تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : اتقوا الله فينا وفي تاريخنا وفي أمجاد أمتانا ذات العراقة التاريخية



حاتم ناصر الشرباتي
07-27-2006, 04:13 PM
اتقوا الله فينا وفي تاريخنا
وفي أمجاد أمتنا ذات العراقة التاريخية،


في مقال ورد في أحد المنتديات لكاتب مسلم بعنوان : الاستبداد السياسي ، خلافة راشدة أو ملكاً جبرية ؟



وكيف ذلك؟؟

ضحالتنا السياسية آتية من عدم اشتغال الأمة بشكل عام بالسياسة فالحكم كان بيد عوائل و طوائف

و التغيير السياسي و تداول السلطة عندهم كان معناها تدبير مآمرات و فتن يقتل فيها أفراد النظام السابق أو تنفصل فيها ولايات عن السلطة لتبدأ مرحلة جديدة من الاستبداد و التفرد بالحكم

انظر إلى التابعين أيام عثمان و معاوية و يزيد و أيام الممالك في الأندلس و الدويلات في شمال افريقيا و تاريخ المسلمين لثلاثة عشر قرن

لا تكاد تجد خطوة سياسية تدعو إلى الفخر و لا تكاد تجد كتاباً واحداً يبحث القضايا السياسية في الحكم بحثاً عميقاً

فالضحالة السياسية سمة من سمات المسلمين قديماً و حديثاً

.....


وبكل المرارة والحسرة أقول أنه حتى جورجي زيدان وفيليب حتى وطه حسين وسلامه موسى القبطي وقاسم أمين وعلي عبد الرازق ودار الهلال وكل مجموعة الحقد من أمثالهم أصحاب التخصص في تسويد سيرة المسلمين وتزوير تاريخهم والنيل من مجتمع الإسلام ومن المسلمين، ورغم كل أكاذيبهم وحقدهم فلم يصلوا درجة أن يصفوا المسلمين بهكذا أوصاف يندى له جبين من يندى جبينه. هل الضحالة السياسية سمة من سمات المسلمين قديماً و حديثاً .

ويحكم !! أهذا وصف مجتمع الاسلام قديماً وحديثاً، ضحالة سياسية ؟ ماذا بقي من أوصاف الاحتقار للمسلمين وتاريخهم لم يتناوله هذا الوصف، وممن ؟ من مسلم يشهد أن لا اله الا الله محمد رسول الله، الأحنف بن قيس وجولاته كانت ضحالة سياسية ؟ لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد سيوفنا ،كانت ضحالة سياسية ؟ اتق الله ياعمر ! كانت ضحالة سياسية ؟ نبحتني كلابك يا أمير المؤمنين ، أكانت ضحالة سياسية ؟ ماذا أبقى كاتب المقال للحاقدين والمشوهين لتاريخ الاسلام ليكتوبه ؟
اللهم لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه.

ولا يكاد الكاتب يجد خطوة سياسية تدعو إلى الفخر، بما في ذلك خطوات الخلفاء جميعاً في حمل الدعوة والفتوحات وارسال الكتب والرُّسُل والوفود والبعثات، ومحافظة الدولة الاسلامية على أن تكون في مصاف الدول الكبرى في العالم وفي مركز الدولة الأولى في أزمنة شتى !!!!!!

و لا يكاد الكاتب يجد كتاباً واحداً يبحث القضايا السياسية في الحكم بحثاً عميقاً،بما في ذلك : الأحكام السلطانية ، الخراج ، الفقيه والمتفقه ، حلية أبو نعيم، الأموال، المحلى ، اقتضاء الصراط المستقيم، اصلاح الراعي والرعية.................، وملايين كتب السلف المطبوع منها والمخطوط ، ومثلها من مواقف الرجال الرجال، كلها لا تدعوا للفخر في رأي كاتب الموضوع المنظر المختال، فماذا عنده يدعو للفخر ما دام الأمر عنده على ما وصف؟؟، فلا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.


أيها الأخوة الكرام
يا أحباب الله
إلى المختالين المتنطعين من كتابنا

اتقوا الله فينا وفي تاريخنا وفي أمجاد أمتنا ذات العراقة التاريخية، عمق في التفكير وسداد في الرأي، وايمان رشيد ، ومحاسبة حكام وأمر بمعروف ونهي عن المنكرات ، وتطبيق لأحكام الاسلام، وحمل الاسلام دعوة للعالمين بالجهاد تزال به الحواجز المادية أمام الدعوة، أكل هذا يطلق عليه ضحالة سياسية؟؟؟ أنها مكابرة ومغالطة يجب أن يرتدع عنها كل من ينادي بها جهالة او بغير جهالة.

لم يشهد العالم في تاريخه القديم والحديث تاريخاً مشرقاً كالتاريخ الاسلامي، ولا أمة سياسية تقود وتتقن القيادة كأمة الاسلام، صحيح أنه قد اعترى تاريخها محطات تراجع ومحطات أفول، الا أنها بالنهاية أمة سامية حملت مشعل الريادة والسياسة والقيادة على مدى ثلاثة عشر قرناً طاع لها فيها أباطرة وملوك العالم ودانوا لهم بالولاء، بالتأكيد لم يكن ذلك لضحالة سياسية ولا لتخلف رغم ما أشار له صاحب المقال من حصر الفئة الحاكمة بالتوراث العائلي البغيض والمذموم شرعاً، فماذا كان حال علوج الروم يا هذا ؟

والموضوع مطروح للنقاش الجاد.

وللبحث بقية

حاتم ناصر الشرباتي
07-27-2006, 04:16 PM
سؤال:
اين المقال ,, أو رابط المقال ؟

ليس هذا الطلب عدم ثقة , بل لنعود اليه لنأخذ الاقتباس من سياقه , و لنعرف اسم الكاتب , و نبحث عن اصوله و فصوله, ليكون نقدنا لما يكتبه شاملا , لا لجانب واحد من جوانب مقاله , مع أحقيتنا في التعليق و التعرض الى جانب واحد من جوانب مقاله , لكنا نريد الاستنارة, اي ان نفهم المقال في سياقه و في متعلقاته .



أخوتي الأحبة
بداية لا يعنينا من يكون الكاتب وأين كتب ما كتب، بل يعنينا محتوى الموضوع مع علمنا أن كاتبه مسلم.
ابتدأ الموضوع بما نشره الكاتب:




هذا الموضوع منقول من موضوع الديمقراطية والفصل بين السلطات: حقيقة أم محض تنظير؟ في القسم الفكري و الذي يدور حول محاولات الديمقراطية التخلص من الاستبداد السياسي بفصل السلطات الثلاث

و قدم فيه الكاتب نظرة بأن الإسلام يتغلب على مشكلة الاستبداد بالفصل بين الإنسان و التشريع

و نشأ موضوع جانبي عن هذا الموضوع بعنوان الخلافة و استقلال القضاء و آليات منع استبداد السلطة: حقيقة أم محض تنظير؟

طرح فيه أن الإسلام لم يعالج موضوع الاستبداد السياسي بشكل مباشر و إنما ترك الأمر للمسلمين ليعالجوه بالأحكام الشرعية المعروفة لديهم

و طرحت فيه بأن المسلمين طيلة قرون عانوا من الضحالة الفكرية السياسية و لم يعالجوا الموضوع الجوهري هذا منذ أن اتضح لهم بوضوح أيام أزمة عثمان بن عفان

و لكن المسلمين غلب على تعاطيهم للموضوع السيف و التآمر و الانقلاب و الانقسام

و تبنت السلطنة التركية العثمانية نظاماً برلمانياً على شكل النظام الأوربي لعدم تمكنهم من تقديم علاج ذاتي

و ها أنا أقول بأن المسلمين قد عانوا قروناً من الاستبداد السياسي يصول فيه الحكام و زمرهم و يجولون بلا مسائلة و لا محاسبة

و لن نقبل بعد بحاكم ينصب نفسه حاكماً مشرعاً و قاضياً في آن واحد

و عدم القبول هذا من شأنه أن يعطل مشروع الخلافة

و إن كان اجتماع السلطة بيد الخليفة مباحاً فليس كل مباح يناسب واقعنا

كيف و لم يناسب هذا المباح واقع المسلمين أيام عثمان ثالث الخلفاء؟

ثارت طائفة من المسلمبن و عجزت الدولة عن معالجة الموقف لتفرد الحاكم بالسلطات

و هكذا بدأت ثلاثة عشر قرناً من العجز السياسي

و المطلوب من هذا الموضوع البحث العقلي عن آليات سياسية للحيلولة دون الاستبداد

أقول البحث العقلي حيث أنه يعد العلم بالأحكام الشرعية ذات الصلة فليس البحث بحثاً شرعياً

و إنما هو بحث عقلي عما يمكن و يجوز تطبيقه من آليات عملية تضمن سلامة السير

و يا مرحباً بمشاركاتكم !


وبسؤال الكاتب :

و طرحت فيه بأن المسلمين طيلة قرون عانوا من الضحالة الفكرية السياسية

وكيف ذلك؟؟


أجاب:



ضحالتنا السياسية آتية من عدم اشتغال الأمة بشكل عام بالسياسة فالحكم كان بيد عوائل و طوائف

و التغيير السياسي و تداول السلطة عندهم كان معناها تدبير مآمرات و فتن يقتل فيها أفراد النظام السابق أو تنفصل فيها ولايات عن السلطة لتبدأ مرحلة جديدة من الاستبداد و التفرد بالحكم

انظر إلى التابعين أيام عثمان و معاوية و يزيد و أيام الممالك في الأندلس و الدويلات في شمال افريقيا و تاريخ المسلمين لثلاثة عشر قرن

لا تكاد تجد خطوة سياسية تدعو إلى الفخر و لا تكاد تجد كتاباً واحداً يبحث القضايا السياسية في الحكم بحثاً عميقاً

فالضحالة السياسية سمة من سمات المسلمين قديماً و حديثاً

ورداً على مشاركة في الموضوع :



علما بأن الاستبداد المشار إليه - إن وجد - لم يكن من نظام الخلافة بل قد يكون من سوء تطبيق أجزاء منه يتحمل مسؤوليتها بعض الخلفاء ومن أناط به الشارع أن يحاسبه وقصر

ويجيب الكاتب اياه:




الخليفة الثالث عجزت أجهزة دولته عن معالجة المشكلة

و لم يكن هذا قصوراً في الإسلام و لا سوء تطبيق من الخليفة

و إنما كان قصوراً في النظام

و علينا أن نتعلم من هذا القصور دروساً

فالأمة هي التي تتحمل مسؤولية الخطأ و تصحيحه (التي وصفهم المُشارك بمن أناط به الشارع أن يحاسبه وقصر)

و الخليفة إنما يحكمنا بسلطاننا الذي أعطيناه

فالحل هو في إلزام الخلفاء بشروطنا كما حصل ببيعة عثمان


أظن أنني قد أوضحت أبعاد الموضوع بما يكفي للحكم على الموضوع وما حواه، وأرى أن نقدنا يكون منتجاً حين حصره في ما ورد في الموضوع، فهو ما يهمنا من النقد. وأرى أنّ أسم الكاتب لا يهمنا في بحثنا بل يهمنا ما أورد من أفكار ومزاعم أرى فيها تشويه لتاريخ المسلمين وتحريف واضح للتاريخ
وبارك الله فيكم.

وللبحث بقية ان شاء الله
والبحث مطروح للنقاش الجاد

طالب عوض الله
07-27-2006, 04:24 PM
مشاركة من الأخ جابر
اولا اريد أن أبين لك انني أعاني نوعاً من التشتت في متابعة موضوعك هذا، وخاصة في التعقيب رقم 6 الموقع باسمك، لهذا فقد رأيت أنه من الأفضل العودة لمشاركتك رقم 1 وجعله الأساس الذي سأبني عليه في تعقيبي. وذلك على الرغم من أنني شعرت بالانزعاج من الكاتب الأصلي للمقال فأردت أن أشفي غليلي منه بتعرضي لتحليل شخصيته دون معرفة اسمه.

إذا نظرنا لواقع الدول والأنظمة اليوم فسنجد ما يلي:
1- أن الحكم بيد طوائف وعائلات أو بيد مجموعة شركات ومؤسسات يملكها أصحاب رؤوس أموال، والتغيير السياسي لديهم وتداول السلطة عندهم يكون بتدبير فضائح، وبرشاوى تدفع، وبمصالح تؤخذ بعين الاعتبار، وبأعمال شغب تخريبية يدفع فاتورتها الشعب، وباغتيالات سياسية أو بانقلابات عسكرية (ويمكن ذكر المزيد) . انظر إلى أمريكا أو بريطانيا أو إيطاليا أو اليابان أو روسيا أو فرنسا أوتركيا فإنك لا تكاد تجد أي عملية سياسية خارج هذه الأطر والأساليب. هذا ما نسمع به والمخفي اعظم !

2- الكتب والنظريات السياسية التي يعتمدها الساسة الغربيون اليوم هي كتب لا تعدوا عن كونها نظريات ميكيافيلية سادية داروينية فرويدية، مهما تغير اسلوبها ونمطها ومهما تغير كتابها سواء كانوا غربيين أو شرقيين وسواء كانوا سياسيين أو محللين !

3- وأمم وشعوب الأرض قاطبة هذا اليوم ماهم إلا مساكين مستحمرين، لا يشتغلون بالسياسة ولا يدركون معنى السياسة، لأنهم لا يكاد يشبعون انفسهم من شدة الفقر وبالتالي من كثرة العمل، فلا يوجد لديهم لا الوقت الكافي ولا المال اللازم لتعلم السياسة فضلا عن ممارستها، والذين يشتغلون في السياسة حالهم معلوم! (فهم إما فوق أو تحت)

وبالمقابل فإذا نظرنا إلى تاريخنا الاسلامي العريق فإنك تجد أروع الأمثلة للحياة السياسية التي صنعها المسلمون والذين مازالوا يمارسونها اليوم على الرغم من القهر والبطش التي تعانيها الأمة نتيجة تسلط حكام اليوم و (الذين يؤمنون بالفصل بين السلطات الثلاث).
قيض الله لي فرصة زيارة متحف الوثائق العثمانية في منطقة سوق ساروجة في مدينة دمشق، وهو متحف غير مفتوح إلا للباحثين (وأنا لست منهم)، فوجدت دفتراً كبيراً حجمه على وجه التقريب كان مترا ونصف طول في متر عرض بسماكة ما يقارب 1000 صفحة أو أكثر، فسألت الشخص الذي أدخلني للمتحف عن هذا الدفتر العملاق، فاجانبي: هذا سجل المحاكم العثمانية، كانت تنسخ على ثلاثة نسخ وترسل إلى اسلامبول واحدة وإلى بغداد واحدة وفي دمشق واحدة, كانوا يسجلون فيها كل الأحكام الصادرة في حق القضايا المرفوعة إلى القاضي، وأضاف: إنهم كانوا يقومون بهذا العمل في كل ولاية من ولايات الدولة، أي ينسخونها على نسخ ثلاث ويرسلونها إلى المدن الثلاث دمشق واسلامبول وبغداد، والسبب في ذلك (والكلام مازال له) انه في حال حصل شيء لسجل في بلد يكون هناك نسختين اخريين في مكانين مختلفين. انتهى كلام الاخ. أقول: (سبحان الله وهذا ماحصل بالسجلات في بغداد).

أقول (بعد هذا الاستطراد الجانبي حول موضوع السجلات العثمانية) : لو يطلع كاتب هذا المقال على تلك الوثائق لأدرك أنَّ ما يسميه هو اليوم (بالسلطة القضائية) التي كانت موجودة آنذاك، كان لها من السلطة والقدرة على محاسبة كل أحد اعتباراً من الخليفة أو السلطان ومروراً بالوالي أو قائد الجند ووصولاً إلى أصغر رجل من رعايا الدولة. فهل يربد أن أذكر له امثلة من ذلك التاريخ الناصع ؟ أم أن هذا الرجل يحتاج إلى تحليل لشخصيته أعمق من ذي قبل ؟!

جابر

----------
بارك الله في الأخ جابر حيث حلل فأجاد ، والواقع أن أحد المخلصين قد تناول الموضوع بالرد بالتفصيل اللازم :




http://naqed.info/forums/style_emoticons/default/bism.gif

كيف حال الشرع بين الحاكم والاستبداد؟


الكاتب : مفكر


من سنن الله في الكون التي لا تتأخّر، أن يقصم الظلمة وينتقم منهم، فكلما علا الظلم وتجبَّر وفشا الطغيان، جاء العقاب الإلهي العادل، فيحطُّ الظالمين وينتقم من المتجبرين، ويرفع المستضعفين، ويقيم العدل والإنصاف في الأرض. http://naqed.info/forums/style_emoticons/default/kta.gif: ] ﴿ وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ المَصِيرُ ﴾ [ [الحج: 48]، وقال أيضاً: ] ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [ [هود: 102]، وقـال عـزَّ من قائل: ] ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ المُفْسِدِينَ $ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ[ ﴾ [القصص: 4-5].

وكما انتقم الله من قوم نوح وعاد وثمود وفرعون وغيرهم، فإننا لا نشك أن الله سينتقم من ظَلَمَةِ اليوم الذين ملئوا الدنيا ظلماً وجوراً، يقتلون الرجال والنساء والأطفال والشيوخ ويُهلكون الحرث والنسل.

وكلما اشتدّ الظـلم، زاد شعورنا بـقرب الـفرج، ] ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ البَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ ﴾ [ [البقرة: 214]. لذلك فالأمة وهي تعاني من هذا الظلم والجبروت تتهيّأ لغدٍ مُشرقٍ يُبدلها الله فيه عدلاً بعد جورٍ ورخاءً بعد ضيقٍ، ويُكرمها بدولةٍ يُطبَّق فيها شرع الله ويُعَزُّ فيها المخلصون الأتقياء. والأمة تنتظر بشوق حاكماً مسلماً يمشي فيها بسيرة الخلفاء الراشدين فيحنو على ضعفائها وينتقم لهم ممن ظلموهم.

إلا أن أخشى ما تخشاه الأمة أن يتحول هذا الحلم الجميل إلى كابوسٍ مزعج، ويتحول هذا الخليفة الذي طالما انتظرته، بمجرد سيطرته على مقاليد الحكم إلى مستبدٍّ ظالمٍ على شاكلة حكام اليوم، لا همَّ لـه إلا تأمين مصالحه وتنمية ثروته وثروات حاشيته دون أدنى مراعاة لمصالح الناس. قال الشاعر:
ومن يَذُقْ لسعة الأفعى وإن سَلِمَتْ منها حشاشته يفزع من الرَّسَنِ [1]

ومما يغذي مخاوف الناس، المرتبة التي جعلها الله للحاكم، والصلاحيات الواسعة التي خوّلها لـه النظام الإسلامي. فقد أوجب الله على المسلمين طاعة ولي الأمر وربطها بطاعته، فhttp://naqed.info/forums/style_emoticons/default/kta.gif: ] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ [ [النساء: 59]، وحـذَّر مـن مغبّة مخالفة الإمام والخروج عنه وإن ظَلَمَ، قال r مُخبراً عمّا يجب فعلُه إذا عمّت الفتن: « فإن رأيت يومئذ خليفة الله في الأرض، فَالزَمْهُ وإن نَهَكَ جِسْمَكَ وَأَخَذَ مالك » [أحمد]. وقال r : « اسمعوا وأطيعوا وإن استُعمِل عليكم عبدٌ حبشيٌّ كأن رأسه زبيبةٌ » [البخاري]، وقال أيضاً: « من رأى من أميره شيئاً يكرهُه فَليَصْبِرْ، فإنه ليس أحدٌ يفارق الجماعةَ شبراً فيموتُ، إلا ماتَ ميتةً جاهليةً » [البخاري]. وعن أسيد بن حضير أن رجلاً من الأنصار خلا برسول الله r فقال: ألا تستعملني[2] كما استعملت فلاناً؟ فقال r : « إنكم سَتَلقَوْنَ بعدي أَثَرَةً، فاصبروا حتى تَلقَوْني على الحوض » [البخاري]. وعن علقمة بن وائل الحضرمي عن أبيه قال: سأل سلمة بن يزيد الجعفي رسول الله r فقال: "يا نبي الله، أَرَأَيْتَ إن قامت علينا أمراء يسألونا حقَّهم ويمنعونا حقَّنا فما تأمرنا؟" فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم سأله في الثانية أو في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس t ، وقال r : « اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حُمِّلوا وعليكم ما حُمِّلتُم » [مسلم].

وبما أن الخليفة هو المسؤول الأول والأخير عن كل ما يجري في الدولة، وحتى لا يُبْقِيَ لـه الشرع عذراً للتأخر عن قضاء مصالح الناس، فقد منحه الشارع صلاحياتٍ واسعةً في التسيير، وأعطاه صلاحية تعيين أو عزل كل مسئولي دوائر ومصالح الدولة (وزراء / ولاة / عمال / قضاة / أمراء الجيوش وقواد الألوية...) وهم كلُّهم مسئولون أمامه. وله صلاحية رسم سياسة الدولة الداخلية والخارجية وصرف الأموال وجبايتها وصلاحية تبني القوانين... كل هذا طبعاً ضمن حدود الأحكام الشرعية.

نعم، إن الأمر يقتضي البحث، فليس منّا من يقبل أن يتحول المنقذ الذي انتظرناه منذ عقود ولا زلنا ننتظره، إلى مستبدٍ جديد يفتك بنا ويُسْلِمنا إلى أعدائنا. ووجود هذا الاحتمال يوجب علينا أن نأخذ من الآن كل الاحتياطات، وأن نبحث سلفاً عن الوسائل الكفيلة بمنعه من أن ينحرف عن الجادّة.

وقبل البدء في بحث هذا الموضوع، يجب الإشارة إلى نقطتين:

1- إن التخوف الذي تُبديه الأمة هو ناتجٌ بالأساس وردة فعلٍ لما تعانيه من جور حكامها الحاليين. إلا أن الذي يجب الانتباه إليه أن الفرق بين هؤلاء الحكام والخليفة القادم إن شاء الله، هو أن الحكام الحاليين هم عملاء متآمرون، صنعهم الغرب المستعمر على عينه، واختارهم بعناية ليكونوا حرساً لـه على مصالحه، فهم لم يصلوا إلى كراسي الحكم عن مشورةٍ من المسلمين ورضىً منهم واختيار، بل فُرضوا فرضاً على الأمة. لذلك فهم خَدَمٌ لمن نصَّبهم وتَبَعٌ لهم فيما أرادوا، مهمتهم خدمة مصالح أسيادهم وتيسير استمرار إحكام قبضتهم على البلاد وخيراتها، ثم بعد ذلك خدمة مصالحهم الشخصية الضيقة. ومن أجل تحقيق هذه المصالح، لا يجدون ضيراً في قمع شعوبهم ومصادرة حقوقهم والتنكيل بهم. أما الحاكم في الإسلام، فهو فردٌ عادي من أبناء الأمة الغيورين، يفرح لفرحها ويألم لألمها، ليس لـه امتيازاتٌ خاصة ولا أية قدسية، يسري عليه ما يسري على باقي المسلمين، لـه ما لهم وعليه ما عليهم، والفرق الوحيد بينه وبين باقي أفراد الأمة أنه قد وقع عليه الاختيار من طرف الأمة، لما لمسته فيه من غيرةٍ على مصالحها، لكي ينوب عليها في تطبيق الأحكام الشرعية.

2- الصلاحيات التي منحها الله للخليفة هي أحكامٌ شرعيةٌ من رب العالمين، لذلك فلنا اليقين أن فيها مصلحةً للمسلمين وإن خَفِيَت علينا. ذلك أن الله I العليم بأحوال عباده، الخبير بما يضرهم وينفعهم لا يمكن أن يُشرِّع لنا حكماً إلا إذا كانت فيه مصلحة أكيدة، ولا يمكن أن يتسرب شكٌّ إلى عقل مسلمٍ أن تشريعاً إلهياً قد يجلب الضرر للعباد. لذلك، فإنه لا يجوز للمسلم أن يُشَكِّكَ في صلاحية الأحكام الشرعية، ولا أن يتردّد في الأخذ بها وتطبيقها، http://naqed.info/forums/style_emoticons/default/kta.gif: ] فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً [ [النساء: 65]، وقال أيضاً: ] وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً [ [الأحزاب: 36]. وينحصر دور المسلم في فهم واقع الأحكام الشرعية والاجتهاد في حسن تطبيقها.

وبالعودة إلى موضوعنا، فإننا نقول إن الذي أعطى للخليفة كل هذه الصلاحيات، لا بد أن يكون قد وضع من الضوابط ما يحول دون تحوله إلى مستبدٍّ يخرق القوانين ويستهتر بمصالح الناس. فما علينا إلا استقراء النصوص الشرعية لاستخراج هذه الضوابط.

وبالتمحيص في هذا الموضوع، نجد أن تَجَرُّأَ أي شخصٍ، حاكماً كان أم محكوماً، على خرق القوانين ناتجٌ عن أحد أمرين:

1- اقتناعه بخطأ القوانين، أو على الأقل عدم صلاحيتها لتنظيم علاقات الناس بما يكفل تحقيق مصالحهم.

2- أن يكون في أمانٍ من العقوبة، أو أن العقوبة في نظره تافهةٌ وغير رادعةٍ، وقد قالت العرب: "من أَمِنَ العقوبة، أساء الأدب".

أما الأمر الأول، فإن القوانين المُسَيِّرة للدولة الإسلامية هي أحكامٌ شرعيةٌ مستنبطةٌ من أدلتها التفصيلية (كتاب الله / سنة رسوله r/ إجماع / قياس)، لذلك فهي مرتبطةٌ مباشرةً بالعقيدة مما يمنحها قدسيةً تجعل أي مسلمٍ ذا إيمانٍ صحيحٍ واثقاً ثقة عمياء بصوابها وصلاحيتها لتنظيم علاقات الناس وخطأ أيّ نظام مُخالفٍ لها.

وأما الأمر الثاني، فإن الإسلام جعل للحاكم وازعين يمنعانه من الزيغ والانحراف:

وازع داخلي: وهو مخافة الله U. فالخليفة رجلٌ مسلمٌ، وليس علمانياً صنيعاً للغـرب، تربى في بيئةٍ إسـلاميةٍ على طاعة الله وحبِّ رسوله r، واختير لمنصب الخلافة بناءً على ما خَبِرَهُ الناس فيه من تقوى وورع وحسن تدبير. لا نقول إن الخليفة ملاكٌ لا يخطئ، ولكننا نقول إنه مسلمٌ تأبى عليه شخصيته الإسلامية أن يتمادى في الخطأ والمعصية إذا ذُكِّر. وقد جاءت نصوصٌ كثيرة تتوعَّد الحكام الظلمة بأشد العقاب وتحذرهم من غش رعيتهم. قال r: « ما من عبدٍ يسترعيه الله رعيةً، فلم يُحِطْها بِنُصْحِهِ، إلا لم يَجِدْ رائحة الجنة » [البخاري]، وقال أيضاً: « ما من والٍ يلي رعيةً من المسلمين، فَيَمُوتُ وهو غاشٌّ لهم، إلا حرَّم الله عليه الجنة » [البخاري].

وبالمقابل، فقد بشّر الله الحكام العادلين بثوابٍ لا يلحق أحداً غيرهم، قال r: « سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظلَّ إلا ظِلُّه: الإمام العادل... الحديث » [البخاري]. وقال أيضاً: « إِنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَلَى يَمِينِ الرَّحْمَنِ، وَكِلتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا » [النسائي].


وازع خارجي: ويتمثل في ثلاثة أشياء:

أ- المساءلة القانونية عبر محكمة المظالم.

ب- محاسبة الأمة عبر "مجلس الأمة".

ج- هيبة الأمة وقدرتها على فرض وجودها بجرأتها في محاسبة الحاكم.

أ- محكمة المظالم: هي محكمةٌ قرّرها الشرع وتختصُّ بالنظر في الدعاوى التي يكون فيها المُدَّعى عليه هو الخليفة أو أحد مسئولي الدولة، ويمثل هؤلاء أمامها بدون أية قدسية أو امتيازات خاصة، ويسري عليهم ما يسري على أيّ فردٍ من أفراد المسلمين. وهذه المحكمة مستقلةٌ تماماً عن سلطة الخليفة، وتصل صلاحيتها إلى حد عزل الخليفة في حال انتفت عنه أحد شروط الانعقاد (الإسلام / الرجولة / الحرية / العدالة – ضد الفسق - / العقل / الأهلية) أو أنه أخلَّ بشروط البيعة وعلى رأسها الحكم بكتاب الله وسنة رسوله r.

ب- مجلس الأمة: هو مجلسٌ مُكوَّنٌ من أشخاص تُـنيبهم الأمة عنها لمحاسبة الدولة على السياسات المتبعة داخلياً وخارجياً، ونقل مشاكل الناس وهمومهم، والإلحاح على الحاكم حتى يقضي مصالحهم.

ج- هيبة الأمة: قد يتساءل القارئ وهو يرى البرلمانات والمحاكم في بلداننا لا تتقاعس فقط عن القيام بدورها، بل ارتضت أن تكون مطيةً للحاكم لتلميعه وتمجيد سياساته الخرقاء، يتساءل عن الضمانات الموجودة لكي تقوم هاتان الهيئتان بالأدوار المنوطة بهما، فما الذي يضمن ألا يتواطأ مجلس الأمة مع الحاكم فيتقاعس عن أداء واجبه إما خوفاً من العقاب أو طمعاً في الهبات المالية؟ وما الذي يضمن ألا تتواطأ محكمة المظالم مع الحاكم فتسكت عن تجاوزاته؟!!

والجواب أن الضمان الوحيد هو هيبة الأمة، فهي الضامن ألا يستبدّ الحاكم، وهي الضامن ألا يتواطأ معه مجلس الأمة ومحكمة المظالم، وبها يستقوي المجلس والمحكمة على الحاكم، وإليها يأويان أن أحسا من الحاكم ميلاً عن الجادة ورغبةً في الضغط عليهما لغضِّ الطرف عن تجاوزاته.

إلا أن القارئ قد يتساءل مرةً أخرى: أين هي هيبة الأمة التي يمكن أن تردع الحاكم؟ وأين هي جرأتها التي تمكنها من الوقوف في وجهه ومحاسبته؟ فالأمة مغلوبةٌ على أمرها، مشغولةٌ بالجري وراء ما يسدُّ رمقها والحاكم يُنكِّل بها ليل نهار دون أن تحرك ساكناً.

والجواب مرة أخرى، أنه شتان بين الحالة التي ستكون عليها الأمة بعد قيام الدولة إن شاء الله وما هي عليه الآن. فوضع الأمة الآن غير عادي، وهو ناتجٌ عن وجود الحكام المستبدين الذين أفقروا الناس حتى يُشغلوهم بملاحقة اللقمة عن محاسبتهم، فإذا فكروا في الاعتراض أو الاحتجاج فإن السوط والسجّان لهم بالمرصاد ......................... يتبع

طالب عوض الله
07-27-2006, 04:27 PM
......................... ونبقى مع الأخ ( مفكر ) ،حيث يتابع في رده التوضيحي القيم ، وتحليله لواقع التشريعي الاسلامي للكيفية التي يجب أن يكون عليها مجتمع الاسلام ، والحصانات التي وضعت للمحافظة على مجتمع الاسلام وتقيد المسلمين بذلك، ورغم ذلك كان اصرار صاحب الموضوع على ما نقلنا رغم ذلك :

والسؤال الآن: كيف نصنع إذاً هيبة الأمة وكيف نحافظ عليها ونُـنَـمّيها ؟

إن البحث في كيفية صناعة الهيبة أو تنميتها يقتضي البحث ابتداءً في واقعها وماهيتها. والمقصود بالهيبة، هو رهبةٌ توجِدُها الأمة فيمن حولها تمنعهم من الانحراف ابتداءً، وتتجلى في قدرتها على التحرك في حال لمست انحرافاتٍ في سلوك الحاكم أو أيٍّ من أجهزة الدولة. ويُشترط في التحرك حتى يوجد الهيبة المطلوبة أربعة أمور نوردها مع ذكر المقاييس التي تمكن من التأكد من وجودها من عدمه:

1- الوعي: ومقياسه قدرة الأمة على تحديد ما الذي يمكن أن تتساهل فيه، وما الذي لا يجوز لها أن تتساهل فيه، وما الذي يجب أن تسترخص المهج في سبيله. وأهمية هذا الوعي تتجلى في كونه يمكنها من قطع الطريق على الحاكم إذا حاول أن يجرَّها إلى معارك جانبية وأمور ثانوية لجعلها تَغُضُّ الطرف عن الأمور العظام. وهذا الوعي لا يتأتى إلا إذا كانت الأمة مبصرةً لأهدافها، مُدركةً لحقيقة ما يجري على الساحة السياسية الداخلية والخارجية، مُطَّـلعةً على ما يُحاك من مؤامرات، مدركةً لخلفيات وأهداف ما يُـتَّخذ من قرارات، قد كوّنت مناعةً من الانسياق وراء الادعاءات أو المزايدات الكاذبة.

2- السرعة: ومقياسها قدرة الأمة على التحرك بمجرد إحساسها بالبوادر الأولى للانحراف، وليس بعد أن تقع الفأس في الرأس.

3- الكثافة: ومقياسها قدرة الأمة على التحرك بكل فئاتها وليس بفئةٍ دون أخرى.

4- الفعالية: ومقياسها قدرة الأمة على إدراك نقاط الضعف التي تمكنها من الضغط بفعالية، وقدرتها على الاستمرار في الضغط حتى بلوغ الهدف. فالتحرك ليس غايةً في حد ذاته، ولكن وسيلة لتحقيق الغاية وهي التأثير على الحاكم. لذلك فالتحرك لا يجوز أن يكون مبعثراً، كما لا يجوز أن يكون موجهاً إلى نقطة قوةٍ لا تؤلم الحاكم، بل يجب أن يكون مركزاً في اتجاه ما من شأنه التأثير على القرارات المتخذة.

هذا عن واقع الهيبة والشروط التي يجب أن تتوفر في الأمة لكي تكون عندها هيبة. فكيف نصنع هذه الهيبة وكيف ننميها؟

قبل بدء البحث ينبغي الإشارة، أن إشباع الحاجات الأساسية وهو الأمر الذي يشغل الأمة الآن، ويُذهب هيبتها، ويُذلُّها أمام حكامها، قد جعله الله حقاً مكفولاً لها في عنق الدولة. فقد ألزم الله الدولة بضمان هذه الحاجات (مأكل / مشرب / ملبس / مسكن / تعليم / طب / أمن) ضماناً تامّاً لكل فردٍ فردٍ من أبناء الأمة، وجعل على الدولة أن تشبع هذه الحاجات للأفراد دون فضلٍ منها ولا منة، ودون أن تستحق حتى مجرد الشكر على ذلك. ولا شك أن الأفراد إذا علموا أن حاجاتهم الأساسية مكفولةٌ لهم سلفاً فإن هذا يُجرِّئهم ويمنحهم هامشاً أكبر من الحركة ولا يُبقيهم أذِلَّـةً لحكامهم.

أما كيف تُصنع الهيبة، فإن ذلك يقتضي أمرين:

أ – وجود الأحزاب السياسية:

قلنا إن هيبة الأمة تتجلى في قدرتها على التحرك الواعي السريع الكثيف والفعال، والتحرك الواعي الفعال يقتضي فهماً صائباً للقرارات المتخذة من الحاكم، وإدراكاً لنقاط الضعف والقوة عنده والتي تُمكِّن من الضغط عليه ضغطاً كفيلاً بإرجاعه إلى الجادة. والتحرك السريع والكثيف يقتضي قدرةً تأطيرية واسعة للأمة، أي وجود رجال ذوي كلمة مسموعة لدى الأمة متغلغلين في جميع أوساطها قادرين على تحريكها.

والملاحظ لأحوال الشعوب يجد أن الفهم السياسي الصائب والقدرة التأطيرية الواسعة لا يمكن أن توجد إلا إذا وُجدت أحزابٌ سياسيةٌ حقيقيةٌ تملك حرية الحركة. فكيف نظر الإسلام إلى مسألة وجود الأحزاب السياسية؟

بالعودة إلى نصوص الوحي، نجد أن الله قد فرض على المسلمين إيجاد حزبٍ سيـاسيٍّ واحدٍ على الأقل، فـhttp://naqed.info/forums/style_emoticons/default/kta.gif: ] وَلتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ [ [آل عمران: 104]، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عملٌ سياسي، والأمر بإيجاد جماعةٍ مكلفةٍ بهذا العمل هو أمرٌ بإيجاد حزبٍ سياسي. ولما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةً شرعية، وكان القيام بهذا الفرض على الوجه الأكمل لا يتسنى إلا من خلال جماعات أو تكتلاتٍ أو أحزابٍ قائمة على هذا الأساس، كان حكم إيجاد هذه الجماعات كحكم ما يجب أن توجد من أجله، أي أن حكم إيجاد الجماعة كحكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سواءً بسواء، وذلك من باب "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب". وحيث إنه ثبت أن إيجاد هذه الجماعات فرضٌ، فإنه يحرم على الحاكم شرعاً اشتراط الإذن المسبق لإنشائها لأنه يكون ربطاً لأداء ما افترضه الخالق بإذن المخلوق، ولو جاز ذلك لجاز للحاكم مثلاً اشتراط الإذن للصلاة أو الزكاة أو باقي الفرائض. http://naqed.info/forums/style_emoticons/default/kta.gif واصفاً تَجَبُّر فرعون لما اشترط حصول السّحرة على إذنه قبل أن يؤمنوا بالله : ] قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي المَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ [ [الأعراف: 123].
إلا أن وجود هذه الأحزاب في حدِّ ذاته غير كافٍ إلا إذا كان لديها هامشٌ واسعٌ للحركة وحصانةٌ من ترهيب الحاكم ومضايقاته. وهنا أيضاً نجد أن الشرع قد تدخَّل وضمن هذا الشرط، فقد حرّم الله على الحكام التجسُّس على المسلمين وتَتَبُّع عوراتهم، http://naqed.info/forums/style_emoticons/default/kta.gif: ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [ [الحجرات: 12]، وحرّم الشرع الاعتقال دون تهمة، وحرّم التعذيب. قال r: « إن الله يُعذِّب الذين يُعَذِّبون النّاس في الدنيا » [مسلم وابن حبان]، وقال أيضاً: « صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ... الحديث » [مسلم وأحمد].

وعليه يكون الشرع قد ضمن وجود الأحزاب السياسية، وضمن لها هامشاً واسعاً من حرية الحركة يخولها مناقشة كل القضايا السياسية دون رقيبٍ من أجهزة المخابرات، ووجود هذه الأحزاب السياسية كما رأينا كفيلٌ بإيجاد الوعي والفهم السليمين لدى الأمة.

كما شرع الله بالإضافة إلى ما سبق مناسباتٍ مثل الحج والعمرة والجهاد في سبيل الله يلتقي فيها المسلمون من شتى بقاع الأرض فيما يشبه المؤتمرات العالمية، يستطيعون فيها مناقشة أمورهم وتبادل الخبرات فيما يعود بالنفع عليهم. كما شرع خُطَبَ الجُمَعِ ودروس المساجد، كمواعيد أسبوعية ويومية ثابتة، وشرع المواعظ والدروس حيثما وُجِد تجمُّعٌ للمسلمين كمناسبات الزواج أو العقيقة أو المآتم، ... كل هذه المناسبات هي في واقعها منابر سياسية وعلمية يتباحث فيها المسلمون مشاكلهم اليومية، وتعمل على رفع درجة الوعي عندهم.

والمراقب لأحوال الشعوب، يجد أن من بين الأسباب الرئيسية التي تساهم في تدني مستوى الوعي عندها هو تدني مستوى القضايا المطروحة التي ينشغل بها الناس. فالأمة مشغولةٌ الآن بنجمة "السوبر ستار" أو "الستار أكاديمي"، وبالفن والفنانين، وبآخر ألبوم للفنانة الفلانية وآخر فيلم للفنان العلاني، أو آخر موضة في الملابس والرقص وتسريحات الشعر، أو بالرياضة وبآخر "انتصارات" الفريق الفلاني وعدد الأهداف التي سجلها "البطل" العلاني.

ولا شك أن انشغال الناس بهذه الأمور التافهة يوجد هذا التدني في مستوى الوعي. بالمقابل، فإن سمو القضايا المطروحة وعمقها يوجد الوعي لدى الأمة وينمّيه عند كل شرائح المجتمع. لذلك فالدولة الإسلامية تمنع الانشغال بسفاسف الأمور، وتحظر كل ما من شأنه إشاعة الميوعة والانحلال، وهي كما وصف الشاعر:

نَفُورٌ عن سفاسف كُـلِّ أمــرٍ وعن ما لا يليق به شَرودُ ([3])

ولرفع مستوى الوعي لدى الأمة، تتقصّد الدولة طرح قضايا هامّة للنقاش، وتعمل على إشراك كل شرائح المجتمع في الحوار حتى تَعُمَّ الفائدة ويرقى مستوى الوعي لديها. فتصوّر لو أن همَّ المجتمع كله انتقل من "آخر أغنية" و "آخر موضة" إلى التفكير في كيفية فتح القارة الأميركية، وأنجع السبل لفتح روما، وكيفية إدخال الإسلام إلى أدغال أفريقيا والأمازون، والقضاء على المجاعة في العالم... وقضايا من هذا القبيل.

وقد نقلت لنا كتب التاريخ أمثلةً كثيرةً على تأثير الأجواء العامة السائدة ومستوى القضايا المطروحة على مستوى الأفراد، كما نقلت لنا كيف ثؤثر تلك الأجواء حتى في الأطفال فيظهر الرقي عليهم منذ نعومة أظفارهم، فقد حاسب طرفة بن العبد وهو ابن ثماني سنين شاعراً في مجلس الملك على خطأ لغوي دقيقٍ ورد في بيتٍ من أبياته. وقاد أسامة بن زيد http://naqed.info/forums/style_emoticons/default/ram.gifا جيشاً وهو ابن سبع عشرة سنةً، وبلغ محمد بن القاسم بجيشه حدود الصين وهو في نفس العمر، وتوغّل هارون الرشيد وهو ابن ست عشرة سنةً في أرض الروم وحقّق فيها انتصاراتٍ عظيمةً وفاوض ملكتهم وأخضعها لشروط مُذِلَّةٍ.
نقلت كتب التاريخ أن معاوية بن أبي سفيان كان ذا عَجُزٍ ([4]) وهو طفلٌ، وكانت العرب تتفاءل بهذا وتعتقد أنه علامةٌ على سيادةٍ سيُصيبها الطفل. فاستوقف أعرابيٌّ يوماً أمه هند بنت أبي عتبة وهي تقود ابنها في أحد شوارع مكة، فقال لها: "ابنُك هذا سيكون لـه شأنٌ، وليسودنَّ قومه"، فأجابت: "لئن لم يَسُدْ إلا قومه، فأماته الله!". وبالفعل، فقد صدقت نبوءة أُمِّه وساد معاوية بن أبي سفيان العرب والعجم، وجواب أمّه يُنبئك عن سمو القضايا المطروحة وعلوِّ الأهداف المرسومة وعن تأثير ذلك على طبيعة الجيل الناشئ.

ب – جرأة على المحاسبة رغم الأذى:

قلنا سابقاً إن مصدر الجرأة أمران: اقتناعٌ بالصلاحية واستهتارٌ بالعقاب، وهذان الأمران مجتمعان في الأمة الإسلامية. فهي مقتنعةٌ بأن الأحكام الشرعية هي وحدها الصالحة لرعاية علاقاتها وضمان مصالحها، لذلك فهي لا ترضى عنها بديلاً. وأما عقاب الحاكم، فهي تعلم أن ما أصابها لم يكن لِـيُخطئها، وأن ما أخطأها لم يكن ليصيبها، وهي تحتسب أجر ما تلاقيه عند الله I، وتطمع في الأجر والثواب الذين أعدّهما الله U لمن يتصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحكام. قال r : « سَيِّدُ الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فَأَمَرَهُ ونَهَاهُ، فَقَتَلَهُ » [الحاكم والطبراني]. وقال أيضاً: « ألا لا يمنعنَّ رجلاً مهابةُ الناس أن يقول بالحق إذا عَلِمَه، ألا أن لِكُلِّ غادرٍ لواءٌ يوم القيامة بقدر غدرته، ألا وأن أكبر الغدر غدر إمام عامة، ألا وإن الغادر لواؤه ثم ([5]) إسته، ألا وأن أفضل الجهاد كلمة حَقٍّ ثم سلطانٍ جائرٍ » [الحاكم]، والأمة تخشى كذلك عقاب ربِّ العالمين الذي أعدَّه للساكتين عن الظلم، قال r: « كلا والله لَتَأْمُرُنَّ بالمعروف، ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر، ولَتَأْخُذُنَّ على يدي الظالم، ولَتَأْطُرُنَّهُ على الحق أَطْراً، ولَتَقْصُرُنَّه على الحق قَصْراً » [أبو داود والبيهقي]، وقال أيضاً: « والذي نفسي بيده، لَتَأْمُرُنَّ بالمعروف، ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو لَيُوشِكَنَّ الله أن يَبْعَثَ عليكم عقاباً منه، ثم تَدْعُونَهُ فلا يُستجابُ لكم » [الترمذي وأحمد].

وهذه الأحاديث لن تظل محبوسةً في صدور الكتب كما هو الحال الآن، بل ستُعلَّق في الساحات والميادين العامة، وتُدرَّس في المدارس والجامعات، ويتعلّمها القاصي والداني، ويُدفع الناس دفعاً للعمل بها.

وباختصار ما سبق نقول:

وجود الأحزاب السياسية القوية + حرية الحركة + سمو القضايا المطروحة + الجرأة على المحاسبة =هيبة الأمة
بقيت حالةٌ واحدةٌ وهي أن يتمادى الحاكم في غَـيِّه رغم كل تحركات الأمة، ويضربَ بثوابتها عرض الحائط ، ويرتكبَ ما يُوجِب عزلَه ويرفضَ الامتثال لحكم محكمة المظالم، أو أن تتواطأ معه المحكمة والمجلس على ظلمه، فماذا يكون العمل حينها؟

والجواب أن الشارع أوجب على الأمة حينها القفز فوق كل الحواجز والانتفاض عليه وعزلَه ولو بقوة السلاح. روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال: دَعَانَا النَّبِيُّ r فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ. وقال r: « خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ. وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلعَنُونَهُمْ وَيَلعَنُونَكُمْ. قَالُوا، قُلنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَـلا نُـنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّـلاةَ، لا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلاةَ »[مسلم]. وإقامة الصلاة كنايةٌ عن إقامة الدين من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه. والحديثان يُبينان أن النهي عن منازعة الحكام أو منابذتهم السيف مشروطٌ بإقامتهم لأحكام الإسلام وعدم إتيانهم ما قام الدليل القاطع على أنه كفر بواح. فإذا فعلوا ذلك ارتفع النهي وَوَجَبَ على الأمة حينئذ عزلهم ولو اقتضى الأمر اللجوء إلى السلاح.

لهذا نقول إن الإسلام كما وسَّع صلاحيات الخليفة، فقد وضع من الضوابط ما هو كفيلٌ بلجمه عن الانحراف أو الاستبداد.

نسأل الله أن يعجل لنا بقيام دولة الخلافة التي تضع موضع التطبيق أحكام الشرع، فترفع عن المسلمين وعن البشرية كافة، هذا الضنك والذل الذي تعاني منه.
-------------------------------------

[1] الرسن: الحبل.

[2] تستعملني: تجعلني عاملاً.

[3] شَرود: صيغة مبالغة من شرد، أي هرب.

[4] ذا عجز: العَجُز: المؤخرة، والمقصود أن مؤخرته كانت كبيرة.

[5] ثم: عند.

حاتم ناصر الشرباتي
07-27-2006, 04:29 PM
وأظن أنني قدتمّ توضيحخ أبعاد الموضوع بما يكفي للحكم على الموضوع وما حواه

وأرى أن نقدنا يكون منتجاً حين حصره في ما ورد في الموضوع بغض النظر عن هوية الكاتب.

فهو ما يهمنا من النقد. اساءة مسلم موحد بالله لعراقة أمته المجيدة وتاريخها المُشرق .

وأرى أنّ أسم الكاتب لا يهمنا في بحثنا بل يهمنا ما أورد من أفكار ومزاعم أرى فيها تشويه لتاريخ المسلمين وتحريف واضح .

ومن هذا المنطلق ننطلق بنقدنا لهذا التوجه الخطير.

ويا فوز من أتقى الله في القول والعمل، وتُعساً لمن كابر واختال ولم يُنصف ولم يراعي تقوى الله.

حاتم ناصر الشرباتي
07-28-2006, 06:14 AM
استمزجت رأي عدد من الأخوة حول الكاتب وما كتب فجائني التالي :

الأخ جابر يقول:
أريد أن أعقب على هذا الموضوع بتحليل لواقع الكاتب كما أتصوره. فالكاتب لا يخرج عن كونه أحد أو أكثر من إحدى الشخصيات الثلاثة التالية:ا
الأول أن أنه جاهل بالتاريخ فهو لا يملك معلومات عن تاريخ المسلمين ولم يقرأ لهم، وهذا ما أستبعده لأنه ينفي أن يكون للمسلمين باع في السياسة، فهو إذا لديه معلومات عن التاريخ الاسلامي العريق، ولكنه لم يقع على الأبعاد السياسية لذلك التاريخ.
والثاني أنه رجل يدرك معنى السياسة ولكنه مفتون بالحضارة الرأسمالية ومعجب بالديموقراطية فهو رجل يستحق الشفقة
والثالث أنه رجل حقود أو أنه أجير يأخذ أجراً على ما يكتب،



ابومحمدالحسيني يقول:
السلام عليكم بارك الله فيكم اخواني طالب عوض الله وجابر

ذكر اخي جابر بوصف الكاتب يانه جاهل ويريد ان يكمل فاحببت ان اضيف شيء بان الكاتب اما معمي قلب اي ختم الله على قلبة

وبصرة كما تفضل اخي طالب او من معاول الهدم عن اصرار وترصد . وننتظر تكملة اخي جابر ,

لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم .




أبو الجرّاح يقول:
اين المقال ,, أو رابط المقال ؟

ليس هذا الطلب عدم ثقة , بل لنعود اليه لنأخذ الاقتباس من سياقه , و لنعرف اسم الكاتب , و نبحث عن اصوله و فصوله, ليكون نقدنا لما يكتبه شاملا , لا لجانب واحد من جوانب مقاله , مع أحقيتنا في التعليق و التعرض الى جانب واحد من جوانب مقاله , لكنا نريد الاستنارة, اي ان نفهم المقال في سياقه و في متعلقاته .

والأخ جمال الشرباتي يسأل كاتب المقال:
و طرحت فيه بأن المسلمين طيلة قرون عانوا من الضحالة الفكرية السياسية

وكيف ذلك؟؟


وأظن أنني قد أوضحت أبعاد الموضوع بما يكفي للحكم على الموضوع وما حواه، وأرى أن نقدنا يكون منتجاً حين حصره في ما ورد في الموضوع، فهو ما يهمنا من النقد. وأرى أنّ أسم الكاتب لا يهمنا في بحثنا بل يهمنا ما أورد من أفكار ومزاعم أرى فيها تشويه لتاريخ المسلمين وتحريف واضح للتاريخ
وبارك الله فيكم.


وبعد التوضيح المثبت
هل لديكم ما تصيفون ؟

طالب عوض الله
07-29-2006, 06:10 AM
ب – جرأة على المحاسبة رغم الأذى:

قلنا سابقاً إن مصدر الجرأة أمران: اقتناعٌ بالصلاحية واستهتارٌ بالعقاب، وهذان الأمران مجتمعان في الأمة الإسلامية. فهي مقتنعةٌ بأن الأحكام الشرعية هي وحدها الصالحة لرعاية علاقاتها وضمان مصالحها، لذلك فهي لا ترضى عنها بديلاً. وأما عقاب الحاكم، فهي تعلم أن ما أصابها لم يكن لِـيُخطئها، وأن ما أخطأها لم يكن ليصيبها، وهي تحتسب أجر ما تلاقيه عند الله I، وتطمع في الأجر والثواب الذين أعدّهما الله U لمن يتصدى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاسبة الحكام. قال r : « سَيِّدُ الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجلٌ قام إلى إمامٍ جائرٍ فَأَمَرَهُ ونَهَاهُ، فَقَتَلَهُ » [الحاكم والطبراني]. وقال أيضاً: « ألا لا يمنعنَّ رجلاً مهابةُ الناس أن يقول بالحق إذا عَلِمَه، ألا أن لِكُلِّ غادرٍ لواءٌ يوم القيامة بقدر غدرته، ألا وأن أكبر الغدر غدر إمام عامة، ألا وإن الغادر لواؤه ثم ([5]) إسته، ألا وأن أفضل الجهاد كلمة حَقٍّ ثم سلطانٍ جائرٍ » [الحاكم]، والأمة تخشى كذلك عقاب ربِّ العالمين الذي أعدَّه للساكتين عن الظلم، قال r: « كلا والله لَتَأْمُرُنَّ بالمعروف، ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر، ولَتَأْخُذُنَّ على يدي الظالم، ولَتَأْطُرُنَّهُ على الحق أَطْراً، ولَتَقْصُرُنَّه على الحق قَصْراً » [أبو داود والبيهقي]، وقال أيضاً: « والذي نفسي بيده، لَتَأْمُرُنَّ بالمعروف، ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر، أو لَيُوشِكَنَّ الله أن يَبْعَثَ عليكم عقاباً منه، ثم تَدْعُونَهُ فلا يُستجابُ لكم » [الترمذي وأحمد].

وهذه الأحاديث لن تظل محبوسةً في صدور الكتب كما هو الحال الآن، بل ستُعلَّق في الساحات والميادين العامة، وتُدرَّس في المدارس والجامعات، ويتعلّمها القاصي والداني، ويُدفع الناس دفعاً للعمل بها.

وباختصار ما سبق نقول:

وجود الأحزاب السياسية القوية + حرية الحركة + سمو القضايا المطروحة + الجرأة على المحاسبة =هيبة الأمة
بقيت حالةٌ واحدةٌ وهي أن يتمادى الحاكم في غَـيِّه رغم كل تحركات الأمة، ويضربَ بثوابتها عرض الحائط ، ويرتكبَ ما يُوجِب عزلَه ويرفضَ الامتثال لحكم محكمة المظالم، أو أن تتواطأ معه المحكمة والمجلس على ظلمه، فماذا يكون العمل حينها؟

والجواب أن الشارع أوجب على الأمة حينها القفز فوق كل الحواجز والانتفاض عليه وعزلَه ولو بقوة السلاح. روى البخاري عن عبادة بن الصامت قال: دَعَانَا النَّبِيُّ r فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ. وقال r: « خِيَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ. وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمْ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلعَنُونَهُمْ وَيَلعَنُونَكُمْ. قَالُوا، قُلنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَـلا نُـنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّـلاةَ، لا مَا أَقَامُوا فِيكُمْ الصَّلاةَ »[مسلم]. وإقامة الصلاة كنايةٌ عن إقامة الدين من باب تسمية الشيء بأبرز ما فيه. والحديثان يُبينان أن النهي عن منازعة الحكام أو منابذتهم السيف مشروطٌ بإقامتهم لأحكام الإسلام وعدم إتيانهم ما قام الدليل القاطع على أنه كفر بواح. فإذا فعلوا ذلك ارتفع النهي وَوَجَبَ على الأمة حينئذ عزلهم ولو اقتضى الأمر اللجوء إلى السلاح.

لهذا نقول إن الإسلام كما وسَّع صلاحيات الخليفة، فقد وضع من الضوابط ما هو كفيلٌ بلجمه عن الانحراف أو الاستبداد.

نسأل الله أن يعجل لنا بقيام دولة الخلافة التي تضع موضع التطبيق أحكام الشرع، فترفع عن المسلمين وعن البشرية كافة، هذا الضنك والذل الذي تعاني منه.



لكل ما مرّ فلا يجادل بأن كاتب المزاعم الواردوة من الاستبداد السياسي والضحالة الفكرية، هو كاتب واعٍ ويعلم بالتأكيد أن الحقيقة غير ما زعم، ولكنه مخبول بالتأكيد بمركب نقصة ومرض جنون العظمة. والله أعلم.

طالب عوض الله
08-13-2006, 07:28 PM
مشاركة الأخ جابر:

الأخ طالب عوض الله بارك الله بك
اولا اريد أن أبين لك انني أعاني نوعاً من التشتت في متابعة موضوعك هذا، وخاصة في التعقيب رقم 6 الموقع باسمك، لهذا فقد رأيت أنه من الأفضل العودة لمشاركتك رقم 1 وجعله الأساس الذي سأبني عليه في تعقيبي. وذلك على الرغم من أنني شعرت بالانزعاج من الكاتب الأصلي للمقال فأردت أن أشفي غليلي منه بتعرضي لتحليل شخصيته دون معرفة اسمه.

إذا نظرنا لواقع الدول والأنظمة اليوم فسنجد ما يلي:
1- أن الحكم بيد طوائف وعائلات أو بيد مجموعة شركات ومؤسسات يملكها أصحاب رؤوس أموال، والتغيير السياسي لديهم وتداول السلطة عندهم يكون بتدبير فضائح، وبرشاوى تدفع، وبمصالح تؤخذ بعين الاعتبار، وبأعمال شغب تخريبية يدفع فاتورتها الشعب، وباغتيالات سياسية أو بانقلابات عسكرية (ويمكن ذكر المزيد) . انظر إلى أمريكا أو بريطانيا أو إيطاليا أو اليابان أو روسيا أو فرنسا أوتركيا فإنك لا تكاد تجد أي عملية سياسية خارج هذه الأطر والأساليب. هذا ما نسمع به والمخفي اعظم !

2- الكتب والنظريات السياسية التي يعتمدها الساسة الغربيون اليوم هي كتب لا تعدوا عن كونها نظريات ميكيافيلية سادية داروينية فرويدية، مهما تغير اسلوبها ونمطها ومهما تغير كتابها سواء كانوا غربيين أو شرقيين وسواء كانوا سياسيين أو محللين !

3- وأمم وشعوب الأرض قاطبة هذا اليوم ماهم إلا مساكين مستحمرين، لا يشتغلون بالسياسة ولا يدركون معنى السياسة، لأنهم لا يكاد يشبعون انفسهم من شدة الفقر وبالتالي من كثرة العمل، فلا يوجد لديهم لا الوقت الكافي ولا المال اللازم لتعلم السياسة فضلا عن ممارستها، والذين يشتغلون في السياسة حالهم معلوم! (فهم إما فوق أو تحت)

وبالمقابل فإذا نظرنا إلى تاريخنا الاسلامي العريق فإنك تجد أروع الأمثلة للحياة السياسية التي صنعها المسلمون والذين مازالوا يمارسونها اليوم على الرغم من القهر والبطش التي تعانيها الأمة نتيجة تسلط حكام اليوم و (الذين يؤمنون بالفصل بين السلطات الثلاث).
قيض الله لي فرصة زيارة متحف الوثائق العثمانية في منطقة سوق ساروجة في مدينة دمشق، وهو متحف غير مفتوح إلا للباحثين (وأنا لست منهم)، فوجدت دفتراً كبيراً حجمه على وجه التقريب كان مترا ونصف طول في متر عرض بسماكة ما يقارب 1000 صفحة أو أكثر، فسألت الشخص الذي أدخلني للمتحف عن هذا الدفتر العملاق، فاجانبي: هذا سجل المحاكم العثمانية، كانت تنسخ على ثلاثة نسخ وترسل إلى اسلامبول واحدة وإلى بغداد واحدة وفي دمشق واحدة, كانوا يسجلون فيها كل الأحكام الصادرة في حق القضايا المرفوعة إلى القاضي، وأضاف: إنهم كانوا يقومون بهذا العمل في كل ولاية من ولايات الدولة، أي ينسخونها على نسخ ثلاث ويرسلونها إلى المدن الثلاث دمشق واسلامبول وبغداد، والسبب في ذلك (والكلام مازال له) انه في حال حصل شيء لسجل في بلد يكون هناك نسختين اخريين في مكانين مختلفين. انتهى كلام الاخ. أقول: (سبحان الله وهذا ماحصل بالسجلات في بغداد).

أقول (بعد هذا الاستطراد الجانبي حول موضوع السجلات العثمانية) : لو يطلع كاتب هذا المقال على تلك الوثائق لأدرك أنَّ ما يسميه هو اليوم (بالسلطة القضائية) التي كانت موجودة آنذاك، كان لها من السلطة والقدرة على محاسبة كل أحد اعتباراً من الخليفة أو السلطان ومروراً بالوالي أو قائد الجند ووصولاً إلى أصغر رجل من رعايا الدولة. فهل يربد أن أذكر له امثلة من ذلك التاريخ الناصع ؟ أم أن هذا الرجل يحتاج إلى تحليل لشخصيته أعمق من ذي قبل ؟!

طالب عوض الله
08-13-2006, 07:29 PM
أقول (بعد هذا الاستطراد الجانبي حول موضوع السجلات العثمانية) : لو يطلع كاتب هذا المقال على تلك الوثائق لأدرك أنَّ ما يسميه هو اليوم (بالسلطة القضائية) التي كانت موجودة آنذاك، كان لها من السلطة والقدرة على محاسبة كل أحد اعتباراً من الخليفة أو السلطان ومروراً بالوالي أو قائد الجند ووصولاً إلى أصغر رجل من رعايا الدولة. فهل يربد أن أذكر له امثلة من ذلك التاريخ الناصع ؟ أم أن هذا الرجل يحتاج إلى تحليل لشخصيته أعمق من ذي قبل ؟!

بارك الله في الأخ جابر....
هل من ردود أخرى ؟

حاتم ناصر الشرباتي
08-29-2006, 10:51 AM
لماذا تاريخ الإسلام وحده هو الذي درسناه مشوهًا ممزقًا ؟



إن كنتَ في شكٍّ من هذا فاختبر نفسك، واختبر من حولك، حاول أن تذكر كلمة (التاريخ الإسلامي)، وانظر إلى ما تثيره في النفوس، وارقب ما يسميه علماء النفس (تداعي المعاني)، أية معانٍ ستتوارد على الخواطر!! وأية صور ستحضر في الأذهان!! وأية مشاعر ستتحرك في الوجدان!!
ولقد عمَّ ذلك وطمَّ ، حتى إنه لم يسلم منه أحد إلا من رحم ربك وقليل ما هم.

الصورة المشوهة للتاريخ الإسلامي
ذلك أنك إذا ذكرت التاريخ الإسلامي، فأسرع ما يقفز إلى الذهن:

- ما تحفظه من اتهامات لعثمان بن عفان - رضي الله عنه - بأنه كان يولِّي أقاربه إمارة الأقاليم ويحكِّمهم في رقاب العباد، ويطلق يدهم في مال الأمة، و لما ثار الصحابي الجليل أبو ذرٍّ على هذه السياسة، غضب عليه عثمان، ونفاه إلى الربذة.

- ثم حصار الثوار لعثمان وقتلهم له وهو يتلو في المصحف.

- وما صار يُضرب به المثل من نصب معاوية لقميص عثمان الملطخ بالدماء في المسجد، واحتياله بذلك حتى لا يبايع عليًّا - رضي الله عنه - ومن أجل الملْك العضوضِ أشعل حربًا ظالمة على الخليفة الراشد عليّ بن أبي طالب، فكانت معركة (الجمل) و(صفّين).

- ثم مسرحية التحكيم الهزلية، وما تجلّى فيها من منتهى الغفلة والبلاهة، في مقابلة منتهى النصب والاحتيال.

- وقُضي الأمر باستيلاء معاوية على الحكم، وتحويل الخلافة الراشدة إلى قيصرية هرقلية، أخذ فيها معاوية البيعة لابنه يزيد قهرًا تحت تهديد السلاح.

- صورة يزيد بخمرياته وفسقه، ولهوه، ولعبه بقروده وكلابه، وسنواته الثلاث السود إلى قتل فيها الحسين، وغزا المدينة المنورة، وأباحها لجنوده، وهدم الكعبة.

- ثم يأتي الحجاج وجبروته، و ظلمه، وقتله ابن الزبير، وضرْبه الكعبة بالمنجنيق.

- ويحاول عمر بن عبد العزيز تصحيح الأوضاع، فيموت مسمومًا.

- ثم تدور الدائرة على بني أمية وتسقط دولتهم بسبب ظلمهم وفسادهم، وعنصريتهم المتعصبة للعرب.

- وأما العباسيون، فأولهم الذي استفتح دولتهم أبو العباس السفاح، ومن أبرز ما نذكره عنهم ضَرْب الأئمة، أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وخمريات الرشيد، وسرفه، وعبثه، ونواسياته، ثم محنة الفقهاء وأهل الحديث في عصر المأمون، ثم سيطرة الفرس على الدولة - لأنهم هم الذين الذين صنعوها - ولعبهم بالخلفاء، حتى جاء التتار، وكان ما كان، وسقطت الخلافة.

- ثم جاء عصر المماليك، جهلة يملكون سيفًا قويًّا يستخدمونه حينًا ضد العدو دفاعًا عن الإسلام، وأحيانًا ضد بعضهم البعض، ودائمًا ضد الشعب.

- ثم جاء العثمانيون، فكان الجهل والظلام، والقضاء على الحضارة والصنائع والفنون، وإذلال العنصر العربي بالعجرفة التركية التي ما برحت مضرب الأمثال.

- أما الأندلس، فقد غرق ملوكها في الترف، ودارت برؤوسهم الكاس والطاس، فقاتل بعضهم بعضًا، بل تحالف بعضهم مع الصليبيين ضد إخوانهم، فكانت النهاية المأسوية التي انتهت بإبادة المسلمين وخروج الإسلام من الأندلس.
هذه معالم تاريخ الإسلام التي استقرَّت في بؤرة شعور مثقفينا عامة.

قد يقول قائل: وأين ما يتعلمه أبناؤنا عن انتصارات المسلمين وفتوحاتهم، وحضارتهم وأمجادهم؟؟

وأقول: نعم يوجد شيء من هذا، ولكنه يعرض بصورة باهتة ممزَّقة، ولذلك تتوارى في حنايا الذاكرة، وتتخلى عن بؤرة الشعور، وتبقى الصورة البشعة التي عرضتها لك آنفًا هي الحاضرة في الذهن (online) كما يقولون.

وعندي على ذلك ألف دليل ودليل، ولا شك أنك سمعتَ ذلك الإعلامي الناجح وهو يقول في ثنايا حوارٍ له مع أحد ضيوفه: كل الخلفاء الراشدين قتلوا إلا واحدًا. وزميله الذي لم يُطق صبرًا على محاوره - هو يتحدث عن عمر بن عبد العزيز وإصلاحاته - فيقول له في لهجة ساخرة: ولذلك قتلوه.

وقبل أن أترك الكلام على هذه الصورة البشعة للتاريخ الإسلامي؛ أؤكد أنها صورة كاذبة خاطئة، تقوم على معلومات أخطرها مكذوب لا أصل له، وباقيها بين ثلاث حالات:

1- أحداث ضخمت وبولغ فيها حتى أخذت أكثر من حجمها، حتى حجبت ا لكثير.

2- أحداث أسيء فهمها وتفسيرها، ولو فهمت على حقيقتها ووجهها، لكانت فخرًا لصانعيها.

3- أحداث تدخل في إطار العجز البشري عن الكمال. "كل بني آدم خطَّاؤون".

ونعود للسؤال: لماذا تاريخ الإسلام وحده؟
لقد درس أبناؤنا ومثقفونا، ودرسنا أيضًا تاريخ أمم الأرض قديمها وحديثها، فما تركت أية دراسة فيها هذه الصورة، لا للفراعنة، ولا للآشوريين، ولا للبابليين، ولا للفينيقيين، ولا اليونانيين، ولا الرومانيين، ولا الأوروبيين والأمريكيين.

أبدًا لا يشعر تجاه هذه العصور التاريخية، وتاريخ أهلها بما يشعر به تجاه التاريخ الإسلامي.

- فإذا ذكرنا الفراعنة تجد شعورًا بالاعتزاز، بل بالفخر والمباهاة، وتقفز إلى ذهنك صورة الحضارة التي أضاءت الدنيا منذ فجر التاريخ، وبهرت العالم بما خلفته من آثار، وما أظن المشاعر نحوها تصل إلى درجة الحياد.

- فإذا ذكر تاريخ اليونان، فهنا شعور الإكبار والاحترام، وعلى الفور يقفز إلى الذهن سقراط، وأفلاطون، وأرسطو، وما حولهم من هالات التمجيد والتعظيم.

- وبالمثل تاريخ الرومان وكل أمم الأرض.

- فإذا جئنا إلى تاريخ أوروبا، بعد عصر النهضة، فسنجد الإعجاب والإكبار؛ يصل إلى حد الانبهار والاندحار، والاستخزاء والشعور بالهوان، حتى صرنا نلهث وراءهم، ونقيس تقدمنا بالقُرب منهم، والمسافة التي نقطعها في محاولة اللحاق بهم.

وإن كنت تظن بي المبالغة، فانظر حولك، واقرأ واسمع معي الأسماء الآتية: صحيفة (الأهرام)، وصحيفة (بابل)، ووكالة الأنباء (سبأ)، ومهرجان (جرش)، ومهرجان (قرطاج)، ومهرجان (بعل بك)، وفندق (فلادلفيا)، وشارع (رمسيس)، والحديث عن (دلمون)، و... و...

هذا ما يحضرني عفو الخاطر، ولو تأملت وتتبعت، لرأيت الإصرار على تجلية تاريخ هذه الجاهليات والوثنيات أمرًا يُراد، حتى سمعتُ بأذني مَنْ يتحدث عن التجربة الديمقراطية في بلاده، ثم يختم كلامه: "ولِمَ لا ؟ ألسنا أحفاد ملكة سبأ". هكذا على ملأ من مشاهدي إحدى الفضائيات .

- وسمعت آخر يقول مباهيًّا: "نحن أحفاد رماة الحدق". ورماة الحدق هؤلاء هم أهل النوبة الذين تصدّوا لجيش الفتح الإسلامي وحالوا بينه وبين فتح الجنوب، وسماهم المسلمون (رماة الحدق) لبراعتهم في الرمي، ودقة إصابتهم. هؤلاء يباهي مثقف مسلم معاصر بأنه من أحفادهم.

- أما صيحة (احنا الفراعنة)، فما أكثر ما تسمعها عند إصابتهم مرمى الخصم في كرة القدم. وانظر حولك وتأمل ، ستجد من هذا ضروبًا وأفانين.
فلماذا تاريخ الإسلام وحده ؟؟

إنها بضعة أسطر خاطئة مخطئة في كتاب التاريخ وراء كل هذا..

منقول عن : الشبكة الاسلامية
http://www.islamweb.net/ver2/archive/readA...lang=A&id=60018 (http://www.islamweb.net/ver2/archive/readArt.php?lang=A&id=60018)