه المناظرة الجارية، بهدف تسليط الضوء على أهم معالم المواجهة الفكرية-السياسية عن الموضوع، وتعليل ظهور هذا النقاش الذي تجنبه أو جهله الكثير من المفكرين الأمريكيين في الماضي. وتحدث تقرير واشنطن مع العديد من الشخصيات البارزة في هذه المناظرة الجارية بما يتضمن أفراد مرموقة من عالم السياسية والصحافة والمجال الأكاديمي بالولايات المتحدة.
أهم الدراسات والمقالات الحديثة عن "اللوبي الإسرائيلي"
ومن أهم الأصوات المعارضة للرأي الشائع عن علاقة الولايات المتحدة باسرائيل (وهو أن هذه العلاقة تمثل عنصرا مهما لخدمة أهداف السياسة الخارجية الأمريكية) صوتا ستيفن والت وجون ميرشيمر كاتبي دراسة " اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية" التي نشرت في مجلة "لندن ريفيو أوف بوكس" London Review of Books. والأول هو أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد وعميد كلية جون كينيدي للعلوم السياسية، وميرشيمر أستاذ للعلوم السياسية بجامعة شيكاغو حيث عمل منذ عام 1982. وقد ورد بالصحافة الغربية والعربية العديد من المناقشات عن هذه الدراسة ولذا نكتفي هنا بتلخيص أهم النقاط الرئيسية في الدراسة:
• اللوبي الإسرائيلي يمثل قوة أسياسية في عملية صنع القرار الأمريكي، ومع الأخذ في الاعتبار أن النظام السياسي والقانوني الأمريكي يسمح لكل المواطنين الأمريكيين بحق التنظيم السياسي بهدف التأثير على السياسة الأمريكية في نطاق الديمقراطية وحرية التعبير، نجد أن تأثير اللوبي الإسرائيلي قد نجح في الحد من النقاش المثمر عن مستقبل السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط بهدف الحفاظ على استمرارية الدعم الأمريكي لإسرائيل بصرف النظر عن المصالح الأمريكية.
وهذا النجاح، كما زعم المؤلفان، ينسب لنفوذ اللوبي داخل:
1 الهيئة التنفيذية بالإدارة الأمريكية من خلال أفراد متعاونين أو متعاطفين مع مؤسسات اللوبي.
2 الهيئة التشريعية من خلال ضغط اللوبي على أعضاء الكونغرس بواسطة التبرعات المالية، أو تهديد نجاحهم في الانتخابات ويذكر الكاتبان عدة أمثلة للموقف الأخير.
3 مجموعة من مؤسسات الثينك تانكس أو مراكز الأبحاث السياسية التي تنتج أبحاثا متحيزة لصالح إسرائيل.
4 من خلال أفراد متعاطفين أو متعاونين مع أهداف اللوبي الإسرائيلي داخل مؤسسات الإعلام الأمريكي.
5 الجامعات من خلال حملات سياسية وإعلامية لتخويف أعضاء المجتمع الأكاديمي في مجال دراسات الشرق الأوسط في حالة انتقادهم السياسات الإسرائيلية بأسلوب قوي.
6 من خلال توجيه اتهامات العنصرية والمعادة للسامية لأي شخصية بارزة في المجتمع السياسي الأمريكي تنتقد سياسة إسرائيل أو دعم الولايات المتحدة لها.
• قرار الولايات المتحدة لغزو العراق عام 2003 كان ناتج عن تأثير اللوبي الإسرائيلي، وإن كان هناك عوامل أخرى هامة أدت إلى هذا القرار مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001. كاتبا هذه الدراسة يعتقدون أن هذا القرار غير سليم ولم يخدم مصالح الولايات المتحدة كما يروها.
• سياسية الولايات المتحدة تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي مبنية على الهيمنة التامة للوبي الإسرائيلي في ساحة النقاش العام بالولايات المتحدة، ويرى كاتبا الدراسة أن السياسة الأمريكية منحازة لصالح إسرائيل بالرغم من أن هذه السياسية تتناقض مع مصلحة الولايات المتحدة ومبادئ الحرية والديمقراطية التي تمثل في وجهة نظر مؤيدي استمرار هذه العلاقة أساس الشراكة الأمريكية-الإسرائيلية.
• سياسية الولايات المتحدة تجاه إيران وسوريا غير مفهومة من خلال عدسة المصلحة الأمريكية، والسبب في ذلك أنها ناتجة عن تأثير اللوبي الإسرائيلي الذي يعطى أولوية لمصلحة إسرائيل فوق مصلحة الولايات المتحدة من وجه نظر الكاتبين.
• سياسة واشنطن العامة تجاه الشرق الأوسط تحتاج لمراجعة جادة وذلك سيتطلب أسلوبا جديدا وصريحا في مناقشة المجتمع الأمريكي علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل.
وقد أسفر عن هذه الدراسة رد فعل هائل من المجتمع السياسي والإعلامي بالولايات المتحدة، بما يتضمن مقالات تكذب تداعيات هذا البحث، ومقالات تهاجم شخصية الكاتبين وتتهمها بالمعادة للسامية، ولكن كان هناك رد فعل إيجابي متمثل في مناظرة متحضرة شمل المسئولين السابقين ورواد الإعلام والعالم الأكاديمي عن حقيقية اللوبي الإسرائيلي ومدى تأثيره على سياسية الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال نشرت مجلة "فورن بولسي" Foreign Policy الصادرة عن معهد كارنيغي للسلام الدولي (http://www.taqrir.org/showarticle.cfm?id=115)قسما خاصا لتبادل الآراء بين والت وميرشيمر، ومعارضيهم في الرأي مثل دينيس روس (مبعوث أمريكي سابق للشرق الأوسط) ومؤيديهم، مثل زينيو بريزينسكي مستشار الأمن القومي لإدارة الرئيس الأسبق جيمي كارتر. ومن أبرز المقالات التي نشرت عن هذه المناظرة جاءت في مجلة الواشنطن بوست (أحد ملاحق عدد يوم الأحد) وكتبها غلين فرانكيل الرئيس السابق لمكتب الصحيفة بالقدس. وقام تقرير واشنطن بالحديث مع عدة شخصيات أمريكية بارزة لتوضيح طبيعة هذه المناظرة وأسباب صعود أهميتها في وقتنا هذا.
آراء متضاربة حول قضية اللوبي الإسرائيلي
بدأ تقرير واشنطن تحقيقه داخل محل الجدال نفسه أي داخل مؤسسات اللوبي الإسرائيلي التي كثر الحديث عنها بالإعلام الأمريكي في الشهور القليلة الماضية. ومن أهم المنظمات اللوبي التي ذكرها والت وميرشيمر في دراستهما هم "أيباك" أو اللجنة الأمريكية-الإسرائيلية للعلاقات العامة (http://www.taqrir.org/showarticle.cfm?id=118)ومؤتمر رؤساء المنظمات الأمريكية-اليهودية الكبرى، والأخير هو كيان يمثل أكثر من 51 منظمة يهودية أمريكية بما فيهم أيباك، واللجنة اليهودية الأمريكية والمجلس اليهودي-الأمريكي. وحاول تقرير واشنطن أن تحصل على رأي المتحدث الرسمي لأيباك، ولكنه رفض التعليق على هذا الموضوع. ولكن كان لنا حديث مع مايكل هونلين نائب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات الأمريكية-اليهودية الكبرى.
"ليس هناك قضية! هذه ليست قضية حقيقة. ودراستهم [إشارة إلى دراسة والت وميرشيمر] ليست دراسة حقيقية بل هي دراسة باطلة." وأضاف هونلين أن والت وميرشيمر لم يستخدما مصدرا أصليا واحدا بين كل المصادر التي استخدماها. "وكثير من هذه المصادر كانت من "مواقع إكراه" على حد تعبيره. وقال إن إدعاءات الكاتبين بأن مصالح الولايات المتحدة ومصالح إسرائيل غير متطابقين غير صحيح "ما تفعله إسرائيل يتماشي مع المصالح الأميركية، ويتفق تماما مع المصلحة القومية العربية." كما كذب هولين نظرية أن الولايات المتحدة غزت العراق بناء على مطالب اللوبي الإسرائيلي والمنظمات اليهودية، موضحا أن المجتمع اليهودي الأمريكي كان منقسما في آراءه عن قضية الحرب في العراق.
أما عن غريغوري غوز أستاذ العلاقات الدولية بجامعة فيرمونت، فقد قال "بالرغم من أني لا أتفق مع والت وميرشيمر بأن الحرب في العراق كانت ناتجة عن جهود اللوبي الإسرائيلي بالولايات المتحدة، إلا أنني أتفق مع النقطة الأساسية للدراسة. هناك تأثير كبير جدا للجهات الموالية لإسرائيل في صناعة السياسية الأمريكية. هذا أمر لا جدال فيه." وقال غوز لتقرير واشنطن وهو من أبرز أعضاء المجتمع الأكاديمي في مجال دراسات الشرق الأوسط أن "حملات التخويف" ضد الأكاديميين غير المعارضين للموقف الإسرائيلي "ظاهرة حقيقية"، وإن كان نجاح الحملة محدودا نظرا لمبادئ نظام التوظيف الجامعي الذي يمنح العديد من الحماية للأساتذة. ولكن الأصوات السياسية المؤيدة لإسرائيل نجحت في بعض الأحيان في الضر بسمعة بعض الأكاديميين المعاديين للسياسة الإسرائيلية، كما يشير غوز لمثال خوان كوول أستاذ جامعة ميتشيغان، الذي فشل في الحصول على تعيين بجامعة ييل نتيجة الحملة الإعلامية المعادية التي شنتها الجهات الموالية لإسرائيل وسياسة المحافظين الجدد.
"عندما قرأت دراسة والت وميرشيمر تحدثت مع أحد زملائي السابقين، وكان انطباعنا أن وصف الدراسة لا يتطابق مع أسلوب صنع السياسات الذي عرفناه في وقت خدمتنا." كان هذا تعليق السفير الأمريكي السابق ديفيد ماك الذي عمل في الماضي كنائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي. وعن علاقة اللوبي الإسرائيلي بالحرب في العراق، قال السفير الأمريكي السابق "هناك العديد من الأسباب التي دفعت بنا للحرب بالعراق، وفي هذا الإطار كان دور اللوبي المؤيد لإسرائيل مجرد دور جانبي وضئيل بالنسبة للأسباب الأخرى."
وقال ماك أن بالرغم من أن اللوبي يتمتع بتأثير ملحوظ على السياسية الأمريكية، لا تمثل هذه المنظمات إلا عنصرا واحدا في عملية صنع السياسة الأمريكية. ولذا لا يصح أن نزعم أن سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط دائما ما تسيطر عليها منظمات اللوبي الإسرائيلي. "لقد بذل اللوبي جهودا كبيرة لمحاولة الضغط على الولايات المتحدة لنقل مقر سفارتها في إسرائيل، من تل أبيب إلى القدس، ولوقف كل تشريع لبيع السلاح الأمريكي للدول العربية، ويقال ان اللوبي حاول أن يجعل حكومات منظمة أوبك طرف خاضع للقوانين الأمريكية لمكافحة الاحتكار.
ومع ذلك فشلت المنظمات المؤيدة لإسرائيل في كل هذه المواقف." ولكن في الوقت نفسه أعترف ماك أن منظمات اللوبي لها نفوذ ملحوظ داخل الهيئة التشريعية، وأنها تمتلك القدرة لجعل العديد من أعضاء الكونغرس أن يدعموا المعونات الكبيرة التي تمنحها الولايات المتحدة لإسرائيل، علاوة على قرارات التضامن مع الدولة الإسرائيلية. ولكن مثل هذا النشاط لا يقتصر على اللوبي الإسرائيلي، كما يشير السفير ماك الذي أوضح أن لوبي شركات الأدوية نجحت في إقناع الحكومة الأمريكية للموافقة على تصدير الأدوية لإيران كاستثناء للعقوبات المطبقة على الدولة، وهناك اللوبي "البهائي" الذي يتمتع بنفوذ كبيرة في تحديد مسار السياسة الأمريكية تجاه إيران، واللوبي الكوبي- الأمريكي المعادي لفيديل كاسترو، الذي يتمتع بتأثير هائل على علاقات الولايات المتحدة بكوبا. أي باختصار "دراسة والت وميرشيمر وقعت في فخ التبسيط المفرط في وصف عملية صنع السياسة الأمريكية" على حد تعبير ماك.
وقال أم جاي روزنبيرغ مدير منظمة "منتدى السياسة الإسرائيلية" Israel Policy Forum الذي عمل بأيباك أكبر منظمات اللوبي الإسرائيلي نفوذا في عهد الثمانينات أن والت وميرشيمر "أفرطا في تقديرهم لقدرة أيباك على نزع أعضاء الكونغرس من مناصبهم من خلال التبرعات والحملات الإعلامية في أوقات الانتخابات. زعم المؤلفان أن السيناتور الجمهوري السابق تشارلز بيرسي خسر الانتخابات عام 1984 بسبب اللوبي. ولكن من وجهة نظري اللوبي الإسرائيلي لعب دورا ضئيلا في هذا السباق والسبب في هزيمة بيرسي هو أن ولايته أصبحت أكثر ميولا للحزب الديمقراطي." ومع ذلك أتفق روزنبيرغ مع الرأي أن اللوبي يتمتع بنفوذ هائلة وأن الدراسة تحتوي على بعض الحقائق.
لقد شغل هذا التساؤل العديد من المناقشات في المجتمع العربي، وعادة ما تبدأ معظم الإجابات المطروحة من المشاهد العربي بلفظ "لوبي" إشارة إلى المصطلح الانجليزي Lobby وفي هذه الحالة تكون الإشارة إلى المنظمات والأفراد بالمجتمع الأمريكي الذين يدعمون موقف الدولة الإسرائيلية داخل الساحة السياسية الأمريكية بهدف تبني سياسيات أمريكية تتلاءم مع المصالح الإسرائيلية. ومع أن ظاهرة اللوبي الإسرائيلي أمر معروف جيدا في الولايات المتحدة، إلا أن الاعتقاد ترسخ عبر السنين من خلال مقولة بعض محللي السياسية الأمريكية، من أن مصالح الولايات المتحدة ومصالح إسرائيل متماثلة، ويقول البعض انها مترادفة، أي أن جهود اللوبي الإسرائيلي تعزز وتحافظ عما هو معترف به كالمصلحة العامة الأمريكية. ويقول مؤيد هذا الرأي ان دعم واشنطن لإسرائيل مبني على مصالح ومبادئ مشتركة، فالولايات المتحدة وإسرائيل حلفاء في "الحرب ضد الإرهاب"، كما يجمعهما مبادئ الحرية والديمقراطية، وهما أعضاء في نادي "العالم الحر". وخلال العهدين السابقين بذل العديد من الشخصيات والمفكرين بالمجتمع السياسي الأمريكي جهودا مكثفة لتحدي هذا المنظور باعتباره من وجهة نظرهم فكرا خاطئا، لأن مصالح الولايات المتحدة ومبادئ الحرية التي يتبناها شعبها لا تتفق مع السياسة الإسرائيلية، وبالتالي يصبح التساؤل عن استمرار الدعم الأمريكي غير المشروط للحليف الإسرائيلي مبررا. ورغم ذلك لم ينجح أحدهم في تغيير هذا الفكر السائد بأن الدعم الأمريكي لإسرائيل هو حجر الأساس لأي سياسية أمريكية تسعى لخدمة مصالح الولايات المتحدة الأمنية بالشرق الأوسط. ولكن اليوم الأمر اختلف، فيبدو أن هناك نقاشا كبيرا حول هذا الِشأن في المجتمع السياسي الأمريكي-وإن كان هذا النقاش لازال ضئيلا نسبيا على المستوى الشعبي. وقام تقرير واشنطن بإعداد تحقيق واف عن هذه المناظرة الجارية، بهدف تسليط الضوء على أهم معالم المواجهة الفكرية-السياسية عن الموضوع، وتعليل ظهور هذا النقاش الذي تجنبه أو جهله الكثير من المفكرين الأمريكيين في الماضي. وتحدث تقرير واشنطن مع العديد من الشخصيات البارزة في هذه المناظرة الجارية بما يتضمن أفراد مرموقة من عالم السياسية والصحافة والمجال الأكاديمي بالولايات المتحدة.
أهم الدراسات والمقالات الحديثة عن "اللوبي الإسرائيلي"
ومن أهم الأصوات المعارضة للرأي الشائع عن علاقة الولايات المتحدة باسرائيل (وهو أن هذه العلاقة تمثل عنصرا مهما لخدمة أهداف السياسة الخارجية الأمريكية) صوتا ستيفن والت وجون ميرشيمر كاتبي دراسة " اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية" التي نشرت في مجلة "لندن ريفيو أوف بوكس" London Review of Books. والأول هو أستاذ العلاقات الدولية بجامعة هارفارد وعميد كلية جون كينيدي للعلوم السياسية، وميرشيمر أستاذ للعلوم السياسية بجامعة شيكاغو حيث عمل منذ عام 1982. وقد ورد بالصحافة الغربية والعربية العديد من المناقشات عن هذه الدراسة ولذا نكتفي هنا بتلخيص أهم النقاط الرئيسية في الدراسة:
• اللوبي الإسرائيلي يمثل قوة أسياسية في عملية صنع القرار الأمريكي، ومع الأخذ في الاعتبار أن النظام السياسي والقانوني الأمريكي يسمح لكل المواطنين الأمريكيين بحق التنظيم السياسي بهدف التأثير على السياسة الأمريكية في نطاق الديمقراطية وحرية التعبير، نجد أن تأثير اللوبي الإسرائيلي قد نجح في الحد من النقاش المثمر عن مستقبل السياسية الأمريكية في الشرق الأوسط بهدف الحفاظ على استمرارية الدعم الأمريكي لإسرائيل بصرف النظر عن المصالح الأمريكية.
وهذا النجاح، كما زعم المؤلفان، ينسب لنفوذ اللوبي داخل:
1 الهيئة التنفيذية بالإدارة الأمريكية من خلال أفراد متعاونين أو متعاطفين مع مؤسسات اللوبي.
2 الهيئة التشريعية من خلال ضغط اللوبي على أعضاء الكونغرس بواسطة التبرعات المالية، أو تهديد نجاحهم في الانتخابات ويذكر الكاتبان عدة أمثلة للموقف الأخير.
3 مجموعة من مؤسسات الثينك تانكس أو مراكز الأبحاث السياسية التي تنتج أبحاثا متحيزة لصالح إسرائيل.
4 من خلال أفراد متعاطفين أو متعاونين مع أهداف اللوبي الإسرائيلي داخل مؤسسات الإعلام الأمريكي.
5 الجامعات من خلال حملات سياسية وإعلامية لتخويف أعضاء المجتمع الأكاديمي في مجال دراسات الشرق الأوسط في حالة انتقادهم السياسات الإسرائيلية بأسلوب قوي.
6 من خلال توجيه اتهامات العنصرية والمعادة للسامية لأي شخصية بارزة في المجتمع السياسي الأمريكي تنتقد سياسة إسرائيل أو دعم الولايات المتحدة لها.
• قرار الولايات المتحدة لغزو العراق عام 2003 كان ناتج عن تأثير اللوبي الإسرائيلي، وإن كان هناك عوامل أخرى هامة أدت إلى هذا القرار مثل أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001. كاتبا هذه الدراسة يعتقدون أن هذا القرار غير سليم ولم يخدم مصالح الولايات المتحدة كما يروها.
• سياسية الولايات المتحدة تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي مبنية على الهيمنة التامة للوبي الإسرائيلي في ساحة النقاش العام بالولايات المتحدة، ويرى كاتبا الدراسة أن السياسة الأمريكية منحازة لصالح إسرائيل بالرغم من أن هذه السياسية تتناقض مع مصلحة الولايات المتحدة ومبادئ الحرية والديمقراطية التي تمثل في وجهة نظر مؤيدي استمرار هذه العلاقة أساس الشراكة الأمريكية-الإسرائيلية.
• سياسية الولايات المتحدة تجاه إيران وسوريا غير مفهومة من خلال عدسة المصلحة الأمريكية، والسبب في ذلك أنها ناتجة عن تأثير اللوبي الإسرائيلي الذي يعطى أولوية لمصلحة إسرائيل فوق مصلحة الولايات المتحدة من وجه نظر الكاتبين.
• سياسة واشنطن العامة تجاه الشرق الأوسط تحتاج لمراجعة جادة وذلك سيتطلب أسلوبا جديدا وصريحا في مناقشة المجتمع الأمريكي علاقة الولايات المتحدة بإسرائيل.
وقد أسفر عن هذه الدراسة رد فعل هائل من المجتمع السياسي والإعلامي بالولايات المتحدة، بما يتضمن مقالات تكذب تداعيات هذا البحث، ومقالات تهاجم شخصية الكاتبين وتتهمها بالمعادة للسامية، ولكن كان هناك رد فعل إيجابي متمثل في مناظرة متحضرة شمل المسئولين السابقين ورواد الإعلام والعالم الأكاديمي عن حقيقية اللوبي الإسرائيلي ومدى تأثيره على سياسية الولايات المتحدة. وعلى سبيل المثال نشرت مجلة "فورن بولسي" Foreign Policy الصادرة عن معهد كارنيغي للسلام الدولي (http://www.taqrir.org/showarticle.cfm?id=115)قسما خاصا لتبادل الآراء بين والت وميرشيمر، ومعارضيهم في الرأي مثل دينيس روس (مبعوث أمريكي سابق للشرق الأوسط) ومؤيديهم، مثل زينيو بريزينسكي مستشار الأمن القومي لإدارة الرئيس الأسبق جيمي كارتر. ومن أبرز المقالات التي نشرت عن هذه المناظرة جاءت في مجلة الواشنطن بوست (أحد ملاحق عدد يوم الأحد) وكتبها غلين فرانكيل الرئيس السابق لمكتب الصحيفة بالقدس. وقام تقرير واشنطن بالحديث مع عدة شخصيات أمريكية بارزة لتوضيح طبيعة هذه المناظرة وأسباب صعود أهميتها في وقتنا هذا.
آراء متضاربة حول قضية اللوبي الإسرائيلي
بدأ تقرير واشنطن تحقيقه داخل محل الجدال نفسه أي داخل مؤسسات اللوبي الإسرائيلي التي كثر الحديث عنها بالإعلام الأمريكي في الشهور القليلة الماضية. ومن أهم المنظمات اللوبي التي ذكرها والت وميرشيمر في دراستهما هم "أيباك" أو اللجنة الأمريكية-الإسرائيلية للعلاقات العامة (http://www.taqrir.org/showarticle.cfm?id=118)ومؤتمر رؤساء المنظمات الأمريكية-اليهودية الكبرى، والأخير هو كيان يمثل أكثر من 51 منظمة يهودية أمريكية بما فيهم أيباك، واللجنة اليهودية الأمريكية والمجلس اليهودي-الأمريكي. وحاول تقرير واشنطن أن تحصل على رأي المتحدث الرسمي لأيباك، ولكنه رفض التعليق على هذا الموضوع. ولكن كان لنا حديث مع مايكل هونلين نائب رئيس مؤتمر رؤساء المنظمات الأمريكية-اليهودية الكبرى.
"ليس هناك قضية! هذه ليست قضية حقيقة. ودراستهم [إشارة إلى دراسة والت وميرشيمر] ليست دراسة حقيقية بل هي دراسة باطلة." وأضاف هونلين أن والت وميرشيمر لم يستخدما مصدرا أصليا واحدا بين كل المصادر التي استخدماها. "وكثير من هذه المصادر كانت من "مواقع إكراه" على حد تعبيره. وقال إن إدعاءات الكاتبين بأن مصالح الولايات المتحدة ومصالح إسرائيل غير متطابقين غير صحيح "ما تفعله إسرائيل يتماشي مع المصالح الأميركية، ويتفق تماما مع المصلحة القومية العربية." كما كذب هولين نظرية أن الولايات المتحدة غزت العراق بناء على مطالب اللوبي الإسرائيلي والمنظمات اليهودية، موضحا أن المجتمع اليهودي الأمريكي كان منقسما في آراءه عن قضية الحرب في العراق.
أما عن غريغوري غوز أستاذ العلاقات الدولية بجامعة فيرمونت، فقد قال "بالرغم من أني لا أتفق مع والت وميرشيمر بأن الحرب في العراق كانت ناتجة عن جهود اللوبي الإسرائيلي بالولايات المتحدة، إلا أنني أتفق مع النقطة الأساسية للدراسة. هناك تأثير كبير جدا للجهات الموالية لإسرائيل في صناعة السياسية الأمريكية. هذا أمر لا جدال فيه." وقال غوز لتقرير واشنطن وهو من أبرز أعضاء المجتمع الأكاديمي في مجال دراسات الشرق الأوسط أن "حملات التخويف" ضد الأكاديميين غير المعارضين للموقف الإسرائيلي "ظاهرة حقيقية"، وإن كان نجاح الحملة محدودا نظرا لمبادئ نظام التوظيف الجامعي الذي يمنح العديد من الحماية للأساتذة. ولكن الأصوات السياسية المؤيدة لإسرائيل نجحت في بعض الأحيان في الضر بسمعة بعض الأكاديميين المعاديين للسياسة الإسرائيلية، كما يشير غوز لمثال خوان كوول أستاذ جامعة ميتشيغان، الذي فشل في الحصول على تعيين بجامعة ييل نتيجة الحملة الإعلامية المعادية التي شنتها الجهات الموالية لإسرائيل وسياسة المحافظين الجدد.
"عندما قرأت دراسة والت وميرشيمر تحدثت مع أحد زملائي السابقين، وكان انطباعنا أن وصف الدراسة لا يتطابق مع أسلوب صنع السياسات الذي عرفناه في وقت خدمتنا." كان هذا تعليق السفير الأمريكي السابق ديفيد ماك الذي عمل في الماضي كنائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي. وعن علاقة اللوبي الإسرائيلي بالحرب في العراق، قال السفير الأمريكي السابق "هناك العديد من الأسباب التي دفعت بنا للحرب بالعراق، وفي هذا الإطار كان دور اللوبي المؤيد لإسرائيل مجرد دور جانبي وضئيل بالنسبة للأسباب الأخرى."
وقال ماك أن بالرغم من أن اللوبي يتمتع بتأثير ملحوظ على السياسية الأمريكية، لا تمثل هذه المنظمات إلا عنصرا واحدا في عملية صنع السياسة الأمريكية. ولذا لا يصح أن نزعم أن سياسة الولايات المتحدة تجاه الشرق الأوسط دائما ما تسيطر عليها منظمات اللوبي الإسرائيلي. "لقد بذل اللوبي جهودا كبيرة لمحاولة الضغط على الولايات المتحدة لنقل مقر سفارتها في إسرائيل، من تل أبيب إلى القدس، ولوقف كل تشريع لبيع السلاح الأمريكي للدول العربية، ويقال ان اللوبي حاول أن يجعل حكومات منظمة أوبك طرف خاضع للقوانين الأمريكية لمكافحة الاحتكار.
ومع ذلك فشلت المنظمات المؤيدة لإسرائيل في كل هذه المواقف." ولكن في الوقت نفسه أعترف ماك أن منظمات اللوبي لها نفوذ ملحوظ داخل الهيئة التشريعية، وأنها تمتلك القدرة لجعل العديد من أعضاء الكونغرس أن يدعموا المعونات الكبيرة التي تمنحها الولايات المتحدة لإسرائيل، علاوة على قرارات التضامن مع الدولة الإسرائيلية. ولكن مثل هذا النشاط لا يقتصر على اللوبي الإسرائيلي، كما يشير السفير ماك الذي أوضح أن لوبي شركات الأدوية نجحت في إقناع الحكومة الأمريكية للموافقة على تصدير الأدوية لإيران كاستثناء للعقوبات المطبقة على الدولة، وهناك اللوبي "البهائي" الذي يتمتع بنفوذ كبيرة في تحديد مسار السياسة الأمريكية تجاه إيران، واللوبي الكوبي- الأمريكي المعادي لفيديل كاسترو، الذي يتمتع بتأثير هائل على علاقات الولايات المتحدة بكوبا. أي باختصار "دراسة والت وميرشيمر وقعت في فخ التبسيط المفرط في وصف عملية صنع السياسة الأمريكية" على حد تعبير ماك.
وقال أم جاي روزنبيرغ مدير منظمة "منتدى السياسة الإسرائيلية" Israel Policy Forum الذي عمل بأيباك أكبر منظمات اللوبي الإسرائيلي نفوذا في عهد الثمانينات أن والت وميرشيمر "أفرطا في تقديرهم لقدرة أيباك على نزع أعضاء الكونغرس من مناصبهم من خلال التبرعات والحملات الإعلامية في أوقات الانتخابات. زعم المؤلفان أن السيناتور الجمهوري السابق تشارلز بيرسي خسر الانتخابات عام 1984 بسبب اللوبي. ولكن من وجهة نظري اللوبي الإسرائيلي لعب دورا ضئيلا في هذا السباق والسبب في هزيمة بيرسي هو أن ولايته أصبحت أكثر ميولا للحزب الديمقراطي." ومع ذلك أتفق روزنبيرغ مع الرأي أن اللوبي يتمتع بنفوذ هائلة وأن الدراسة تحتوي على بعض الحقائق.