تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فلسطين قضية اسلامية



فـاروق
07-19-2006, 02:45 PM
فلسطين قضية اسلامية
ما زالت الصحف العربية تطالعنا بمقالات تندرج تحت سياق المحاولات الحثيثة المبذولة لاخراج الدولة اليهودية –ومن يقف وراءها- من سلسلة المآزق التي تبشر بانحسار نفوذها أمام ما سمي بحركة الصحوة الاسلامية-على الرغم من كل ما تعانيه وما يعتريها من نقص وشوائب- وقد كون من الواضح أيضا أن سياسة تغيير المناهج التي تطالب بها واشنطن تتعدى الاسلوب التقليدي لتستعمل كل الوسائل الممكنة-من مرئية ومسموعة ومكتوبة-في محاولة بث الشكوك في المسلّمات و استبدالها بأفكار ومبادئ تخدم مشروعها-وبالتالي مشروع اسرائيل- وتصوير ذلك بانه ضرورة حتمية للحاق بركب التطور العصري.

وسنعتمد في سياق الرد على هذه الادعاءات الاسلوب العلمي الواضح وذلك عن طريق تناول نقاط واضحة ومعنية بالبحث دون اللجوء-كما يفعل بعض الكتاب -الى اثارة العديد من النقاط وتضمينها المغالطات وتغليفها بعبارات الاسى على الوضع الفلسطيني واعلان الاماني الحارة بعيش كريم لابنائه.

ولكي نؤكد "اسلامية" الصراع الاسرائيلي-الفلسطيني علينا ان نعود الى مفهوم الاسلام كدين و الى أطر تنظيمه لعلاقات المسلمين فيما بينهم وبالتالي لتحديده لمفهوم الصراع وهويته وكيفية التصرف ازائه. إذ أنه من غير المنطقي ان ننتقد "أسلمة " صراع ما دون ان نعي حقيقة تعامل الاسلام مع الصراعات ونظرته الى العالم، ذلك لان ما يحدد "اسلامية" الصراع هو الاسلام نفسه بعيدا عن موافقة غير المسلمين لهذا الطرح ام لا،بل بعيدا عن رضوخ المسلمين لتعاليم دينهم ام لا.

1)فلسطين قضية اسلامية

-الاسلام هو رسالة الله الى الناس جميعا بمختلف اعراقهم والسنتهم واقطارهم....رسالة تحمل لهم ضرورة الاقرار بعبوديتهم وتوحيدهم لله وبالتالي التقيد المطلق بتشريعاته والتعامل مع مختلف المستجدات وفق المبادئ والتشريعات التي ارساها.

-ومن هنا حارب الاسلام العصبية الوطنية والعرقية "لا فضل لعربي على اعجمي الا بالتقوى" ونظم علاقات المسلمين على اساس الرابط الاسلامي "انما المؤمنون إخوة" "يايها الذين ءامنوا لا يسخر قوم من قوم " ومن الصور الجلية على هذا تآخي الرومي مع الفارسي مع الحبشي مع القرشي الخ......"المسلم اخ المسلم لا يحقره..."

-هذه الاخوة ترتب عليها نصرة المسلمين لبعضهم البعض واعتبار المس باحدهم مساس بالمسلمين ككل "مثل المسلمين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر" واوجب عليهم الاهتمام بشؤون بعضهم البعض "من بات ولم يهتم بامر المسلمين فليس منهم" بل وحذر من عدم نصرة المسلم الذي تمتهن كرامته وينتهك عرضه ويحيق الخطر بماله وحياته "ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته".
لقد كان المفهوم السائد للنصرة في الجاهلية هو التناصر القبلي أو العائلي بالحق وبالباطل، فمتى ثارت الخلافات بين فردين تولت كل قبيلة نصرة من ينتمي إليها ولو كان ظالمًا معتديًا. لكن لما جاء الإسلام ألغى هذا المفهوم العصبي الذي يتنافى مع أوليات الأسس التي تقوم عليها مكارم الأخلاق، وأحل محله المفهوم الأخلاقي الكريم الذي يتمثل في نصرة المظلوم على الظالم ولو كان المظلوم بعيدًا وكان الظالم من ذوي القربى.

وكان مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أمته نصر المظلوم بغض النظر عن لونه وجنسه وأوضح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن رابطة الأخوة هي التي تجمع بين المسلم وغيره من المسلمين، وأن من لوازمها التناصر: "كل مسلم على مسلم محرَّم، أخوان نصيران.." (أي ينصر كل منهما الآخر).

بل ان الاسلام لم يقبل نصرة المسلم لاخيه الا من منطلق الامتثال للامر الالهي....ولا يقبل الدفاع من منطلق عصبي قومي بحيث تصبح القضية قضية قومية او عرقية وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل حمية (عصبية لقومه)، والرجل يقاتل ليرى مكانه (ليذكر بالشجاعة) والرجل يقاتل للمغنم: أيهم في سبيل الله؟ فقال: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو سبيل الله".

ومما سبق يبدو جليا ان على كل مسلم واجب ديني في الدفاع عن الشعب الفلسطيني المسلم الذي احتلت ارضه وانتهك عرضه و..و....وهذا الواجب هو من منطلق اسلامي فقط....بمعنى آخر من متطلبات حسن اسلام المرء نصرة اخيه المسلم في فلسطين لانه مسلم اولا. ويكفي هذا السبب لكون القضية قضية اسلامية.

-من ناحية أخرى، يعتبر الاسلام كل ارض قام عليها (في فترة ما) كيان اسلامي كامل حيث مورست الشعائر والقوانين الاسلامية، يعتبر هذه الارض ارضا اسلامية وتبقى حقا للمسلمين حتى ولو تم جلاؤهم عنها بالقوة( الاندلس مثلا). أما فيما يختص بفلسطين، فانه من البديهي انها ارض اسلامية وفقا لما سبق. أما الادعاء ان فيها مقدسات للاديان الاخرى لهو دليل اضافي على كونها ارض اسلامية ،كيف لا وانبياء الله جميعا أسلموا له...وجاؤوا بعقيدة واحدة وبرسالة واحدة. وخير دليل على هذا الكلام هو حادثة الاسراء التي جاءت لتؤكد هذا المعنى ولتقطع الطريق امام كل من يحاول ان يدعي حقا ما بذريعة ادعائه حبا واتباعا لنبي من انبياء الله.

2)اسرائيل دولة دينية وتستمد وجودها من قضية دينية

لكم هو غريب على من يدعي وصلا بالصحافة ان يغض الطرف على أن القضية التي يحاول جاهدا "خلع" الصفة الدينية عنها لن تلاقي تجاوبا لدى الطرف اليهودي ولو انطلت هذه الخديعة على سذج العرب. كيف لا والكيان الصهيوني يستمد وجوده من قضية احقية "اليهود" بوطن في فلسطين لكي يأتي المخلص ويعيد لهم مجدهم المزعوم. بل وان دعوتهم الاولى من هرتزل وبروتوكولات الحكماء انطلقت من مفهوم ديني بحت بل واستدرت فيما بعد عطف الشريحة اليمينية المسيحية المتطرفة في الولايات المتحدة بناء على ما سبق ذكره من تسريع قدوم المسيح المخلص. ولا يغير من الواقع ان تكون الصهيونية حركة مصلحية تتخذ من النصوص الدينية مطية للوصول الى مآربها (وهذا ديدن اليهود عبر التاريخ) الا ان ما يعنينا هي الصبغة التي ارتضوها هم للصراع ، بل ان علينا ان ننتبه الى عدم وجود فرق كبير بين الصيونية واليهودية الحالية بالنسة لموقفنا من فلسطين. ذاك انك ترى حتى الجماعات اليهودية التي تعارض الصهيونية وتنتقدها تطالب بقيام دول يهودية على ارض فلسطين "مع احترام حق الفلسطينيين باقامة دولتهم" !!!!!
من هنا يمكننا ان نقول بشكل قاطع ان اللعب على قضية الصهيونية واليهودية في قضية فلسطين بالتحديد ليس لها اي قيمة علمية او نظرية.
ومن المهم في هذا المقام الاشارة ان الدولة "الدينية" التي تقيهما اسرائيل هي بعيدة عن الدولة "الخاضعة لاحكام الدين" التي ينشدها المسلمون، اذ ان دولة اليهود هي دولة عنصرية مبنية على صفاء الجنس اليهودي ولا مقام فيها لغير اليهودي(من حيث توزيع الحقوق والثروات) في حين ان الدولة الاسلامية هي كيان يضم بالطبع المسلمين اضافة الى الشرائح الاخرى وفق الاطار التشريعي الاسلامي.
3)هل يسيء الطرح الديني الى القضية الفلسطينة؟

قد تكون الايجابية الوحيدة لطرح هذا السؤال هو حالة الضحك التي تنتاب المستمع لهذه المقولة وكما هو معروف "ادخال السرور على قلب المسلم صدقة" !
الا اننا ووفق نفس سياق هذا المقال سنفند هذه بالمقولة بالادلة القاطعة التي لن تثني الجهال وأصحاب المآرب عن المضي في اختلاقاتهم الا انها تصحح الصورة لدى العاقل الذي عانى من التشويش الاعلامي الرهيب الذي يعصف بالامة.

-بناء على ما سبق يتبين لنا ان الطرح الديني واجب يتحتم الاخذ به كونه الحقيقة الناصعة التي يحاول الكثيرون طمسها، ولا يمكن للحقيقة ان تسيء الى اي قضية ما بل هي التي تحفط حقوقه كونها غير قابلة لمحاولات التشكيك والتكذيب.

-من المسلّمات التي يقر بها الجميع ان الاسلام هو الذي ابقى على مفهوم العربية كلغة وقومية، كيف لا ولقد تعرضت لغة العرب لهزات عنيفة كادت ان تسحقها لولا ان كتاب المسلمين المقدس "القران" يتكلم العربية مما يحتم على المسلمين تعلم هذه اللغة وتعليمها لاولادهم بل وكونها ضرورة حتمية للتفقه في الدين و للسماح لاجتهادات عصرية ان تبصر النور. ومن المسلّم به وما اثبته التاريخ ان هذا الدين وقضاياه عصيّ على محاولات التهميش و التغييب(وان كانت قد تاخذها غفوة) كون هذا الدين محفوط بحفط الله عز وجل والطرح الديني لاي قضية يؤمن لها الاستمرارية مما يحفظ حقها بان تطرح نفسها على مدى العصور والازمان( ولنا مجددا في الاندلس خير مثال....)

-هل من المعقول ان نخسر دعم مليار شخص يقطنون مختلف ارجاء العالم ويحملون مختلف الجنسيات ويحتلون مختلف المواقع ونحصر الدعم بثلاثة ملايين شخص؟ هل من المعقول رفض ان تكون القضية عالمية والمطالبة يحصرها في بقعة واحدة من العالم؟ الا يمثل هذا الطرح ادانة واضحة لحامله ووسيلة واضحة لاضعاف القضية وربطها بانظمة سبق ان قدمت فروض الولاء والطاعة لرعاة الخنازير (عرف الامريكان انهم رعاة بقر...الا انهم فضلوا رعاية اليهود) واحكمت كتم الافواه وسلب الحريات؟

-يتبين لنا من مقال (لمنى الطحاوي) سبق ان نشرته الشرق الاوسط اللندنية ان الكاتب قد خانه ذكاءه حين ذكر ان نكسة ال67 تسببت في ضمور الطرح القومي. اذ ان ذكره لتلكم النكسة هو ما سنستعمله لبيان خطأ طرحه. عصفت شتى انواع الانحرافات الفكرية في المجتمع العربي وظهرت القومية العصيّة التي فشلت في تحقيق اي نجاح يذكر في مختلف الاصعدة بل انها لم تستطع ان تكسب ود الناس الا بعد ان خطبت ود الطرح الاسلامي واعلان ان لا تناقض بين الاسلام والعروبة. ان القومية في نشأتها الاولى استعدت الدين واستبدلته بالقينات ومجالس الخمر والفواحش فحصدت هزيمة نكراء في العام 67 فضلا عن سجلات تفضح انتهاكات خجل منها سجلات ابو غريب وكان الحل الذي اعتمدته هذه القومية لاعادة ترويج نفسها هو اعادة ربط العروبة بالدين والسماح للفكر الاسلامي(ولو جزئيا) بان يساهم في تقويم الفكر السائد مما ادى الى ايجاد حالة 73. ولكم هو غريب ان يعتبر البعض ان العروبة هي الاب الحقيقي للقضية الفلسطينية...هل تناسى هؤلاء موقف الشعب الفلسطيني ايام الانتداب...؟هل تناسوا الطرح الديني الذي ساد آنذاك؟ هل القومية المزعومة هي التي دفعت بالسوري عز الدين القسام الى بذل الروح رخيصة في سبيل القضية؟بل انه من الغريب ان يتغنى مروجو هذا الفكر العروبي -وفق فهمهم السقيم له- بانجازات صلاح الدين الكردي. الحقيقة هي ان العروبة الكريمة والانظمة الراعية لها هي التي سلمت القدس وما تبقى من فلسطين الى ايدي اليهود في عام 48.

ومن المسلّمات ايضا ان الطرح الديني هو القادر على مد القضية بمختلف انواع الدعم مهما كانت التضحيات في حين ان القومية لن تقدم اكثر من جزء بسيط من فوائد اموالها المودعة في كنف الجاني!!

-قد يتذرع البعض بالقول ان البعد الاسلامي لقضية فلسطين قد يسلبها التعاطف الدولي، فهل تناسى هؤلاء المتذرعون انه لا تعاطف دولي مع فلسطين بل ان الامر لا بتعدى بضع وعود مرفقة ببضع دراهم ليشتروا بها ضمائر الحكام (في حال وجودها) وليمارسوا بالتالي ضغطهم على فقراء الناس الساعين لتامين لقمة عيشهم؟.واننا نضيف قائلين انه من غير المنطقي تحييد الحق لجلب رضى الذين تسببوا بسلبنا حقنا هذا. ولنا في التاريخ اصدق شاهد على ان الخسائر الاولى التي تصيب محاولات استرداد الحقوق ما هي الا بشارات النصر و ضرورات التمحيص الالهي وان ثبات المواقف هو الحل الناجع الذي لا بد ان يخضع له المعتدي ولو بعد حين.

يعد كل ما سبق، بدا واضحا كم هو من المعيب ان تستمر بعض الاصوات بالدعوة الى نفي الصفة الدينية عن الصراع في الوقت الذي تستمر محاولات هدم الاقصى وفي الوقت الذي تتعالى فيه دعوات اليهود في مختلف ارجاء المعمورة الى الهجرة "المباركة" الى ارض الميعاد، بل وفي الوقت الذي لا تقبل اسرائيل ان تظهر الا بمظهرها الديني.ونختم مستذكرين قوله تعالى "قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العلمين" .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والحمد لله رب العلمين.