تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نحن والانبياء بين الغلو وحسن الاتباع



فـاروق
07-19-2006, 02:35 PM
بسم الله الرحمن الرحيم



الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،وبعد


قرات منذ فترة في مجموعة بريدية اشارك فيها موضوعا عن الانبياء وعقيدة المسلمين فيهم...وتفاجأت حين رايت احد الردود التي تهاجم صاحب المقال لكونه قال ان الرسول عاتبه ربه وانه اخطا في بعض المسائل.. وجاء الرد مليئا بالمغالاة...واليكم بعض ما جاء فيه

"النبي كان يتصنع خطأ ما حتى يعلم ويؤدب ويربي وأن الله عندما كان يعاتبه حتى يرينا في آياته الحكم ويقول لنا أنه حتى إن أخطأنا وتمت معاتبتنا فإن الله أرحم الراحمين ومن يستغفر ويتوب فإن الله يغفر له ويرحمه ويبدل سيائتهم حسنات ..."


"


لقد قرأت مرة قصة عن الرسول اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته أجمعين وهي كالتالي :

أنه في ليلة حارة خرج الرسول اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته أجمعين من بيته وهو يشعر بجوع شديد (أرجو التركيز على هذه الكلمات) وفي نفس الوقت خرج سيدنا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه وجزاه عنا خير الجزاء وأيضا سيدنا عمر رضي الله عنه وأرضاه وجزاه عنا خير الجزاء وهما يشعران أيضا بنفس الجوع ولما هو معروف أن بيوتهم كانت تخلو من أي طعام لتعففهم الشديد ولفقرهم ايضا ...فما كان منهم غير أنهم هربوا من بيوتهم بمعنى أدق ... وتقابل الثلاث فنظر إليهم الرسول الكريم الرؤوف الرحيم اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته أجمعين وسألهم عن سبب خروجهم في هذه الساعة فنظر كل واحد منهم إلى الآخر وقالا : أنهما جوعى ...فابتسم عليه أفضل الصلاة وأزكى سلام وأنمى بركة لهما وقال تعاليا لنذهب عند صحابي وكان معروف بأنه من الأثرياء وفعلا توجهوا الثلاث لهذا الصحابي وما أن أستأذنوا منه فلم يصدق عينيه أن يرى الرسول وصاحبيه بباب بيته فأيقظ أهل بيته ليعدوا الطعام لهم ولكن الرسول اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته أجمعين لم يكن ليذهب لبيت أحد ليأكل فكفاه بأن ساله بعض التمر والحليب فقط وفعلا أحضر الرجل ما أمر به النبي الكريم اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته أجمعين وفعلا ما أن تم وضعه أمامهم فاستحى كل من سيداي أبو بكر وعمر أن يمدا يديهما قبل الحبيب المصطفى اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته أجمعين فنظر لهما وابتسم ومد يده الشريفة وأكل تمرة وقليل من اللبن ثم جعلاهما ياكلان فقاما بما أحضر الرجل وأنصرفوا من عنده ...

هذه القصة وإن كان ليس لها دليل قاطع ولكنها رويت ما المغزى منها ؟؟؟

هل الرسول الكريم اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته أجمعين كان ليجوع هذا الجوع الذي يجعله ليذهب لبيت أحد من الصحابة في الليل ؟؟؟

ألم يكن ربه يطعمه ويسقيه؟؟؟

فلا يجوع كما نجوع ولا يعطش كما نعطش نحن؟؟؟

لما حدث ما حدث ؟؟؟

أنه الحب والشعور السامي الذي كان بينه وبين صحابته وأحبته ... والذي جعله وإن لم يكن معهم يشعر بما يشعرون فيخرج ويتصنع هو ما تصنعه رحمة بهما وبشعوره بمشاعرهما وبدون حتى أن يذهبا غليه ويفصحا عما يعانيناه!!!

لذا خرج وتظاهر بذلك ولأنه لا يمكل وليس عنده شئ يعطيه لهما ولا كسره خبز جافة حتى ذهب وأنعم على صحابي آخر بأن يكون له الفضل طبعا الظاهري فالفضل فضل الله وحده لا شريك له ويجعله يغنم بإطاعمه للصحابين العظام !!"






قبل أن اعلق مباشرة على الموضوع، دعونا نمهد له بنقاط أراها جد أساسية بحيث انها تشكل قاعدة صلبة نلتقي عليها ونحتكم اليها.


1-) حب المسلم لرسول الله وللانبياء والصحابة والتابعين والصالحين حب مقيد بشروط و له ضوابط. إذ أنه من المعلوم (أو يجب ان يكون معلوما) أننا نحب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم الحب الذي يرتضيه الله ذلك أن أصل حبنا لرسولنا الكريم نابع من كونه رسول الله الينا ومبلغنا الرسالة ودليلنا الى الهدى والرشاد.

فلا نحن نغلوا في حبنا له غلو النصارى في حبهم لعيسى ابن مريم ولا حتى غلو البوصيري في قصيدته التي قال فيها عن المصطفى "وعلمك علم الوحي والقلم" ولا غلو شيعة علي رضي الله عنه في علي.

وفي الوقت ذاته، لا ننقص رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم قدره ولا نعامل أنبياءنا معاملة اليهود لهم.

وكلنا يعلم هذا الدعاء "اللهم اجعلنا نُحب بحبك من أحبك ونعادي بعداوتك من خالف أمرك"


2-)الله عز وجل بعث لنا بشرا رسولا وهذه نقطة أساس علينا استحضارها خلال استقرائنا لحياة النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم. بل إن من مقتديات عظمة الرسالة وتأديتها غاياتها ان لا يغيب عنا ان الحبيب المصطفى كان بشرا...وكان رسولا...صلى الله عليه وعلى آله وسلم.وإثبات بشرية الرسل خاصية ترفع من شأنهم وتزيد من أثر دعوتهم وتبعث في النفس البشرية طاقة وعزيمة لاتخاذهم قدوة والسير على نهجهم.


3-)تعاملنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تعامل ملؤه الأدب والاحترام،حتى عندما نتكلم عن حقائق فقهية أو عقدية. ويمكننا لكي نوضح الامر ان نقتدي بابن عباس رضي الله عنه حين سئل:من أكبر أنت أم رسول الله؟ فقال: رسول الله أكبروأنا ولدت قبله. مع أنه لو قال أنا أكبر لكان يقول حقيقة معلومة ليس فيها انتقاص من المصطفى لأن القصد والمعنى واضح،الا اننا في تعاملنا مع رسول الله ننتهج نهجا بعيدا عن ذكر الامور بمسمياتها الناصعة اذا جاز القول...يعني أنا (من وجهة نظري) أقول ان الرسول عاتبه ربه في الاية كذا وعاتبه ربه في موضع كذا(مستخدما العبارات التي وصف بها الرسول الموقف فهو قال لابن ام مكتوم"أهلا بمنعاتبني ربي فيه")...ولا استسيغ(لنفسي ولا أحكم على غيري) أن اقول غير هذا مع ان المعنى قد يكون واحدا والله اعلم....


بناء على ما سبق احب ان اؤكد على النقاط التالية:


1-)بخصوص موضوع جوع النبي -فداه أبي وأمي – والذي أورده البعض كدليل بعد أن أوله تأويلا يصب في الاتجاه الذي تحاول ان يرسي قواعده(وهو ان الرسول يمثل ويتظاهر لعبرة ما)، بخصوص هذا الموضوع أقول انه من الواجب ان نقر انه كان بالفعل يجوع وكان فعلا جائعا ولم يكن الامر مجرد تظاهر لايصال عبرة تربوية ما وذلك للأسباب التالية:


أ)أن وجود الجوع بالفعل لا ينفي عن تصرف المصطفى البعد التربوي والتثبيتي..بل على العكس تماما هو يقوي من عزيمة الصحابة اذ انهم يرون أن قدوتهم الكريم عند الله العظيم يعاني ما يعانوه فيخفف ذلك عنهم ويعلمون ان هذا ليس سوى لبنات توضع في بناء صرح الاسلام الراسخ والشامخ.


ب)الدليل القوي الذي ينفي ما احتج به البعض هو ما جرى يوم الخندق اذ كان الناس يأتون الى النبي وقد شدو عليهم حجرا من شدة الجوع فاذا بهم يجدون خير الخلق وأكرمهم قد ربط حجران بدل الواحد.والصحابة هم خير القرون وأعلم الناس بالدين وبرسول الله (ولا يمكن أن يغيب عنهم أمر اساسي نستنتجه نحن فيما بعد) فلو أنهم كانوا يقرون ان النبي ليس بجائع مع علمهم بقوله إنما يطعمني ربي ويسقين لما ثبتت عزائمهم لانهم كانوا سيقولون بلسان حالهم لا مقالهم أن المصطفى لا يدري حقيقة ما نعانيه اذ ان الوقوع في الامر يختلف عن تصوره. والدليل ان الصحابي الجليل عرض على النبي وحده دون المسلمين ان يأخذه الى منزله ليطعمه القليل الذي فيه...فلو ان الامر كان مجرد تظاهر لما حصل هذا بل ولما جاوبه النبي بما معناه انه لن يفضل نفسه على المسلمين.النقطة جد واضحة هنا...وهي دليل قوي لا يحتمل التأويل والله أعلم


ج)دليل آخر قوي....على أن الرسول لا يمثل او يتظاهر....وهو قوله فداه ابي وامي:اني لاعاني من الصداع كما يعاني الرجلين منكم(أو كما قال) فأي تأويل سيصمد أمام هذا الحديث!!!فالجوع والالم والوجع كلها قاساها المصطفى صلى الله عليه وسلم واقعا ملموسا.


د)هل يعقل ان النبي يصطنع جوعا أو ألما....أليس في هذا اشكال مهم...النبي الكريم كان لا يقول الا صدقا حتى في مزاحه..فهل سيقول للصحابة ما أخرجني الا الجوع وهو ليس بكذلك....حاشا لله


ه) ما نقول في قوله"أنتم أعلم بأمور دنياكم " في قصة النخل....هل نقول انه لم يكن يقول ما هو واقع ام انه كان يستعمل التورية...!!!!بل وهل قوله هذا ينقص من قدره الشريف...معاذ الله..اذا فالقصد واضح..بل ان لهذه القصة لعبر يطول المقام بشرحها...وهي دليل ساطع ان النبوة والوحي هي الاساس وهي الركيزة وتبارك رب العزة والجلال اذ قال

"وكان فضل الله عليك عظيما"




و)موضوع إنما يطعمني ربي ويسقين جاء في حادثة واضحة خاصة وهي مواصلة الصيام حيث نهاهم عن تقليده فقال انما يطعمني ربي ويسقين...ولهذا أستطيع ان اواصل...يعني الموضوع مرتبط بمواصلة الصيام والذي يريد ان يجعله عاما عليه هو أن ياتي بدليل واضح من الكتاب والسنة


واذا عدنا للموضوع بصورة عامة نقول:أين نحن من الايات التي فيها عتاب للنبي والتي هي دليل على ان القرآن كلام الله اذ ان النبي لن يوجه عتابا لنفسه ....ما قولنا ب


-"ليس لك من الامر شيئ" عندما كان يدعو على قريش

-"عبس وتولى" القصة معروفة

-"ما كان لنبي ان يكون له أسرى حتى يثخن في الارض " أي تأويل يصمد اما قول الله الواضح الصريح والقصة معروفة


ختاما بعد هذه العينة من الادلة نقول ان حبيب القلوب ونور الابصار وقائد الغر المحجلين وسيد الانام رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عيه وعلى آله وصحبه وسلم ورزقه المقام المحمود والوسيلة...نقول ان حبنا لقدوتنا وأسوتنا إنما ندلل عليه باتباعنا أمره وأمر ربنا....


ما كتبت من خير فالفضل لله الموفق الى كل خير وما كان فيه من نقص فهو من سوء نفسي وقصر بصيرتي وأنا منه براء.


والحمد لله رب العالمين.