تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الأقليات المسلمة في الدول الأوروبية أمل وألم



Saowt
08-01-2006, 08:53 PM
[1]

منذ أن أشرق العالم بنور الإسلام, في ذلك العهد الزاهر المبارك؛ كان المسلمون في مجدهم وعزهم يتعايشون مع أبناء الأديان الأخرى, وكان تصريف أمور الأقلية غير المسلمة يتم عن طريق رؤوسائهم المدنيين؛ فيجدون حقوقهم لدى المسؤولين المسلمين مستقرة مشروعة.
ثم دارت الأيام، فصار جزء من المسلمين يمثلون أقليات تعيش في وسط غير إسلامي, إلا أننا هنا نرى صورة أخرى للتعامل مع الأقليات، نتج عنها إشكاليات لكل مهاجر، فضلًا عن الذين اعتنقوا الإسلام في البلدان الغير إسلامية, وعلى سبيل المثال الذي سنتناول الحديث عنه اليوم: المسلمون في أوروبا.

أوروبا:هي إحدى قارات العالم السبع، وتعد أوروبا جغرافيا شبه قارة أو شبه جزيرة كبيرة، وتعتبر قارة صغيرة نسبيًا مقارنة ببقية القارات، لكن قارة استراليا أصغر منها, ويعتقد البعض أن اسم القارة مشتق من اسم الأميرة الفينيقية يوروبا التي كانت قد خطفت من قبل زيوس -إله السماء عند اليونان- على ظهر ثور، وأخذت لجزيرة كريت حسب الأساطير اليونانية، ومن بعد حادثة الخطف سميت اليونان باسم يوروبا، وبحلول العام 500ق.م؛ امتد المقصود من الكلمة ليشمل الأراضي الواقعة شمال اليونان.
المساحة : حوالي 10.79 مليون كم2 [7.1 % من مساحة الأرض].
عدد السكان: ثالث قارة في العالم من حيث عدد السكان إذ يزيد عدد سكانها عن 700 مليون نسمة [11 % من سكان الأرض].
اللغة: تنتشر في قارة أوروبا عدة لغات منها: الجرمانية (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A 7#.D8.A7.D9.84.D9.84.D8.BA.D8.A7.D8 .AA_.D8.A7.D9.84.D8.AC.D8.B1.D9.85. D8.A7.D9.86.D9.8A.D8.A9#.D8.A7.D9.8 4.D9.84.D8.BA.D8.A7.D8.AA_.D8.A7.D9 .84.D8.AC.D8.B1.D9.85.D8.A7.D9.86.D 9.8A.D8.A9), الرومانسية (http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A3%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%A8%D8%A 7#.D8.A7.D9.84.D9.84.D8.BA.D8.A7.D8 .AA_.D8.A7.D9.84.D8.B1.D9.88.D9.85. D8.A7.D9.86.D8.B3.D9.8A.D8.A9#.D8.A 7.D9.84.D9.84.D8.BA.D8.A7.D8.AA_.D8 .A7.D9.84.D8.B1.D9.88.D9.85.D8.A7.D 9.86.D8.B3.D9.8A), و السلافية ,الأورالية, الألطية, البلطية, والكلتية و لغات أخرى.
الأديان المنتشرة في القارة: المسيحية، وتمثل الديانة الأولى, ويليها الإسلام، وهناك دول ومناطق ذات نسبة كبيرة من المسلمين في القارة مثل: ألبانيا والبوسنة والهرسك وبلغاريا ومقدونيا وقبرص وكازاخستان وتركيا وأذربيجان وجورجيا, و على مستوى القارة بشكل عام فإن 5 % من مواطني دول الاتحاد الأوروبي يدينون بالإسلام، يتركز العديد من المسلمين في ألمانيا 3.878 %، وفرنسا 5 إلى 10 %، والمملكة المتحدة 2.7 %, وهناك ديانات أخرى كاليهودية والهندوسية و السيخية.
لأوروبا تاريخ طويل حافل بالأحداث والتغيرات الاجتماعية والثقافية و الصراعات طويلة الأمد، و قدر تاريخها لحوالي 800 ألف سنة خلت، هي أول فترة في تاريخ تلك القارة العريقة.
وتنسب الحضارة الأوروبية الحديثة والتقدم الثقافي لبعض أجزاء تلك القارة لقدامى اليونان بشكل رئيس، كما أن للمسيحية تأثيرًا كبيرًا أيضًا, وقد كان لدخول المسلمين الأندلس، وتأسيسهم فيها دولة اهتمت بالعلم والعلماء في الوقت الذي كانت تعيش أوروبا في العصور المظلمة؛ تأثيرًا بالغًا على الأوروبيين أنفسهم، وأدى تأثرهم هذا -على المدى البعيد- لنقلهم إلى عصور النهضة والتقدم والديمقراطية، التي تم الوصول إليها في القرن العشرين.
قامت الإمبراطورية الرومانية على أجزاء واسعة من القارة الأوروبية، وكان سقوطها في القرن الخامس الميلادي بوابة لكثير من التغيرات في القارة، وقد عانت أوروبا كثيرًا من الظروف المعيشية في العصور المظلمة، حتى انتقلت لعصر النهضة الأوروبية، ثم تبع ذلك الفتح الإسلامي العثماني لمدينة استامبول البيزنطية في القرن الخامس عشر الميلادي، وأسقطوا بذلك تلك الإمبراطورية، وقاموا بالتوغل في قلب القارة الأوروبية حتى وصلوا لحدود إيطاليا والنمسا، وشكلوا القوة الأبرز في القارة في تلك الفترة.
وبعد ذلك جاء عصر النهضة الأوروبية، وقد كان شغل أوروبا الشاغل بعد ذلك العصر هو بث أفكار الديمقراطية وكيفية تطبيقها, ثم بدأت الشعوب الأوروبية بالمناداة بالحرية والمساواة الفردية، وكان أبرز حدث توج تلك الأفكار والتوجهات هو الثورة الفرنسية التي أدت لشيوع وانتشار أفكار الثورة على الإقطاعيين أو الكنيسة في مختلف مناطق القارة، و قد أدى نشوء القوميات -بمعناها الحديث- إلى تعزيز الصراع الدائر بين القوى العظمى في أوروبا على دول العالم الحديث، وكان أشهر تلك الصراعات استيلاء نابليون بونابرت على السلطة في فرنسا، حيث أنشأ ما عرف باسم الإمبراطورية التي سرعان ما انهارت، وبعد سقوط نابليون هدأت القارة الأوروبية نسبيًا، وبدأ في تلك الفترة انهيار الممالك ونظم الحكم القديمة.
ونحن هنا بصدد محاولة تسليط الضوء على الإسلام والمسلمين في القارة الأوربية، حتى نستطيع التعرف على واقع قرابة 52 مليون مسلم يعيشون هناك.
وتؤكد المعلومات التاريخية بدء دخول الإسلام إلى القارة الأوربية من جنوبها إلى بلاد القوقاز، في وقت مبكر مع جيوش الفتح الإسلامي في عهد عمر بن الخطاب في عام 22هـ, ودخل حوض نهر الفولجا في بداية القرن الرابع الهجري عن طريق التجار المسلمين, وفي القرن السابع الهجري عندما دخلت القبائل التتارية في هذه المنطقة,ثم امتد إلى غرب أوروبا في العقد الأخير من القرن الأول الهجري في عام 91هـ تقريبًا، عندما فتحت الأندلس عل يد طارق بن زياد وموسى بن نصير, ثم واصل الإسلام انتشاره في القرن ال12 الهجري في عهد الدولة العثمانية.
و لقد طرق الإسلام أبواب أوروبا من الشرق بمحاولته فتح القسطنطينية، ومن الجنوب بفتحه لصقلية وجنوب إيطاليا, ومن الغرب بفتح الأندلس والتوغل في بلاد الغال –فرنسا اليوم- حتى مدينة' بواتيه', ثم كر الإسلام ليدق أبواب أوروبا الشرقية ثم الوسطى في زمن السلطان محمد الفاتح وخلفائه الأقوياء، حيث سيطر العثمانيون على شرق أوروبا, وقد استفادت أوروبا كثيرًا من سماحة الحكم العثماني، وكذلك سماحة الأتراك والتنظيم الدقيق للعسكرية
واليوم يشكل المسلمون في أوروبا وجودًا حقيقيًا ذا فاعلية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، ورغم عدم وجود إحصاء رسمي يبين حجم الأقلية المسلمة في دول أوروبا، فإن بعض المصادر الإسلامية تقدر عدد المسلمين هناك بـ 52 مليونًا من أصل 705 مليون نسمة هم عدد سكان القارة الأوروبية، ويعيش في فرنسا وحدها 6 مليون مسلم.
وتختلف أوضاع الأقليات الإسلامية في أوروبا من دولة إلى أخرى، حسب الوضع القانوني السائد في تلك الدولة، وتبعًا للشعور العام السائد داخل المؤسسات الحكومية الأوروبية تجاه الإسلام؛ فبعض الدول تنظر إليه نظرة توجس وريبة مثل فرنسا وألمانيا، مما ينعكس على التسهيلات الممنوحة لتلك الأقلية، وخاصة فيما يتعلق باستخراج تصريحات بناء المساجد، في حين يتضاءل هذا الشعور في دول أخرى، كما هو الحال في بريطانيا على سبيل المثال.
والمسلمون في أوروبا موزعون في أقليات، يختلف حجمها بين الآلاف والملايين، ومن أمثلة الدول الأوربية التي يبلغ عدد المسلمين فيها الملايين بعض دول أوروبا الشرقية، وهناك دولة واحدة يشكل المسلمون فيها أغلبية وهي ألبانيا، أما المسلمون في أوروبا الغربية فأحوالهم مختلفة، ذلك أن عددهم في هذه البلاد يبدأ من المئات في البعض منها، ويرتفع العدد تدريجيًا حتى يقارب بضعة ملايين في بعضها الآخر مثل فرنسا.
وتتركز الجاليات الإسلامية الكبيرة في غرب أوروبا في كل من فرنسا من 5-6 مليون, وألمانيا من 2-3 مليون نسمة, وبريطانيا من 1.5-2 مليون نسمة, وفي إيطاليا 0.7مليون نسمة، وفي هولندا 0،4 مليون نسمة، وبلجيكا 0.75مليون نسمة، واليونان 0.25 مليون نسمة، وفي قبرص 0.16 مليون نسمة، أما في إسبانيا 0.12 مليون نسمة، ومالطة 0.1 مليون نسمة ومثلها سويسرا، وفي الدانمارك 0.05 مليون نسمة, أما في السويد والبرتغال و النرويج و فنلندا وجبل طارق و لكسمبورج وأيرلندا؛ فعدد المسلمين يقل في كل منها عن 50 ألف مسلم.
ومن المعلوم أن الغالبية العظمى من المسلمين في هذه البلاد وفدوا إليها بحكم الصلات السياسية التي كانت تربط بلدانهم بالبلدان الأوروبية التي يعيشون فيها، وقد وفدوا إلى تلك البلاد بحثًا وراء فرص أفضل في الحياة لم تتيسر لهم في بلادهم الأصلية, وهناك أعداد كبيرة منهم دخلوا في الإسلام نتيجة مخالطة المسلمين عن قرب.
وتواجه المسلمين في تلك البلاد مشكلات كثيرة، وتعتبر مشكلة التردد بين العزلة والاندماج أهم ما يؤرق الأقليات المسلمـة في الغرب، حيث أنهم يعانون من صعوبة الحفاظ على الخصوصيات الثقافية الدينية؛ فالدساتير تضمن حرية التعبير إجمالًا، لكن التطبيق يتفاوت بين دولة وأخرى وبين ظرف وآخر، وقد جاءت قوانين الرقابة في ألمانيا مثلًا لتضع كل مسلم بين العشرين والأربعين من عمره في دائرة الاتهام، مما يعني ذلك خوف وقلق .

و تشكـل الهويـة الإسلامية والخـوف عليهـا من الذوبان في ثقافة الآخـر؛ التحدي الأول لها، خاصة لدى الأبناء من الجيلين الثاني والثالث، الذين حصلوا على جنسية البلدان المقيمين فيها، وأصبح لهم حقوق مواطنة كاملة.

وتحاول تلك الأقليات الحفاظ على هويتها الإسلامية، لكن ضعف الإمكانيات والموارد، وندرة الدعاة المتخصصين؛ يقف عائقًا دون تحقيق ما تصبو إليه، مما ينعكس سلبًا على أوضاعها الاجتماعية والثقافية؛ فالكثير من المسلمين يعيشون في ظروف صعبة، فهم إما في أحزمة البؤس التي تحيط بالمدن الأوروبية الكبرى، أو في تجمعات سكانية مكتظة، وفي حالة تهميش وتقوقع ثقافيين، ويزيد من حدة هذه المشكلة عدم وجود تنظيم عربي وإسلامي قوي، يدافع أمام الحكومات الأوروبية عن حقوق تلك الأقليات، وسرعة تنفيذ مطالبها.

هكذا تناولنا في هذه الحلقة حقائق حول تاريخ المسلمون والأقليات في القارة الأوربية، وفي الحلقة القادمة نستكمل الحديث حول مستقبل المسلمين، والدعوة للإسلام في الغرب, كما نتحدث إن شاء الله عن التحديات التي تواجه المسلمين هناك، فإلى لقاء قادم إن أحيانا الله عز وجل.

Saowt
08-03-2006, 02:36 PM
تحدثنا في الجزء الأول من هذا الموضوع عن تاريخ الأقليات المسلمة في القارة الأوربية، وكيف انتشر الإسلام فيها، واليوم نبدأ من حيث انتهينا.

وقد أوضحنا كيف أن تلك الأقليات تحاول الحفاظ على هويتها الإسلامية، لكن ضعف الإمكانيات والموارد، وندرة الدعاة المتخصصين يقف عائقًا دون تحقيق ما تصبو إليه، مما ينعكس سلبًا على أوضاعها الاجتماعية والثقافية؛ فالكثير من المسلمين يعيشون في ظروف صعبة، فهم إما في أحزمة البؤس التي تحيط بالمدن الأوروبية الكبرى، أو في تجمعات سكانية مكتظة، وفي حالة تهميش وتقوقع ثقافيين، ويزيد من حدة هذه المشكلة عدم وجود تنظيم عربي وإسلامي قوي، يدافع أمام الحكومات الأوروبية عن حقوق تلك الأقليات، وسرعة تنفيذ مطالبها.

ونحن اليوم نتناول بشيء من التفصيل مستقبل المسلمين والدعوة للإسلام في الغرب, وكذلك أهم التحديات التي تواجه المسلمين هناك.

منذ العقد السادس من القرن العشرين، وأوروبا تشهد موجات متعاقبة من الهجرة من الدول الإسلامية، كانت الموجة الأولى في الخمسينيات والستينيات، وكانت مع حركات التحرر الوطني واستقلال الدول الإسلامية، مثل تركيا وباكستان -التي كانت شرقية أو غربية في هذا الوقت- ومعظم الدول العربية وإندونيسيا، وكان معظم المهاجرين من الفقراء، الذين يبحثون عن فرصة عمل في الدول المستعمرة الغنية، وشكلت تلك الموجة ما عرف باسم الجيل الأول.

ثم شهدت السبعينيات والثمانينيات حركة الصحوة الإسلامية في الدول الإسلامية، وشهدت أيضًا في أوروبا ظهور الجيل الثاني، وكذلك ازدياد عدد المساجد كنتيجة لاهتمام الحكومات الأوروبية والإسلامية بالتعاون في هذا المجال، واحتواء هذا العدد المتزايد, ولكن مع بداية الاتحاد الأوروبي، وزيادة الضغوط الاقتصادية، وتقلص فرص العمل؛ ازداد التمييز العنصري، وصارت الأحياء ذات الأغلبية المسلمة مأوى للجريمة والفقر، وتشير الإحصاءات الأخيرة إلى أن نسبة عدد المسجونين من المسلمين في الاتحاد الأوروبي قد تضاعفت مرتين في السنوات العشر الأخيرة.

الجيل الثاني وجد نفسه منصهرًا بصورة أكبر في المجتمع الأوروبي الذي عمل وتعلم فيه، ولا يعرف له أرضًا أو وطنًا غيره، ولكنه وجد نفسه أيضًا معزولًا من خلال آليات الرفض الاقتصادي، وظهور ظاهرة الخوف من الأجانب، أو بمعنى أكثر صراحة 'الخوف من الإسلام والمسلمين'؛ وذلك بسبب ازدياد عدد النشطاء المسلمين في أوروبا كنتيجة لاضطهادهم في بلادهم الأصلية، مما شكَّل ما عُرف بالموجة الثانية للهجرة، والتي تميزت بأنها موجة سياسية لا اقتصادية، وأنها وجدت أرضية خصبة في الشباب المسلم الأوروبي من الجيل الثاني، حيث أصبح الإسلام جزءًا أساسيًّا من هويته، ومن خلال هؤلاء النشطاء؛ تعرف الجيل الثاني على شكل جديد من الإسلام: ثوري، وإيجابي، ورافض لطمس هويته، وازدادت المساجد والمراكز الإسلامية، وظهرت الجمعيات النشطة في مختلف التجمعات.
وفي التسعينيات حدث الكثير من التغيرات الإقليمية والجغرافية في أوروبا، وواكب هذه التغيرات تغيرات اقتصادية وسياسية، وقد كان لهذه المتغيرات تأثيرًا كبيرًا على أحوال المسلمين، مما دفع المسلمين في أوروبا من أقصى شرقها حتى أقصى غربها إلى التوحد حول إحساس واحد، وهو الإسلام كهوية.
ويتأجج هذا الإحساس الآن بالنسبة لبعض المسلمين في غرب أوروبا مع إحساسهم بالاضطهاد للمسلمين عامة، أو للحرب الصليبية التي يشنها الغرب على الإسلام، أو لأي سبب آخر يرتبط بالدين، الذي أصبح المظهر الوحيد للهوية، والسبيل الوحيد للخلاص من كافة المشكلات، وكذلك الحال عند مسلمي أوروبا الشرقية، الذين عانوا طويلًا من فرض طغيان الشيوعية عليهم، ثم إحساسهم بأنهم أقلية وسط المجتمع المسيحي، سواء الأرثوذكسي أو الكاثوليكي، وفقًا للبلد الذي ينتمون إليه.

لكن الحكومات الأوروبية تحاول إدماج المسلمين داخل المنظومة السياسية، إلا أننا نجدها تأخذ خطوة للأمام ثم عدة خطوات للخلف، وذلك بسبب تخوفها من الآراء التي ينشرها بعض المحللين السياسيين والمستشرقين والتي دائمًا ما تضع الإسلام والمسلمين مع الإرهاب في قفص واحد, إلا أن هذه الصورة التي يحاول بعض الغربيين الغير منصفين جعلها الصورة السائدة في الغرب ليست الصورة الكاملة للحاضر المسلم في تلك القارة, فهناك صورة أخرى أكثر إشراقًا تتمثل الدور المتنامي للجانب الاقتصادي، الذي يلعب دورًا كبيرًا في عملية دمج المسلمين في أوروبا، وأيضًا في إقناع أوروبا بدور المسلمين الحيوي, حيث نرى تزايدًا في عدد البنوك الإسلامية التي أصبح حجم تعاملاتها ما يقارب 300 بليون دولار.

إلا أننا ننظر بحذر إلى هذا الاندماج، وذلك لما لهذا المفهوم من أوجه متعددة, فهو من وجهة النظر الأوروبية يعني أن يصير المواطن المهاجر أو المسلم أوروبيًّا أولًا ثم مسلمًا ثانيًا، أو ما يسمَّى أحيانًا بالاعتدال، ويعتبر هذا الرأي خلطًا وتعدٍّ على حق المواطن والفرد في اختيار أولويات انتماءاته، بمعنى أن الفهم الأوروبي لمفهوم الاندماج يؤدي إلى تعنت وقسر، ومن ثَمَّ ضغط واضطهاد.

وعلى الجانب الآخر نجد أن الاندماج في الفهم المسلم -أحيانًا- هو حقوق دون واجبات، والتزامات من قِبَل الدولة دون التزامات بالمقابل من جهة الفرد، وأحيانًا -وهي الصورة السائدة الآن- يمثل فاعلية المواطن المسلم من خلال مؤسساته المتعددة, ومن ثَمَّ فالاندماج الإسلامي في أوروبا هو أمر واقع، ولكن ينقصه تجاوز إشكالية ضد الآخر، أو نحن ضد الآخرين؛ حتى لا يكون المواطن المسلم الأوروبي مطالبًا باتخاذ قرار ضد دينه ليكون أوروبيًّا أو العكس، وهذا سيحدث عندما يدرك المواطن أنه لا تعارض بين انتمائه الديني وانتمائه الأوروبي، ومن ثَمَّ يتخلص من فكرة الاضطهاد.
وللتخلص من هذه الفكرة على الحكومات الأوروبية أن تدرك أن الإسلام لا يشكل خطرًا عليها، والأهم أن الإسلام ما زال أحد مكونات الحضارة الأوروبية منذ فجر الدعوة الإسلامية وحتى الآن، وأن أوروبا ليست بالنادي المسيحي المغلق على غيره من البشر، بمعنى أن على أوروبا أن تتوحد بمعنى الكلمة، وتتجاوز الرؤية المنغلقة للدولة القومية، ومن ثَمَّ يصبح الاندماج الأوروبي أمرًا واقعًا, وحدثًا فعليًّا.

ولكن هذا أمل -وليس واقعًا في حقيقة الأمر- قد أدى إلى تعرض الأقلية المسلمة في أوروبا لمواجهة الكثير من المشاكل و التحديات, وهي ليست واحدة عند عموم المسلمين، فهي تختلف بين بلد وآخر، وذلك باختلاف قوانينه، وباختلاف نظرة سكانه إلى الإسلام والمسلمين, ونستطيع تقسيم هذه المشاكل والتحديات إلى أربعة أقسام:
· تحديات مصدرها أوروبا نفسها.
· وتحديات مصدرها الأقلية المسلمة ذاتها.
· وتحديات مصدرها العالم الإسلامي.
· وأخرى فكرية وثقافية.
أما التحديات ذات المصدر الأوروبي فالدول الأوربية تعتبر الأقلية المسلمة هي المسؤول الأول عن كل ما يحدث من تخريب و إرهاب, وترى أنها تشكل تهديدًا خطيرًا على المجتمع الغربي، وذلك بمحاولتها تسليط الأضواء على بعض التصرفات الشاذة والغير مسؤولة من أفراد مسلمين، وقد تكون تصرفاتهم الغير مسؤولة نتجت عن عدم وجود مرجعية واحدة تستطيع أن توجه هؤلاء الأفراد- الذين يمثلون غالب الجالية المسلمة- فكل فئة جاءت من بلادها جاءت بثقافتها، وجاءت كذلك بمشاكلها.
فهناك مجموعة من القيم التي يستهجنها المجتمع الغربي هي ليست من الإسلام، إنما هي عبارة عن عادات موروثة ليست من التعاليم الإسلامية، وللأسف الشديد أن الغرب يظن أن هذه تعاليم إسلامية، وهي ليست إلا موروثات وتقاليد قبلية ليس لها علاقة بالإسلام, وللأسف فإن الغربيين يروا الإسلام من خلال هذه الفئة, لذلك يجب على تلك الجالية أن يوحدوا جهودهم، ويتخلصوا من العادات التي ليست من الإسلام، ويركزوا على النقاط الإيجابية في المجتمع الذي يعيشون فيه، ومن ثمة دمج ثقافتهم الإسلامية بهذا المجتمع؛ ليقدموا صيغة طيبة ونموذجًا حضاريًا عن الإسلام، فهم رسل للإسلام في هذه البلاد.
وهناك أسباب أخرى متعلقة بالتحديات ذات المصدر الأوروبي، منها النقص الفادح في معلوماتهم عن الإسلام الصحيح, حيث أن ما يكتبه المسلمون باللغة العربية لا يصل إليهم، كما أن التاريخ العربي والإسلامي الموجود بين أيدي الأوروبيين تاريخ مشوه إلى حد كبير، مما يستدعي تصحيح هذا المنظور من خلال وقائع تاريخية سليمة.
هذا إلى جانب التأثير السلبي لوسائل الإعلام الغربي، التي تقف مؤسساتها ذات الأغراض المشبوهة -التي لا تخفى على أحد- وراء تشويه صورة الإسلام والمسلمين، والتركيز على الجوانب السلبية التي تسخر من الإسلام، وتقلل من شأنه، مما يسهم في إيجاد بيئة عدائية ضد الأقليات المسلمة في الغرب.

ولا شك أن الربط بين الإسلام والإرهاب، وصعوبة ذوبان الأقلية المسلمة في المجتمعات الأوربية؛ أدى إلى عدم اعتراف العديد من الدول الغربية بحقوق الأقليات الإسلامية، وفرض القيود عليها من كافة الاتجاهات سياسية واقتصادية واجتماعية، مما أدى إلى الحد من تأثيرها، وعدم السماح لها في بعض الدول بأي مظهر إسلامي بزعم مخالفته لعادات وتقاليد الدولة, وهناك أيضًا التحفظ على الدراسات الإسلامية في مراحل التعليم الأولى.
أضف إلى ذلك فرض تعليم قواعد الدين النصراني على أبناء المسلمين, وملاحقتهم في مصادر أرزاقهم، وقلة أماكن العبادة، وما تفرضه بعض الدول من معوقات أمام إنشائها, ووضع العراقيل أمام تعليم اللغة العربية لأبناء المهاجرين, وهناك الزواج المختلط وما يترتب عليه من مشكلات اجتماعية, وما يواجهه المسلمون من عمليات التنصير التي تتولى كبرها الهيئات الصليبية وبعثات التنصير، وقد كنا تحدثنا عنها بالتفصيل من قبل في موضوع سابق.
نكتفي بهذا القدر في حديثنا اليوم، على وعد بمواصلة الإبحار في هذه القضية الهامة في الحلقة القادمة إن شاء الله.

Saowt
08-06-2006, 07:49 AM
نواصل اليوم أيها الأحبة، المسيرة في دراسة أحوال الأقليات الإسلامية في القارة الأوربية، وقد كنا توقفنا في الحلقة السابقة عند أهم التحديات التي تواجه تلك الأقليات، والتي أوجزناها في أربع نقاط، وهي على سبيل التذكير:
· تحديات مصدرها أوروبا نفسها.
· وتحديات مصدرها الأقلية المسلمة ذاتها.
· وتحديات مصدرها العالم الإسلامي.
· وأخرى فكرية وثقافية.

و قد تناولنا في الجزء الثاني من هذا الموضوع النقطة الأولى، ونتناول هنا بقية النقاط حتى تتضح لكل ذي لب مدى المعاناة التي يواجهها جزء هام من جسد أمة الإسلام.

أوضحنا من قبل أن الصعوبات والمشاكل والتحديات التي تواجهها الجالية الإسلامية تتفاوت بين بلد أوروبي وآخر وذلك حسب قوانين كل بلد، وحسب تأثير الكتلة الإسلامية فيها، وحسب نمو المتطرفين فيه، الذين يضعون كل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية على المسلمين بوصفهم غرباء ينهبون الثروة، ومن خلالهم تتفشى الجريمة حسب زعمهم.

وحتى لا نضع كل العبء على الشماعة الأوربية، فهناك أيضًا تحديات مصدرها الأقلية المسلمة نفسها, فالجالية الإسلامية مازالت تعيش في أوروبا في ظل ازدواجية في التفكير واللغة, بل ويفكر أغلب أفراد هذه الجالية بعقلية بلادهم، ويصرون على التعامل مع المجتمع الأوروبي بهذه العقلية, ويبدو هذا أمرًا مستحيلًا بكل المقاييس, ومازالت الأغلبية العظمى من المهاجرين المسلمين الذين يعيشون في أوروبا يجهلون الكثير عن واقع المجتمع الأوروبي، وبالتالي فهم يتعاملون مع مجهول من الأمر، يقف حجر عثرة أمام تَكيُّفهم مع هذا المجتمع والاندماج فيه.

وهناك أيضًا مشكلة هامة لا يمكن تجاهلها تتمثل في افتقار الغالبية العظمى من أبناء الجالية للثقافة الإسلامية الدينية، وحتى لحقيقة الثقافة العلمانية الغربية, ولا توجد إلا قلة من المثقفين ثقافة إسلامية إلى جانب إلمامهم بالمخططات العلمانية, ولدينا أيضًا الخلافات العرقية والمذهبية داخل الجالية الإسلامية المهاجرة، مما يؤثر سلبًا على كيانها ووحدتها في وجه التحديات الأخرى.

أما ثالث هذه التحديات فتتمثل في التي مصدرها العالم الإسلامي, فمن المعلوم بالضرورة أن العالم الإسلامي مستهدف منذ انهيار الشيوعية كعدو للغرب, ولا يحكم مسيرته فكر واحد يعبر عن قياداته بمختلف توجهاتها مما جعل من اليسير على الغربيين رمي المسلمين، ومن ثم الإسلام ممثلًا فيهم بما شاء من تهم وافتراءات تشوه وجه الإسلام في الغرب, إلى جانب عدم اهتمام الدول الإسلامية بقضايا الجاليات الإسلامية في الغرب، وذلك لغياب التنسيق بين الحكومات الإسلامية على سياسة واحدة تجعلهم مسؤولين على أحوال المسلمين في بلاد المهجر عمومًا، وفي القارة الأوروبية خاصةً.

وننتقل إلى التحديات الفكرية والمتمثلة في وجود فجوة فكرية في التاريخ الإسلامي، وفي فقه المسلمين في الغرب, والسبب الرئيسي في هذه الفجوة العلماء والفقهاء، الذين صبوا جل جهدهم ودراساتهم على امتداد التاريخ الإسلامي في تناول قضايا الأقليات غير الإسلامية التي تعيش في ديار المسلمين وسطروا لها كتبًا بينما لم يفكروا في الجاليات الإسلامية التي قدر لها أن تحيى بمعزل عن ديار الإسلام والمسلمين, ومن هنا فإن هناك حاجة ملحة إلى فقه مرتبط بواقع تلك الأقليات، يمكنه مواجهة مشاكلها مع المجتمعات التي تعيش فيها، وذلك بصياغة أحكام فقهية يسير هؤلاء القوم على نهجها.

ونصل الآن إلى آخر ما ذكرناه تلك التحديات وهي التحديات الثقافية، والتي منها الخوف من الذوبان في ثقافة الآخر, حيث الإعلام الأوروبي والغربي، أقوى بكثير من الإعلام الإسلامي والعربي, كما أن كثير من المسلمين يعيشون في حالة تهميش وتقوقع ثقافيين، وهناك من يقول أن التمييز العنصري دفع ببعض الأوروبيين إلى وضع عوائق أمام الطلاب المسلمين، وقد دفعوا بهم قسرًا إلى تخصصات تمنعهم من الارتقاء الوظيفي، وحتى الذين اخترقوا هذه القاعدة ونالوا تعليمًا متقدمًا واختصاصات علمية مرموقة يعامَلون كمواطنين من الدرجة الثانية.

وهناك أيضًا صعوبة الحفاظ على الخصوصيات الثقافية الدينية، فالدساتير تضمن حرية التعبير إجمالًا لكن التطبيق يتفاوت بين دولة وأخرى بين ظرف وآخر.
ومن المعلوم أيضًا أن الجالية المسلمة جالية مفرقة ليس لها مرجعية واحدة تستطيع أن توجه هذه الجالية، فكل فئة جاءت من بلادها بثقافتها، وجاءت كذلك بمشاكلها، بمعنى أن هناك مجموعة من القيم التي يستهجنها المجتمع الغربي هي ليست من الإسلام إنما هي عبارة عن عادات موروثة ليست من التعاليم الإسلامية، وللأسف الشديد أن الغرب يظن أن هذه تعاليم إسلامية وهي لا علاقة لها بالإسلام, ونحن بحاجة كجالية مسلمة حقيقة لها مرجعية واحدة نابعة من الحماية الثقافية، التي تحدد واجب العالم الإسلامي تجاه تلك الأقلية.

كما يجب أن يكون لهذه الجالية تأثير في الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مما يتيح لها دعم الثقافة الإسلامية في مجتمعاتهم، وكذلك مواجهة ثقافات تلك المجتمعات التي يعيشون فيها بأخذ النقاط الإيجابية في ثقافة تلك المجتمعات, ومن ثَمَّ دمج ثقافتهم الإسلامية بهذا المجتمع ليقدموا صيغة طيبة، ونموذجًا حضاريًا عن الإسلام، فهم رسل للإسلام في هذه البلاد, وكذلك بالحفاظ على اللغة العربية والوقوف بحزم وإخلاص أمام المحاولات الدنيئة لتشويه وتزوير مصادر التاريخ الإسلامي، وتقوية انتمائها إلى جذورها في أوطانها الأم, ولا بد من تجنب الخلاف في الرأي بين أفراد الأقلية، والاجتهاد في عدم الخوض في النزاعات الفكرية والسياسية والعرقية.

وأخيرًا فإن صعود التيارات المتطرفة داخل أوروبا، ووصول بعضها إلى مراكز في البرلمانات الأوروبية؛ يزيد من حجم المصاعب والتحديات أمام المسلمين المقيمين في أوروبا والمسلمين الأوربيين، وخاصة وأن قوى التطرف هذه تدعمها أصوات صهيونية وإعلام صهيوني وقدرات مالية، غير أن انكشاف أمر الكنيسة الصهيونية المسيحية في وجه الكنائس بطوائفها المختلفة سوف يتيح للمسلمين عدم الوقوف منفردين أمام قوى التطرف، ويستطيعون مواجهة كل التحديات مهما بلغت قوتها وصعوبتها.
وإلى اللقاء في الحلقة القادمة إن شاء الله مع مستقبل المسلمين والدعوة للإسلام في الغرب.

Saowt
08-08-2006, 07:51 AM
يتضح مما عرضناه في الحلقات السابقة أن الوجود الإسلامي في أوروبا لم يعد وجودًا طارئًا أو استثنائياً، وأصبحت الجالية الإسلامية جزءًا من النسيج الاجتماعي لأوروبا، وهناك جيل ولد وعاش وأصبح جزءًا لا يتجزأ من المجتمع الأوروبي, والآن يمكننا أن نضع تصورًا واضحًا لمستقبل المسلمين هناك، وكذلك مستقبل الدعوة الإسلامية، وهذا ما سنتناوله في هذه الحلقة، لننهي به حديثنا عن الأقليات المسلمة في الدول الأوربية.

بالرغم من أن صعود التيارات المتطرفة داخل أوروبا، ووصول بعضها إلى مراكز في البرلمانات الأوروبية يزيد من حجم المصاعب والتحديات أمام المسلمين الأوروبيين خاصة, وأن قوى التطرف هذه تدعمها أصوات صهيونية وإعلام صهيوني وقدرات مالية, وكذلك هناك صعوبات أخرى تواجه الأقليات الإسلامية في الغرب، وهذا شأن معظم الأقليات، فالأقلية دائمًا تعاني من نقص في السلطة، ونقص في القوة ونفوذ الأقلية أقل من نفوذ الأغلبية, إلا أن الدين الإسلامي يتمتع بمعدلات النمو الأعلى في أوروبا, وهناك حوالي 20مليون مسلم في دول الاتحاد الأوروبي, وإذا تواصل هذا الاتجاه سيشكل المسلمون في عام 2020 حوالي 10% من مجموع السكان في أوروبا.

وبنًاء على ما سبق ذكره؛ فينبغي على المسلمين في الغرب تعزيز دورهم بما يخدم الانتشار الإسلامي كدين، وقضايا العرب والمسلمين في صراعهم ضد الصهيونية والإمبريالية الأمريكية المنطلقة من الرأسمالية المتوحشة، و المخططات الأصولية الصليبية المعادية للإسلام، ولكي تتحقق تلك الآمال فلا بد من الأخذ بالأسباب، التي تمكن لتلك الأقلية من الوصول لأهدافها، وعلى سبيل المثال:

· تعزيز الوحدة بين صفوفهم، والابتعاد عن مفاهيم التعصب المذهبي، وعن المصالح الخاصة لهذا البلد أو ذاك, وحتى لا تحول الخلافات المذهبية دون الانتشار الإسلامي نفسه.
· وجود تصورات موحدة بينهم حول الأصول الدينية والقضايا الإسلامية الكبرى.
· الانفتاح على المنجزات العلمية والتقنيات الحديثة بما يتفق مع تعاليم الإسلام.
· لا بد من تأهيل العاملين في أوساط المسلمين الأوروبيين تأهيلًا مناسبًا، فالله سبحانه وتعالى وصف الرسول الأكرم بأنه مبشرًا ونذيرًا، وبأنه لو كان فظًا غليظ القلب لانفضوا من حوله.
· تفعيل المؤسسات الإسلامية القائمة، وقيام مؤسسات استثمارية إسلامية وعربية تساهم في رفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي، وتزيد من تأثير الوجود الإسلامي، وتعزز دوره ونشاطه.
· لا بد للجيل الجديد من المسلمين في أوروبا أن يعي جيدًا أن معاناة الإنسان الأوروبي نتجت عن الابتعاد عن الدين، والالتصاق كليًا بمفاهيم المادية التي لا تقيم وزنا للأمور الروحانية, لذلك يجب عليهم عدم التخلي عن الدين الإسلامي والذوبان في المجتمع الأوروبي؛ لأن هذا الأمر سيؤثر سلبًا على استقرار وانتشار الدين الإسلامي في المستقبل.
· البعد عن تعدد المناهج الدعوية حتى لا يحدث نوعًا من التباين والتشويش الفكري على المدعوين، كما يجب الاتفاق على وجود مرجعية إسلامية يلجأ إليها الدعاة وأبناء الأقليات عند النزاع؛ حتى لا تشتت جهود الدعاة.
· تحلي أبناء الأقليات الإسلامية بسلوكيات الإسلام، والتي لا بد أن تنعكس على كل تصرفاتهم.


ولا شك أن وحدة مسلمي أوروبا وتكاتفهم لتصحيح صورة الإسلام في الغرب يلعب دورًا كبيرًا في مستقبل هذا الدين وانتشاره، ويحافظ على الهوية الإسلامية لملايين المسلمين الذين يعيشون في دول الغرب المختلفة، ولقد ظهرت في أوروبا منذ قيام الاتحاد الأوروبي في أوائل التسعينات مؤسسات إسلامية ذات طابع أوروبي، تهتم بأحوال المسلمين في القارة الأوروبية كلها، وتخاطب المسلمين في أوروبا, كما اتجه بعض المثقفين المسلمين في أوروبا إلى إصدار وسائل الإعلام المختلفة، التي تخاطب المسلمين في أوروبا كافة.
ونشأت مؤسسات إسلامية أوروبية متخصصة, إضافة إلى بعض المؤسسات الإسلامية الخيرية التي تمارس نشاطها على المستوى الأوروبي كافة، مما يؤكد الرغبة القوية لتوحيد العمل الإسلامي والدعوى على مستوى القارة، التي تضم اليوم أكثر من 52 مليون مسلم.


كما يسعى قادة العمل الإسلامي في أوروبا لتوحيد المسلمين في أوروبا كلها، وهناك جهود تبذل في هذا الصدد، واجتماعات تمت بين قيادات المسلمين في عدد من الدول الأوربية، والمقترح في هذا الشأن هو تكوين مجلس للمسلمين في أوروبا، يتولى توحيد صفوفهم وكلمتهم، ومناقشة قضاياهم، ونشر الإسلام، وتنشيط دعوته من خلال وسائل الإعلام الأوربية، وتقديمه بصورته الحقيقية السمحة إلى الغربيين، ومواجهة الحملات الإعلامية المضادة، والتي تستهدف تشويه هذا الدين الحنيف.


ولأن ديننا دين التفاؤل والإيجابيات؛ فمن المعلوم أن الجاليات المسلمة في الغرب تمتاز بحيوية عالية، لا تضاهيها أية طائفة أخرى من الطوائف المسيحية، ويدخل في نطاق الحيوية المقصودة العلاقة القوية للمسلم بدينه عمومًا وارتباطه بشعائره وأطره العامة حتى بالنسبة للذين يتقاعسون عن أداء جميع طقوسه وفرائضه، وكذلك الخصوبة العميقة للتكاثر بين المسلمين، سواء من حيث معدلات الولادة أو من حيث التكاثر بالهجرة، الأمر الذي رفع عدد المسلمين في دول الاتحاد الأوروبي إلى ما يزيد عن العشرة ملايين نسمة، وهو عدد يتوقع له ارتفاعًا كبيرًا في غضون نصف قرن.


كما أن الوضع الحالي للمجتمع الغربي يمهد لنشر الإسلام، ليصبح الدين الأول في العالم، فقد تحسنت نظرة الغرب للإسلام منذ قرن، والكثير من الغربيين يدخلون الإسلام بعد أن ماتت الأيديولوجيات الوضعية التي يؤمنون بها، كما أن النصرانية لم تعد دين هذا العصر، والغرب يحتاج إلى حلول جذرية لمشاكله الخلقية والاجتماعية، ولن يجد هذه الحلول إلا في الإسلام.

وتؤكد آراء الكثيرين من قادة العمل الإسلامي في أوروبا أن الأقلية الإسلامية في الغرب سوف يكون لها إن شاء الله دور مشرف ومستقبلي، وسوف تلعب دورًا هامًا في سياسات أوروبا كلها، ومستقبل الإسلام في الغرب مرتهن بمدى استيعاب الأقليات المسلمة لظروف المرحلة الراهنة، ودفع عملية التطبيع الأوربي العربي, ويجب أن تستوعب الدول الإسلامية هذا الوجود الإسلامي في الغرب، وتدعمه وتسانده.


والنهوض بالأقليات المسلمة لا بد أن يبدأ من داخل هذه الأقليات، التي يجب أن تنظم صفوفها، وتوحد كلمتها، وتعمل على تقوية نفسها، والمشاركة في صنع القرار داخل الدولة التي تعيش فيها، وذلك باستغلال الظروف المحيطة بها بذكاء، كما فعلت الأقلية اليهودية في الغرب وأمريكا، فإذا كنت منظمًا وذكيًا وتخطط تستطيع أن تحول مركز ضعفك إلى مركز قوة, ويجب على العالم الإسلامي دعم هذه الأقليات والدفاع عن حقوقها؛ لتقف في وجه التحديات التي تواجهها.

فالدين الإسلامي دين واحد للجميع, وإذا أردنا التطور والتقدم فعلينا أن نتلاحم وننسى أحقادنا الداخلية، متعاونين مع المؤسسات الحكومية لخلق مناهج نستطيع أن نبني بها جالية إسلامية متآخية, والفرصة متاحة أمام الإسلام اليوم ليصبح الديانة الأولى للقرن الجديد في العالم كله، لكن هذه الفرصة تظل قابلة للضياع إذا لم نضطلع نحن المسلمون بوضع الأساس القوي لعمل تعاوني مخلص بين علماء الإسلام، مهمته إحداث تغيرات رئيسة في المواقف والمداخل تُبنى على أساس عقدي، وتجعل الحركة الإسلامية أكثر حيوية، وتزيل الصدأ الذي علا الدعوة الإسلامية من خارجها، وبذلك يستعيد الإسلام مكانته الأولى في العالم كله.


وفق الله المسلمين جميعًا إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين والسلام وإلى اللقاء في قضية جديدة من قضايا الأمة الإسلامية.