تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : على ســــــــاحل ابن تيمية



Anfal
08-01-2006, 10:29 AM
هل الشمس بحاجة إذا وسطت السماء في يوم صحو أن ينبه على مكانتها؟ هل القمر في ليلة اكتماله والسماء صافية بحاجة لمن يشيد بعلوه وسنائه؟!!
يكفي أن تعرفه بهذا الاسم, فإذا قلت ابن تيمية فكفى ولا تزد على ذلك أوصافا فإن أهل المعرفة وأهل العلم يعرفون من هو ابن تيمية من خلال آثاره وكتبه ورسائله وجهوده وثناء الناس عليه..
إن ابن تيمية بلغ من الحظوة والرفعة وسمو المنزلة إلى درجة أنه استغنى عن لقب الشيخ والعالم والإمام والمجدد وصار أحسن أسمائه انه ابن تيمية!

عاشت بعض لدول خمسة قرون ثم اندرست وذهبت فلا اثر ولا عين ولكن هذا الجهبذ الأعجوبة بقي في ذاكرة الزمان, وقلب الدهر, قصة فريدة محفوظة للأجيال ترددها الألسن, وتترنم بها الشفاه. عاش سلاطين ووزراء وأغنياء وشعراء ثم ماتوا فماتت معهم أثارهم وعاش ابن تيمية بلا إمارة ولا وزارة ولا تجارة, لكن بقي معنا ومع الأجيال من بعدنا حيا في الضمائر, ماثلا في النفوس, حاضرا في الدروس والمنتديات العلمية ومجامع المعرفة وصروح الثقافة.

كلما سلكنا سبل العلم وضربنا في فجاج الفنون تلقانا ابن تيمية فهو لإمام في التفسير, حجة في الحديث, منظّر في المعتقد, مجدد في الملة, مجتهد في الفقه, موسوعة في العلوم ,بحر في السير والأخبار, آية في الذكاء, أستاذ في العبقرية.

وكيف ننسى أياديه البيضاء وكلما قلبنا سفرا فإذا هو بين صفحاته وبعلمه وحكمته وفقهه واستنباطه, وكلما حضرنا حوارا فإذا اسمه تتقاذفه الألسن ويتقاسمه المتحاورون, وكل فريق يقول: أنا أولى به!.. كيف لا نعيش معه وقد فرض علينا احترامه وأمتعنا بحضوره وانسنا بذكره الطيب؟ كيف لا نحب من أحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم؟ كيف لا نتولى من تولى ربه؟ كيف لا نقدر من قدرا لشرع؟ كيف لانحل من اجل الوحي؟

نعم عندنا والحمد لله من الإدراك ما يمنعنا من التقليد الأعمى والأرعن, والإعجاب الأحمق, عندنا تمييز بين الذكي و البليد, والصادق والكاذب, والقوي والضعيف, والصالح والطالح, فهدانا الله بفضله إلى معرفة هذا الإمام وصلاحه وذكائه ونبوغه ونصرته للحق ودفاعه عن الشريعة, ووافقنا على ذلك بشر كثير من العلماء والمؤرخين وأصحاب السير وأرباب الفنون وأصحاب التخصصات والمثقفين من المسلمين والكافرين..

دوائر المعارف تترجم عن دول بصفحتين وثلاث, لكنها تتحدث عن ابن تيمية بعشرين صفحة!, المجامع العلمية تذكر المصطلحات في سطر, ولكنها تتكلم عن ابن تيمية في ثلاثين سطرا, ولسنا متفضلين على ابن تيمية إذا مدحناه او ذكرنا مناقبه أو عددنا سجاياه, لكنه متفضل علينا بعد الله بفيض علمه, وغيث فهمه, وبركة إنتاجه, ونور آثاره.

لن افصل الكلام عن هذا الإمام فهو بحر لجي لكنه عذب, وهو محيط هادر لكنه فرات, وهل يستطيع المرء -ولو أجاد السباحة- أن يغوص في أعماق البحر, أو أن يهبط إلى قعر المحيط؟ كلا لا يستطيع, ولكنه يستطيع فقط أن يطل إطلالة (على ســــــاحل ابن تيمية)

غفر الله لابن تيمية, رحم الله ابن تيمية, وجزى الله ابن تيمية خيرا, وشكرا لابن تيمية على ما أهدى وأسدى وأبدى ولله الحمد أولا وأخيرا..

Anfal
08-03-2006, 02:48 PM
طهره في شبابه
كان ابن تيمية من الصغر في عناية الله عز وجل وفي رعايته, فلا تعلم له صبوة, ولاتحفظ له عثرة, ولم تنقل له زلة, لأنه عاش في بيت إمامة وعلم و صيانة وديانة, فقد رباه أبوه المفتي الحافظ عبد الحليم, وكان أعمامه أيضا من أهل الولاية لله عز وجل, فنشأ بين بيته الطاهر العفيف, وبيت الله العامر المبارك, وحفظ كتاب الله من الصغر, وتعلم السنة و اخذ الآداب الإسلامية من أهل العلم, وحفظه الله الحافظ عن تهور الشباب وطيش الفتوة ونزق الصبا, فعاش عفيفا دينا مقتصدا صيّنا رزينا عاقلا محافظا على الفرائض, معتنيا بالسنن, كثير الأذكار والأوراد, بعيدا عن اللهو وعن البذخ والسرف واللعب وكل ما يشين الرجال, وكل ما يخدش المروءة, وكل ما يذهب الوقار, فصار محل العناية من الأكابر, حتى كان يعرف إذا مر فيقال هذا ابن تيمية لاشتهاره بين أقرانه بالجد والمثابرة وحب العلم والراعة في التحصيل وسرعة الحفظ والذكاء, والألمعية وجودة الخاطر وسيلان الذهن وقوة المعرفة رحمه الله.

ابن حسن
08-05-2006, 02:26 PM
أثابك الله .
ورحم الله ابن تيمية ورضي عنه .
ولله در القائل :
يا آل تيمية العَالــين مَــــرتبة ً ... ومــنزلاً فـــرع الأفــلاك تـبيـــــانا
جواهرُ الكون ِ أنتم غير أنكـُمُ ... في معشرٍ أُشربوا في العقلِ نُقصانا
لو يعرفون لكم فضلاً ومنزلةً ... لصـيروا لكــم الأوطـانَ أجـفــــانا

Anfal
08-05-2006, 07:00 PM
جده في التحصيل
نقل المؤرخون وأهل السير أن ابن تيمية كان منشغلا في كل أوقاته بتحصيل العلم ما بين قراءة وتكرار وحفظ ومذاكرة واستنباط وكتابة وتأليف وتعليق, فلا تراه إلا منكبا على كتاب أو جالسا بين يدي شيخ, أو مذاكرا للطلاب, أو مطارحا لأقرانه وزملائه, فكل أوقاته انشغال من أولها إلى أخرها إلا ما كان فيه وقت مباح كنوم أو طعام أو نحو ذلك, حتى أنه لم يتزوج رحمه الله لانشغاله بالعلم والجهاد ونشر الخير في الناس, ولم يتول أي ولاية ولا مشيخة ولا دار حديث ولا منصب دنيوي, ولم يتشاغل بالمال, ولم يذهب في تجارة, ولا في زراعة, ولا في أي مهنة من المهن, بل كان رحمه الله منكبا على العلم, ثم إنه لم ينهل من علم واحد ولا من تخصص فحسب, ولا من فن فقط, بل تبحر في جميع الفنون فبرع فيها ورد على أصحابها, ورسخ في الجميع فصار آية و أصبح أعجوبة, فبتحصيله يضرب المثل بين طلبة العلم, وسيرته تعتبر نبراسا لمن أراد أن يحصلّ المعرفة ويبحث عن العلم, ويصعد في سلم الهمة العالية, فهو بلا شك قدوة في هذا الباب, وأسوة حسنة لرواد المعرفة, وشداة الحق, والباحثين عن الحقيقة, والطالبين للعلم النافع.


حفظه
أما حفظه فحدث ولا حرج, فقد صار ابن تيمية مضرب المثل عند أصدقائه وأعدائه, واعترف الكل له بأنه أحفظ من رأوا, وعدّوه من الأئمة الكبار في الحفظ, وليس حافظا فحسب بل حافظا بفهم, فكان يسابق في حفظه نظره, وكان يعطي الكتاب في صغره فيقرؤه مرة فينتقش في ذهنه, وذكر عن نفسه أنه يقرأ المجلد بحمد الله فيرسخ في ذهنه, وبذلك حفظ كتاب الله عز و جل, وحفظ السنة المطهرة, وحفظ أقوال أهل العلم وحفظ الآثار, وحفظ التفاسير, وحفظ شواهد اللغة, فكان إذا تكلم أغلق عينيه فسالت قريحته بنهر يتدفق من العلم النافع المبارك.
وقد نفع الله بهذا الحفظ, فقد تركت ذاكرته القوية المباركة للأمة ميراثا مباركا من الكتب النافعة, وكان يُملي أحيانا بعض المجلدات من حفظه في السفر وفي الحبس حيث لا توجد مكتبته لديه فيأتي بالعجب العجاب, وينقل بعض كلام الأئمة بنصه وفصه ثم يعلق عليه, وربما استدرك, وينقل الأحاديث من حفظه وينسبها لأصحابها, أما القرآن فقد سال على طرف لسانه يأخذ ما شاء ويترك ما شاء, فقد حفظه من الصغر حتى أصبح كتاب الله عز وجل عنده كسورة الفاتحة, مع فهم ثاقب لما يحفظ, فليس ناقلا فحسب كما هو شأن كثير من الناس يحفظ المعلومة ثم لايصرف فيها, بل كان يحفظها ويعيها وينزلها و يقدرها حق قدرها, ويوظفها في المكان المناسب, ويخرج منها ماشاء الله من الكنوز والعبر والعجائب فيأتي بما يشد الألباب ويذهل العقول من الفوائد و الدرر والنكات العلمية.

.. يتبع ..

Anfal
08-08-2006, 12:32 PM
ألمعيته
الألمعية هبة يهبها الله من يشاء ، وابن تيمية له القدح المعلى في هذا الباب، فإذا كانت الألمعية هي سرعة الخاطر وجودة العلم فإن ابن تيمية الأول في هذا الباب عند أهل العلم، فقد كان يفهم المسألة بقوة وجدارة، وكان يعي ما يقرأ وكان ينتزع الفائدة ويستنبط من النص استنباطا عجيبا وكان إذا حاور يفهم كلام محاوره ويرد عليه في سرعة البرق، وكان إذا كتب يسبق خاطره قلمه (كما يقول عنه مترجموه)، ومن ألمعيته أنه كان يدرك الشبهة في أسرع وقت، ويرد عليها ويزيف الزائف من الكلام، ويثبت الحق، ويميز بين الشبهات، ويفرق بين المختلفات، وكان يوهم بعض الأئمة في بعض الأبواب من تخصصاتهم، فأحيانا ينقد بعض المحدثين والمؤرخين وبعض الفلاسفة وأهل المنطق، وعلماء الكلام، ويرد عليهم في تخصصاتهم فإذا هو افهم منهم بفنهم وبتخصصهم.

ومن ألمعيته رحمه الله أنه إذا دخل في علم قلت لا يجيد إلا هذا العلم، ولا يحسن إلا هذا الباب، فيأتي بالعجب العجاب، ويسهل له هذا المسلك الذي سلكه فيكون فردا في بابه، ويكون وحيد عصره فيما نهجه وفيما اتخذه، فألمعيته رحمه الله محل الشهود ومحل الاعتبار من الجميع حتى صار فردا ووحيدا في هذا الباب..

سعة علمه
من العلماء من برع ولكن في فن واحد، فمنهم المحدث الجهبذ في حديثه، ومنهم العلامة في فقهه، ومنهم الفرد في تاريخه، ومنهم الأوحد في أدبه، ولكن ابن تيمية كان بحرا لا تكدره الدلاء، فهو المنظّر لأهل السنة في باب المعتقد، وهو المحدث الناقل البصير الجهبذ في علم الحديث روايةً ودرايةً، وفي علم الرجال، حتى شهد له المزي (وكفى به شاهدا) في هذا التخصص، فكان يجرح ويعدل ويميز بين الروايات، ويعرف هذا الفن معرفة دقيقة تامة، وقد استولى على جميع أبوابه وعلى جميع فصوله وفنونه، وهو في استنباط النص آية من آيات الله عز وجل، فكان يورد الآية والحديث ثم يورد كلام أهل العلم ممن سبقه، ثم يأتي بكلام زائد على كلامهم، وربما انتقد كلامهم أو وافقه أو عارضه أو سكت، وكان أعجوبة في التفسير.

يقرأ (كما ذكر عن نفسه) أكثر من مائة تفسير في الآية، ثم يدعو الله ويتضرع إليه ويسأله فيفتح عليه سبحانه وتعالى علما في الآية لم يكن مكتوبا من ذي قبل، وربما أملى في الآية الواحدة كراريس، ونقلوا عنه انه بقي سنوات طويلة في شرح قوله تعالى: "إنا أرسلنا نوحا إلى قومه"، وكان يأتي بالآية الواحدة ربما يذكرها بعد صلاة العصر في مجلسه فيغلق عينيه، ثم يذكر الأقوال والترجيحات والاختلافات والتقولات وما قيل فيها، معترضا وموجها ومصححا ومقررا حتى صلاة المغرب، كما قرأ الفلسفة ورد على الفلاسفة وزيف كثيرا من أقوالهم وردها إلى الوحي، ورد على علماء الطوائف من رافضة ومعتزلة وجهمية وأشاعرة وصوفية ودهرية ويهود ونصارى، وكل ذلك وهو معتصم بالدليل، سائر مع النص، متحاكم إلى الوحي..

.. يتبع..

Anfal
08-09-2006, 09:41 AM
همته
لا أعلم عالما بعد أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم بلغت به همته مثل ما بلغت همة ابن تيمية به, فقد أتعبته ولكنها أوصلته إلى مراقي الحمد, ومصاف الكرامة, وغاية المجد, وذروة الشرف, وسنام القبول في الأرض, همته حركته إلى طلب العلم النافع فلم يرض بعلم دون علم, ولم يقتنع بتخصص دون تخصص, ولم يشبع من فن دون فن, بل رسخ في الجميع, ومهر في الكل, واستحوذ على قصب السبق في المعرفة, تتجلى همته في العباد, فقد كان خاشعا منيبا مخبتا متسننا, كثير الأوراد صلاةً وصياما وذكراً ودعاءً وقيام ليل وجهاداً وإخلاصاً وإنابة وتوضعاً وخشيةً لله عز وجل وغيرةً.

وفي التأليف فهو من العلماء الثلاثة الذين بلغوا الغاية في التأليف, وهم ابن الجوزي والسيوطي بالإضافة إليه, وقد كان أكثرهم تحقيقا وتنقيحا ورسوخا وعمقا ونفعا وأثرا في الأمة, حتى قيل إن مؤلفاته بلغت بالرسائل والكتب أكثر من ألف مؤلف, ولو جمعت لكانت أكثر من خمسمائة مجلد, وقد ضاع منها الكثير. كما تتجلى همته في الدعوة, فقد اشتغل بالدعوة الفردية, والدعوة الجماعية, ودعوة السلطان وحاشيته, ودعوة العامة, ودعوة الطوائف جميعا, ودعوة غير المسلمين, فدعا بالكتابة والخطابة والدرس والمراسلة, ودعا وهو في الحبس, ودعا وهو في المعركة, ودعا بالآيات البينات, ودعا بالحجج القواطع, ودعا بالبراهين الساطعة, والأدلة اللامعة, ودعا بالمناظرة وبالمحاورة, ودعا مشافهة, ودعا كتابة, فكانت حياته رحمه الله دعوة من أولها إلى آخرها..


غيرته
الغيرة وقود ملتهب يمنحه الله من يشاء, فيأنف من الخسة, ويرتفع عن الدناءة, ويعشق الكمال, ويتلهف على الفضيلة ويحب معالي الأمور, وهكذا كان ابن تيمية, يغار على محارم الله, ويغضب كل الغضب إذا انتهكت حدود الله عز وجل.

كان يفادي بروحه الملة وصاحبها صلى الله عليه وسلم, وقد جلد من أجل حماية جناب المصطفى صلى الله عليه وسلم, فقد اعتدى بعض النصارى على الجناب الشريف بكلام فدافع ابن تيمية, فشكاه ذلك المعتدي إلى السلطان, وهيج العامة على ضربه, فجلد شيخ الإسلام في مجلس السلطان بسبب هذا, وهذا في سبيل الله عسى الله أن يأجره كل الأجر على هذا الموقف العظيم, وألف في ذلك (الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم).

كان إذا رأى المخالفة الشرعية غيرها بما عنده من فقه, فكان لا يرى منكرا إلا قام كل القيام حتى يغير هذا المنكر, ويدخل السوق فيغير المنكر وينبه على الباعة وأهل المكاييل والموازين, وينهي الصوفية عن ابتداعاتهم, ويغير على المخالفين من الكهنة والسحرة والمشعوذين, وينهى عن مخالفة السنة ظاهرا وباطنا, ويدعو الناس إلى منهجه عليه الصلاة والسلام, ويقول: لا يسع أحد في العالم الخروج على سنته صلى الله عليه وسلم, وكان يغار في مجلس السلطان فيقول الحق غير هياب, ولا جبان ولا خائف, بل يصدع بالحق بقلب جرئ أشجع من قلب الأسد, في إقدام و إصرار, حتى ذهل منه السلطان, وتعجب منه الملوك, وخافه أرباب الدول, واحترامه العامة والخاصة, لما علموا من صدقه وجرأته وثباته رحمه الله

Anfal
08-20-2006, 12:39 PM
سلامة مشربه
ابن تيمية صاحب المنهج الوسط العدل الصحيح الصافي, فقد اخذ مشربه من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام, فلا تعرف له بدعة, ولم تحفظ عليه مخالفة للكتاب والسنة, بل كان دائما مع الدليل, مع الآية والحديث, متبعا من سلف من أئمة الإسلام من الصحابة والتابعين, لا يخالفهم, وإنما يشد من أزرهم ويقوي منهجهم, ويدعو إلى مذهبهم وإلى منهجهم رضي الله عليهم موقرا رسول الله صلى الله عليه وسلم, معظما ربه كل التعظيم، محترما أئمة الإسلام, ولا يقول بعصمة غير الرسول عليه الصلاة والسلام, فكان رحمه الله الإمام المعتبر في سلامة المنهج مدارس وجامعات وجماعات وطوائف, واستحسن أهل البصيرة ما سلكه رحمه الله في كتبه وفي رسائله وفي منهجه الإصلاحي, فجزاه الله عنا خير الجزاء.

زهده
يقول هو عن الزهد: الزهد ترك ما لا ينفع في الآخرة, وحقق هو هذا القول في حياته, فقد اعرض إعراضا كليا عن الدنيا واطرحها وزهد فيها, وعاش للآخرة, فلم يتول ولاية, ولم يتقلد منصبا, ولم يجمع مالا, ولم يأخذ أعطية, ولم يضع درهما على درهم أو دينارا على دينار, ولم يبن بيتا, ولم يتخذ سكنا, ولم يأخذ مزرعة, ولم يذهب في تجارة, ولم يعمر عمارة, ولم يكثر من الملابس, ولم يتأكل بالعلم, ولم يذهب في حاجته الخاصة الدنيوية, بل كان جل همه العلم النافع والعمل الصالح, فما عُرف في وقته أزهد منه, وكان يرضى بالقليل من الطعام, وكان لا يسرف في الأكل بل يكتفي بلقيمات, وكان يلومه أصحابه على قلة أكله, ومع ذلك لا يغير عادته, متقشفا في ملبسه, وما كانت تعرف له إلا غرفة واحدة بجانب المسجد, مع قلة الملابس وقلة ذات اليد, وما كان يميز بين الدراهم ولا بين الدنانير, وكان ما يأتيه من المال دون طلب منه يصرفه في الحال على الفقراء والمساكين, ولم يمس عنده فيما يُعلم درهم ولا دينار, فأقر له المواقف والمخالف والمحب والمبغض بأنه آية عجيبة في الزهد والانقطاع إلى الله, و إهانة الدنيا وعدم الالتفات إلى أصحابها, وعدم توقير خدمها, وإنما توقيره لأهل العلم والعبّاد والزّهاد, وللصالحين عموما.

>>يتبع>>

حسن الخفاجي
08-20-2006, 06:19 PM
حشركم اللة مع ابن تيمية

من قلب بغداد
08-20-2006, 08:46 PM
حشركم اللة مع ابن تيمية

اللهـم آميــن

ملاحظة .. :: .. انتبه .. الى كيفيه كتابة لفظ الجلاله .. !!

Anfal
08-28-2006, 10:19 AM
ويكأنّ أحدهم يظنّ بدعائه هذا أنه ينتقم منا....
اللهم احشرنا مع ابن تيمية في زمرة الصديقين والشهداء والصالحين... وحسن أولئك رفيقا...
بارك الله بك يا من قلب بغداد.... وشكرا لملحوظتك... يرجى من الإدارة تصحيح لفظ الجلالة في مشاركة المدعو حسن الخفاجي

تقشفه
مر شيء من هذا في حديثنا عن زهده, ولكن عُلم أنه من شبابه لم يكن صاحب رعونة, حيث يشغله ملبسه ومطعمه, أو تلهيه هموم بطنه وشهواته عن معالي الأمور, بل كان رحمه الله يجتزئ باليسير من اللباس واليسير من الطعام, فكان يلبس الثوب الواحد والعمامة على ما تيسر من ملابس, شأنه شأن أفراد الناس مع النظافة والطهارة, وكان ينام على ما تيسر من فراش, ولم يتخذ الفراش الوثيرة ولا اللحاف الكثير, ولم يعدد الواحد من الطعام, مقبلا على شانه, مهتما بعلمه, مستغرقا أوقاته في عبادة ربه, ما بين تلاوة وقراءة ومطالعة وذكر وتأمل وجهاد ودعوة وأمر بمعروف ونهي عن منكر أو إصلاح بين الناس.

سنيته
إتباع السنة منحة ربانية وعمل صالح مبرور من أعظم أعمال العبد, ولا يحصل ذلك إلا بتوفيق من الله, وفرق بين أن يقرأ العبد للسنة ويطالعها ويحفظها وبين ان يضيف إلى ذلك التسنن بها وظهورها على حركاته وسكناته, وكذلك كان ابن تيمية رحمه الله فقد ظهرت في معاملاته, في كلامه, في أخذه وعطائه, في سلمه وحربه, في رضاه وغضبه, في تأليفه وفي رسائله, في خطبه ودروسه ومواعظه وحواره وجدله, فكان من نظر إليه ذكر الله عز وجل وتذكر سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم, وكان معظما للرسول صلى الله عليه وسلم, موقرا له, خاشعا بين يدي سنته, مستسلما لحكمه, معظما لحديثه, متبعا لآثاره, مقتديا بكل ما صح عنه عليه الصلاة والسلام، فظهرت بركته على أصحابه وطلابه وتلاميذه, حتى قالوا ما رأينا أكثر عملا بالسنة من ابن تيمية, ولا رأينا أكثر من ظهرت عليه بركات السنة من ابن تيمية, ولا رأينا من لاحت عليه معالم السنة في كل حركة من حركاته من شيخ الإسلام, حتى إن من رآه تذكر رسول الهدى صلى الله عليه وسلم, يذكرك في لباسه, في عمامته في قميصه في نومه, في يقظته, في أكله وشربه, في ذهابه وإيابه, في مخالطته للناس وفي عزلته, مستمسكا بالسنة حرفاً حرفاً وجملة جملة وأثراً أثراً. فغفر الله له..

Anfal
09-01-2006, 08:09 AM
سلفيته
ابن تيمية إمام السلفية في عهده والعهود التي لحقته, فكان على نهج السلف اعتقادا وتعبدا وعملا وجهادا, فهو السلفي بمعنى الكلمة, فلا يُعرف في عهده ولا بعده من احتذى حذو السلف أو اقتدى بالسلف حذو القذة بالقذة كابن تيمية, فإنه قرر مذهبهم في المعتقد: في الأسماء والصفات, في توحيد الربوبية والألوهية, في اليوم الآخر, في القضاء والقدر, في الوعد والوعيد, في حب أهل البيت, في حب الصحابة, وفي كل مسألة كبيرة أو صغيرة من المسائل كان على منهج السلف, ولم يعرف له المخالفة رحمه الله وليس معصوما لكنه رجّاع الحق, وكان مقصده ان يقرر مذهب السلف, وهو الذي نظّره وأظهره للناس, وألف فيه شرحه وبسطه وأوضحه وأزال الشبه عنه, ونفض الغبار الذي تراكم عليه في القرون التي تلت التابعين, ورد على خصوم هذا المنهج, ودحض أقاويلهم, وفند شبههم, واعترض عليهم وأرغمهم وألزمهم الحجة, ودمغهم بالدليل, وداسهم بالبرهان, فأظهر هذا المنهج أيما إظهار, ونصره أيما نصر, وخدمه أيما خدمة, فصار معلوما للخاص والعام, وعلّمه في دروسه وفي خطبه, ودعا إليه سرا وجهرا, حتى في مجالس الملوك, وفي ديوان السلطان, وفي بلاط الوزراء والأمراء, وفي مجامع القضاة, فكان ينتصر لهذا المذهب ويغضب له, ويرى أنه الحق وأنه الأسلم والأعلم والأحكم, وكل رسائله ومؤلفاته وكتبه تشهد بذلك, فلو قلت: إن الناصر حقيقة لمذهب السلف من عصر ابن تيمية إلى الآن هو ابن تيمية لما ابتعدت عن الصواب, وكل من أتى بعده في الغالب من متبع السلف استفاد منه, ونهج نهجه, وانتفع بكتبه, وسار على منواله, فمن مقلٍ ومستكثر, فرحم الله هذا الإمام, ما أحسن تقريره لمذهب السلف, وما أوضح وشرحه, وما أبسط عبارته, وما أحسن مقاله, وما أجمل تأليفه في هذا الباب, حتى إنا نقر والحمد لله بأننا استفدنا كل الفائدة من هذا الإمام في معرفة منهج السلف في المعتقد, وفي العبادات, وفي السنن, وفي كل شأن من شؤون الدين, فجزاه الله عنا خير الجزاء..

ابن تيمية مع الدليل
من تميز ابن تيمية أنه صاحب دليل وبرهان, فلا يقول قولا له دليلٌ في الكتاب ولا في السنة إلا أورده, وهمه أن يعتصم في كل مسالة بآية أو بحديث ثابت, فليس صاحب هوى وليس مقلدا متعصبا, بل يطلب الحق أينما وجد, ويريد الحجة, ويفرح بالبرهان, ويتبع الدليل, ويسير معه حيثما سار, سواء كان في أصول المسالة أو في فروعها, فتراه إذا كان الدليل مع أي مذهب من المذاهب سواء كان حنفيا أو مالكيا أو شافعيا أو حنبليا، ذهب معه وأعرض عما سواه, وهو يوصي طلاب العلم أن يعتصم في كل مسألة بدليل ثابت, ثم لا يلتفت إلى قول أحد من الناس كائنا من كان, ويرى أن على طالب العلم أن يدور مع الدليل حيثما دار, ولا يكون مقلدا, فإن العلماء ليسوا أنبياء معصومين, وهذا الذي ميز شيخ الإسلام, حيث جعل لكلامه من الخلود والقبول والرسوخ والأصالة والعمق ما ليس لغيره, فليس ضعفا في إيراد الكلام, بل تجد عليه أنوار النبوة تلوح, وعليه براهين الحق تسطع.

حسن الخفاجي
09-01-2006, 12:45 PM
لا ادري لماذا في هذا المنتدى بعض الاماكن لم نستطع الرد اريد ارد على moon 3000

عبد الله بوراي
09-02-2006, 10:08 AM
المحترم حسن الخفاجى
السلام عليكم
وبعد
حيرنى سؤال أجلته لبعض الوقت , واعتقد بأن وقته قد حان
الان ,
وهو لمادا لم تقل كلمة شكر واحدة مند تشريفكم المنتدى عند مداخلاتكم معلقا على اى موضوع يكتبه اى عضو فى هدا الصوت؟
خد مثال قريب مما نحن فيه الان .
هدا الاخ الدى كتب عن شخصية اسلامية من بعض جوانب حياتها
الزاخرة بالعطاء .
والحق انه سد الكتير والكتير من الفرج التى يمكن ان يصله منها
النقد.
وسبحان الموفق
فقد وفق اخينا انفال وسدد الله خطاه
ونرجع اليك يا سيدى
وقد قرأت _وهدا هو المتوقع_ الموضوع .ولابد وأنه قد خطر على بالك مدى التعب والجهد الدى بدله كاتبه ومدى حرصه هلى تقديمه للقرأ فى مثل هدا الايطار الجميل والمتكامل
ولا شك _ وهدا طبيعى جدا_ أنه كان منتظر كلمة طيبة أواطراء
جميل على هدا العمل الدى قام به بجهد وعناء.
فمادا قدمت له؟؟
بل ومادا قدمت لغيره؟؟
هل تريدنى ان أنوب عنك فى الاجابة ؟
حبا وكرما
قدمت له مداخلة_ شيعية_ هى الى الشتم اقرب والصق
وضننت انك ضحكت واضحكت من خلفك فى الحسينيات على
هدا الدكاء _أو الغباء_ المستتر فى مثل هده الكلمات..
هل تضن نفسك فى اماكن التطبير والتشطيح .
أنت هنا _ وكررت لك هدا كتيرا_ انت هنا فى مكان محترم
فهل الى شىء من الاحترام الاسلامى, لا الشيعى المتلبس بالتقية؟
نحن نرحب بك بيننا
ونريد ان نراك مناقشا محاورا نشطا وفعالا
فتستفيد وتفيد
فعليك هداك الله بالبعد عما يشين وتخلق بالخلق الحسن
وبارك الله فيك
burai

عبد الله بوراي
09-02-2006, 02:22 PM
ضحك على
تختلف عن
ضحك فى
انتهى

Anfal
09-03-2006, 12:50 PM
ابن تيمية مربياً
أثرت الشريعة على ابن تيمية في حياته وفي أخلاقه وفي سلوكه, فتجده متلذذا بالعلم سائراً معه, فقد ظهرت بركة الملة عليه في كلامه وفي حواره وفي مناقشاته وفي ردوده, وتجده في غضون كلامه ينصح ويوجه ويرشد ويدعو ويأمر بالمعروف وينهى عن النكر, قلما يورد قضية إلا وجه الحق فيها, وبين الصواب بقلم سيال وبلفظ جذاب, وهو مدرسة في التربية والتوجيه, ليس ناقلا فحسب وليس مكتفيا بعرض رأيه فقط, بل يعرض رأيه ويدعو البقية إلى طلب الحق فهو بهذا يربي الجيل ويوجههم إلى ما فيه خيرهم.

ابن تيمية مفسرا
ترى في سيرة ابن تيمية أنه قد حوى التفسير وطالع كتبه جميعها, سواء المأثور منها أو العقلية التي تعتمد على الرأي, ثم فهم الجميع, وحصرها وعصرها, ثم أخرج لنا دررا في غضون كلامه, وقد نُقل أن له تفسيرا خاصا به, لكن الذي طالعناه من كلامه في التفسير عجبٌ من العجاب, فأحيانا يورد الآية ثم يسهب في مقصدها ومعانيها ومراميها, وأحيانا يُغلط كثيراً من المفسرين ويرى أنهم وهموا وأخطؤوا في ما ذهبوا إليه, كل ذلك بأصالة لا تعرف الضعف وبكلام رجل عرف اللغة ومدلول الكلام, وعرف النقل صحيحه وسقيمه, وعرف آراء المفسرين وأقوالهم في المسألة, فصار بحق من أعظم المفسرين الذين مروا في تاريخ الإسلام, وأشاد كل من ترجم عنه بهذه الميزة فيه, بل عدوا من أعظم ما تميز به ميزة التفسير..

ابن تيمية محدثاً
علم الحديث علمٌ شريف جليل, والمحدثون هم خيار الأمة وصفوة الأجيال, وقد أشاد بهم ابن تيمية ومدحهم بشتى المدائح, ونوّه بذكرهم وقال إن لهم نصيب من قوله تعالى: "وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ" وأنزلهم منزلة الصحابة في الفضل, وأنزل أهل المنطق والفلسفة منزلة المنافقين, والرجل صاحب حديث فأحيانا يتكلم عن السند والعلل الخفية, وأحيانا يتكلم عن الاعتبار وعن الشاهد وعن المتابعة, كما يُضعّف الضعيف, ويوهن الواهي, ويبين الموضوع, ويتكلم عن المعنى بكلام لا أحسن منه, وينسب الحديث إلى من خرجه, ويبين لك مصادر كل رواية, ويبين الزيادة, ويعرف الشاذ, ويدرك المنكر, ومن طالع كتبه بتمعن وجد أنه محدث من أكبر المحدثين بل شهد له معاصروه بذلك كالمزي والذهبي والبرزالي, وغيرهم من أهل الحديث..

عبد الله بوراي
09-03-2006, 12:59 PM
أخى المحترم انفال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد
اسعدتنا بهده المحطات من حياة شيخنا امام السلفية ابن تيمية
رحمه الله
فبارك الله فيك
ونتمنى عليك مواصلة الرحلة
فحياة شيخنا كلها محطات جديرة بان يتوقف عندها محبيه
سدد الله لكم , وبالتوفيق
burai

Anfal
09-08-2006, 10:34 AM
ابن تيمية فقيها
الفقه هو إدراك معنى النص والغوص في دلالة النقل, وهكذا كان ابن تيمية, فليس فقهه فقه ينقل الأقوال أو يتبع كلام الأئمة ويحفظه وينقله لنا, لكنه أدرك أقوال الأئمة جميعها, وأقوال الموافقين والمخالفين وأهل المذاهب والروايات المختلفة لكل عالم, ثم جعل النص نصب عينيه واستنبط منه, ثم ذكر من وافقه ومن خالفه, والعجيب فيه سرعة بديهته, وجودة استنباطه, وحسن انتزاعه المعنى من الدليل, فهو الفقيه بحق في فتاويه, وفي تقريراته, وفي مراسلاته, وفي عرضه للمسائل, حتى إن كلامه لا يختلف من كتاب إلى كتاب, أو رسالة على رسالة, بل تجد الرسوخ, وتجد الاتفاق, وتجد المعنى, فأحيانا يبسط المسالة, وأحيانا يختصرها, لكن المقصود أن كلامه واحد لا يتغير..


ابن تيمية مناظراً
نقل عنه أهل السير انه كان يحضر مجالس المناظرة, وتُعقد له مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر الألباب, ويعلو عليهم وينتصر بالحجة الدامغة, والبيان الخلاب, والذاكرة الواعية, والبديهة اللماحة, حتى أنه ناظر كثيرا من الطوائف في حضور السلطان وعلى مرآى من الخاصة والعامة, فكان الحق معه..
وقد ذكر كثير من أهل التاريخ أن علماء الطوائف اجتمعوا له وهم في صف وهو في صف, قال بعض المؤلفين واصفا الموقف: ولكنها بحيرات صغيره صادفت _ والله _ بحرا ثجاجاً, و ذرات صادفت جبلا راسخا!, وكان لا يكل ولا يمل من المناظرة, بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى يوقعه و يصرعه, كل ذلك مقصوده أن تكون كلمة الله هي العليا, وأن يكون الدين كله لله, وأن يكون الحق هو المنتصر في الأخير, فليس قصده المغالبة لذاتها, ولا قصده الظهور والشهرة, ولا قصده أن تكون له منزلة ولا مكانة, فقد ترك المنازل الدنيوية لأهلها, وأبى المناصب وعاف الولايات, واعرض عن المال.. فالمقصود انه ما كان يحجم ولا يجبن وقت المناظرة بل كان جريئا ذا قلب شجاع, ثابتاً كالأسد في حومة الوغى..

Anfal
09-14-2006, 04:17 PM
ابن تيمية مجاهداً
عُرف ابن تيمية بالجهاد العلمي والعملي, فجاهد جهاد الكلمة, عبر الدرس والخطبة والمحاضرة والوعظ والنصائح والكلمة, عبر الرسالة والمؤلف والفتوى والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والجهاد بالنصائح عند السلاطين, وعند الظلمة, وعند المخالفين من الطوائف, والجهاد بالسيف, فقد حضر غزوة (شقحب), ودعا الناس للجهاد وأمرهم بالفطر في رمضان, وثبت ثبات الجبال, وأبلى بلاءً حسنا, ودخل على السلاطين بقلب جريء ثابت, حتى تعجب منه الناس وذهل منه أصحابه وقالوا: ما رأينا أشجع منه, لا كلَّ ولا ملَّ ولا جبن, فغفر الله له..



ابن تيمية عابداً
لا خير في العلم إذا لم يورث عالماً عابداً صالحاً مصلحا, ولا اثر لمعرفة الإنسان إذا لم ترشح على تصرفاته أخلاقا وسلوكاً, وكان ابن تيمية في جانب العبادة من الصالحين الكبار, عمل بعلمه رحمه الله في عباداته الخاصة, فكانت صلاته طويلةً طويلة, مخبتا في ركوعه وسجوده, كثير الذكر حتى انه لا يفتر لسانه, وربما استغفر ألف مرة أو أكثر, وكان يردد دائما لا حول ولا قوة إلا بالله, وكان كثير الابتهال والتضرع, كثير الدعاء والبكاء كثير المسالة والإنابة, كثير التوبة, وكان يرى أن زاده هو الذكر, وأن قوته هو التسبيح, وكان يجلس بعد صلاة الفجر إلى أن يتعالى النهار وهو يردد الفاتحة, ويمضي الليل الطويل ما بين الركوع والسجود والقنوت والبكاء والتضرع, وكانت تلوح عليه أنوار الطاعة, وإذا خرج على الأسواق ورآه الناس كبروا وهللوا, ومن رآه ذكر الله عز وجل ورأى فيه القدوة المثلى والأسوة الحسنة, وكان إذا قرأ القرآن قرأه بصوت خاشع مبكٍ حزين, وكان له تأملات في كتاب الله عز وجل, وله تدبر, وكان كثير الصدقات, كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, كثير الإصلاح بين الناس, كثير التواضع, جم الأخلاق, عفيفاً منيباً صادقا ..

هذه كانت فقط (بعض) من جوانب شخصية الشيخ ابن تيمية رحمه الله أسكنه فسيح جناته وهي مقتطفات مقتبسة من كتاب (على ســــــــاحل ابن تيمية) للدكتور عائض القرني

وما زال الكتاب يحوي اكثر بكثير مما وضعت عن تلك الشخصية الرائعة..نسأل الله ان يوفقنا لتعلم الخير دائما وأبدا وان ينفعنا بما علمنا..