تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الاسلام بين العلماء والحكام



abunaeem
07-20-2006, 08:46 PM
الاسلام بين العلماء والحكام





الاهداء


الى العلماء العاملين ... موعظة للعلماء غير العاملين الذين رضوا لانفسهم طريق الكسل والخمول والقعود .

والى الحكام الصالحين ... تذكرة للحكام غير الصالحين .
الذين انحرفوا عن حكم الاسلام وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا .
اهدى هذا الكتاب موعظة وذكرى ...

عبد العزيز البدري


.....................

المقدمة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه ومن دعا بدعوة الاسلام , حتى قيام الساعة .

.. حفلت الدولة الاسلامية, في تاريخا الطويل , بمآثر جليلة سجلها العلماء في مواقفهم الخالدة والفذة مع الحكام , تلك المواقف التي اتسمت بالصدق والجراة , والاخلاص لله ولدينه الحنيف , فكانوا نجوما وضّاءة يهتدي بهم الحكام والمحكومون في ظلمات الحياة ..

لقد أظهر العلماء في تلك العصور , عزة الاسلام , وابانوا فيها حقيقة الشريعة الاسلامية الغراء , صافية نقية مكينة , في صلابة موقفها من الحكام المنحرفين عنها ولو قيد انملة , وفي معالجتها لجميع شؤون الدولة التي يرأسها الحكام ويخضع لسلطانها المحكومون , كاشفين للعالم أجمع أثر صلابة الايمان بالشريعة الغراء في النوازل والخطوب , متحملين بصبر وشجاعة , ما ينتج عن الجهر بكلمة الحق عند سلطان جائر , غير هيابين سلطان الحكام , ولا قوة الدولة ولا صولة الجند ...
ولا غرابة في ذل فهم اهل لهذه المواقف لانهم حملة لواء الشريعة الاسلامية الحقيقيون .
ان الحكام الظالمين الذين تولوا أمر الاسلام حينا من الدهر , لم يستطيعوا البتة تسخير العلماء الابرار لتنفيذ أهوائهم أو السير في ركابهم المعوج مع ما اوتوا من قوة باس وشدة جبروت وتمكين في النيل .
وكيف لايكون ذلك وق نهي العلماء والمسلمون اجمع , ان يركنوا اليهم لقوله تعالى : ( ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار ) (1)

لذلك نجد منهم المحاسبين للحكام , المنكرين عليهم سوء افعالهم , وقبيح تصرفاتهم وفساد أقوالهم .

كما نجد منهم الناصحين لهم و الرافضين منحهم , الصابرين على محنهم .

ومنهم المعرضون عن مواجهتهم , والساعون لهذه الواجهة بقصد اسماعهم مقالة الاسلام صريحة جريئة لاغموض فيها ولا كنايات !! ولا استعارات ولا ذبذبة حيث لا يخافون لومة لائم .

ثم نراهم الراكع السجد في سجون الحكام . يلتمسون رحمة الله , وطلب رضا . يكتبون ويؤلفون ويهدون الناس الى الطيب من القول , خدمة للاسلام ورعاية للمسلمين . وهذا مل ينفعهم في دنياهم واخراهم .

مستحضرين قول رسولهم القدوة الحسنة ( صلى الله عليه وسلم ) :
( اذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث ... أو علم ينتفع به .. الحديث ) ( 2 ) لأنهم شموع تضيئ وسر تنير اينما حلوا .
أما في الجهاد ومقاتلة الاعداء , فهم في قدمة الجند وعلى راس النفيضة .

وهكذا اثبت العلماء من قبل أن وجودهم هو من اجل الاسلام وحده , وانهم حقا ( ورثة الانبياء ) وسيرى القارئ الكريم , صدق هذا القول جليا في حوادثهم ومواقفهم مثبتا بين طيات هذا الكتاب .

ذهبت الدولة الاسلامية : إذ استطاع الكافر المستعمر ان يقضي عليها في_ غفلة من الامة _ بوسائله الاستعمارية الماكرة , وخيانة ابناء امتنا, الذين انطبعوا بثقافته الاستعمارية الكافرة , واستجابوا لإغراءه , وصدقوا وعوده البراقة : ( وما يعدهم الشيطان الا غرورا ) (3 )

بعد ان كانت هذه الدولة : الدولة الاولى في العالم , قرابة الف سنة او تزيد , حيث انتزعت زمام القيادة من دولتي الفرس والرومان ومن شايعهما ودار في فلكهما . حتى وصلت الى درجة انها ان اشارات الى الشرق يطأطئ وان اشارت الى الغرب يومئ , واضحت زهرة الدنيا حضارة ومدنية ورقيا , فاتجهت اليها الانظر ,ارتحل اليها ابناء الاقطار, يرتشفون من معينها الذي لاينضب , ويستظلون بلوائها , الى ان ترك المسلمون _ حكاما ومحكومين _ حمل رسالتهم الخالدة , وتقاعس العلماء عن اداء مهمتهم , تباطئوا عن حمل لواء شريعتهم بعد ان وقع اللواء ... فانقلوا من مركز القيادة الى درك التبعية وصار المسلمون _ حكاما ومحكومين _ يرددون ما يقوله اعداؤهم الحاقدون الكافرون المستعمرون الملحون من شرق وغرب , عن اسلامهم , دون أن يقف علماؤهم الموقف المطلوب منهم شرعا .

ان الاسلام اليوم : يريد من المسلمين _ خصوصا معشر العلماء _ وهم على مفترق الطرق , ان يبذلا أقصى الهد ومنتهاه , في بيان احكامه بصراحة وجرأة وحمل الدعوة اليه , جاعلين وجودهم قائما على اساسه . فاذا هم لاينصرون حقا ولا يمنعون باطلا, ولا يامرون بمعرف , ولا ينهون عن منكر... فما وجودهم اذن زز؟ وكأن بن الارض خيرا لهم من ظهرها .
والعلماء الذين قصروا تجاه اسلامهم , فهزموا في المعركة معركة الاسلام والكفر عليهم ان يقتفوا اثر السلف الصالح من العلماء العاملين ليجعلوا من الفشل الذي احاق بهم نصرا مبينا ليعيدوا الى الاسلام سيرته الاولى باستئناف حياة اسلامية , يعز بها الدين وعلماؤه واتباعه , ويخذل بها الكفر وجنده وانصاره .

ولنعد جميعا الى الله تعالى فعنده النصر المبين ان اخلصنا النية له , واتبعنا شرعه , ثم نقوم مستفرغين كل جهودنا لحمل راية الاسلام , واقامة حكم القران , مضحين في سبيل اعلاء كلمة الله , ولو كره الظالمون والكافرون .
ولنبتعد عن الكسل , ونذهب عن نفوسنا الاستكانة وننزع عنها حب السلامة التي سيطرت على بعضنا . فليست تلك واللله من شيم العلماء الابرار حملة الشريعة السمحاء , واتباع سيدنا محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وسلم ) .
وليك علماؤنا اليوم حقا ورثة الانبياء يوزعون على السلمين حكاما ومحكومين ميراث نبيهم الكريم بالقسطاس المستقيم . لا ظلم فيه ولا مظلوم .
ان الاسلام اليوم , يريد من الحكام , الذين تولوا امر المسلمين في بلادهم من اقصاها الى اقصاها , ان يعودوا الى انفسهم فيحاسبوها على ما فرطت في جنب الاسلام ...

وليعلموا ان حكمهم مهما طال , فنه قصير في عمر امتهم الطويل وايام العمر تمضي سراعا , وضمة القبر بنفتنته وسؤاله آتية لا ريب فيها , وحساب اللله عسير . وعليهم ان يرجعوا الى الاسلام الذي يدعون الايمان به والانتساب اليه فالايمان يعني التقيد باوامره . وتحليل حلاله وتحريم حرامه , وتطبيق احكامه في جميع شؤون حكمهم , وحمل الدعوة اليه , والقتال في سبيله , والا كان ايمانا لاينفع لا في دنيا ولا في اخرى .

وصدق فيهم قول الله تعالى ( ومن الناس من يقول امنا بالله وباليوم الاخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون الا انفسهم وما يشعرون ) ( 4)

لقد اعتز العلماء والحكام بالاسلام , حينما ادى كل منهما واجبه نحوه .

ولكن حين ضيع الاسلام بالقعود عن حمل الدعوة اليه , والتضحية في سبيله . وبالاعراض عن تطبيقه , والحكم بغيره , صار حالنا ما نرى اليوم في جميع دنيا الاسلام . من ذهاب عز ومجد و وفقدان كرامة وسيادة , حتى طمع فينا اراذل القوم ..
وبعد : فقد كانت ( الاستراحة ) الجبرية التي فرضت على في داري والتي امتدت الاولى سنة بالتمام والكمال ( 5 ) من نعم الله تعالى عليّ فق شغفت بالتفتيش في بطون كتب السير والتاريخ والتراجم والطبقات , لمعرفة مواقف علماء السلف الصالح مع الحكام . طيلة وجود الدولة الاسلامية, منذ ان اقامها سيدنا الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) في مدينته المنورة الى ان استطاع الكافر المستعمر ان يقضي عليها سنة 1343 ه فدفعتني هذه المعرفة الى تسجيل تلك المواقف بجزئياتها وكلياتها وجمعها مما تيسر لي ووفقت اليه. ولا جاءت الاقامة الجبرية الثانية (6) قمت مستعينا بالله تعالى الى تنسيقها والاختيار منها والتعليق عليها وكتابة ما يدور في فلكها ولا يخرج عن نهجهها بكتاب فجاءت كما سيرى القارئ الكريم .
ان تلك المواقف التي اقتطفها من سير العلماء والحكام ل اقصد بها التاريخ اذا ليست من التاريخ ببعيد . بل هي منه في الصميم .
ولم اقصد بها ذكر تراجم العلماء والحكام . من الذين مضوا الى ربهم سبحانه .

وانما صدت القاء اضواء على تلك المواقف التي اثبت فيها العلماء _ كما قلت _ انهم حقا ورثة الانبياء , فهي اذن صور لاسير . ليس فيها من التفاصيل بقدر ما فيها من ابراز مواطن العبر والاستبصار.

وليس الذين ذكرتهم هم جميع العلماء الذين كانوا قائمين بواجبهم الشرعي , محافظين على ميراث النبي الكريم ( صلى الله عليه وسلم )
وانما هناك علماء وعلماء . منهم من ذكرهم التاريخ ومنهم من نسيهم وطوتهم السنون , ولن يخلوا عصر من امثالهم حتى تقوم الساعة ان شاء الله .
واود هنا ان أذكر القارئ الكريم الى نقطة مهمة جديرة بالالتفات اليها , هي ان مواقف علماء السلف الصالح رحمهم الله جميعا من حكامهم, في غلظة الكلام , وشدة الانكار وعظيم المحاسبة _ من الذين سنذكر حوادثهم _ ومن وصف العلماء لبعض حكامهم بالظلم والجبروت والغرور وبشيئ من الابتعاد عن شريعة الاسلام . التي امروا ان يحكموا بها حكمهم وسلطانهم , وان كان قد وقع من بعضهم ذلك , الا انه حصل بهم من الخير الكثير للمسلمين ما لم يحصل مثله بمن جاء بعدهم , أي والله .
وهولاء الحكام الذين عاصروا علماءنا الابرار : ما كانوا يكرهون الاسلام وما كانوا يستكبرون عن حكمه وتحكيمه , بل كانوا يطبقونه . ويرعون شؤون المسلمين على اساسه , واعلنوا الحرب على اعداءه , ودافعوا عن بيضة المسلمين وحملوا حمى الاسلام . ولكن مع ذلك , فقد نالت الدنيا من بعضهم , بعض الشيئ, فحملهم على اتباع الهوى في بعض الامور. حرصا على الحكم والسلطان . وما اعظم فتنة الحكم والسلطان !! فلم يل حكمهم من مظالم بارزة وسئيات ظاهرة جعلت العلماء يقفون في وجوههم منكرين عليهم تلك المظالم عاملين على رفع السيئات بذلك . وقالوا عنهم ما قالوا .. لان العلماء ارادوا منهم أن يكونوا على مثل ما كان عليه الخلفاء الراشدون _ اذا هو المطلوب شرعا من كل حاكم مسلم في كل حين _ ووزنهم بمن كان قبلهم فخفوا في الميزان , فظهر التخلف وانكشف التنكب , فلا يتوهم احدنا ان الذين سنذكرهم من الحكام وموقف العلماء منهم , انهم من اعداء الاسلام او من الكارهين له .

فكان ما كان من امر العلماء معهم .

وان كان امر العلماء السلف الصالح مع هؤلاء الحكام وهم على ما ذكرنا فكيف يكون امر علماء اليوم من حكامهم وهم على ما هم عليه ؟؟
ان تاريخ العلماء والحكام من سلف الامة , حافل بمواقف الاستبصار ومواطن الذكرى ومملوء بالدروس النافعة الرائعة, فنحن معشر العلماء في جميع انحاء البلاد الاسلامية , احوج ما نكون اليوم الى الاتعاظ بمواقف سلفا من السادة والعلماء رحمهم الله تعالى الذين تحلوا بصة العلم والعمل , والتقى الزهد , والجرأة في الحق , والصلابة في التمسك بالعدل والمحافظة على حدود الشرع , وحمل الدعوة الى الاسلام لاقامة شرعه في الارض وتحكيم انظمته في الدنيا والقوف في وجه الحكام الظالمين الذين اعرضوا عن الله فأعرض الله عنهم . وبئست عاقبة الظالمين , لنعيد الى الاسلام سيرته الاولى ولنستأنف حياة اسلامية كريمة , يعز بها الدين وعلماؤه وأتباعه ويخذل بها الكفر وجنده وانصاره , ولتكون كلمة الاسلام هي العلا وكلمة الكفر هي السفلى و والله بما تعملون خبير .

وما احوج حكام اليوم في بلاد المسلمين الى الاتعاظ بمن هلك من الحكام الظالمين والتاسي بمن أفضى الى ربه مرضيا بعد اسلامه حكم به , وعدل اقامه وخير نشره .

ان حكام اليوم في بلاد المسلمين بحاجة اكيدة الى من يذكّرهم ويصارحهم بحالتهم ويدلهم على مواطن الداء ونافع الدواء بع هذا الذي صرنا اليه _ انه والله مآل ما كان يطمع بمثله عدو لئيم واثيم , وكافر مستعمر عنيد . والمسلمون ايضا ما احوجهم الى معرفة شيئ عن غيرة اسلافهم على الدين وأحكامه , ووقوفهم في وجه حكام زمانهم .

ان مسؤولية الاسلام تقع عليهم كذلك , ولن ينجوا من الاثم ان قصروا في جنب الاسلام , واهملوا حمل الدعوة اليه . قال تعالى : ( فلنسألن الذين ارسلنا اليهم ولنسألن المرسلين ) (7) عسى ان تكون هذه المعرفة محفزا لعزائمهم الفاترة التي كادت ان تموت , وأخيرا وليس اخرا فان هذا الكتاب كما ذكرت كتب في فترة _ الاستراحة _ الجبرية لذا فهو يعبر عن انطباعات خاصة واحساسات معينة يدركها القارئ اللبيب .

(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ) .

عبد العزيز البدري

بغداد 23 جمادى الاخرة 1385 ه _ 1/12/1965 م .


................................... .......


هوامش :
( 1 ) ايه 115 هود
( 2) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث : صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له ) رواه مسلم.

(3 ) آية 120 سورة النساء .
(4 ) ىية 8 و 9 سورة البقرة .
(5) كانت في عهد الطاغية عبد الكريم قاسم في يوم 2 /12 / 1959 ورفعت في 2/12 / 1960 م
(6) وذلك يوم 7/8 / 1961 ورفعت في اليوم المسمى بيوم العفو العام 4/12/1961 الذي شمل جميع لسياسين بل السراق والمجرمين .
(7) اية 6 سورة الاعراف

_____________



***

هذه هي مقدمة كتاب علامة العراق الشهيد عبد العزيز البدري رحمه الله تعالى كتبه في الاقامة الجبرية 1965 والتي فرضت عليه من قبل النظام البعثي في العراق الذي قام كبار المجرمون الخونة من جلاوذتهم فيه بتعذيبه (حردان التكريتي ورفاقه ) ونال الشهادة على ايديهم يوم 26/6/ 1969 رحمة الله عليه رحمة واسعة واسكنه فسيح جنانه بما قدمه لهذه الامة من مواقف واعمال وكتب جليلة كانت ولاتزال قبسا من انوار العلماء العاملين المخلصين لهذه الامة.... ومن يراجع نصوص الكتاب هذا الذي بين ايدينا يشعر وهو يقراه كانما كتبه العلامة الشهيد اليوم لا قبل 40 عاما من الزمان !وأي زمن ذاك ؟؟؟!!! (عصر الاحلاف والصراعات بين الاستعمار القديم والجديد الانقلابات العسكرية المتوالية ) في بلده وفي البدان المجاورة وزمن الانتشار الايديلوجي الهائل للشيوعية في المنطقة كغيرها من بقاع العالم وما خلفه هذا الامر من بعث كل الجراثيم التي حاربت الاسلام سرا لتصل الى مقاليد الامور في العراق والشام ومصر وغيرها من بلاد الاسلام وما رافق ذلك من حملات اجرامية بحق العلماء الابرار وكان من جملتهم علامة العراق الشهيد البدري....


رحمة الله عليك في عليين ايها العلامة العامل وجعل في مدادك كما جعل في حياتك قدوة ونبراسا لكل من يرجو لقاء ربه ويقدم بين يديه ما يلقاه به جزاه الله خيرا عن الاسلام واهله واكرم الله امة نبيه بمن يسير على منواله ان شاء الله ...


انقل لكم نصوص الكتاب من النسخة التي بين يدي و الذي طبعته ونشرته في المدينة المنورة : المكتبة العلمية لصاحبها محمد نمنكاني


ابو نعيم

و يتبع على حلقات ....ان شاء الله
http://www.alwihdah.com/view.asp?cat=1&id=1208

نبذة عن المؤلف وضعتها كريمته الفاضلة آلاء البدري

abunaeem
08-23-2006, 12:56 PM
العلماء والحكام في العصر الاسلامي


لم ترفل الامة الاسلامية بالسعادة الحقة والرفاهية والامن , ولم تشعر بالعزة والسيادة الكاملتين في الارض إلا في ظل حكم الاسلام - مافي ذلك من شك _ ولم ترتح هذه الامة من حكام بمثل ما ارتاحت حين تولى امرها حكام مسلمون , امنوا بالله واليوم الاخر وحافظوا على كتاب الله وسنة رسوله, ووقفوا عند حدودهما , والتزموا باحكامهما. حضروا المساجد مع الرعية , وفتحوا لهم الابواب, يكرمون الزائر, ويحترمون العالم ويجلون الفقيه , يسمعون منهما النصح والارشاد, ويتلقون المحاسبة والانكار, اما الجهاد في سبيل الله فقد كان رائدهم , لم يتخلوا عنه في احلك الظروف التي مرت بهم لأنهم امنوا بقول الصديق الاعظم سيدنا أبو بكر رضوان الله عليه " ماترك قوم الجهاد إلا ذلوا" لذلك كثرت الفتوحات الاسلامية في زمانهم , وكانوا قادة الفتح الاسلامي العظيم, تلك الفتوحات التي انقذت البلاد المفتوحة من جور الاديان وظلم الحكام وفساد المجتمع, ولازالت آثار تلك الفتوحات العظيمة قائمة في العالم , وتلك حقائق ثابتة لاينكرها إلا من خبثت طويته وفسد عقله وكان ذيلا لاعداء الاسلام يردد ما يقولون ويصدق ما يفترون . كل ذلك من اجل الاساءة الى الاسلام والطعن بحكمه العادل الذي ارتضاه المولى الكريم سبحانه وتعالى لعباده المسلمين.

إن بعض المؤرخين من سلف هذه الامة , ذكروا حوادث لمظالم اقترفها بعض الحكام وإساءات إرتكبوها اثناء تطبيقهم لأنظمة الاسلام , لذا قام العلماء بواجبهم الشرعي فانكروا تلك المظالم وعملوا على إزالة تلك الاساءات, ووقفوا المواقف الجرئية أمامهم في هذا السبيل , لان العلماء, وهذا شأنهم في كل زمان , يريدون من الحكام أن يكونوا مطبقين للأحكام الشرع محسنين في تنفيذ أحكام الاسلام, فلا ظلم يقع ولا اساءة تحدث.

فإذا احدث حاكم اساءة او ارتكب مظلمة سواء كانت عن قصد او سوء قصد او عن نية حسنة , فإن من واجب العلماء ان ينكروا عليهم ذلك وان يحاسبوهم عليه , حفظا على بيضة الاسلام, ورعاية لشؤون المسلمين , بل يعتبرون ذلك نصرة لهم مصداقا لقول الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم " انصر اخاك ظالما او مظلوما قلت يا رسول الله انصره مظلوما فكيف انصره ظالما ؟ قال : تمنعه من الظلم فذلك نصرك اياه " (1)*
ولم ينج الحكام من محاسبة الحكام لهم وإنكارهم عليهم , رغم ما كانوا عليه في احوالهم بصورة عامة تجاه الاسلام , من تطبيق احكامه ورعاية المسلمين على اساسه, والقيام بفريضة الجهاد , ولم يشفع ذلك لهم .
إلا ان بعض الحكام كانت تضيق صدورهم لهذه الافكار , ولم يستسيغوا مواقف العلماء معهم , حرصا منهم على هيبة الحكم وحبا في السلطان, او لغفلة ينسون الله فيها . وسبحان من لايغفل . ولا يخطئ.

لذا فان الحكام الذين عاصروا علماءنا الابرار من الذين ذكرت اخبارهم وسطرت حوادثهم , وموقف العلماء منهم , قد حصل بهم خيرا كثير للاسلام وفضل عظيم للمسلمين اذا كانوا يطبقون الاسلام عقيدة ونظاما, والديل على ذلك :

ان الذي يطبق نظام الاسلام ويرعى عقيدته عمليا, هما شخصان في الدولة, الاول القاضي الذي يفصل في الخصومات بين الناس ويخبر بالحكم على سبيل الالتزام, والثاني الحاكم الذي يحكم الامة سواء سمي هذا الحاكم امير المؤمنين او الامام او السلطان .

أما القاضي فمن الثابت بشكل قطعي ان جميع القضاة الذين تولوا القضاء منذ عهد الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم الى انتهاء الحكم الاسلامي في الدولة العثمانية, كانوا يفصلون الخصومات المعروضة امامهم وفق احكام الاسلام, سواء اكان ذلك في القضايا الجزائية أم الحقوقية أم في قضايا الزواج والميراث مما سمي بالاحوال الشخصية. ام في البيانات وسائر المعاملات, وكانت محكمة القضاء واحدة تقتضي في كل الامور حسب احكام الشرع, ولم يرو ان محكمة قضائية في طول البلاد وعرضها , قضت بقضية واحدة على غير أحكام الشرع, واقرب دليل هو السجلات الخاصة بتلك المحاكم , والتي ما زالت محفوظة في العراق ومصر والشام والقدس و استانبول. وبقي الحال كذلك الى ان فصلت المحاكم الى شرعية ومدنية, وعند ذلك اخذت القضايا والخصومات المعروضة امام المحاكم تقضي بغير احكام الاسلام , وذلك في سنة 1336 هجري 1918 م حين سقطت آخردولة اسلامية على يد الكافر المستعمر حتى ان القوانين التي بدأت تدخل بلاد المسلمين في سنة 1857 م كقانون الجزاء وقانون التجارة وقانون الحقوق فانها لم توضع موضع التطبيق الا بعد ان نالت موافقة شيخ الاسلام _ كبير العلماء_ وأفتى بجوازها بأنها لاتخالف الاحكام الشرعية حتى ان العلماء لم يروا اي مبرر لإدخال القانون المدني الى البلاد الاسلامية ولذلك وضعت (المجلة ) كمواد قانونية في المعاملات مستندة على الاحكام الشرعية حسب فهم واضعيها, كل ذلك يدل بوضوح على ان المحاكم القضائية وقضاة المحاكم كانوا يحسمون جميع القضايا على اساس احكام الاسلام , ولا زالت البلاد التي لم يدخلها الكافر المستعمر بجيوشه وان دخلها بنفوذه تقضي محاكمها باحكام الشرع.

أما الحاكم فقد كان يطبق انظمة الاسلام ويبرز هذا التطبيق في خمسة امور , في الناحية الاجتماعية, والناحية الاقتصادية,والناحية التعليمية ,والناحية السياسية داخليا وخارجيا , وناحية الحكم ؛ وهذه طبقت جميعها من قبل الحاكم في مختلف العصور الاسلامية , اما من الناحية الاجتماعية وهي علاقة الرجل بالمرأة بالزواج والطلاق والنفقة وجميع ما يتصل بهذه العلاقة وهي التي سميت (الاحوال الشخصية ) فانها لاتزال قائمة وموجودة في جميع البلاد وان غير بعض الحكام جزئيات فيها , رغم ابتعاد الحكام عن الاسلام كنظام وعدم تطبيق احكامه في نواحي الحياة.

أما الناحية الاقتصادية,فانها تبرز في مسالتين , الاولى كيفية اخذ الدولة للمال من الامة والثانية كيفية انفاق هذا المال, أما من حيث أخذه , فكانت الدولة الاسلامية الاسلامية تأخذ الزكاة على الاموال, والاراضي وعروض التجارة والمواشي والزروع والثمار , باعتبار الزكاة عبادة, لتقوم بتوزيعها على الذين لهم حق بها , من الاصناف الثمانية المقررة شرعا, كما تأخذ الخراج والجزية وضرائب الكمارك بحكم اشرافها على التجارة في الصعيدين الداخلي والخارجي, وكانت تقوم على ادارة ما هو داخل في الملكية العامة, او ملكية الدولة , كالمعادن والقنوات وغيرها من موارد بيت المال, اما من حيث انفاق هذه الاموال فانها كانت توزعها حسب الاحكام الشرعية, وقد طبقت احكام النفقة على العاجز وحجرت على السفيه والمبذر, وأوجدت اماكن لاحكام الفقراء والمعسرين , ونفذت احكام العمل والعمال, ومنعت الاحتكار والغش والاستغلال وكل وسائل الكسب غير المشروع.

ومن الحق أن نقول ان بعض الحكام كانوا يسيئون تطبيق الشرع في هذه الناحية وكان البعض الآخر يحسن غاية الاحسان في رعاية هذه الناحية , تبعا لنفسية الحاكم ومدى التزامه بالاحكام الشرعية , وموقف الامة منه خصوصا العلماء , فاذا حصل لبعض الحكام أن يقصر ويسيئ فلا يعني هذا عدم التطبيق.

أما من الناحية التعليمية فان الاساس الذي كان قائما على هذه الناحية هو الاسلام بتركيز العقيدة الاسلاميةحين التعليم ونشر الاحكام الشرعية المتعلقة بشؤون الحياة. وتعليم الثقافة الاسلامية والعلوم الاخرى. حتى اصبحت البلاد الاسلامية الخاضعة لحكم الاسلام موئلا للعلوم ومقرا لدراسة المعارف. وكانت جامعهاتها والمعاهد العلمية سواء كانت في المساجد او دور خاصة, محط انظار العلماء واهل المعرفة ورواد العلوم وكان لتلك الجامعات والمعاهد الاثر العظيم في توجيه التعليم ونشر الثقافة في مختلف العلوم, ومن هذه المعاهد والجامعات تخرج كبار العلماء والفلاسفة والمفكرون الذين لازالت ابحاثهم ودراساتهم ومؤلفاتهم, موضع الاكبار , ومن معينها يستقي المفكرون ويورد المربون اليوم , وكل الذي حصل من تقصير في هذه الناحية هو ما كان قائما في العصور المتاخرة من قلة المدارس ونضوب العلم والمعرفة.

أما السياسة الخارجية والداخلية , ففي الناحية الداخلية كان يطبق نظام الاسلام على الامة, وهذا قائم ما دامت الدولة الاسلامية قائمة, واذا حصلت اساءة في تطبيق بعض تفصيلات نظام الاسلام فلايعني هذا عدم وجوده , حيث ان المسلمين لم يرتضوا بغير الاسلام نظاما لهم , كما لم يستوردوا نظاما ولم يسمحوا بدخول نظام اجنبي, بل لم يترجموا اي نظام في الوقت الذي ترجموا الفلسفات الاجنبية والعلوم والمعارف, وفي الناحية الخارجية كانت علاقة الدولة الاسلامية بغيرها من الدول قائمة في العالم الاسلامي , دولة اسلامية فاحكام المعاهدات والجهاد وسائر الاعمال السياسية كانت تسنبط من ادلة الشرع وقد خلف العلماء ثروة هائلة من الافكار الاسلامية في هذه الناحية وغيرها .
أما نظام الحكم المطبق في العصور الاسلامية, فقد كان نظام حكم اسلامي, فكان جهازه اسلاميا حيث قام على سبعة اركان (1) الخليفة وهو رئيس الدولة (2) المعاونون للرئيس في الحكم (3) الولاة في الاقاليم (4) القضاة (5) الجيش (6) الجهاز الاداري (7) مجلس الشورى , وهذا الجهاز كان قائما . وتفصيل ذلك :

إن الامة الاسلامية من لدن حياتهم في المدينة المنورة , حتى سنة 1342 ه 1924 م كان عليهم خليفة,وان سمي في بعض العصور بالسلطان او الملك(2)* والمعاونون وهم الهئية التنفيذية فقد كانوا موجودين في جميع العصور وان وصفوا بلقب الوزراء في بعض العصور كالعصر العباسي أما الولاة والقضاة والجهاز الاداري فقد كانوا موجودين كذلك ولا زالت هذه المناصب موجودة في بعض الاقطار في العالم الاسلامي.
اما الجيش فوجوده لايحتاج الى دليل إذ هو صاحب الفتوحات الاسلامية العظيمة وهو القوة الجبارة التي كانت ترهب الكفار في العالم .

اما مجلس الشورى فإن من الامانة في البحث ان نقول انه يعن به من قبل الحكام عناية حقة إلا في زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم. فقد كان غير هؤلاء يكتفون بأخذ الشمورة من افراد معينين وثقوا بهم, وهم الذين سموا بأهل الحل والعقد في بعض العصور ومنهم من اتخذ من معاونيه او من معاونه الاقدم سبيلا لتحقيق الشورى , وان كان من الواجب ان يكون هذا المجلس قائما لانه من حق الامة على الخليفة, لذا فالذي حصل في العصور المتاخرة في مسالة الشورى تقصير , ومع ذلك فان الحكم كان اسلاميا , ولان الشورى هي لاخذ الراي بخلاف المجالس النيابية في النظام الديمقراطي فهي للحكم .

وكل الذي يؤخذ على جمهرة الخلفاء هي مسالة بيعة الخليفة ومسالة استعمال القوة المادية في تولي الحكم . اما البيعة فقد كانت تؤخذ لابن او اخ او من اسرة الخليفة القائم في حياته, ثم تجدد لذلك الشخص بعد فقدان ذلك الخليفة وهذه اساءة لتطبيق حكم البيعة, إذ ان البيعة شرعا تعقد للرجل الذي ترضاه الامة وتختاره بعد فقدان خليفتها, واساءة تطبيق حكم البيعة هذه هي الشبهة التي حسبها البعض بانها نظام الحكم الاسلامي وكان وراثيا في جل العصور الاسلامية وهو ما يعبر عنه بالنظام الملكي, وهذا يتنافى مع احكام الاسلام في نظام الحكم. وبالتالي لم يطبق في جميع العصور الاسلامية , حيث ذكرنا آنفا ان الذي حدث في تلك العصور هي ان الخليفة كان يقوم بناء على بيعتين الاولى في حياة الخليفة القائم والثانية بعد وفاته, ولم ينصب خليفة دون بيعة , فكانت البيعة تؤخذ في تلك العصور من اهل الحل والعقد, ثماخذت من شيخ الاسلام ـ كبير العلماء ـ وهذا يتناقض مع مفهوم الوراثة او ولاية العهد , لوجود البيعة الثانية وهي الاصل , والاولى كانت على سبيل الترشيح الالزامي, ولو اكتفى بالاولى لصح القول وكانت تلك الشبهة , حقيقة قائمة لاشبهة, والبيعتان هاتان لايقرهما الاسلام, وانما بيعة واحدة تعلن فيها الامة عمن تريده خليفة عليها وبدون ضغط او اكراه , يبايعها هو على تطبيق الاسلام وتبايعه على السمع والطاعة.
اما استعمال القوة المادية في تولي الحكم , وفرض شخص معين نفسه على الامة, وهي لاتريده ولا ترضاه حاكما عليها فهذا لايجوز شرعا ولا يقره الاسلام , ولو ان هذا الشخص اعلن انه يطبق الاسلام ويرعى الامة على اساسه, إذ الامة هي صاحبة السلطان ,ولها الحق كل الحق , ان تختار شخصا معينا ليكون نائبا عنها في تولي الحكم وتولي السلطان.

وهناك شبهة اخرى , وهي حدوث بعض الاساءات , ووقوع بعض المظالم من قبل بعض حكام الدولة الاسلامية, فحكم البعض على هذه الوقائع التأريخية, بعدم تطبيق الاسلام في ذلك الحين , ان هذه الشبهة ستزول حتما اذا لوحظت هذه الامور.

أولا: ان تأريخ الحكم الاسلامي , واحوال الحكام, لاتؤخذ من أعداء الاسلام أو من المبغضين له , او من الذين دخلوا في الاسلام نفاقا , لتحقيق مآرب خاصة؛ وانما يؤخذ هذا التاريخ من قاة المؤرخين المسلمين المؤمنين, مع التحقيق الدقيق في ذلك اذ ان كثيرا من الحوادث نقلت بزيادة فيها, وان بعض المؤرخين لم ينصفوا بعض الحكام, وان عامل الاختلاف المذهبي كان له اثره في كتابة الحوادث , ومنهم من خضع لاهواء الحكام حين الكتابة عن الذين سبقوهم في الحكم فضلا عن انه لم يكتب تاريخ المجتمع الاسلامي كتابة تمحيصية دقيقة , وان الذي كتب هو اخبار الحكام , وهذه لاتعطي صورة واضحة عن المجتمع الاسلامي ولا عن حكم الاسلام .

ثانيا : ان الباحث المدقق لايجوز له ان يستعمل القياس الشمولي عن المجتمع , من تاريخ بعض افراده او احكامه, كما لايجوز له ان يحكم على نواحي المجتمع كلها بالفساد , لفساد حامه , او لفساد ناحية فيه , فليس من الصواب ان يحكم على المجتمع في العصر الاموي من تاريخ يزيد بن معاوية او الحجاج بن يوسف الثقفي , او ان يحكم على المجتمع العباسي بالفسق على اخبار اهل الهوى والمجون والجواري الحسان , من قراءة كتاب الاغاني لابي الفرج الذي الّف عن اخبار اهل الهوى والمجون والشعراء, وانما الصواب ان يحكم على المجتمع بالصلاح او بالفساد من دراسة جميع نواحي المجتمع.

ثالثا: ان معرفة احوال المجتمع وحياة اهل العصر تكون بمعرفة نوعية النظام الذي كان مطبقا ومدى تطبيق الحاكم او المحكوم له, وهذه المعرفة تكون بدراسة ناحيتين والاطلاع سيرهما بدقة

الاولى ــ معرفة مصادر النظام المطبق في ذلك العصر.

الثانية ــ معرفة مصادر التاريخ الذي يذكر كيفية تبيق النظام .

اما النظام فتعرف نوعيته وتفهم صحة معالجته لمشكلات الحياة, ويحكم على صلاحه وسلامته او فساده وخطئه من معرفة مصادره الفقهية , التي استند عليها.
ومصادر نظام الاسلام هي الكتاب والسنة وما استند عليهما وارشد اليهما , وهذ المصادر مفصلة مع الاحكام المستنبطة منها في الكتب الاسلامية,التي تعرف بكتب الفقه . وعلى هذا الاساس نجد ان النظام الذي كان مطبقا في المجتمع في العصور الاسلامية كلها هو نظام اسلامي محض , حيث لم يوجد ولا نص فقهي واحد من غير الاسلام مما يدل على ان الاسلام كان مطبقا وحده , ولو لم يكن كذلك , لذكرت نصوص او نص واحد لمعالجة مشكلة من غير الاسلام .

اما مصادر التاريخ وهي التي تذكر كيفية تطبيق هذا النظام من قبل الحاكم او المحكوم وتذكر احوال المجتمع وحياة اهل العصر فانها تكون بدراسة الامور التالية :

كتب التاريخ : ان بعض هذه الكتب التي بين ايدينا اليوم قد خضعت للظروف السياسية وكانت تحشى بالتزوير والبهتان ومدحا او ذما بالزيادة والنقصان اما بجانب الذين كتبت في ايامهم واما ضد الذين كتبت عنهم في ايام غيرهم (3)* ومن البديهي ان هذه لاقيمة لها من الناحية التاريخية الموثوقة وعلينا بالكتب التاريخية المعتبرة التي لايتطاول اليها الشك, ومن فضل الله تعالى على هذه الامة انه منحها مؤرخين يندر ان تجد امثالهم في العالم كله لما بذلوه من جهد صادق في تحري الحقائق بكل امانة واخلاص.

واذا درسنا هذه الكتب بنزاهة علمية وقلبنا اوجه حوادثها وربطنا بين تلك الحوادث تاريخيا وواقعيا نجد ان المجتمع في العصور الاسلامية, كان مجتمعا اسلاميا وان اهله حكاما ومحكومين كانوا يطبقون الاسلام. ولم يطبقوا غيره, بل لم يترجم العلماء نظام غيرهم ولو للاطلاع كما فعلوا في الفلسفة , لانهم كانوا في غنى عن ذلك .

الآثار : والآثارمصدر مهم من مصادر التاريخ , وهذه اذا درست بدقة فانها تعطي حقيقة تاريخية, ومن يتتبع آثار المسلمين في بلاد لم يجد أثرا غير اسلامي بل ان المسلمين تركوا لنا اثرا عظيمة دلت على ذوقهم الاسلامي السليم, وعلى نفسيتهم الرائعة وعلى عقليتهم الاسلامية المبدعة .


الرواية : الرواية من اصح المصادر التي يعتمد عليها في نقل الحوادث والوقائع وذلك كشان كتب الحديث التي نقلت سنة الرسول الكريم (ً صلى الله عليه وسلم ) وكتأريخ الطبري وتأريخ ابن كثير ومن مجموع هذه المصادر الثلاثة 1_الكتب , 2_الاثار , 3_الرواية , مع معرفة مصادر النظام, يكون الحكم على النظام وعلى كيفية تطبيقه , واذا لاحظ الدارس المدقق ذلك كله, يحصل على نتيجة طيبة, ويحكم على ان المجتمع في كل العصور الاسلامية التي كانت تحكمه الدولة الا سلامية , كان الاسلام مطبقا وقائما .

ومن الجدير ذكره باننا لاننكر حدوث اساءات او وقوع مظالم في بعض العصور الاسلامية ,و في ظل دولة الاسلام , بل ان حوادث كتابنا هذا التي قام عليها الكتاب لتدل دلالة واضحة على عدم الانكار, ولكن نقول ان حوادث الظلم ووقائع الجور من قبل بعض الحكام لاتعني ان الحكام فساق فجاّر كافرون مارقون كما يتصور البعض او يصور البعض , ولاتعني ان المجتمع غير اسلامي.

وانما تعني ان الامة الاسلامية كانت في تلك العصور من اسعد الامم لتطبيق احكام الاسلام عليها, وتلك سعادة الامة في كل حين , وان لواء الاسلام كان خفاقا البنود في الارض , وان دولة الاسلام كانت زهرة الدنيا وكانت امنية الشعوب المظلومة ان تستظل بلوائها , وان الحكام كانوا مسلمين وان وقعت اساءات منهم , ولذلك وقف العلماء من بعضهم موقفا صلبا وشديدا لوقوع اساءات منهم لم تصل الى حد تغيير احكام الشرع او تبديل حكم من احكام الاسلام , موقفا لم يعرف الخور والاستكانة, بل منهم من قدم رأسه لمقصلة السياف او ظهره للسياط والجلاد , حسبة لله تعالى , وقياما بالواجب الذي فرضه الله تعالى على العلماء حملة الشرع في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وما نهي بعضهم عن مداخلة الحكام وتحريم التود اليهم الا لحماية صوت العلماء في وجه كل طاغية مما قد يصيبه من ضعف آت من تلك المداخلة , ومنهم من تعاون مع الحكام في اقامة الحق ونشر الخير عن طريق تولي المناصب القضائية ووظائف الدولة , ومع هذا وذاك فقد وجد منهم ـ العلماء ـ من يلبس الباطل ثوب الحق ويزين للحاكم مظالمه ويبرر سيئاته , ان هؤلاء الذين اشتروا الدين بعرض زائل من الدينا فعليهم وزر صنيعهم ولا غرابة في ذلك لانهم من البشر وليسوا ملائكة وهم يخطئون لانهم من بني آدم (كل بني آدم خطأء وخير الخطائين التوابون ) . (4)*


______________


(1)*_ أخرجه البخاري ومسلم عن انس بن مالك رضي الله عنه

(2)*_ الملك حسب واقعه الذي كان قائما يختلف عن نظام الملكية في النظم الديمقراطية في الوقت الحاضر. ولذلك لاتصح هذه التسمية على خليفة المسلمين بعد ان عرف وشاع مفهوم الملك في الوقت الحاضر.

(3)*_ وأقرب دليل على ذلك تاريخ الاسرة الهاشمية في العراق فانها وصفت قبل ثورة 14 تموز 1958 بخدمة الامة ورعاية الدين والنزاهة في الحكم وغير ذلك من الاوصاف المذكورة في الكتب التي الفت في عهدهم , ولكن بعد ثورة 14 تموز وصفت بالخيانة والمروق من الدين وفساد الحكم وألقيت في ذلك كتب, ومثل ذلك اسرة حميد الدين في اليمن وتاريخ الاسرة العلوية في مصر.

(4) * التعليق هنا اضافة من قبلي (ابو نعيم )ليست في نص الكتاب : ومنهم ايضا " صاحب هذه الاحرف الجليلة والفكر المستنير " العلامة الشهيد البدري " الذي لم يكن يدري انه يخط بها الثواني لنيل الشهادة كاخوانه الذين ذكرهم تباعا في كتابه الذين سبقوه اليها وخلفوه فيها ايضا ....! رحمه الله واسكنه والعاملين المخلصين لرب العالمين وحده ورحفظ دينه ورفعة شأو أمته ... المنزلة التي وعدهم بها والحقنا والصالحين ومن سار على نهجهم وسيرتهم العطرة بهم ان اشاء الله تعالى اجمع .

***يتبع ان شاء الله.***

ابو شجاع
08-23-2006, 01:48 PM
بارك الله فيك اخي ابا نعيم

كلي شوق الى متابعة بقية الكتاب

ورحم الله فقيد الأمة سيد الشهداء الشيخ عبد العزيز البدري الذي فجع بقتله اهل العراق سنة وشيعة

السيد مهدي
08-29-2006, 09:21 PM
نعم بارك الله بالأخ الناقل أبونعيم.

وأنا من المتشوقين لمتابعة الكتاب.

رحم الله شهيد الإسلام الخالد ألعلامة الشيخ عبد العزيز البدري.

شكرالأنصافك وعقلانيتك أخي الكريم أبوشجاع أمثالك من يشجعني على الرجوع لهذه الساحة.

ابو شجاع
08-30-2006, 11:53 AM
شكرالأنصافك وعقلانيتك أخي الكريم أبوشجاع أمثالك من يشجعني على الرجوع لهذه الساحة.


نسأل الله ان نكون عند حسن ظنكم اخي السيد المهدي

وشكرا على ثقتكم بي

كامل الاحترام