تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مصطفى: أنا غير..



من لبنان
07-27-2006, 06:23 PM
جهاد بزي
السفير،27/7/2006

يجلس مصطفى رمّو في الباحة الداخلية لمدرسة زاهية قدورة في كراكاس. تحوط به أمه. تلّوح بمنشفة أمام وجهه. تبرّد وجهه وتبعد الذباب عنه. تمسد على رأسه. هو يجلس على كرسيه المدولب. أطرافه الأربعة مطوية إلى الداخل. شلل رباعي رافقه مذ ولد. هو الآن في الخامسة والثلاثين. وهو هارب وامه من بئر العبد. وهو يضحك حين يحكي.
يرانا مصطفى فيسأل: <متل العادة إن شاء الله؟ متل العادة؟> يسأل عماد الآتي من اتحاد المقعدين. لا أفهم لماذا يقول هذا. أعرّف عن نفسي له ولوالدته واشرح مهمتي، اي أنني اريد ان اكتب عنه في الصحيفة.
ما الذي ينقصك الآن؟ <كل شيء ناقصني.. الثياب والحفاضات. ضاهر من البيت ما عندي شي>. لماذا هو في باحة المدرسة وليس في غرفة من الغرف؟ تقول أمه إنه هنا يرتاح أكثر. يتابع مصطفى: <اريد غرفة لي وحدي>. تقول أمه إنها تنام على البلاط بالقرب منه. مصطفى مصاب الآن بالتقرحات جراء جلوسه المتواصل على كرسيه الصلب. أقول له إنه قوي وإنه يضحك. يجيب: <قلبي من الداخل يبكي>.
أظن انني ما زلت اجري معه مقابلة. لكن شيئاً ما يتغير. تعلق عيناه بعينيّ ويسألني: رح تأمن لي غرفة وحدي؟ لي ولأمي؟> التبس الأمر على مصطفى. يظن انني آت لإنقاذه مما هو فيه.
اشرح له أن كل ما اقدر على فعله هو ان اكتب قصته في الصحيفة وفيها أن مصطفى يريد غرفة وحده. يصمت ويظل ينظر فيّ. يعيد: <يومان تلاتة؟ بنطرك>.
أعيد كلامي واقول له إنني لا أقدر على أن أعده بشيء. ينظر إلي وتختفي ابتسامته. يقول إنه لا يقدر أن يعيش هنا. ثمة آخرون في الغرفة التي نزل فيها وأمه. هم غير مستعدين لتحمل واحد مثله.. لكن الناس تتحمل بعضها في مثل هذه الظروف يا مصطفى. <لا. مش يللي مثلي.. انا غير>.
أهرب من عينيه وأصعد إلى طوابق المدرسة. حين انزل، اجده جالساً عند الباب الخارجي. تعلق عيناه فيّ من جديد. يقول إنه ينتظرني. يقول أنه ليس منزعجاً من الناس. لكنه لا يريد أن يزعج هؤلاء. في كلماته القليلة افهم الحساسية المحقة لمن لا يريد أن يقتحم الآخرون حياته عن غير قصد منهم. تعوّد على وحدته. الآن خسرها كلها دفعة واحدة. الآن يعيش تحت وطأة مشاعره. ينظر إلي ويختنق. لا يريد أن يشرح. لكن الكلمات تفلت منه همساً: أنا غير. أمي تغيّر لي حفاضاتي. سمعتهم يقولون شو هل ريحة؟ انا بستحي. ما فيني عيش هون.. بدي غرفة وحدي>.
لا يريد أن يكون مكشوفاً إلى هذه الدرجة المرعبة. عمره خمسة وثلاثون عاماً. شلله الرباعي أفقده كل شيء مذ ولد، إلا إنسانيته ومشاعره وكرامته.
ظل مصراً. قال لي وأنا أغادر: <المهم ما تنساني حبيب قلبي>. عيناه الآن عالقتان على بلاط مدخل المدرسة.

مصطفى احمد
07-27-2006, 06:45 PM
أنا غير يرددها الانسان الحساس الذي يحس ان كل من حولة متظايقون منه .

نعم هناك اناس فيي مجتمعنا لا يحسون إلى الأخرين ولا يقدرون الانسان العاجز الذي لا حول له ولا قوة بل يقومون بالتلفظ بكلمات مهموسة يضنون انه لا يسمع شي والبعض الآخر حاول ان يسمع الطرف الآخر ما يود ان يقوله، لا يعلون أنه بقدرة قادر أحد ان يصبحو مثله ؟؟
الانسان ضعيف جدا لكنه متجبر تنسى نفسه انه خلق من تراب وسيعود إلى تراب .

دهن العود
07-27-2006, 10:29 PM
نعم .. هو غير ..

أسأل الله أن يسخر له عباده ..

أشكرك ِ أختي على نقل هذه المعاناة المؤلمة ..