صقر الجنوب
07-26-2006, 04:52 PM
الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثني عشرية
للعلامة/ محب الدين الخطيب
مقدمــــــ ة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
وبعد:
إن الدعوة التي قامت في السنوات الأخيرة للتقريب بين دين الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ومخالفيهم من أهل السنة، والزيدية والإباضية، قد لفتت الأنظار إلى دراسة هذا الموضوع، دراسة علمية. وقد قام الكاتب الإسلامي، السيد محب الدين الخطيب بهذه الدراسة من أمهات كتب الشيعة لتحري وسائل التقريب فيها. وقد تبين له استحالة ذلك، لأن واضعي أسس الدين الشيعي لم يتركوا في أصولهم وسيلة لهذا التقريب بعد أن أقاموه على دعائم منافية لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء إليه أصحابه، وتركهم بعده على محجة واضحة منيرة لا ينحرف عنها منحرف إلا هلك.
ولما كانت النقول التي وردت في هذه الدراسة مأخوذة من الكتب المعتمدة عند الطائفة الإمامية الاثني عشرية، ومدلول عليها بأرقام صفحاتها، وبيان طبعات الكتب المأخوذة منها ولا يستطيع أن يماري فيها أحد، لذلك رأينا أن نضعها أمام أنظار الناس ليحي من حي عن بينه ويهلك من هلك عن بينه والله ولي المهتدين.
الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثني عشرية
موضوع التقريب بين المذاهب والفرق الإسلامية:
التقريب بين المسلمين في تفكيرهم، واقتناعاته م واتجاهاتهم وأهدافهم من أعظم مقاصد الإسلام ومن أهم وسائل القوة والنهوض والإصلاح وهو من الخير لشعوبهم وجامعتهم في كل زمان ومكان.
والدعوة إلى هذا التقريب إذا كانت بريئة من الغرض، ولا يترتب عليها في تفاصيلها ضرر يطغى على ما يرجى من نفعها، فإن على كل مسلم أن يستجيب لها، وأن يتعاون مع المسلمين على إنجاحها.
وقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن هذه الدعوة ثم تطور التأثر به وبها حتى بلغ الأزهر، وهو أشهر وأضخم معهد ديني لأهل السنة المنتسبين إلى المذاهب الفقهية الأربعة، فتبنى الأزهر فكرة التقريب هذه بأوسع من نطاقه الذي التزمه بلا انقطاع من أيام صلاح الدين الأيوبي إلى الآن، فخرج الأزهر عن ذلك النطاق إلى رغبته في التعرف إلى المذاهب الأخرى، وفي طليعتها مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ولا يزال الأزهر حتى هذه الساعة في بداية هذا الطريق. لذلك كان هذا الموضوع الخطير جديرا بالبحث، والدراسة والعرض من كل مسلم له إلمام به، ووقوف على ما يلابسه، وما يؤدي إليه من عوارض ونتائج.
ولما كانت المسائل الدينية بطبيعتها شائكة، فإن معالجتها ينبغي أن تكون بحكمة وبصيرة وسداد، وأن يكون المتصدي لدراستها على بينه من دخائلها، وعلى نور من الله وإنصاف في التحري والحكم، لتؤدي هذه المعالجة الغرض المطلوب منها، ولتنتج النتائج النافعة إن شاء الله.
وأول ما نلاحظه في هذا الأمر وفي كل أمر له علاقة بأكثر من طرف واحد أن من أقوى أسباب نجاحه أن يكون هناك تجاوب بين الطرفين، أو الأطراف ذات العلاقة به. ونضرب بذلك مثلاً بمسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة: فقد لوحظ أنه أنشأت لدعوة التقريب بينهما دار في مصر ينفق عليها من الميزانية الرسمية لدولة شيعية، وهذه الدولة الشيعية الكريمة آثرتنا بهذه المكرمة فاختصتنا بهذا السخاء الرسمي، وضنت بمثله على نفسها وعلى أبناء مذهبها، فلم تسخ مثل هذا السخاء لإنشاء دار تقريب في طهران أو قم أو النجف أو جبل عامل أو غيرها من مراكز الدعاية والنشر للمذهب الشيعي . (1)
وإن مراكز النشر هذه للدعاية الشيعية صدر عنها في السنين الأخيرة من الكتب التي نهدم فكرة التفاهم والتقريب ما تقشعر منه الأبدان، ومن ذلك كتاب اسمه "الزهراء" في ثلاثة أجزاء نشره علماء النجف وقالوا فيه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إن كان مبتلى بداء لا يشفيه منه إلا ماء الرجال(!) وقد رأى ذلك الأستاذ البشير الإبراهيمي ، شيخ علماء الجزائر عند زيارته الأولى للعراق. فالروح النجسة التي يصدر عنها مثل هذا الفجور المذهبي هي أحوج إلى دعوة التقريب إلى حاجتنا نحن أهل السنة إلى مثل ذلك. وإذا كان الافتراق الأساسي بيننا وبينهم قائماً على دعواهم أنهم أكثر منا ولاءً لأهل البيت، وعلى دعواهم أنهم يبطنون -بل يظهرون- الحقد والضغينة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قام الإسلام على أكتافهم إلى درجة أن يقولوا مثل هذا الكلام القذر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد كان الإنصاف يقتضي أن يبدءوا هم بتخفيف أحنتهم وضغينتهم عن أئمة الإسلام الأولين. وأن يشكروا لأهل السنة موقفهم النبيل من آل البيت وعدم تقصيرهم بشيء من واجبات الإجلال والتكريم لهم، إلا أن يكون تقصيرنا نحو آل البيت في أننا لم نتخذهم آلهة نعبدهم مع الله، كما هو مشاهد في مشاهدهم القائمة في الناحية الأخرى التي يراد التقريب بيننا وبينها.
إن التجاوب لابد منه بين الطرفين المراد تفاهمهما، والتقريب بينهما، ولا يكون التجاوب إلا إذا التقى السالب بالموجب ولم يقتصر نشاط الدعوة إليه والعمل لتحقيقه على جهة واحدة دون الأخرى كما هو حاصل الآن.
وما يقال عن انفراد التقريب بدار واحدة في عاصمة أهل السنة وهي مصر دون عواصم المذهب الشيعي، ومراكز النشر النشيطة جداً للدعاية له والبغي على غيره يقال كذلك عن إدخال مادة هذا التقريب في مناهج الدراسة الأزهرية قبل أن يكون لذلك مقابل، ومماثل في معاهد التدريس الشيعية. أما إذا اقتصر الأمر كما هو واقع الآن -على طرف واحد من الطرفين- أو الأطراف ذات العلاقة به، فإنه لا يرجى له النجاح، هذا إذا لم يترتب عليه رد فعل غير حميد.
ومن أتفه وسائل التعارف أن يبدأ منها بالفروع قبل الأصول!.
الفقه الإسلامي
فالفقه عند أهل السنة وعند الشيعة لا يرجع إلى أصول مسلّمة عند الفريقين، والتشريع الفقهي عند الأئمة الأربعة من أهل السنة قائم على غير الأسس التي يقوم عليها التشريع الفقهي عند الشيعة، وما لم يحصل التفاهم على هذه الأسس والأصول قبل الاشتغال بفروعها وما لم يتم التجاوب في ذلك من الناحيتين، في المعاهد العلمية للطائفتين، فلا فائدة من إضاعة الوقت في الفروع قبل الأصول، ولا نعني بذلك أصول الفقه، بل أصول الدين عند الفريقين من جذورها الأولى.
مسألة التقية
وأول موانع التجاوب الصادق بإخلاص بيننا، وبينهم ما يسمونه "التقية" فإنها عقيدة دينية، تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون، فينخدع سليم القلب منا بما يتظاهرون له به من رغبتهم في التفاهم والتقارب وهم لا يريدون ذلك ولا يرضون به ولا يعملون له، إلا على أن يبقى من الطرف الواحد مع بقاء الطرف الآخر في عزلته لا يتزحزح عنها قيد شعرة. ولو توصل ممثلوا دور التقية منهم إلى إقناعنا بأنهم خطوا نحونا بعض الخطوات، فإن جمهور الشيعة كلهم من خاصة وعامة يبقى منفصلاً عن ممثلي هذه المهزلة، ولا يسلّم للذين يتكلمون باسمه بأن لهم حق التكلم باسمه.
الطعن في القرآن الكريم
وحتى القرآن الذي كان ينبغي أن يكون المرجع الجامع لنا، ولهم على التقارب نحو الوحدة، فإن أصول الدين عندهم قائمة من جذورها على تأويل آياته، وصرف معانيها إلى غير ما فهمه منها الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى غير ما فهمه منها أئمة الإسلام عن الجيل الذي نزل عليه القرآن. بل إن أحد كبار علماء النجف، وهو الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي -الذي بلغ من إجلالهم له عند وفاته سنة 1320هـ أنهم دفنوه في بناء المشهد المرتضوي بالنجف في إيوان حجرة بانوا العظمى، بنت السلطان الناصر لدين الله، وهو ديوان الحجرة القبلية عن يمين الداخل إلى الصحن المرتضوي من باب القبلة في النجف بأقدس البقاع عندهم- هذا العالم النجفي ألف في سنة 1292هـ وهو في النجف عند القبر المنسوب إلى الإمام علي كتابا سماه: "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" جمع فيه مئات النصوص عن علماء الشيعة ومجتهديهم في مختلف العصور بأن القرآن قد زيد فيه ونقص منه. وقد طبع كتاب الطبرسي هذا في إيران سنة 1298هـ وعند طبعه قامت حوله ضجة لأنهم كانوا يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصوراً في خاصتهم ومتفرقا في مئات الكتب المعتبرة عندهم، وأن لا يجمع ذلك كله في كتاب واحد، تطبع منه ألوف من النسخ، ويطلع عليه خصومهم، فيكون حجة عليهم ماثلة أمام أنظار الجميع، ولما أبدى عقلاؤهم هذه الملاحظات خالفهم فيها مؤلفه وألف كتاباً آخر سماه "رد بعض الشبهات عن فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" وقد كتب هذا الدفاع في أواخر حياته قبل موته بنحو سنتين، وقد كافئوه على هذا المجهود في إثبات أن القرآن محرف، بأن دفنوه في ذلك المكان الممتاز من بناء المشهد العلوي في النجف.
ومما استشهد به هذا العالم النجفي على وقوع النقص من القرآن إيراده في الصفحة 180 من كتابه سورة تسميها الشيعة (سورة الولاية) مذكور فيها ولاية علي "يا أيها الذين آمنوا بالنبي، والولي اللذين بعثناهما يهديانكم إلى الصراط المستقيم.. .الخ" وقد اطلع الثقة المأمون الأستاذ محمد علي سعودي -الذي كان كبير خبراء وزارة العدل بمصر، على مصحف إيراني مخطوط عند المستشرق براين.
فنقل منه هذه السورة بالتلغراف، وفوق سطورها العربية ترجمتها باللغة الإيرانية. وكما أثبتها الطبرسي في كتابه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) فإنها ثابتة أيضاً في كتابهم (دبستان مذاهب) باللغة الإيرانية لمؤلفه محسن فاني الكشميري، وهو مطبوع في إيران طبعات متعددة ونقل عنه هذه السورة المكذوبة على الله المستشرق نولدكه في كتابه (تأريخ المصاحف) ج2 ص102 ونشرتها الجريدة الآسيوية الفرنسية سنة 1842 ص431-439.
وكما استشهد العالم النجفي بسورة الآية على أن القرآن محرف، استشهد كذلك بما ورد في صفحة 289 من كتاب (الكافي) طبعة سنة 1278 بإيران، وهو عندهم بمنزلة صحيح البخاري عند المسلمين فقد جاء بتلك الصفحة من كتاب الكافي ما نصه:
روى عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن بعض أصحابه عن أبي الحسن عليه السلام (أي أبوالحسن الثاني علي بن موسى الرضا المتوفى سنة 206) قال: "قلت له جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي كما نسمعها، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟ فقال: لا اقرأوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم"!!
ولا شك أن هذا الكلام قد اختلقته الشيعة على إمامها علي بن موسى الرضا ولكن معناه عندهم الفتوى بأنه لا يأثم من قرأ القرآن كما يتعلمه الناس في المصحف العثماني، ثم إن الخاصة من الشيعة سيعلم بعضهم بعضاً ما يخالف ذلك مما يزعمون أنه موجود أو كان موجوداً عند أئمتهم من أهل البيت.
والمقارنة بين هذا الكلام المزعوم الذي يسر به بعضهم إلى بعض ولا يجهرون به عملاً بعقيدة التقية (2)، وبين ذلك القرآن المعلوم والشائع المرسوم في المصحف العثماني هي التي ألف حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي كتابه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) للقيام بها، ومهما تظاهر الشيعة بالبراءة من كتاب النوري الطبرسي عملاً بعقيدة التقية، فإن الكتاب ينطوي على مئات النصوص عن علمائهم في كتبهم المعتبرة، يثبت بها أنهم جازمون بالتحريف، ومؤمنون به، ولكن لا يحبون أن تثور الضجة حول عقيدتهم هذه في القرآن. ويبقى بعد ذلك أن هناك قرآنين أحدهما عام معلوم، والآخر خاص مكتوم، ومنه سورة "الولاية"، وهم بذلك يعلمون بالكلمة التي افتروها على إمامهم علي بن الرضا "اقرأوا كما تعلمتم، فسيجيئكم من يعلمكم".
ومما تزعم الشيعة أنه أسقط من القرآن آية "وجعلنا عليا صهرك" زعموا أنها أسقطت من سورة "ألم نشرح" وهم لا يخجلون من هذا الزعم مع علمهم بأن سورة "ألم نشرح" مكية، ولم يكن علي صهراً للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة، وإنما كان صهره الوحيد فيها العاص بن الربيع الأموي رضي الله عنه الذي أثنى عليه صلوات الله عليه على منبر مسجده النبوي، لما أراد علي رضي الله عنه أن يتزوج بنت أبي جهل على فاطمة فشكت ذلك فاطمة إلى أبيها صلوات الله عليه، وإذا كان علي رضي الله عنه صهرا للنبي صلى الله عليه وسلم على إحدى بناته، فقد جعل الله عثمان رضي الله عنه صهراً له على ابنتيه الاثنتين، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم لما توفيت الثانية: "لو كانت لنا ثالثة لزوجناكها".
ويزعم عالمهم أبومنصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (أحد مشايخ ابن شهر آشوب المتوفى سنة 588هـ في كتابه الاحتجاج على أهل اللجاج) أن علياً قال لأحد الزنادقة -ولم يذكر اسمه-: وأما ظهورك عليّ تناكر قوله تعالى (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء، ولا كل النساء يتامى، فهو ما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين (3) من القرآن بين القول في اليتامى، وبين نكاح النساء من الخطاب. والقصص أكثر من ثلث القرآن.
كذبهم حتى على علي رضي الله عنه
وهذا من كذبهم على علي رضي الله عنه، بدليل أنه لم يعلن في مدة خلافته على المسلمين هذا الثلث الساقط من القرآن في هذا الموضع منه، ولم يأمر المسلمين بإثباته والاهتداء بهديه والعمل بأحكامه .
فرحة المبشِّرِي ن
وعند ظهور كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) وانتشاره في الأوساط الشيعية وغيرها في إيران، والنجف والبلاد الأخرى قبل بضع وثمانين سنة -وهو مشحون بالعشرات والمئات من أمثال هذه الأكاذيب على الله وصفوة خلقه- استبشر به المبشرون من أعداء الإسلام، وترجموه بلغاتهم.
ذكر ذلك محمد مهدي الأصفهاني الكاظمي في الجزء الثاني ص90 من كتابه (أحسن الوديعة) وهو ذيل على كتابهم (روضات الجنات).
وهنالك نصّان صريحان في بخاريهم الذي يسمى (الكافي) للكليني الأول ــ وهو في الصفحة 228 من طبعة سنة 1381هـ ــ منها في الصفحة 54 من طبعة سنة 1278 بإيران، وهو: "عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله، كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده".
وكل شيعي يقرأ كتاب الكافي هذا، الذي هو عندهم بمنزلة صحيح البخاري عندنا، يؤمن بهذا النص، أما نحن أهل السنة فنقول: (إن الشيعة كذبوا ذلك على الباقر رحمه الله، بدليل أن علياً رضي الله عنه لم يكن يعمل في مدة خلافته وهو بالكوفة إلا بالمصحف الذي أنعم الله على أخيه عثمان رضي الله عنه بجمعه، وإذاعته في الأمصار، وتعميم العمل به في جميع الأعصار إلى الآن، وإلى يوم القيامة، ولو كان عند علي مصحف غيره -وهو خليفة حاكم لا ينازعه أحد في نطاق حكمه- لعمل به، ولأمر المسلمين بتعميمه والعمل به ولو أنه كان عنده غيره، وكتمه عن المسلمين، لكان خائنا لله، ورسوله، والدين الإسلامي.
وجابر الجعفي الذي يزعم أنه سمع تلك الكلمة الآثمة من الإمام أبي جعفر محمد الباقر وإن كان موثوقا عندهم فهو معروف عند أئمة المسلمين بالكذب، قال أبو يحي الحماني: سمعت أبا حنيفة يقول: ما رأيت فيمن رأيت أفضل من عطاء ولا أكذب من جابر الجعفي.
وأكذب من هذا النص الأول في كتاب (الكافي) عن أبي جعفر، النص الثاني المكذوب على ابنه جعفر الصادق، وهو في بخاريهم (الكافي) أيضاً صفحة 57 طبعة سنة 1278 بإيران وهو في الصفحة 238 من طبعة سنة 1381هـ ــ وهو : "عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبدالله..إ لى أن قال أبو عبدالله (أي جعفر الصادق): وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام... قال: قلت وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد"!.
هذه النصوص الشيعية المكذوبة على أئمة أهل البيت قديمة العهد وقد سجلها محمد بن يعقوب الكليني الرازي في كتابه (الكافي) قبل أكثر من ألف سنة، وهي أقدم منه لأنه يرويها عن أسلافه من أعلام الكذبة مهندسي بناء التشيع.
ويوم كانت أسبانيا تحت سلطان العروبة والإسلام كان الإمام أبومحمد بن حزم يتناظر مع قسها في نصوص كتبهم، ويقيم لهم الحجج على تحريفها بل ضياع أصولها، فكان أولئك القسس يحتجون عليه بأن الشيعة قرروا: أن القرآن أيضاً محرف؛ فأجابهم ابن حزم بأن دعوى الشيعة ليست حجة على القرآن، ولا على المسلمين لأن الشيعة غير مسلمين (انظر كتاب: الفصل في الملل والنحل لابن حزم ج2ص87،ج4ص1 82.الطبعة الأولى بالقاهرة ) .
رأيهم في الحكام
والحقيقة الخطيرة التي نلفت إليها أنظار حكوماتنا الإسلامية أن أصل مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية التي تسمى أيضا (الجعفرية) قائم على اعتبار جميع الحكومات الإسلامية من يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الساعة -عدا سنوات حكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه- حكومات غير شرعية، ولا يجوز لشيعي أن يدين لهؤلاء بالولاء والإخلاص من صميم قلبه، بل يداجيها مداجاة ويتقيها تقاة، لأنها كلها ما مضى منها وما قائم الآن وما سيقوم منها فيما بعد، حكومات مغتصبة والحكام الشرعيون في دين الشيعة وصميم عقيدتهم هم الأئمة الاثني عشر وحدهم، سواء تيسر لهم مباشرة الحكم أو لم يباشروه، وكل من عداهم ممن تولوا مصالح المسلمين من أبي بكر وعمر إلى من بعدهم حتى الآن مهما خدموا الإسلام ومهما كابدوا في نشر دعوته وإعلاء كلمة الله في الأرض وتوسيع رقعة العالم الإسلامي، فإنهم مفتئتون مغتصبون إلى يوم القيامة.
الحقد على أبي بكر وعمر
ولذلك يلعن الشيعة أبابكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وكل من تولى الحكم في الإسلام غير علي رضي الله عنه. وقد كذبوا على الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بأنه أقر شيعته على تسمية أبي بكر وعمر "الجبت" و"الطاغوت". فقد جاء في أكبر وأكمل كتبهم في الجرح والتعديل، وهو كتاب (تنقيح المقال في أحوال الرجال) لشيخ الطائفة الجعفرية العلامة الثاني آية الله المامقاني (الجزء الأول ص 207، المطبوع في المطبعة المرتضوية بالنجف سنة 1352هـ ) ما نقله عن الشيخ الجليل المحقق محمد بن إدريس الحلي في آخر كتاب (السرائر) عن كتاب (مسائل الرجال ومكاتباتهم إلى مولانا أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى عليه السلام) في جملة مسائل محمد بن علي بن عيسى قال: "كتبت إليه أسأله عن الناصب (أي الذي ينصب العداوة لآل البيت) هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت (أي تقديمه الشيخين صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه أبي بكر وعمر) واعتقاده إمامتهما؟ فرجح الجواب: من كان على هذا فهو ناصب. أي يكفي لأن يعد أي إنسان عدواً لآل البيت إذا قدم أبابكر الصديق وعمر الفاروق واعتقد إمامتهما.! وتعبير الجبت والطاغوت يستعمله الشيعة في دعائهم الذي يسمونه (دعاء صنمي قريش) ويعنون بهما، وبالجبت والطاغوت: (أبابكر وعمر). وهذا الدعاء في كتابهم (مفتاح الجنان) ص114 وهو بمنزلة "دلائل الخيرات" في بلاد العالم الإسلامي، ونص دعائهم: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وابنتيهما. .الخ" ويريدون بابنتيهما أم المؤمنين "عائشة" وأم المؤمنين "حفصة" رضي الله عن الجميع.
" تعظيم قاتل عمر"
وقد بلغ من حنقهم على مطفيء نار المجوسية في إيران، والسبب في دخول أسلاف أهلها إلى الإسلام، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن سمَّوا قاتله أبا لؤلؤة المجوسي بـ"أبي شجاع الدين".
روى علي بن مظاهر -من رجالهم- عن أحمد بن إسحاق القمي الأحوص (شيخ الشيعة ووافدهم) أن يوم قتل عمر بن الخطاب هو يوم العيد الأكبر ويوم المفاخرة ويوم التبجيل ويوم الزكاة العظمى ويوم البركة ويوم التسلية.
"عقدة الحكم"
ومن أبي بكر وعمر وصلاح الدين الأيوبي وجميع الذين فتحوا للإسلام ممالك الأرض وأدخلوها في دين الله، والذين حكموها باسم الإسلام إلى هذا اليوم الذي نحن فيه -كل هؤلاء في عقيدة الشيعة التي يلقون الله عليها- حكام متغلبون ظالمون ومن أهل النار، لأنهم غير شرعيين ولا يستحقون من الشيعة الولاء والطاعة الصادقة والتعاون على الخير إلا بقدر ما تنتجه لهم عقيدة التقية والطمع في الأخذ منهم والمداجاة لهم. ومن عقائدهم الأساسية أنه عندما يقوم المهدي (وهو إمامهم الثاني عشر) الذي هو حي الآن (بزعمهم) وينتظرون خروجه -أي ثورته ليثوروا معه- وإذا ذكروه في كتبهم يكتبون في جانب اسمه حرفي "عج" أي "عجل الله فرجه" عندما يقوم هذا المهدي من نومته الطويلة التي زادت على ألف ومائة سنة، وسيحيي الله له ولآبائه جميع حكام المسلمين السابقين مع الحكام المعاصرين لقيامه -وعلى رأس الجميع أبوبكر وعمر فمن بعدهما- فيحاكمهم على اغتصابهم الحكم منه، ومن آبائه الأحد عشر إماما -لأن الحكم في الإسلام حق لهم وحدهم من الله منذ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة، ولا حق فيه لأحد غيرهم -وبعد محاكمة هؤلاء الطواغيت المغتصبين يقتص منهم فيأمر بقتل وإعدام كل خمسمائة معاً حتى يستوفي في قتل ثلاثة آلاف من رجال الحكم في جميع عصور الإسلام، ويكون ذلك في الدنيا قبل البعث النهائي في يوم القيامة، ثم بعد موت من يموت وإعدام من يعدم يكون البعث الأكبر للمحشر ثم إلى الجنة أو النار. الجنة لآل البيت والذين يعتقدون فيهم هذه العقائد والنار لكل من ليس بشيعي، والشيعة يسمون هذا الإحياء والمحاكمة والقصاص باسم (الرجعة)، وهي من عقائدهم الأساسية التي لا يرتاب فيها شيعي واحد. وقد رأيت من طيبي القلب من يزعم أن أمثال هذه العقيدة قد عدل عنها الشيعة في العصور الأخيرة، وهذا خطأ كبير مخالف للواقع.
من التشيع إلى الشيوعية
والشيعة من أيام الدولة الصفوية إلى الآن متمسكون بهذه العقائد أكثر مما كانوا قبل ذلك، وهم الآن إما مؤمنون بكل ذلك، أو متعلمون تعليماً عصريا، انحرفوا به عن هذه الخرافات إلى الشيوعية، فالشيوعية في العراق وحزب تودة في إيران يتألف من أبناء الشيعة الذين تبينت لهم أساطيرها، فأصبحوا شيوعيين بعد أن كانوا شيعة، وليس فيهم حزب وسط، إلا من يتظاهر بالتقية لمآرب مذهبية أو دبلوماسية أو حزبية أو شخصية ويضمر غير الذي يتظاهر به، ولأجل أن تعلم عقيدة (الرجعة) من كتبهم المعتبرة أذكر لك ما قاله شيخ الشيعة أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان المعروف عندهم باسم (الشيخ المفيد) في كتابه (الإرشاد في تأريخ حجج الله على العباد) ص398-402 وهو مطبوع على الحجر في إيران طبعة قديمة، لم يذكر تأريخها، ولكنها طبعت على خط محمد علي محمد حسن الكلبابكات ي، روى الفضل بن شاذان، عن محمد بن علي الكوفي، عن وهب بن حفص، عن أبي بصير قال :
الرغبة في التدمير والإنتقام
قال أبوعبدالله (يعني جعفر الصادق) ينادي باسم القائم (أي إمامهم الثاني عشر الذي يزعمون إنه ولد منذ أكثر من أحد عشر قرناً، ولم يمت بعد لأنه سيقوم ويحكم) ينادي باسمه في ليل ثلاث وعشرين ويقوم في يوم عاشوراء لكأني به في اليوم العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام، جبريل عن يمينه ينادي: البيعة لله، فتسير إليه الشيعة من أطراف الأرض تطوى لهم طيا حتى يبايعوه. وقد جاء الأثر بأنه يسير من مكة حتى يأتي الكوفة فينزل على نجفا ثم يفرق الجنود منها في الأمصار.
وروى الحجال عن ثعلبة بن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام (أي محمد الباقر) قال: كأني بالقائم عليه السلام على نجف الكوفة وسار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، والمؤمنين بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد. وروى عبدالكريم الجعفي قال: قلت لأبي عبدالله (يعني جعفر الصادق) كم يملك القائم عليه السلام؟ قال سبع سنين. تطول الأيام حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم هذه. قال له أبوبصير: جعلت فداك فكيف يطول الله السنين؟ قال يأمر الله الفلك باللبوث وقلة الحركة فتطول الأيام لذلك والسنون وإذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً لم ير الخلائق مثله فينبت الله لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، فكأني أنظر إليهم مقبلين ينفضون شعورهم من التراب. وروى عبدالله ابن المغيرة عن أبي عبدالله (أي جعفر الصادق) عليه السلام قال: إذا قام القائم من آل محمد أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم ثم خمسمائة أخرى فضرب أعناقهم ثم أقام خمسمائة أخرى فضرب أعناقهم ثم خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات. قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا ؟! (وإنما استغرب ذلك لأن الخلفاء الراشدين وبني أمية وبني العباس وسائر حكام المسلمين إلى زمن جعفر الصادق لا يبلغ عددهم عشر معشار هذا العدد) قال جعفر الصادق: نعم، منهم ومن مواليهم. وفي رواية أخرى: إن دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا مَلَكْنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء.
وروى جابر الجعفي عن أبي عبدالله قال: إذا قام قائم آل محمد ضرب فساطيط، يعلم فيها القرآن على ما أنزل (4) فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم (أي على ما حفظه الناس من المصحف العثماني كما هو في زمن جعفر الصادق لأنه يخالف فيه التأليف).
وروى عبدالله بن عجلان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إذا قام قائم آل محمد حكم الناس بحكم داؤود "؟؟؟". وروى الفضل بن عمر، عن أبي عبدالله قال: يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً من قوم موسى "؟؟؟" وسبعة من أهل الكهف ويوشع ابن نون وسليمان وأبودجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً؟.
وهذه النصوص منقولة بالحرف، وبكل أمانة من كتاب عالم من أعظم علمائهم وهو الشيخ المفيد، مروية بأسانيدهم المكذوبة -بلا شك- على آل البيت الذين كان من أكبر مصائبهم أن يكون هؤلاء الكذابون خاصة شيعتهم، وكتاب المفيد مطبوع في إيران ونسخته الأثرية محفوظة وموجودة.
يتبع 000000001
للعلامة/ محب الدين الخطيب
مقدمــــــ ة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
وبعد:
إن الدعوة التي قامت في السنوات الأخيرة للتقريب بين دين الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ومخالفيهم من أهل السنة، والزيدية والإباضية، قد لفتت الأنظار إلى دراسة هذا الموضوع، دراسة علمية. وقد قام الكاتب الإسلامي، السيد محب الدين الخطيب بهذه الدراسة من أمهات كتب الشيعة لتحري وسائل التقريب فيها. وقد تبين له استحالة ذلك، لأن واضعي أسس الدين الشيعي لم يتركوا في أصولهم وسيلة لهذا التقريب بعد أن أقاموه على دعائم منافية لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ودعاء إليه أصحابه، وتركهم بعده على محجة واضحة منيرة لا ينحرف عنها منحرف إلا هلك.
ولما كانت النقول التي وردت في هذه الدراسة مأخوذة من الكتب المعتمدة عند الطائفة الإمامية الاثني عشرية، ومدلول عليها بأرقام صفحاتها، وبيان طبعات الكتب المأخوذة منها ولا يستطيع أن يماري فيها أحد، لذلك رأينا أن نضعها أمام أنظار الناس ليحي من حي عن بينه ويهلك من هلك عن بينه والله ولي المهتدين.
الخطوط العريضة للأسس التي قام عليها دين الشيعة الإمامية الاثني عشرية
موضوع التقريب بين المذاهب والفرق الإسلامية:
التقريب بين المسلمين في تفكيرهم، واقتناعاته م واتجاهاتهم وأهدافهم من أعظم مقاصد الإسلام ومن أهم وسائل القوة والنهوض والإصلاح وهو من الخير لشعوبهم وجامعتهم في كل زمان ومكان.
والدعوة إلى هذا التقريب إذا كانت بريئة من الغرض، ولا يترتب عليها في تفاصيلها ضرر يطغى على ما يرجى من نفعها، فإن على كل مسلم أن يستجيب لها، وأن يتعاون مع المسلمين على إنجاحها.
وقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة عن هذه الدعوة ثم تطور التأثر به وبها حتى بلغ الأزهر، وهو أشهر وأضخم معهد ديني لأهل السنة المنتسبين إلى المذاهب الفقهية الأربعة، فتبنى الأزهر فكرة التقريب هذه بأوسع من نطاقه الذي التزمه بلا انقطاع من أيام صلاح الدين الأيوبي إلى الآن، فخرج الأزهر عن ذلك النطاق إلى رغبته في التعرف إلى المذاهب الأخرى، وفي طليعتها مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ولا يزال الأزهر حتى هذه الساعة في بداية هذا الطريق. لذلك كان هذا الموضوع الخطير جديرا بالبحث، والدراسة والعرض من كل مسلم له إلمام به، ووقوف على ما يلابسه، وما يؤدي إليه من عوارض ونتائج.
ولما كانت المسائل الدينية بطبيعتها شائكة، فإن معالجتها ينبغي أن تكون بحكمة وبصيرة وسداد، وأن يكون المتصدي لدراستها على بينه من دخائلها، وعلى نور من الله وإنصاف في التحري والحكم، لتؤدي هذه المعالجة الغرض المطلوب منها، ولتنتج النتائج النافعة إن شاء الله.
وأول ما نلاحظه في هذا الأمر وفي كل أمر له علاقة بأكثر من طرف واحد أن من أقوى أسباب نجاحه أن يكون هناك تجاوب بين الطرفين، أو الأطراف ذات العلاقة به. ونضرب بذلك مثلاً بمسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة: فقد لوحظ أنه أنشأت لدعوة التقريب بينهما دار في مصر ينفق عليها من الميزانية الرسمية لدولة شيعية، وهذه الدولة الشيعية الكريمة آثرتنا بهذه المكرمة فاختصتنا بهذا السخاء الرسمي، وضنت بمثله على نفسها وعلى أبناء مذهبها، فلم تسخ مثل هذا السخاء لإنشاء دار تقريب في طهران أو قم أو النجف أو جبل عامل أو غيرها من مراكز الدعاية والنشر للمذهب الشيعي . (1)
وإن مراكز النشر هذه للدعاية الشيعية صدر عنها في السنين الأخيرة من الكتب التي نهدم فكرة التفاهم والتقريب ما تقشعر منه الأبدان، ومن ذلك كتاب اسمه "الزهراء" في ثلاثة أجزاء نشره علماء النجف وقالوا فيه عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب إن كان مبتلى بداء لا يشفيه منه إلا ماء الرجال(!) وقد رأى ذلك الأستاذ البشير الإبراهيمي ، شيخ علماء الجزائر عند زيارته الأولى للعراق. فالروح النجسة التي يصدر عنها مثل هذا الفجور المذهبي هي أحوج إلى دعوة التقريب إلى حاجتنا نحن أهل السنة إلى مثل ذلك. وإذا كان الافتراق الأساسي بيننا وبينهم قائماً على دعواهم أنهم أكثر منا ولاءً لأهل البيت، وعلى دعواهم أنهم يبطنون -بل يظهرون- الحقد والضغينة لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين قام الإسلام على أكتافهم إلى درجة أن يقولوا مثل هذا الكلام القذر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقد كان الإنصاف يقتضي أن يبدءوا هم بتخفيف أحنتهم وضغينتهم عن أئمة الإسلام الأولين. وأن يشكروا لأهل السنة موقفهم النبيل من آل البيت وعدم تقصيرهم بشيء من واجبات الإجلال والتكريم لهم، إلا أن يكون تقصيرنا نحو آل البيت في أننا لم نتخذهم آلهة نعبدهم مع الله، كما هو مشاهد في مشاهدهم القائمة في الناحية الأخرى التي يراد التقريب بيننا وبينها.
إن التجاوب لابد منه بين الطرفين المراد تفاهمهما، والتقريب بينهما، ولا يكون التجاوب إلا إذا التقى السالب بالموجب ولم يقتصر نشاط الدعوة إليه والعمل لتحقيقه على جهة واحدة دون الأخرى كما هو حاصل الآن.
وما يقال عن انفراد التقريب بدار واحدة في عاصمة أهل السنة وهي مصر دون عواصم المذهب الشيعي، ومراكز النشر النشيطة جداً للدعاية له والبغي على غيره يقال كذلك عن إدخال مادة هذا التقريب في مناهج الدراسة الأزهرية قبل أن يكون لذلك مقابل، ومماثل في معاهد التدريس الشيعية. أما إذا اقتصر الأمر كما هو واقع الآن -على طرف واحد من الطرفين- أو الأطراف ذات العلاقة به، فإنه لا يرجى له النجاح، هذا إذا لم يترتب عليه رد فعل غير حميد.
ومن أتفه وسائل التعارف أن يبدأ منها بالفروع قبل الأصول!.
الفقه الإسلامي
فالفقه عند أهل السنة وعند الشيعة لا يرجع إلى أصول مسلّمة عند الفريقين، والتشريع الفقهي عند الأئمة الأربعة من أهل السنة قائم على غير الأسس التي يقوم عليها التشريع الفقهي عند الشيعة، وما لم يحصل التفاهم على هذه الأسس والأصول قبل الاشتغال بفروعها وما لم يتم التجاوب في ذلك من الناحيتين، في المعاهد العلمية للطائفتين، فلا فائدة من إضاعة الوقت في الفروع قبل الأصول، ولا نعني بذلك أصول الفقه، بل أصول الدين عند الفريقين من جذورها الأولى.
مسألة التقية
وأول موانع التجاوب الصادق بإخلاص بيننا، وبينهم ما يسمونه "التقية" فإنها عقيدة دينية، تبيح لهم التظاهر لنا بغير ما يبطنون، فينخدع سليم القلب منا بما يتظاهرون له به من رغبتهم في التفاهم والتقارب وهم لا يريدون ذلك ولا يرضون به ولا يعملون له، إلا على أن يبقى من الطرف الواحد مع بقاء الطرف الآخر في عزلته لا يتزحزح عنها قيد شعرة. ولو توصل ممثلوا دور التقية منهم إلى إقناعنا بأنهم خطوا نحونا بعض الخطوات، فإن جمهور الشيعة كلهم من خاصة وعامة يبقى منفصلاً عن ممثلي هذه المهزلة، ولا يسلّم للذين يتكلمون باسمه بأن لهم حق التكلم باسمه.
الطعن في القرآن الكريم
وحتى القرآن الذي كان ينبغي أن يكون المرجع الجامع لنا، ولهم على التقارب نحو الوحدة، فإن أصول الدين عندهم قائمة من جذورها على تأويل آياته، وصرف معانيها إلى غير ما فهمه منها الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى غير ما فهمه منها أئمة الإسلام عن الجيل الذي نزل عليه القرآن. بل إن أحد كبار علماء النجف، وهو الحاج ميرزا حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي -الذي بلغ من إجلالهم له عند وفاته سنة 1320هـ أنهم دفنوه في بناء المشهد المرتضوي بالنجف في إيوان حجرة بانوا العظمى، بنت السلطان الناصر لدين الله، وهو ديوان الحجرة القبلية عن يمين الداخل إلى الصحن المرتضوي من باب القبلة في النجف بأقدس البقاع عندهم- هذا العالم النجفي ألف في سنة 1292هـ وهو في النجف عند القبر المنسوب إلى الإمام علي كتابا سماه: "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" جمع فيه مئات النصوص عن علماء الشيعة ومجتهديهم في مختلف العصور بأن القرآن قد زيد فيه ونقص منه. وقد طبع كتاب الطبرسي هذا في إيران سنة 1298هـ وعند طبعه قامت حوله ضجة لأنهم كانوا يريدون أن يبقى التشكيك في صحة القرآن محصوراً في خاصتهم ومتفرقا في مئات الكتب المعتبرة عندهم، وأن لا يجمع ذلك كله في كتاب واحد، تطبع منه ألوف من النسخ، ويطلع عليه خصومهم، فيكون حجة عليهم ماثلة أمام أنظار الجميع، ولما أبدى عقلاؤهم هذه الملاحظات خالفهم فيها مؤلفه وألف كتاباً آخر سماه "رد بعض الشبهات عن فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب" وقد كتب هذا الدفاع في أواخر حياته قبل موته بنحو سنتين، وقد كافئوه على هذا المجهود في إثبات أن القرآن محرف، بأن دفنوه في ذلك المكان الممتاز من بناء المشهد العلوي في النجف.
ومما استشهد به هذا العالم النجفي على وقوع النقص من القرآن إيراده في الصفحة 180 من كتابه سورة تسميها الشيعة (سورة الولاية) مذكور فيها ولاية علي "يا أيها الذين آمنوا بالنبي، والولي اللذين بعثناهما يهديانكم إلى الصراط المستقيم.. .الخ" وقد اطلع الثقة المأمون الأستاذ محمد علي سعودي -الذي كان كبير خبراء وزارة العدل بمصر، على مصحف إيراني مخطوط عند المستشرق براين.
فنقل منه هذه السورة بالتلغراف، وفوق سطورها العربية ترجمتها باللغة الإيرانية. وكما أثبتها الطبرسي في كتابه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) فإنها ثابتة أيضاً في كتابهم (دبستان مذاهب) باللغة الإيرانية لمؤلفه محسن فاني الكشميري، وهو مطبوع في إيران طبعات متعددة ونقل عنه هذه السورة المكذوبة على الله المستشرق نولدكه في كتابه (تأريخ المصاحف) ج2 ص102 ونشرتها الجريدة الآسيوية الفرنسية سنة 1842 ص431-439.
وكما استشهد العالم النجفي بسورة الآية على أن القرآن محرف، استشهد كذلك بما ورد في صفحة 289 من كتاب (الكافي) طبعة سنة 1278 بإيران، وهو عندهم بمنزلة صحيح البخاري عند المسلمين فقد جاء بتلك الصفحة من كتاب الكافي ما نصه:
روى عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد، عن محمد بن سليمان، عن بعض أصحابه عن أبي الحسن عليه السلام (أي أبوالحسن الثاني علي بن موسى الرضا المتوفى سنة 206) قال: "قلت له جعلت فداك إنا نسمع الآيات في القرآن ليس هي كما نسمعها، ولا نحسن أن نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟ فقال: لا اقرأوا كما تعلمتم فسيجيئكم من يعلمكم"!!
ولا شك أن هذا الكلام قد اختلقته الشيعة على إمامها علي بن موسى الرضا ولكن معناه عندهم الفتوى بأنه لا يأثم من قرأ القرآن كما يتعلمه الناس في المصحف العثماني، ثم إن الخاصة من الشيعة سيعلم بعضهم بعضاً ما يخالف ذلك مما يزعمون أنه موجود أو كان موجوداً عند أئمتهم من أهل البيت.
والمقارنة بين هذا الكلام المزعوم الذي يسر به بعضهم إلى بعض ولا يجهرون به عملاً بعقيدة التقية (2)، وبين ذلك القرآن المعلوم والشائع المرسوم في المصحف العثماني هي التي ألف حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي كتابه (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) للقيام بها، ومهما تظاهر الشيعة بالبراءة من كتاب النوري الطبرسي عملاً بعقيدة التقية، فإن الكتاب ينطوي على مئات النصوص عن علمائهم في كتبهم المعتبرة، يثبت بها أنهم جازمون بالتحريف، ومؤمنون به، ولكن لا يحبون أن تثور الضجة حول عقيدتهم هذه في القرآن. ويبقى بعد ذلك أن هناك قرآنين أحدهما عام معلوم، والآخر خاص مكتوم، ومنه سورة "الولاية"، وهم بذلك يعلمون بالكلمة التي افتروها على إمامهم علي بن الرضا "اقرأوا كما تعلمتم، فسيجيئكم من يعلمكم".
ومما تزعم الشيعة أنه أسقط من القرآن آية "وجعلنا عليا صهرك" زعموا أنها أسقطت من سورة "ألم نشرح" وهم لا يخجلون من هذا الزعم مع علمهم بأن سورة "ألم نشرح" مكية، ولم يكن علي صهراً للنبي صلى الله عليه وسلم بمكة، وإنما كان صهره الوحيد فيها العاص بن الربيع الأموي رضي الله عنه الذي أثنى عليه صلوات الله عليه على منبر مسجده النبوي، لما أراد علي رضي الله عنه أن يتزوج بنت أبي جهل على فاطمة فشكت ذلك فاطمة إلى أبيها صلوات الله عليه، وإذا كان علي رضي الله عنه صهرا للنبي صلى الله عليه وسلم على إحدى بناته، فقد جعل الله عثمان رضي الله عنه صهراً له على ابنتيه الاثنتين، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم لما توفيت الثانية: "لو كانت لنا ثالثة لزوجناكها".
ويزعم عالمهم أبومنصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي (أحد مشايخ ابن شهر آشوب المتوفى سنة 588هـ في كتابه الاحتجاج على أهل اللجاج) أن علياً قال لأحد الزنادقة -ولم يذكر اسمه-: وأما ظهورك عليّ تناكر قوله تعالى (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء) وليس يشبه القسط في اليتامى نكاح النساء، ولا كل النساء يتامى، فهو ما قدمت ذكره من إسقاط المنافقين (3) من القرآن بين القول في اليتامى، وبين نكاح النساء من الخطاب. والقصص أكثر من ثلث القرآن.
كذبهم حتى على علي رضي الله عنه
وهذا من كذبهم على علي رضي الله عنه، بدليل أنه لم يعلن في مدة خلافته على المسلمين هذا الثلث الساقط من القرآن في هذا الموضع منه، ولم يأمر المسلمين بإثباته والاهتداء بهديه والعمل بأحكامه .
فرحة المبشِّرِي ن
وعند ظهور كتاب (فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب) وانتشاره في الأوساط الشيعية وغيرها في إيران، والنجف والبلاد الأخرى قبل بضع وثمانين سنة -وهو مشحون بالعشرات والمئات من أمثال هذه الأكاذيب على الله وصفوة خلقه- استبشر به المبشرون من أعداء الإسلام، وترجموه بلغاتهم.
ذكر ذلك محمد مهدي الأصفهاني الكاظمي في الجزء الثاني ص90 من كتابه (أحسن الوديعة) وهو ذيل على كتابهم (روضات الجنات).
وهنالك نصّان صريحان في بخاريهم الذي يسمى (الكافي) للكليني الأول ــ وهو في الصفحة 228 من طبعة سنة 1381هـ ــ منها في الصفحة 54 من طبعة سنة 1278 بإيران، وهو: "عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما ادعى أحد من الناس أنه جمع القرآن كله، كما أنزل إلا كذاب، وما جمعه وحفظه كما أنزل إلا علي بن أبي طالب والأئمة من بعده".
وكل شيعي يقرأ كتاب الكافي هذا، الذي هو عندهم بمنزلة صحيح البخاري عندنا، يؤمن بهذا النص، أما نحن أهل السنة فنقول: (إن الشيعة كذبوا ذلك على الباقر رحمه الله، بدليل أن علياً رضي الله عنه لم يكن يعمل في مدة خلافته وهو بالكوفة إلا بالمصحف الذي أنعم الله على أخيه عثمان رضي الله عنه بجمعه، وإذاعته في الأمصار، وتعميم العمل به في جميع الأعصار إلى الآن، وإلى يوم القيامة، ولو كان عند علي مصحف غيره -وهو خليفة حاكم لا ينازعه أحد في نطاق حكمه- لعمل به، ولأمر المسلمين بتعميمه والعمل به ولو أنه كان عنده غيره، وكتمه عن المسلمين، لكان خائنا لله، ورسوله، والدين الإسلامي.
وجابر الجعفي الذي يزعم أنه سمع تلك الكلمة الآثمة من الإمام أبي جعفر محمد الباقر وإن كان موثوقا عندهم فهو معروف عند أئمة المسلمين بالكذب، قال أبو يحي الحماني: سمعت أبا حنيفة يقول: ما رأيت فيمن رأيت أفضل من عطاء ولا أكذب من جابر الجعفي.
وأكذب من هذا النص الأول في كتاب (الكافي) عن أبي جعفر، النص الثاني المكذوب على ابنه جعفر الصادق، وهو في بخاريهم (الكافي) أيضاً صفحة 57 طبعة سنة 1278 بإيران وهو في الصفحة 238 من طبعة سنة 1381هـ ــ وهو : "عن أبي بصير قال: دخلت على أبي عبدالله..إ لى أن قال أبو عبدالله (أي جعفر الصادق): وإن عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام... قال: قلت وما مصحف فاطمة؟ قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرات، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد"!.
هذه النصوص الشيعية المكذوبة على أئمة أهل البيت قديمة العهد وقد سجلها محمد بن يعقوب الكليني الرازي في كتابه (الكافي) قبل أكثر من ألف سنة، وهي أقدم منه لأنه يرويها عن أسلافه من أعلام الكذبة مهندسي بناء التشيع.
ويوم كانت أسبانيا تحت سلطان العروبة والإسلام كان الإمام أبومحمد بن حزم يتناظر مع قسها في نصوص كتبهم، ويقيم لهم الحجج على تحريفها بل ضياع أصولها، فكان أولئك القسس يحتجون عليه بأن الشيعة قرروا: أن القرآن أيضاً محرف؛ فأجابهم ابن حزم بأن دعوى الشيعة ليست حجة على القرآن، ولا على المسلمين لأن الشيعة غير مسلمين (انظر كتاب: الفصل في الملل والنحل لابن حزم ج2ص87،ج4ص1 82.الطبعة الأولى بالقاهرة ) .
رأيهم في الحكام
والحقيقة الخطيرة التي نلفت إليها أنظار حكوماتنا الإسلامية أن أصل مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية التي تسمى أيضا (الجعفرية) قائم على اعتبار جميع الحكومات الإسلامية من يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الساعة -عدا سنوات حكم علي بن أبي طالب رضي الله عنه- حكومات غير شرعية، ولا يجوز لشيعي أن يدين لهؤلاء بالولاء والإخلاص من صميم قلبه، بل يداجيها مداجاة ويتقيها تقاة، لأنها كلها ما مضى منها وما قائم الآن وما سيقوم منها فيما بعد، حكومات مغتصبة والحكام الشرعيون في دين الشيعة وصميم عقيدتهم هم الأئمة الاثني عشر وحدهم، سواء تيسر لهم مباشرة الحكم أو لم يباشروه، وكل من عداهم ممن تولوا مصالح المسلمين من أبي بكر وعمر إلى من بعدهم حتى الآن مهما خدموا الإسلام ومهما كابدوا في نشر دعوته وإعلاء كلمة الله في الأرض وتوسيع رقعة العالم الإسلامي، فإنهم مفتئتون مغتصبون إلى يوم القيامة.
الحقد على أبي بكر وعمر
ولذلك يلعن الشيعة أبابكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وكل من تولى الحكم في الإسلام غير علي رضي الله عنه. وقد كذبوا على الإمام أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى بأنه أقر شيعته على تسمية أبي بكر وعمر "الجبت" و"الطاغوت". فقد جاء في أكبر وأكمل كتبهم في الجرح والتعديل، وهو كتاب (تنقيح المقال في أحوال الرجال) لشيخ الطائفة الجعفرية العلامة الثاني آية الله المامقاني (الجزء الأول ص 207، المطبوع في المطبعة المرتضوية بالنجف سنة 1352هـ ) ما نقله عن الشيخ الجليل المحقق محمد بن إدريس الحلي في آخر كتاب (السرائر) عن كتاب (مسائل الرجال ومكاتباتهم إلى مولانا أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى عليه السلام) في جملة مسائل محمد بن علي بن عيسى قال: "كتبت إليه أسأله عن الناصب (أي الذي ينصب العداوة لآل البيت) هل أحتاج في امتحانه إلى أكثر من تقديمه الجبت والطاغوت (أي تقديمه الشيخين صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم ووزيريه أبي بكر وعمر) واعتقاده إمامتهما؟ فرجح الجواب: من كان على هذا فهو ناصب. أي يكفي لأن يعد أي إنسان عدواً لآل البيت إذا قدم أبابكر الصديق وعمر الفاروق واعتقد إمامتهما.! وتعبير الجبت والطاغوت يستعمله الشيعة في دعائهم الذي يسمونه (دعاء صنمي قريش) ويعنون بهما، وبالجبت والطاغوت: (أبابكر وعمر). وهذا الدعاء في كتابهم (مفتاح الجنان) ص114 وهو بمنزلة "دلائل الخيرات" في بلاد العالم الإسلامي، ونص دعائهم: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، والعن صنمي قريش وجبتيهما وطاغوتيهما وابنتيهما. .الخ" ويريدون بابنتيهما أم المؤمنين "عائشة" وأم المؤمنين "حفصة" رضي الله عن الجميع.
" تعظيم قاتل عمر"
وقد بلغ من حنقهم على مطفيء نار المجوسية في إيران، والسبب في دخول أسلاف أهلها إلى الإسلام، عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن سمَّوا قاتله أبا لؤلؤة المجوسي بـ"أبي شجاع الدين".
روى علي بن مظاهر -من رجالهم- عن أحمد بن إسحاق القمي الأحوص (شيخ الشيعة ووافدهم) أن يوم قتل عمر بن الخطاب هو يوم العيد الأكبر ويوم المفاخرة ويوم التبجيل ويوم الزكاة العظمى ويوم البركة ويوم التسلية.
"عقدة الحكم"
ومن أبي بكر وعمر وصلاح الدين الأيوبي وجميع الذين فتحوا للإسلام ممالك الأرض وأدخلوها في دين الله، والذين حكموها باسم الإسلام إلى هذا اليوم الذي نحن فيه -كل هؤلاء في عقيدة الشيعة التي يلقون الله عليها- حكام متغلبون ظالمون ومن أهل النار، لأنهم غير شرعيين ولا يستحقون من الشيعة الولاء والطاعة الصادقة والتعاون على الخير إلا بقدر ما تنتجه لهم عقيدة التقية والطمع في الأخذ منهم والمداجاة لهم. ومن عقائدهم الأساسية أنه عندما يقوم المهدي (وهو إمامهم الثاني عشر) الذي هو حي الآن (بزعمهم) وينتظرون خروجه -أي ثورته ليثوروا معه- وإذا ذكروه في كتبهم يكتبون في جانب اسمه حرفي "عج" أي "عجل الله فرجه" عندما يقوم هذا المهدي من نومته الطويلة التي زادت على ألف ومائة سنة، وسيحيي الله له ولآبائه جميع حكام المسلمين السابقين مع الحكام المعاصرين لقيامه -وعلى رأس الجميع أبوبكر وعمر فمن بعدهما- فيحاكمهم على اغتصابهم الحكم منه، ومن آبائه الأحد عشر إماما -لأن الحكم في الإسلام حق لهم وحدهم من الله منذ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة، ولا حق فيه لأحد غيرهم -وبعد محاكمة هؤلاء الطواغيت المغتصبين يقتص منهم فيأمر بقتل وإعدام كل خمسمائة معاً حتى يستوفي في قتل ثلاثة آلاف من رجال الحكم في جميع عصور الإسلام، ويكون ذلك في الدنيا قبل البعث النهائي في يوم القيامة، ثم بعد موت من يموت وإعدام من يعدم يكون البعث الأكبر للمحشر ثم إلى الجنة أو النار. الجنة لآل البيت والذين يعتقدون فيهم هذه العقائد والنار لكل من ليس بشيعي، والشيعة يسمون هذا الإحياء والمحاكمة والقصاص باسم (الرجعة)، وهي من عقائدهم الأساسية التي لا يرتاب فيها شيعي واحد. وقد رأيت من طيبي القلب من يزعم أن أمثال هذه العقيدة قد عدل عنها الشيعة في العصور الأخيرة، وهذا خطأ كبير مخالف للواقع.
من التشيع إلى الشيوعية
والشيعة من أيام الدولة الصفوية إلى الآن متمسكون بهذه العقائد أكثر مما كانوا قبل ذلك، وهم الآن إما مؤمنون بكل ذلك، أو متعلمون تعليماً عصريا، انحرفوا به عن هذه الخرافات إلى الشيوعية، فالشيوعية في العراق وحزب تودة في إيران يتألف من أبناء الشيعة الذين تبينت لهم أساطيرها، فأصبحوا شيوعيين بعد أن كانوا شيعة، وليس فيهم حزب وسط، إلا من يتظاهر بالتقية لمآرب مذهبية أو دبلوماسية أو حزبية أو شخصية ويضمر غير الذي يتظاهر به، ولأجل أن تعلم عقيدة (الرجعة) من كتبهم المعتبرة أذكر لك ما قاله شيخ الشيعة أبو عبدالله محمد بن محمد بن النعمان المعروف عندهم باسم (الشيخ المفيد) في كتابه (الإرشاد في تأريخ حجج الله على العباد) ص398-402 وهو مطبوع على الحجر في إيران طبعة قديمة، لم يذكر تأريخها، ولكنها طبعت على خط محمد علي محمد حسن الكلبابكات ي، روى الفضل بن شاذان، عن محمد بن علي الكوفي، عن وهب بن حفص، عن أبي بصير قال :
الرغبة في التدمير والإنتقام
قال أبوعبدالله (يعني جعفر الصادق) ينادي باسم القائم (أي إمامهم الثاني عشر الذي يزعمون إنه ولد منذ أكثر من أحد عشر قرناً، ولم يمت بعد لأنه سيقوم ويحكم) ينادي باسمه في ليل ثلاث وعشرين ويقوم في يوم عاشوراء لكأني به في اليوم العاشر من المحرم قائماً بين الركن والمقام، جبريل عن يمينه ينادي: البيعة لله، فتسير إليه الشيعة من أطراف الأرض تطوى لهم طيا حتى يبايعوه. وقد جاء الأثر بأنه يسير من مكة حتى يأتي الكوفة فينزل على نجفا ثم يفرق الجنود منها في الأمصار.
وروى الحجال عن ثعلبة بن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر عليه السلام (أي محمد الباقر) قال: كأني بالقائم عليه السلام على نجف الكوفة وسار إليها من مكة في خمسة آلاف من الملائكة، جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، والمؤمنين بين يديه وهو يفرق الجنود في البلاد. وروى عبدالكريم الجعفي قال: قلت لأبي عبدالله (يعني جعفر الصادق) كم يملك القائم عليه السلام؟ قال سبع سنين. تطول الأيام حتى تكون السنة من سنيه مقدار عشر سنين من سنيكم هذه. قال له أبوبصير: جعلت فداك فكيف يطول الله السنين؟ قال يأمر الله الفلك باللبوث وقلة الحركة فتطول الأيام لذلك والسنون وإذا آن قيامه مطر الناس جمادى الآخرة وعشرة أيام من رجب مطراً لم ير الخلائق مثله فينبت الله لحوم المؤمنين وأبدانهم في قبورهم، فكأني أنظر إليهم مقبلين ينفضون شعورهم من التراب. وروى عبدالله ابن المغيرة عن أبي عبدالله (أي جعفر الصادق) عليه السلام قال: إذا قام القائم من آل محمد أقام خمسمائة من قريش فضرب أعناقهم ثم خمسمائة أخرى فضرب أعناقهم ثم أقام خمسمائة أخرى فضرب أعناقهم ثم خمسمائة أخرى حتى يفعل ذلك ست مرات. قلت: ويبلغ عدد هؤلاء هذا ؟! (وإنما استغرب ذلك لأن الخلفاء الراشدين وبني أمية وبني العباس وسائر حكام المسلمين إلى زمن جعفر الصادق لا يبلغ عددهم عشر معشار هذا العدد) قال جعفر الصادق: نعم، منهم ومن مواليهم. وفي رواية أخرى: إن دولتنا آخر الدول، ولم يبق أهل بيت لهم دولة إلا ملكوا قبلنا لئلا يقولوا إذا رأوا سيرتنا: إذا مَلَكْنا سرنا بمثل سيرة هؤلاء.
وروى جابر الجعفي عن أبي عبدالله قال: إذا قام قائم آل محمد ضرب فساطيط، يعلم فيها القرآن على ما أنزل (4) فأصعب ما يكون على من حفظه اليوم (أي على ما حفظه الناس من المصحف العثماني كما هو في زمن جعفر الصادق لأنه يخالف فيه التأليف).
وروى عبدالله بن عجلان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إذا قام قائم آل محمد حكم الناس بحكم داؤود "؟؟؟". وروى الفضل بن عمر، عن أبي عبدالله قال: يخرج مع القائم عليه السلام من ظهر الكوفة سبعة وعشرون رجلاً من قوم موسى "؟؟؟" وسبعة من أهل الكهف ويوشع ابن نون وسليمان وأبودجانة الأنصاري والمقداد ومالك الأشتر فيكونون بين يديه أنصاراً وحكاماً؟.
وهذه النصوص منقولة بالحرف، وبكل أمانة من كتاب عالم من أعظم علمائهم وهو الشيخ المفيد، مروية بأسانيدهم المكذوبة -بلا شك- على آل البيت الذين كان من أكبر مصائبهم أن يكون هؤلاء الكذابون خاصة شيعتهم، وكتاب المفيد مطبوع في إيران ونسخته الأثرية محفوظة وموجودة.
يتبع 000000001