تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ملف فوز حماس وأبعاده الاستراتيجية بأعين غربية



مقاوم
06-15-2006, 04:12 PM
الوثيقة الأولى

عرض مقال: فوز حماس والإشكالية الاسرائيلية



العنوان الأصلي:Hamas's Victory and Israel's Dilemma
الكاتب: مارك أ. هيللر * (http://www.saowt.com/forum/newthread.php?do=newthread&f=13#_ftn1) Mark A. Heller
المصدر: التقييم الاستراتيجيStrategic Assessmentالذي يصدره مركز جافي للدراسات الإستراتيجية، المجلد التاسع، العدد الأول
التاريخ: نيسان/ إبريل 2006
عرض: الزيتونة


***


هذا المقال يبحث في "الخيارات المرّة" التي تتكون منها إشكالية تعامل اسرائيلمع الطرف المحرك للمشهدالفلسطيني والتي تعمقت بعد فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، فيحلل الكاتب مدى نجاح وفشل السياسات التي قد تنتهجها من أجل دفع حركة حماس نحو الاعتدال والتخلي عن هدفها المتمثل بالقضاء على دولة اسرائيل لتكون شريك حوار شرعي بعد ذلك. ليصل في النهاية إلى القول إن أحلى الخيارات أمام اسرائيل مرّ، وبالتالي ومن أجل الالتفاف على هذه الإشكالية التي وقعت بها اسرائيل منذ انهيار المفاوضات واندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000 ليس أمامها سوى التوغل في المزيد من الخطوات أحادية الجانب من أجل حماية نفسها.


انصبّت ردّة الفعل الطبيعية لدى المراقبين الغربيين على فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني باتجاه التساؤل عن انعكاسات هذا الفوز على العملية السلمية بين الفلسطينيين والاسرائيليين. ولكن بالنسبة للاسرائيليين، فإن العملية السلمية تأتي في أدنى سلّم الاهتمامات، فالإشكالية الحقيقية التي تواجهها اسرائيل وتشكل نقطة ارتكاز في اهتماماتها، تكمن في السؤال التالي: هل تقبل اسرائيل حماس كشريك شرعي في الحوار دون أن تقوم الحركة بأي خطوات إصلاحية، وبالتالي تشجع المنطقة والعالم كله على قبولها أم تلجأ إلى وسائل تُضعف شرعية الحركة إقليمياً ودولياً؟
حتى قبل الانتخابات التشريعية الفلسطينية لم تتعدّ العملية السلمية كونها "افتراضاً قانونياً"، فمع أن أحداً من الأطراف لم يعلن رسمياً دفن عملية السلام أو يعلن تراجعه عما تم إقراره في المحطات الرئيسية للعملية السلمية مثل أوسلو وخارطة الطريق، إلا أن العملية السلمية دخلت منذ مفاوضات طابا عام 2001- على أقل تقدير- في حالة جمود. وكان الافتراض السائد في اسرائيل قبل ظهور نتائج الانتخابات الفلسطينية أنه ليس هناك إمكانية حقيقية لإعادة إحياء العملية السلمية في المستقبل المنظور. وبالتالي لم تكن خسارة فتح لتشكل فارقاً من الناحية العملية، لأنها حتى لو فازت لم تكن لتملك لا الإرادة ولا الصلاحية لتذهب أبعد مما ذهبت إليه فتقدم المزيد من التنازلات؛ بل في الواقع كانت فتح ستصبح مقيدة أكثر لو فازت بفعل المشاركة الكاملة لحماس في المؤسسات السياسية. بكلمات أخرى، لم تكن هناك عملية سلمية حقيقية قبل الانتخابات ولم يكن من المتوقع أن تنبثق واحدة بعدها؛ فأجندة ما بعد الانتخابات كانت ستركز على إدارة الصراع وليس على صناعة السلام، وبالتالي فإن فوز حماس لم يغير شيئاً في هذا المجال. الذي تغيّر بفوز حماس هو العنصر المحرك للمشهد الفلسطيني. ومما يثير السخرية أن العنصر الجديد قد يساهم فعلياً في تبسيط تحدي إدارة الصراع بين الطرفين. فاسرائيل تواجه حالياً خصماً فلسطينياً – على خلاف ما كانت عليه حركة فتح - ليس لديه نية حتى في المواربة بشأن هدفه النهائي، القضاء على اسرائيل، أو في الوسائل التي يستخدمها للوصول إلى هذا الهدف، بما في ذلك الإرهاب.
وهذا الوضوح في موقف حماس يبيّن الخيار الأول غير المرغوب فيه بالنسبة لاسرائيل: أي الاعتراف بأن حماس، بناء على فوزها في الانتخابات، قد تتمكن إقليمياً ودولياً من ممارسة دور الممثل الشرعي إقليمياً ودولياً في إطار العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية، دون أن يكون عليها أن تتخلى عن أهدافها ووسائلها المعلنة.
من أجل الالتفاف على هذا الخيار ينبغي على اسرائيل أن تجبر حماس إما على الفشل، وبالتالي خسارة مصداقيتها في أعين الفلسطينيين، أو إحداث تغيير، وبالتالي تحويلها إلى شريك حوار مقبول. وبالنسبة لاسرائيل، فإن أقصر الطرق من أجل تحقيق هذه النتيجة يكمن في وقف أي شكل من أشكال الاتصال والمساعدة للسلطة الفلسطينية بقيادة حركة حماس، وتعقيد الأمور، إن لم نقل جعلها مستحيلة، أمام تنفيذ الحركة لوعودها بتحسين الأداء الحكومي الفلسطيني وخاصة فيما يتعلق بتوفير الأمن وتحقيق مصالح الشعب الفلسطيني. والمشكلة أن نجاح اسرائيل في هذا المجال سوف يعني المزيد من التضييق على الشعب الفلسطيني، ستُحمَّل اسرائيل مسؤوليته. وهذا الخيار الثاني غير مرغوب في معادلة الإشكالية الاسرائيلية التي نتجت عن فوز حماس.
هذه الإشكالية وقعت فيها أيضاً الدول التي صنفت حركة حماس على أنها منظمة إرهابية. فبعد الانتخابات أمِلَ بعض المراقبين بأن تقدم حماس على جعل هذه الإشكالية تختفي من خلال قيام الحركة بتعديل خطابها؛ تحت ضغط المسؤوليات التي تفرضها أعباء تولي الحكم على الحركات السياسية، وتدفعها باتجاه تعديل اتجاهاتها مهما بلغ عمق جذورها الايديولوجية. ويستشهدون على ذلك بتصريحات بعض قادة حماس الذين بدأوا يناورون في خطابهم السياسي من أجل أن يعكسوا وجهاً آخر للحركة أقل إثارة للقلق والتهديدات. ولكن هذه النتيجة ليست مضمونة، والتجارب التاريخية للثورة الإيرانية، والقيادة الإسلامية في السودان، وحركة طالبان، في أفغانستان، تثبت ذلك. وحتى لو كان هذا الافتراض صحيحاً فإن التغيير يتطلب وقتاً طويلاً قبل أن يطال أموراً جوهرية؛ وبالتالي، فإن اسرائيل لا تتوقع أن ترى تحولاً في المستقبل المنظور في السلطة الفلسطينية بقيادة حماس دون وجود ظروف تدفع الحركة أو بالأحرى تجبرها على إجراء هذا التغيير.
وبما أن قدرة اسرائيل على إجبار حماس على إحداث تغيير محدودة، فلربما تحاول اللجوء إلى آليات الضغط غير المباشر من خلال محاولة إقناع عناصر أخرى في الجسم السياسي الفلسطيني بالقيام بهذه المهمة، بما في ذلك الرأي العام الفلسطيني. نظرياً، يمكن لهذه الآليات أن تشمل التحفيز الإيجابي، فمثلاً يمكن لاسرائيل أن تأخذ بعين الاعتبار استئناف المفاوضات مع حماس إذا ما وافقت الحركة على الاعتراف باسرائيل، وقبلت بما تم التوصل إليه من اتفاقات سابقة، ونبذت العنف، ولكن آفاق هذا الخيار تبدو ضيقة نظراً لأن حماس ترفض التفاوض مباشرة مع اسرائيل، أو قد تفكر به ولكن بعد استجابة اسرائيل للائحة شروط الحركة. ويمكن في هذه الحالة أن تفكر اسرائيل بتجاوز حماس والتحاور مباشرة مع منظمة التحرير الفلسطينية التي تسيطر عليها حركة فتح، أو مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي ما زال يملك صلاحيات فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية والقضايا الأمنية، وهذا الأمر ممكن أن يخدم مصالح اسرائيل فقط إذا تم التوصل إلى اتفاقية مقبولة لدى اسرائيل نفسها، ولدى الرأي العام الفلسطيني، لدرجة تجبر حماس إما على المصادقة عليها أو التنحي. ولكن جولة أخرى من المفاوضات غير المثمرة سوف ينتج عنها المزيد من فقدان المصداقية بالنسبة لمنافسي حماس، مقابل تعزيز وضع الحركة وزيادة تعنّتها من الناحية الايديولوجية. ناهيك عن أن اسرائيل ليست مهتمة كثيراً باستئناف المفاوضات مع أي طرف غير السلطة الفلسطينية، وهذا يعني حالياً أن عليها أن تتفاوض مع حماس.
ولذلك من غير المفاجئ أن تركز اسرائيل على المحفزات السلبية لدفع الحركة نحو التغيير، مثل فرض المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية، تماماً كما فعلت اسرائيل، حين امتنعت عن تسليم عائدات الضرائب الفلسطينية إلى السلطة الفلسطينية، ومنعت عبور الفلسطينيين عبر معبر كارني، كما قادت حملة لحثِّ الدول الغربية على الامتناع عن التعامل مع حماس دبلوماسياً أو اقتصادياً، من أجل الضغط على حكومة الحركة، خاصة وأن نصف ميزانية السلطة الفلسطينية تعتمد على المساعدات الخارجية. ولكن المشكلة في هذه السياسة هي صعوبة توفير إجماع دولي على مثل هذا التضييق على الحركة، فبعد فوز الحركة في الانتخابات توالت الدعوات لقيادات الحركة لزيارة عواصم مختلفة في العالم، ليس فقط في العالم الإسلامي، بل في الغرب أيضاً مثل روسيا، وجنوب إفريقيا. ومن ناحية أخرى فإن تأثير قطع المساعدات الاقتصادية عن السلطة الفلسطينية يكاد يكون غير مرئي، لأن بعض الدول المانحة وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أعلنت أنه على الرغم من أن مساعداتها المباشرة للسلطة الفلسطينية قد تتأثر بعد تشكيل حماس للحكومة، إلا أنها سوف تعوض هذا النقص من خلال زيادة الدعم للمنظمات الأهلية غير الحكومية والمؤسسات الدولية العاملة في الأراضي الفلسطينية؛ ناهيك عن أن حماس قد تنجح في تأمين المال من أطراف غير تقليدية، مثل إيران ودول الخليج المنتجة للنفط. وبالتالي فإنه من غير المحتمل أن يدفع الضغط الاقتصادي على حكومة حماس إلى تغيير في منهجية الحركة، حتى لو استمرت اسرائيل في حجب عائدات الضرائب عن السلطة الفلسطينية. قد يكون أمام اسرائيل خيار القيام بخطوات أكثر قسوة كمنع الماء والكهرباء والوقود عن المناطق الفلسطينية، ولكن هذه المقاييس مرفوضة من قبل اسرائيل نفسها، ومن قبل المجتمع الاسرائيلي نفسه، وهذه السياسة لن تدفع الحركة إلى تعديل خطابها، بل ستجعل الشعب الفلسطيني أكثر راديكالية، وسوف تدفعه إلى المزيد من التأييد للحركة، أو ستؤدي إلى انهيار الأوضاع بشكل تام في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما سينتج عنه فوضى لن تصبّ في مصلحة أمن اسرائيل، هذا إذا لم تؤد هذه الخطوات إلى حرب شاملة تخوضها الحركة ضد اسرائيل، وحينها لن تستطيع اسرائيل أن تبرر سياسة تجويع الشعب الفلسطيني لا لنفسها، ولا للجهات الدولية.
إن الحل الوحيد للخروج من الإشكالية التي وقعت فيها اسرائيل بعد فوز حماس، تكمن في القيام بخطوات أحادية الجانب (انسحابات، إقامة جدران أمنية، عقوبات اقتصادية) وليس الهدف من هذه الخطوات إحداث تغيير في السياسة الفلسطينية، بل الهدف منها حماية اسرائيل من هذه السياسات، كيفما تبلورت فيما بعد. إن فوز حماس يُبـرز بشكل أكثر وضوحاً إشكالية قديمة تعاني منها اسرائيل على الأقل منذ فشل المفاوضات واندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، والآن بعد فوز حماس قد تفرض متطلبات الحياة اليومية نوعاً من التعاون مع السلطة الفلسطينية على مستوى البلديات، ولكن على المستوى الاستراتيجي الأوسع، فإن الالتفاف على الإشكالية التي تواجهها اسرائيل والتي تفاقمت بشكل كبير بعد فوز الحركة، لا يمكن أن ينجح سوى من خلال إدارة الصراع عبر اتخاذ خطوات أحادية الجانب.

* مدير دائرة الأبحاث في مركز جافي للدراسات الإستراتيجية

المصدر: نشرة آفاق استرتيجية

مقاوم
06-15-2006, 04:24 PM
الوثيقة الثانية
عرض مقال: حماس ومرارة الفوز


العنوان الأصلي:Hamas the Agony of Victory
الكاتب: شاوول ميشال * Shaul Mishal
المصدر: التقويم الاستراتيجي Strategic Assessment الصادر عن مركز جافي للدراسات الإستراتيجية، المجلد التاسع، العدد الأول
التاريخ: نيسان/إبريل 2006
ترجمة: الزيتونة


***


يحلل كاتب هذا المقال للصعوبات التي تواجه حركة حماس في عملية الحكم، كالخلافات بين الفصائل الفلسطينية، وما يفترضه هو من خلافات داخل الحركة، والهوّة بين الأجندة والتطبيق العملي، بالإضافة إلى آلية اتخاذ القرار داخل الحركة التي يتوقع أن تعرقل الأداء الحكومي لأنها غير قابلة للتطبيق في إطار مؤسسات الحكم.


في إطار حسابات ما بعد الانتخابات لا يمكن لمراقبي السياسة الفلسطينية تجاهل قوة فوز حماس الانتخابي، ولا تأثير التغييرات التي نتجت عنه على توازن القوى داخل النظام السياسي الفلسطيني على المدى البعيد، كما لا يمكنهم تجاهل ردّات الفعل القوية على نتائج الانتخابات سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي.
فحتى الانتخابات الأخيرة، كانت مؤسسات السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بيد فتح؛ مما يعني أن فتح كانت تسيطر على الرئاسة، والحكومة، والأجهزة الأمنية والبرلمان. بكلمات أخرى، كان مثلث الحكم: الرئاسة، والسلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية بيد المعسكر القومي. ولكن فوز حماس غيّر الأوضاع بشكل جذريّ، إذ فازت الحركة بأربعة وسبعين مقعداً من أصل مائة واثنان وثلاثين في المجلس التشريعي، فحازت الأغلبية وأصبحت فيما بعد القوة المسيطرة في الحكومة الفلسطينية. ولا يمكن النظر إلى فوز حماس على أنه انتقال للسلطة من فريق إلى آخر، بل هو في الحقيقة تغيير نظام، وتغيير النظام يقتضي مراجعة مبادئ الحكم الأساسية، ومجمل الأهداف التي قامت من أجلها السلطة الفلسطينية، كما يقتضي إعادة تعريف سياسات السلطة الفلسطينية على الصعيدين الإقليمي والدولي، بالإضافة إلى تحديد المعايير والخطوط الحمراء فيما يخصّ علاقتها باسرائيل.
وبما أن حماس حركة إسلامية، فإن تغيير النظام يضفي بعداً دينياً مهماً على الأجندة الوطنية الفلسطينية، فالرؤية الإسلامية تقتضي إرساء عدة مبادئ أهمها: الالتزام بتوسيع رقعة الأراضي الفلسطينية قدر المستطاع، مع التطلع إلى إقامة دولة إسلامية على أرض فلسطين التاريخية، وفرض الحركية الإسلامية، وتصوير الصراع الفلسطيني الاسرائيلي على أنه صراع أقدار بدل أن يكون صراعاً على الحدود.
التوتر الفلسطيني الداخلي
رغم نجاح حماس الانتخابي، إلا أن هناك مؤشرات على أن الحركة تواجه صعوبات في ترجمة إنجازها تغييراً شاملاً للواقع السياسي الفلسطيني. فنتائج الانتخابات أوجدت ساحة سياسية فلسطينية تعجّ بالتناقضات والصراعات الشخصية والخلافات بين الأجيال، وهذا التوتر أثّر على العلاقة بين حماس ومحمود عباس، وحماس وفتح، كما أثّر على الديناميكيات الداخلية للحركة نفسها. فقد حصل الخلاف بين الحركة والرئيس الفلسطيني محمود عباس حول التفسير الدستوري لمبدأ فصل السلطات، وتحديد المسؤوليات الحكومية والسيطرة على مؤسسات السلطة الفلسطينية، وقد تمظهرت مصالح الرئيس الفلسطيني وزملائه في تأكيد سيطرة الرئاسة الفلسطينية كقوة رائدة في النظام السياسي الفلسطيني في وجه حكومة تسيطر عليها حركة حماس، على شكل مبادرات مختلفة، مثل جهود المجلس التشريعي الحالية لإنشاء المحكمة الدستورية العليا، وتمرير قانون الإشراف على الإعلام. فهذان المشروعان يمنحان عباس سلطة قانونية واسعة يمكنها أن تطغى على قوة الحكومة التي تقودها الحركة.
ومن ناحية أخرى فإن فوز حماس في الانتخابات أثار تساؤلات حول هوية المسيطر على الأجهزة الأمنية في المستقبل، والتي ما زالت تحت سيطرة حركة فتح حتى الآن. وقد خلق الخلاف بين فتح وحماس، في إطار الحقائق الجديدة التي فُرضت على أرض الواقع، مزيداً من التخوف على الصعيد الشخصي والمؤسساتي بين أعضاء حركة فتح، مما دفع نشطاء الحركة إلى السعي للاحتفاظ بما أمكن من إمكانات عسكرية وتنظيمية واقتصادية ضرورية لتأمين مستقبل وجود حركتهم، واستقلاليتها وفعاليتها؛ ناهيك عن أن الخلاف الداخلي الذي يعصف بفتح قد زاد الوضع تعقيداً.
الخلاف التنظيمي داخل حركة حماس
ومن ناحية أخرى، طفا على السطح التوتر والخلاف حول بلورة الأجندة الفلسطينية والسيطرة على مراكز القوة في السلطة الفلسطينية داخل حركة حماس نفسها. فهناك انقسام في الحركة بين قيادات الداخل وقيادات الخارج. فانتفاضة الأقصى وما دفعه الفلسطينيون من دمائهم واقتصادهم، بالإضافة إلى الاغتيالات التي تعرض لها قادة الحركة، دفعت قيادات الداخل وعلى رأسهم اسماعيل هنيّة ومحمود الزهّار إلى تعديل مواقفهم السياسية فيما يتعلق بعلاقة السلطة الفلسطينية مع اسرائيل، فقيادات الداخل هي التي دعمت اتفاقية وقف النار، ومن ثم التهدئة، وهي التي حشدت الدعم الخارجي لخطوة مشاركة حماس في الانتخابات المحلية والتشريعية. وقد تمظهر الخلاف بين قيادات الداخل والخارج حين أصرت قيادات الخارج ممثلة بخالد مشعل، على تشكيل حكومة تكنوقراط تستبعد منها قيادات الحركة في الداخل، حتى تؤكد على مركزيتها، وسيطرتها الإستراتيجية والعقدية، في حين أن قيادات الداخل كانت ترغب في تشكيل حكومة يشارك فيها كل الطيف الحزبي الذي شارك في الانتخابات ودخل المجلس التشريعي بما في ذلك الأحزاب التي لم تحصل على أكثر من 5% من المقاعد. أما بالنسبة لموضوع الاعتراف باسرائيل، وقبول الاتفاقات التي تم التوصل إليها بين اسرائيل ومنظمة التحرير، فإن الانقسام بين قيادات الداخل والخارج، يبدو أقل وضوحاً.
التعارض بين الواقع والأجندة
ومن الأمور التي تعمّق إشكالية الحكم لدى حركة حماس، حاجة الحركة إلى التوفيق بين خطابها الايديولوجي وما يتطلبه العمل على أرض الواقع، ولذلك ومنذ تأسيسها خطت الحركة لنفسها برنامجاً طويل المدى، لا ينتهي إلا بتأسيس الدولة الإسلامية، ولكنها رأت أن التعاطي مع الواقع، يتطلب بلورة ترتيبات سياسية تؤمن المصالح الآنية للمجتمع، مما دفع الحركة إلى الاعتراف المؤقت بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وبعد فوزها في الانتخابات، أصبح لزاماً على الحركة أن تُوائم بين خطابها الايديولوجي، ومتطلبات البراغماتية الواقعية، فاختارت الحركة الاعتماد على استراتيجيات سياسية، لا تسعى إلى حل القضايا السياسية الأساسية. فكلما استطاعت الحركة أن تحشد الشرعية الدولية والدعم الخارجي لمبادرات لا تتطلب الاعتراف باسرائيل، أو القبول بما تم التوصل إليه في اتفاقات أوسلو بشكل كامل، أو رفضه بشكل كامل، كلما توفرت أمامها فرصة الالتفاف على عملية اتخاذ القرار في القضايا المفصلية، ولكن السؤال، إلى أي مدى تستطيع الحركة التي تسلمت زمام الحكم الآن، أن تستمر في ممارسة هذه الإستراتيجية المختلطة التي تجمع المتناقضات؟
آلية اتخاذ القرار
منذ اغتيال الشيخ أحمد ياسين في آذار/ مارس 2004، تعاني حركة حماس من الفراغ القيادي وغياب الكاريزما القيادية القادرة على أن تكون مصدراً للإلهام العقدي والسلطة السياسية. ومن ناحية أخرى تفتقد الحركة إلى التراتبية في اتخاذ القرار، ففيما يتعلق باتخاذ القرارات الحاسمة، تعتمد الحركة على مبدأ الشورى ومشاركة الرأي مع هيئات ممثلة للأشخاص والمجموعات، وهذه الإستراتيجية قلصت من مساحة الخلاف داخل الحركة، وحالت دون الوقوع في إشكاليات لا يمكن حلها، وعززت الوحدة الداخلية للحركة، ولكن حين يتعلق الأمر بالحكومة يصعب استخدام هذه الآلية في اتخاذ القرارات المحلية والإقليمية والدولية، لأن آلية التحرك بهذه الطريقة بطيئة. وتراهن حركة فتح التي خسرت الانتخابات على عدم قدرة حماس على انتهاج سياسة لا أو نعم في اتخاذ القرارات الحكومية مما سيوقعها في خلافات داخلية حين تشعر الأطراف التي كانت تشارك في صنع القرار في الحركة بأنها مستبعدة، وبالتالي، يحدث الخلاف وتضعف الحركة وقد تحدث انقسامات، مما يفتح نافذة الفرص أمام صعود فتح مرة أخرى. ومن ناحية أخرى فإن الولايات المتحدة واسرائيل صعّبتا أيضاً على الحركة استخدام إستراتيجية نعم أو لا التي كانت الحركة تستخدمها في عملية الشورى، من خلال ما تطالبان به من شروط من أجل فتح قنوات الاتصال مع الحركة. وقد يجادل البعض بأن انهيار العلاقة بين السلطة الفلسطينية بقيادة حماس، واسرائيل، قد يؤدي إلى الفوضى، ويفتح المجال أمام تحول الضفة الغربية وقطاع غزة معقلاً للإسلام الراديكالي الذي سيعمل ضد اسرائيل والدول العربية الموالية للغرب مثل الأردن ومصر، مما سيحوّل المنطقة إلى عراقٍ آخر، سوف يجعل من حماس مجرد حلقة مرحلية في مسار أحداث المنطقة.
ولكن هذا السيناريو السابق ليس بالضرورة أن يكون قدراً محتوماً، فالمقاربة السابقة، مبنية على النظرة الاسرائيلية للآخر الفلسطيني، التي تفترض بأن حركة حماس حركة لديها استراتيجيات محددة مسبقاً لا تعتمد على الموقف الاسرائيلي ولا على علاقة اسرائيل مع الحركة، وأن الحركة غير مستعدة للتنازل أو المساومة على هذه الاستراتيجيات، ولو وصل بها الأمر إلى نهايات حمقاء. والأجدر بدل ذلك النظر إلى حماس على أنها حركة تنشط في إطار تاريخ دائم التغير، وهي على دراية بالقيود العملية لتحركها، وحساسة في فهم محيطها، ومتيقظة ومتفهمة للظروف المحيطة، وتحسب حساباً لكل شيء، وبالتالي، ووفق هذه المقاربة فإن الحركة لديها القابلية لتعديل خطابها وممارساتها لتصبح أكثر براغماتية لمواجهة الضغوط المحلية والإقليمية والدولية. ناهيك عن أن خوف دول المنطقة من آثار تجدد العنف بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية خاصة من ناحية تقوية الإسلام الراديكالي الذي يهدد الاستقرار في المنطقة، وخوف الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من تدهور الوضع بين الفلسطينيين والاسرائيليين قد يتحول إلى صراع بين الإسلام والغرب، مما سيصبُّ في مصلحة إيران والجهاد العالمي، وسوف يدفع الأطراف الدولية والإقليمية إلى التحرك لتخفيف الأضرار الناجمة عن الوضع الحالي، وتوظيف جهودها في إعادة إحياء المبادرات السياسية الحالية، وربما اقتراح مبادرات جديدة، وذلك من أجل ردم الهوة بين مطالب اسرائيل الدنيا، والتنازلات القصوى التي يعرض النظام السياسي الفلسطيني الجديد تقديمها.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة تل أبيب

المصدر: نشرة آفاق استرتيجية

من هناك
06-15-2006, 04:33 PM
ما شاء الله
الله يعطيك العافية :)

مقاوم
06-15-2006, 04:43 PM
الله يعافيك ويبارك فيك

فـاروق
06-16-2006, 09:26 AM
الحمد لله....

يزداد القسم اشراقا يوما بعد يوم

وتنقصه الدعاية له...

:)

مقاوم
06-17-2006, 07:41 AM
جزاكم الله خيرا على كلمات التشجيع

مقاوم
06-17-2006, 07:46 AM
الوثيقة الثالثة




التعايش مع الديمقراطية الفلسطينية


العنوان الأصلي : Living with Palestinian Democracy
الكاتب: ناثان براون Nathan Brown
المصدر: Policy Brief الصادرة عن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي
التاريخ: حزيران/ يونيو 2006

ترجمة: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات
بيروت – لبنان
وضع فوز حماس في الانتخابات البرلمانية في 25 كانون الثاني/ يناير 2006 الولايات المتحدة الأمريكية في كابوس ديمقراطي، فالانتخابات التي شهدت كل الأطراف المراقبة على نزاهتها وعدالتها جلبت إلى السلطة حركة إسلامية ترفض الاعتراف بشرعية اسرائيل، وتمجد أشكالاً مقيتة من العنف السياسي ضد المدنيين. عملت الولايات المتحدة بنجاح على عزل حكومة حماس الجديدة دبلوماسياً وإضعافها مادياً، إلا أن ما قامت به هو جزء من مجموعة خطوات في إطار البحث عن سياسة للتعامل مع الوضع القائم، والهدف الأساسي الذي تسعى واشنطن إليه هو دفع القيادة الفلسطينية إلى تغيير سياساتها، وهناك هدف آخر غير معلن وهو دفع حماس إلى تعجيل عودة فتح إلى السلطة. ولكن، ولسوء الحظ، فإن ما سينتج عن هذه السياسة لن يكون عملية إصلاحية سريعة لحماس، ولا انتقالاً سلمياً لحكومة ديمقراطية ونزيهة بقيادة حركة فتح، فعلى العكس من ذلك، ما تقوم به الولايات المتحدة من خطوات يقود إلى انهيار سياسي واقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة، مما سينعكس على الصعيد الإقليمي ضربة موجعة لجهود الولايات المتحدة في دمقرطة المنطقة. وترى الأطراف الأمريكية المعارضة في ردة الفعل الأمريكية تجاه الانتخابات الفلسطينية امتحاناً لمصداقية ونزاهة الحملة الأمريكية لتعزيز الديمقراطية. وإذا كان رد الفعل الأمريكي على أول هزيمة لحزب عربي حاكم في الانتخابات بهذه الطريقة فإن الرسالة سوف تتردد في أصداء المنطقة وسوف يكون صداها عالياً لدرجة قد توازي ما يحصل الآن في العراق.
والأحرى بالولايات المتحدة بدل أن تنفذ سلسلة من العقوبات لتكون بديلة عن سياسة متكاملة، أن تعطي الوقت الكافي لحماس لكي تتغير، ولفتح حتى تقوم بالإصلاح، ولقوى سياسية جديدة لتظهر على الساحة، وكلها أمور تتطلب اعتماد معايير تسهل عملية الانتقال الديمقراطي، وبكلمات أخرى، يجب الضغط على الحكومة الفلسطينية وليس تدميرها.
الانهيار الوشيك للسلطة الفلسطينية
عملت الولايات المتحدة الأمريكية مع الاتحاد الأوروبي واسرائيل بجد من أجل قطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية من أجل دفع الحكومة الجديدة إلى إفلاس سريع. معظم تمويل الميزانية الفلسطينية، إن لم نقل كله، يأتي من المساعدات الخارجية وجباية الضرائب التي تديرها اسرائيل. واليوم لا يمكن للحكومة الجديدة أن تدفع الرواتب للمعلمين، ورجال الشرطة والعمال الذين يقومون بتعبيد الطرقات وتحسين شبكات الصرف الصحي وغيرها من الأعمال.
حتى الدول التي كانت تعرف بتعاطفها مع الفلسطينيين لم تجرؤ على أكثر من الوعد بتقديم كميات قليلة من المساعدات لا تشكل في أحسن الأحوال سوى "مسكنات قصيرة المفعول"؛ كما هددت البنوك من أجل ثنيها عن تحويل الأموال والمساعدات، وبدل أن تتقدم المنظمات غير الحكومية لملء الفراغ -كما وعدت الدول الغربية- أوقفت هي الأخرى عملياتها، خوفاً من أن تترجم أنشطتها في الضفة الغربية وقطاع غزة على أنها مساندة للإرهاب. وإذا ما استمرت الاتجاهات الحالية فإن السلطة الفلسطينية إما أن تنهار فجأة –كما هو مرجح- أو تموت تدريجياً، باضمحلال مؤسساتها وتفتتها تدريجياً حين يتركها العاملون فيها أو يهاجمونها. والنتيجة ستكون فراغاً خطيراً في الحكم في منطقة يعيش فيها أربعة ملايين نسمة. فعجز الحكومة عن دفع الرواتب قد بدأ فعلاً بتعميق الفوضى، وخلاف الرئيس الفلسطيني مع مجلس الوزراء حول قيادة القوى الأمنية يهدد بتصعيد العنف، في حين أن البنوك عرضة للاعتداءات، ومن المرشح أن تتفاقم الفوضى وتتزايد حالة التشرذم السياسي كلما تفاقمت أزمة المرتبات.
هذا التراجع لا يخدم أي قضية. فحماس لن تستجيب للضغوط بالتخلي عن فوزها الانتخابي والاستقالة. بل على العكس فإن السياسات الدولية سوف تعزز من ريادة حماس الوطنية خاصة وأن الحركة ما زالت ترفع رايات الصمود والتضحية وتمارس التقشف الاقتصادي. وعلى المدى القصير، فإن قطع المساعدات سوف يدفع الفلسطينيين إلى إلقاء تبعة معاناتهم على الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل والاتحاد الأوروبي وليس على حركة حماس. خلال زيارتي للمنطقة، التقيت بشخص واحد فقط من الفلسطينيين يريد لحكومة حماس أن تفشل، في حين أن كل الفلسطينيين الآخرين الذين التقيتهم يرون أن حماس يجب أن تمنح الفرصة لتحكم بعد أن فازت في الانتخابات رغم أن هؤلاء لا يوافقون بالضرورة على أجندة الحركة. قد يغير هؤلاء الفلسطينيون رأيهم بعد فترة، ولكن حتى ذلك الوقت لن يبقى لديهم بنية سلطة تتحدث باسمهم.
لقد أنزلت القوى الدولية الفاعلة على الساحة الفلسطينية العقوبة على 3.9 مليون فلسطيني لأن 440000 منهم انتخبوا حركة حماس، وكما يقول وزير الخارجية الألماني:"الشعب الفلسطيني اختار هذه الحكومة وعليه أن يتحمل العواقب" ، وهذه العقوبة قاسية، فالضفة الغربية وقطاع غزة يعيشان حالياً في أزمة عميقة، حيث انتشر الفقر والبطالة وسوء التغذية بشكل واسع، وسوف يزداد الأمر سوءاً مع انقطاع الرواتب عن الموظفين. كل الأطراف المعنية، بما في ذلك اسرائيل، تود تجنب أزمة إنسانية، ولكن الطريق الوحيد للقيام بذلك دون أن تمويل السلطة الفلسطينية هو وضع الشعب الفلسطينية على برنامج الإعانات الدولية لفترة معينة.
بعض الأطراف الأوروبية تسعى إلى تربيع الدوائر من خلال دعوتها إلى دفع المرتبات بشكل مباشر للمعلمين، والعاملين في مجال الصحة دون أن تمر بالقنوات الحكومية، ولكن هذه الخطة تتطلب واحداً من أمرين: إما التعاون المباشر مع الحكومة الحالية وبالتالي إضعاف الجهود الساعية إلى منع حماس من السيطرة على المؤسسات الحكومية، والخيار الثاني هو فرض هيئة وصاية تتولى خلالها أطراف دولية الإشراف على الوزارات، وهذا يعني الطلب إلى حماس أن تسلم السلطة التي فازت بها للتو من خلال الانتخابات، وإيجاد منظمة أو جهة تقبل الدخول في خط النار هذا. بكلمات أخرى، لا الإطاحة بحماس ولا تجاوزها يحلان الأزمة.

وهم العودة السريعة لحركة فتح
في الوقت الذي تدفع فيه الولايات المتحدة الأمريكية حماس على الفشل، فإن الإدارة الأمريكية لا تقدم أي وسيلة لبناء العملية الديمقراطية داخل حركة فتح أو إصلاحها. ليس هناك صيغة قانونية تسمح بالإطاحة بحركة حماس، وحتى لو وجدت، فإن فتح تحتاج وقتاً طويلاً قبل أن تقوم بعملية الإصلاح الداخلي التي تؤهلها للحكم بشكل فعال. بعض قادة فتح يدعون إلى انتخابات مبكرة، ويردد هذه الدعوات أطراف دولية، ولكن القانون الدستوري الفلسطيني، ينص على الانتخابات المقبلة ستكون في عام 2010. وهناك أطراف فلسطينية أخرى تدعي أن هناك ممارسة دولية غير منصوص عليها رسميا في الدساتير تسمح للرئيس بأن يحل برلماناً ما في حال النزاع الدستوري، ولكن هذا الحق الرئاسي ليس سوى محض خيال، كما يشهد بذلك أي عضو في الكونغرس الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الدستور الفلسطيني ينص على أن حالات الطوارئ لا تبرر حل البرلمان. يمكن للرئيس الفلسطيني دستورياً أن يقيل رئيس الوزراء ويستبدله برئيس وزراء آخر، هذا رئيس الوزراء يبقى في منصبه حتى إيجاد من يقوم بهذه المهمة، وهنا أي شخص معين يجب أن يحظى بدعم حركة حماس التي تسيطر على المجلس التشريعي الفلسطيني. وعلى أي حال، فإن الرئيس الفلسطيني يمكنه أن يستبدل حكومة حماس الحالية بحكومة أخرى، ولكنه، لن يستطيع قانونياً أن يتخلص من حركة حماس.
يمكن لفتح أن تسيطر مرة أخرى على مقاليد الحكم من خلال تمزيق القوانين، فعشرات آلاف العناصر الأمنية الموالية لفتح، من الذين توقفت مرتباتهم، يمكنهم أن يقوموا بانقلاب عسكري، لتكون فلسطين أول دولة يحصل فيها انقلاب، قبل أن تقوم الدولة! ومن الصعب أن نفهم كيف يمكن لأي فريق فلسطيني أن ينظر إلى مثل هذا السيناريو على أنه خطوة إلى الأمام. فمثل هذه الخطوة سوف تضع ما سيتبقى من السلطة الفلسطينية بيد قادة عرفوا سابقاً بفسادهم وعدم قدرتهم على إدارة شؤون حزبهم، ناهيك عن إدارة شؤون المجتمع الفلسطيني. يمكن لفتح أن تعود إلى السلطة عام 2010، ولكن هذا لن يكون إلا إذا قامت بإعادة بناء داخلية شاملة، وتفعيل للآليات الديمقراطية، وتجنيد المؤيدين لها، واستقطاب عناصر جديدة. وإذا ما فشلت فتح في عملية الإصلاح يجب أن تنبثق قوة سياسية جديدة قادرة إيجاد حزب يتمتع بقاعدة انتخابية عريضة.
وحتى عام 2010، فإنه أي محاولة لاستبدال القيادة الفلسطينية الحالية لن ينتج عنها قيادة جديدة مسالمة وإصلاحية، بل سينتج عنها حالة من الفوضى والتشرذم والانقسام داخل المجتمع الفلسطيني الذي من الممكن أن يتحول إلى معسكرات مسلحة تتبارى أيها يمكنه أن يقوم بأكبر قدر من الاعتداءات على اسرائيل.

الحفاظ على أجندة الحرية
إن إسقاط السلطة الفلسطينية قد يضعف أجندة الولايات المتحدة الإقليمية فيما يتعلق بنشر الديمقراطية لأنه سوف ينظر إليه على أنه دليل نهائي على أن واشنطن لا تحترم خيارات الناخبين، وتفضل أي نتيجة للانتخابات غير فوز الإسلاميين. وعلى العكس من ذلك، فإن تأييد أي نتيجة تفرزها الانتخابات على أنها محصلة الدمقرطة والإصلاح، سوف يعيد إحياء الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة.
إن أعظم تحد للديمقراطية في العلام العربي، هو إدماج الحركات الإسلامية المتجذرة في الأنظمة السياسية الليبرالية. فالمنطق الذي يقف خلف السعي إلى نشر الديمقراطية، هو إيجاد آلية سياسية يمكن بموجبها حل الخلافات السياسية عبر صناديق الاقتراع. وهذا الجهد يقف على مشارف الانهيار حالياً في كل من فلسطين والعراق. فمع فوز حماس، أحيا الحكام الاستبداديون العذر القديم بأن الليبرالية سوف توصل الإسلاميين إلى الحكم؛ وقد لاحظ ذلك الإسلاميون الذين دخلوا المعركة الانتخابية، فالمواقف من فوزهم في الانتخابات، تقوي حجة الإسلاميين الذين ينظرون إلى الديمقراطية بعين الريبة، إذ سيصبح بإمكانهم تعزيز ادعاءاتهم بأن الجو الدولي لن يسمح لهم أبداً بالتمتع بأي فوز انتخابي سوف يحققونه.
لقد كان الأمريكيون، وليس العرب، هم من سمح للفلسطينيين أن يختبروا حالة من الإصلاح السياسي في المنطقة بعد سنة من الاجتياح الأمريكي للعراق. ففي شهر حزيران يونيو 2002 أعلن الرئيس الأمريكي في خطاب له أنه "إذا أمكن للحرية أن تزهر في الأرض الصخرية في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإنها سوف تلهم ملايين النساء والرجال حول العالم بأننا نتساوى جميعاً في شعورنا بالنفور من الفقر والظلم، وبأننا جميعاً يحق لنا أن نستفيد من وجود حكومة ديمقراطية".
كانت فلسطين مكاناً غريباً لتبدأ منه الجهود الدولية للإصلاح الديمقراطي، فاسرائيل لم تكن مهتمة بالموضوع، والولايات المتحدة لم تكن متحمسة حقيقة إلا في حال كان الحديث عن الإصلاح موجهاً يستهدف الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في حين لم تكن أوروبا تريد أن تذهب أبعد مما ستذهب إليه الولايات المتحدة. في عام 2003، تم تعديل القانون الأساسي بما يسمح بإنشاء منصب رئس الوزراء، وهو المنصب الذي استولت عليه الحركة بعد الانتخابات. ومن ناحية أخرى، جرت محاولات لترشيد الاقتصاد الفلسطيني من خلال اعتماد الشفافية.
وحتى لو أن نتائج الانتخابات كانت مفاجئة، فإن حماس حذت حذو الأحزاب الإسلامية الأخرى في المنطقة فقادت حملتها الانتخابية تحت شعار الإصلاح (لم تخض الانتخابات باسم الحركة بل قادتها باسم لائحة الإصلاح والتغيير)، واستطاعت أن تتغلب على الحزب الحكام المتجذر في الحالة الفلسطينية. ممكن أن تكون فلسطين على حافة الانهيار السياسي، ولكن يمكن تجنب هذا الانهيار إذا ما تحولت هذه الأزمة الحالية إلى حالة ولادة نظام قابل للحياة يسمح بوجود حزبين في الحياة السياسية. ويمكن للولايات المتحدة أن تستفيد من هذه الفرصة من خلال بلورة مقاربة طويلة المدى حول عملية التحول، مع التساهل في الوقت نفسه مع حكومة حماس.
صحيح أن فكرة التساهل مع حماس تبدو راديكالية بالنسبة للولايات المتحدة، ولكنها ليست كذلك بالنسبة لغيرها من الدول ومنها اسرائيل. صحيح أن رفض حكومة حماس بسبب سجل الحركة العنيف، قائم على أسس صحيحة، ولكن أيضاً ليس من الحكمة تجاهل عواقب هذا الرفض. إن الأمل الوحيد طويل المدى بالنسبة للفلسطينيين والاسرائيليين هو وجود نظام سياسي فلسطيني قادر على التوصل إلى اتفاق مع اسرائيل. وهذا النظام قابل للوجود مع حماس معتدلة، أو مع فتح وقد خضعت لحركة إصلاحية عميقة، أكثر من قابلية وجوده مع سلطة فلسطينية على وشك الانهيار.
ليس من الصعب أن يتماشى فوز حركة حماس في الانتخابات الأخيرة مع عملية الإصلاح، خاصة وأن قادة الحركة المنتخبون أقسموا على احترام القوانين والمؤسسات الدستورية، ومن ناحية أخرى فإن موقف الحركة بشكل عام يتماشى مع متطلبات الإصلاح الليبرالي، خاصة أنه على الرغم من كون حماس حركة إسلامية، فإنها أجندتها الدينية لها موقع ثانوي أمام المهام الفورية التي حددتها في برنامجها وهي إيجاد حكومة نظيفة، وإنهاء حالة الفوضى في الشوارع. وقد شدد الوزراء الجدد بأن برنامج الحركة الانتخابي لم يتطرق إلى موضوع أسلمة القوانين الفلسطينية، وأنهم لن يمارسوا أي نوع من الضغوط من الناحية الدينية. وفي المقابلات التلفزيونية، يلاحظ أن قادة الحركة يدفعون دفعاً للإفصاح عن أجندة الحركة من الناحية التشريعية، فما بالك حين يتعلق الحديث بأجندتهم الإسلامية؟

ولكن هناك ثلاثة عوائق أساسية أمام إصلاح النظام السياسي الفلسطيني
أولا: خسارة فتح للانتخابات والتي جعلتها تشكك في العملية الديمقراطية، ففي حين أن بعض قادتها يتحدثون في العلن عن قبولهم بنتائج الانتخابات، يهدد قادة آخرون في فتح –داخلياً- بالإطاحة بهذه النتائج.
ثانياً: يتهدد العنف والجريمة أجندة الإصلاح السياسي، ومن غير الواضح كيف يمكن لأي حكومة فلسطينية أن تؤسس بيئة يمكن فيها الفريق بين القوى الأمنية، وميليشيا الأحزاب، والعصابات المسلحة، والخلايا الإرهابية، وفرق الحماية، فالتفريق بين هذه القوى أصبح شديد الصعوبة في الظروف الحالية.
ثالثاً: يفرض الوضع الأمني الخارجي تهديدات خطيرة على الإصلاح الداخلي الفلسطيني، والمشكلة هنا هي صنيعة حماس بشكل جزئي، فحتى مع التزام الحركة بالهدنة الأحادية الجانب، فإنها تعلن بأن من حق كل فصيل فلسطيني أن يمارس المقاومة ضد الاحتلال، وهذا ما يسمح لأي فصيل فلسطيني أن يهدد التهدئة التي قد تفضلها حماس. كما أن هذا الوضع يضعف المؤسسات المركزية الفلسطينية لأنه يسلب السلطة الفلسطينية أحد المكونات الأساسية للدولة: احتكار الاستخدام الشرعي للقوة.
هل ممكن لحماس أن تليّن موقفها تجاه اسرائيل؟
لم تكن ردة الفعل الاسرائيلية على تشكيل حركة حماس للحكومة الفلسطينية أقل قسوة من ردة الفعل الأمريكية، إلا أن العديد من الاسرائيليين ينظرون بعين القلق إلى آفاق الانهيار السياسي والاقتصادي الفلسطيني، وبعضهم يرى بأن إيقاف تحويل عائدات الضرائب إلى السلطة الفلسطينية لا يخدم أي هدف، وليس لدى اسرائيل أي نية في إعادة تحمل مسؤولية تسيير الأمور كما كانت تفعل ذلك كقوة احتلال، وبالفعل فإن الحكومة الاسرائيلية أجرت محادثات مع الأونروا في إطار البحث عن خيارات بديلة في حال حصول الانهيار الاقتصادي الفلسطيني. ولكن حتى الاسرائيليون الذين يرون أن السياسة الحالية سوف تؤدي إلى طريق مسدود، يائسون من حماس ومقتنعون بأن الحركة لن تتغير، وبالفعل، فإن حماس أرسلت إشارات محيرة للمراقبين في الخارج وللفلسطينيين أنفسهم. فالحركة التي طالما كانت في المعارضة والتي ترأسها قيادة موزعة بين الداخل والخارج، معتادة على إطلاق التصريحات الضبابية التي تلمح إلى الكثير ولكنها لا تلتزم إلا بالقليل، وهو أسلوب لم يتغير منذ الانتخابات الأخيرة. فيوماً يصرح مسؤول كبير في الحركة بأن الحكومة مستعدة للتفاوض مع اسرائيل، وفي اليوم التالي يصدر تصريح آخر متشدد من مسؤول آخر في الحركة يقلل من شأن التنازلات التي تضمنها التصريح الأول.
ومن الواضح أن حماس منقسمة حول بعض القضايا الهامة، ولكنها حريصة على الوحدة لدرجة تغطي معها انقساماتها بالشعارات. وعلى الرغم من الأسلوب المتثاقل في صناعة القرار، ووتيرة التغيير البطيئة داخل حماس، فإن موقف الحركة قد تطور في العديد من القضايا الأساسية. فالحركة ولدت في جبهة الرفض للمفاوضات السياسية مع اسرائيل، والإصرار على أن المقاومة والجهاد هما السبيل الوحيد لاستعادة فلسطين، ولكنها حالياً تصر على أنه يجب النظر إلى كل من المقاومة المفاوضات على أنها أدوات وليس غايات. وحتى وجهة نظرها تجاه الانتخابات تطورت كثيراً عما كانت عليه. ويبدو أن الحركة قد مهدت الأرضية لقبول الحل القائم على إنشاء دولتين، فعلى سبيل المثال، يصر قادتها الجدد على أنهم لا يمثلون حماس، بل يمثلون كل الشعب الفلسطيني، ويميز وزراء الحركة بين حكومة السلطة الفلسطينية التي تخدم المصالح الوطنية، وحركة حماس كحزب سياسي له مواقفه ورؤيته الخاصة. وحين يتعرض قادة حماس للضغط بخصوص موقفهم من الاعتراف باسرائيل، فإن قيادات الحركة من خارج الحكومة يؤكدون أن حماس ستبقى على موقفها الرافض، في حين أن بعض قادة الحركة الذين يحتلون مناصب رفيعة في السلطة الفلسطينية يلمحون إلى مواقف أكثر مرونة وإيجابية، من خلال القول بأن على اسرائيل أن تحدد حدودها قبل أن تتخذ حماس موقفها من هذا الموضوع، أو من خلال التصريح بأن حماس لن تعترف باسرائيل دون مقابل. كما أن إعلان حماس بوضوح أنها ستقبل بأي استفتاء شعبي، يشير إلى أن حماس قد تغير مواقفها تحت ضغط الإرادة الشعبية. ومن خلال كل هذا المواقف تحاول حماس الالتفاف على الضغط الدولي والعربي من أجل دفعها إلى الاستجابة للشروط الدولية فيما يتعلق باعترافها باسرائيل.
وأسلوب حماس في إصدار التصريحات المتناقضة ليس جديداً، فقد أربكت الحركة المراقبين لسنوات عديدة. ولعل أكثر الرؤى وضوحاً في هذا المجال، هي الدراسة التي أصدرها الأكاديمي الفلسطيني ناصر الدين الشاعر عام 1999 والتي رأى فيها أن هناك قدراً من المرونة في مواقف الحركة وتوقع أن تتخطى الحركة موقف الرفض الصارم للعملية السلمية في حال توفرت ظروف مؤاتية لذلك. وقد انتخب الشاعر عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني ويشغل الآن منصب نائب رئيس الوزراء، وهو اليوم في منصب يسمح له باختبار أفكاره على أرض الواقع، ولكن حتى لو كان على حق، فإن التغير في موقف الحركة لن يكون سريعاً، ولن يحدث إلا تحت ضغط الأحداث. ولأن الحركة تفخر بأنها لا تخضع للضغوط الخارجية فإنه من الأرجح أن يكون مصدر التغيير حساسية الحركة الشديدة تجاه الرأي العام الفلسطيني، وليس الاستجابة للعقوبات.
ويمكن للحركات الإسلامية الأخرى في المنطقة أن تسهل لحماس اتخاذ المواقف المستقبلية، ونقصد هنا بالتحديد حركة الإخوان المسلمين في مصر، فرغم أن الحركة الأم متحمسة لفوز حماس، إلا أنها أوضحت لها أنها لن تقف في وجه تفاوضها مع اسرائيل. وحين سألت أحد نواب الحركة الأعضاء في البرلمان المصري حول هذا الموضوع، أجاب بأنه يظن بأن حماس سوف تقبل بالحل القائم على إنشاء دولتين، ثم توقف برهة ليعاود الكلام قائلاً بأنهم سيقبلون بذلك مع الوقت "عليهم أن يقبلوا بهذا الحل، فشعبهم يطالب بذلك".

سياسية أفضل
أي مقاربة جديدة طويلة المدى يجب أن تراعي تحقيق ثلاثة أهداف: الحفاظ على الهدنة، الحفاظ على السلطة الفلسطينية، القيام بخطة إصلاح سياسي حقيقية وشاملة. ويجب على الكونغرس الأمريكي أن يقاوم إغراء الانزلاق في التصويت ضد حماس من خلال تمرير قوانين غير مدروسة، فالقوانين الحالية قد ذهبت إلى أبعد الحدود، تاركة صناع القرار الأمريكيين، وقادة المنظمات الأهلية غير الحكومية، والقطاع الخاص الأمريكي، في حيرة حول ما هو المسموح القيام به في التعامل مع الفلسطينيين. إن صياغة سياسية جديدة أمر صعب، ومن الأسهل تجاهل حركة دموية تلوثت يداها بالدماء، بدل دفعها نحو الإصلاح، ولكن مستقبل الاسرائيليين والفلسطينيين ومصداقية الولايات المتحدة الأمريكية تعتمد على المقاربة ذات الأهداف الثلاثة التي تحدثنا عنها.

أولاً: الحفاظ على الهدنة:
يجب إقناع حماس بالاستمرار بالهدنة من جانب واحد، ومحاولة احتواء الفصائل الأخرى من أجل إلزامها بهذه الهدنة، وهذا الأمر لا يتم من خلال المطالب، والتهديدات التي تنتظر من الحركة أن تتخلى عن كل قناعاتها ومواقفها السابقة، وتقمع الفصائل الأخرى، بل يجب أن يتم بوسائل قابلة للتطبيق، مثل تجديد رسمي من قبل الحركة للهدنة من طرف واحد، ودعوة الفصائل إلى حوار حول كيفية توسيع هذه الهدنة، والقبول بالمبادرة العربية التي أطلقت في بيروت عام 2000. صحيح أن الضغط المالي والدبلوماسي مطلوب، ولكن لا يجب أن تختصر الأدوات الدولية على العصا، بل يجب أن تترافق العصا مع الجزرة في إقناع الحركة، وهذا يعني أن تجاوب حماس في هذا الموضوع، يجب أن تكافأ عليه بتعاط دبلوماسي جدي، وبانفراج اقتصادي على الساحة الفلسطينية التي يعاني اقتصادها من الاختناق منذ ما قبل اندلاع الانتفاضة. ومثل هذه المبادرة من حماس يجب أن تقابل من بوعد اسرائيلي بإيقاف كل الخطوات الاستباقية مثل الاغتيالات وغيرها.

ثانياً: عدم إلحاق الأذى بالسلطة الفلسطينية
إن انهيار السلطة الفلسطينية ليس في مصلحة أي طرف، ويجب أن تشجع اسرائيل على إعادة تحويل أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية، وإذا فشلت الولايات المتحدة بإقناع اسرائيل بهذا الأمر، فإنها يجب أن توقف اعتراضاتها على سعي الدول الأوروبية ودول المنطقة إلى ملء هذا الفراغ. وقد رضيت حماس بنوع من الرقابة المالية الدولية حتى تؤكد أن الأموال التي يتم تحويلها، تحوّل فعلاً للوزارات الفلسطينية. وهذا بالطبع لن يلغي دور الأطراف الدولية، لأن السلطة الفلسطينية ستظل تعتمد على مبالغ كبيرة من المساعدات حتى لو استأنفت اسرائيل مرة أخرى تحويل عائدات الضرائب التي تحتجزها. وأي مساعدة من هذا النوع لا يجب أن تهدف فقط إلى إنقاذ السلطة الفلسطينية، بل يجب أن تسعى أيضاً إلى إصلاحها.

ثالثاً: أخذ الديمقراطية على محمل الجد:
قد يصبح التحول الديمقراطي الواعد جزءاً من الحل أكثر منه مشكلة، إذا ما شجعت كل الأحزاب الفلسطينية على استخدام الديمقراطية كوسيلة لتجديد نفسها. يجب على المجتمع الدولي أن يتوقف عن الإيحاء لفتح أنها من الممكن أن تعود إلى السلطة من خلال الخديعة السياسية والقانونية. في حين أن على الأحزاب السياسية الأخرى أن تعيد بناء نفسها كأجسام انتخابية. وعلى الأحزاب العلمانية الصغيرة أن تنتهز أي فرصة يفتحها هوس فتح بالمناورات قصيرة المدى. وبعيداً عن الأحزاب السياسية، هناك حاجة كبرى إلى بناء المؤسسات القوية والقادرة وغير الحزبية، وغير الخاضعة للسيطرة المباشرة للرئيس الفلسطيني أو البرلمان. ويمكن للمساعدات الدولية أن تدعم القضاء، والمؤسسات الرقابية، والإعلام، والهيئة الانتخابية كون هذه هي حجر الأساس في الإصلاح.

مقاوم
06-22-2006, 01:54 PM
الوثيقة الرابعة

اضطهاد الفلسطينيين
بات بيوكانون Pat Bucanon


يتساءل الأمريكيون باستغراب "لماذا يكرهوننا؟" عندما علمنا بعد الحادي عشر من سبتمبر بأن الناس في أرجاء العالم العربي كانوا يقولون "لقد جاء دور الأمريكيين".
وللاطلاع على أحد الأمثلة للأسباب التي تجعلهم يكرهوننا، أنظر إلى ما يحدث في قطاع غزة والضفة الغربية. هنالك مقاطعة وحشية تفرضها إسرائيل والولايات المتحدة على الفلسطينيين لأنهم صوتوا على الاختيار الخطأ في انتخابات حرة.
وبعد فوز حماس على الفور، قامت إسرائيل بحجز 55 مليون دولار هي حصة السلطة الفلسطينية من الإيرادات الضريبية والجمركية. كما طالبت إسرائيل أوربا والولايات المتحدة بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية، حتى تتخلى حركة حماس عن الإرهاب، وتعترف بإسرائيل، وتلقي سلاحها.
والرئيس بوش، بالرغم من أنه كان يقود حملة صليبية حول العالم من أجل الديمقراطية، وطالب بعقد الانتخابات الفلسطينية وبمشاركة حركة حماس فيها، امتثل طواعية لإسرائيل. والآن وقد مضت عدة أشهر أوقفت الولايات المتحدة وأوروبا مساعداتها التي كانت تشكل نصف ميزانية السلطة الفلسطينية.
وهنالك نتائج مبكرة لهذه المقاطعة. حيث قالت صحيفة فينانشال تايمز أن "الجراحين في أكبر مستشفى في غزة أوقفوا إجراء العمليات الجراحية غير الضرورية بسبب انعدام أدوات الغرز ومعدات المختبرات والتخدير". كما أن موظفي وكالة حماية البيئة لا يملكون المال لشراء الوقود اللازم للتجوال من أجل مراقبة مياه المجاري وتسرب النفايات الصناعية إلى شبكة مياه الشرب. وهنالك حوالي 150 ألف من موظفي الخدمة المدنية، 60 ألف منهم من قوات الأمن المسلحة، لم يتقاضوا رواتبهم لعدة أشهر.
وكان لابد للأسواق التجارية أن تمدد فترة الدين لزبائنها الذين لا يملكون المال لشراء الغذاء.
وتنشر صحيفة واشنطن بوست حادثة تعبر عن ما يحدث:
" يوم الاثنين في سوق الذهب بمدينة غزة، بدأت ناهد الزعيم بخاتم زفافها الذي أهداه لها زوجها وهو ضابط شرطة فلسطيني قبل ست سنوات. وضعته على الطاولة الزجاجية لمحل بيع الذهب، وانضمت بذلك إلى عدد آخر من زوجات موظفي الدولة الذين لم يقبضوا رواتبهم لشهرين".
"وناهد الزعيم التي كانت تغطي رأسها بحجاب أسود كانت تريد ثمن خاتمها لشراء الحفاظات والحليب لأطفالها الثلاثة، من بينهم حمزة، 4 سنوات. وقالت ناهد الزعيم 28 عاماً، هذه آخر ما تبقى عندي، لا أملك غيرها".
وقد أطلق ودرو ويلسون على هذه العقوبات اسم "العلاج الصامت المميت". لأن ضحاياه هم عادة من المرضى والمسنين والنساء والأطفال.
وفي شهر مارس الماضي توقع البنك الدولي أن قطع هذه المعونات سيؤدي إلى انهيار بنسبة 30% في متوسط الدخل الفردي للفلسطينيين. غير أن البنك الآن يعتقد أن توقعاته السابقة كانت وردية للغاية، ويتوقع الآن أسوأ سنة من التاريخ الاقتصادي الكئيب للضفة الغربية وقطاع غزة". المناوشات المسلحة قد اندلعت بين حماس وفتح. هنالك خطر داهم ينذر بانهيار السلطة الفلسطينية وحدوث الفوضى، وهنالك حاجة لتدخل الجيش الإسرائيلي لحفظ النظام. وأخيراً في 9 مايو، الولايات المتحدة لينت من موقفها تحت ضغط الاتحاد الأوربي وبدأت المساعدات في التدفق.
سؤال: من الذي يمكنه الاستفادة من اضطهاد الشعب الفلسطيني بهذا الشكل إلى جانب القاعدة والذين يقومون بتجنيد منفذي العمليات الانتحارية؟
وهل يعتقد الرئيس بوش أو كوندي رايز أن الفلسطينيين يحترمون أمريكا التي تفعل كل هذا بأطفالهم، وذلك بعد أن طالبنا بهذه الانتخابات، ودعونا إلى مشاركة حماس، وعبرنا عن انحيازنا للديمقراطية؟
وقد كتب سكوت ويلسون في صحيفة واشنطن بوست نقلاً عن مصطفى حسونة، وهو صيدلي يبلغ من العمر 33 عاماً "يبدو أن قطع المساعدات سيزيد من حالة الاستياء من الولايات المتحدة. إن الغرب هو المشكلة ولسنا نحن. إذا كانوا لا يحترمون الديمقراطية ما كان عليهم أن يدعو الناس إليها. ونحن نقف إلى جانب هذه الحكومة التي قمنا بانتخابها. وأنا شخصياً قمت بالتصويت لها".
وحسب صحيفة فاينانشال تايمز، قال خالد أبو ليلى، وهو أحد قادة حركة حماس أن حركته بدأت في كسب المتعاطفين لرفضها الخضوع. لقد أساءوا فهم العقلية العربية. لأنه كلما زاد الضغط على حماس، كلما أكسبها ذلك المزيد من الشعبية.
وقال البيت الأبيض أنه لن يتفاوض مع الإرهابيين. غير أننا عندما اضطررنا إلى ذلك، تفوضنا مع الإرهابيين. حيث أن فرانكلين روزفلت وترومان عقدا اجتماع قمة مع ستالين في يالطا وبوتسدام. ونيكسون التقى بماو في بكين. وكيسنجر تفاوض مع المؤتمر الفيتنامي وفيتنام الشمالية في باريس. بوش الأب تحالف مع الأسد في حرب الخليج. وقام كلينتون بدعوة عرفات إلى البيت الأبيض مرات عديدة.
كما أن رابين وبيريز اشتركا في جائزة نوبل للسلام مع عرفات. ونتنياهو منحه مدينة الخليل. وباراك قدم له 95% من الضفة الغربية.
وقد تفاوض عملاء بوش مع مهندس مذبحة لوكربي لإقناع العقيد القذافي بالتخلي عن أسلحة الدمار الشامل. وفي عام 2004، سمى رجال بوش ذلك بالنصر الدبلوماسي. لقد كان نظام القذافي على رأس قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للدول الراعية للإرهاب.
غير أن الغرض من السياسة الأمريكية والإسرائيلية اليوم هو معاقبة الفلسطينيين على تصويتهم، ولإجبار حماس على الاستسلام أو انهيار حكومتها. فكيف يمكن لسياسة كهذه أن تكسب قلوب الناس وعقولهم لصالح أمريكا؟ يوصف الإرهاب بأنه شن الحرب على الأبرياء لكسر قادتهم السياسيين. أليس هذا وصفاً عادلاً لما نفعله نحن الآن بالفلسطينيين ؟ فلا غرابة إذاً في أن يكرهونا.

مقاوم
06-29-2006, 04:17 PM
الوثيقة الخامسة



ترجمة مقال: هل يمكن التوصل إلى حالة مساكنة بين حماس واسرائيل؟



العنوان الأصلي: For Israel and Hamas, a Case of Accomodation

الكاتب: روبرت مالي Robert Malley وأرون ديفيد ميللر Aron David Miller
- روبرت مالي، المساعد الشخصي الأسبق للرئيس الأمريكي بيل كلينتون في قضايا العلاقات العربية الاسرائيلية، ومدير برنامج الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية.
- أرون ديفيد ميلر مفاوض أسبق في وزارة الخارجية الأمريكية، ومتخصص في السياسة العامة في مركز وودرو ويلسون.

المصدر: صحيفة واشنطن بوست
التاريخ: 15 نيسان/ أبريل 2006

ترجمة: الزيتونة


أفرز تشكيل الحكومتين الفلسطينية والاسرائيلية واحدة من أغرب الزيجات بين عدوين لدودين، يعتمدان على بعضهما بعضاً، ويجمعهما في هذه الأيام الكثير مما لا يهتمان بالاعتراف به، والجواب عن التساؤل حول ما إذا كان تقاطع المصالح بالصدفة بينهما سوف يجعلهما يتخطيان خلافاتهما العقدية، يعتمد على مدى استعداد الطرفين ليكونا أكثر براغماتية، وعلى كيفية رد فعل الأطراف الفاعلة في هذا المشهد، وخاصة الولايات المتحدة. حماس التي تترأس السلطة الفلسطينية تسعى إلى تدمير اسرائيل، ويعج ميثاقها بالخطاب المعادي للسامية، ولا يخفى على أحد أنها تؤيد استخدام العنف، وبالنسبة للحكومة الاسرائيلية الحالية أو أي حكومة اسرائيلية أخرى، فإن حماس تشكل تهديداً لوجودها، ومن جهة أخرى، تعبير السلطة الفلسطينية أصبح مرادفاً لـ"كيان إرهابي" ويظل الهدف النهائي بالنسبة للاسرائيليين القضاء على الحركة.
ولكن وراء أكمة الخطابات المتزمتة أمور ومفارقات مثيرة، فالطرفان ليس لديهما اهتمام بالتحدث إلى بعضهما، كما أنهما يؤمنان بأنه لا يمكن أن يكون هناك تسوية شاملة في المرحلة الحالية، ولكن أجندتيهما متداخلتين، على الرغم من النـزعة الأحادية المتأصلة في طبيعة كل منهما. وفي الوقت الحالي، فإن أفضل ما يخدم برنامج الطرفين هو تجنب العودة إلى ميدان المعركة واستئناف المفاوضات الثنائية. بالنسبة للحركة فإن الأولوية حالياً تتركز على ضمان تماسك حكومتها وبقائها، وهي بحاجة إلى عامل الزمن لتعزيز القانون والنظام ومكافحة الفساد، وتأمين الاحتياجات الاقتصادية الأساسية، وإيجاد سبل لدفع رواتب الموظفين بعد أن علقت كل الدول المانحة دعمها للسلطة الفلسطينية. ولكن حماس تدرك أنه لا يمكنها تحقيق أي من هذه الأهداف دون وجود موافقة اسرائيلية.
أما بالنسبة لاسرائيل فإن الأولوية تكمن في تنفيذ خطة الانطواء، التي تنسحب بموجبها من عدد كبير من مستوطنات الضفة الغربية شرق الخط الفاصل، لتحكم قبضتها على المستوطنات الكبرى في الجانب الغربي من الخط. ولتنفيذ هذه الخطة، تحتاج اسرائيل حاجة ماسة إلى دعم مالي، وأجواء هادئة، من أجل تأمين موافقة الشارع الاسرائيلي على خطة الانسحاب هذه. بإمكان اسرائيل أن تعرقل المشروع الإسلامي، ولكنها بحاجة إلى تعاونه إذا ما أرادت تحقيق أهدافها. وكما توفر اسرائيل مبرراً للقيام بخطة الانطواء من خلال الادعاء أنه ليس هناك شريك للسلام وبالتالي فإن الحل الوحيد هو بانتهاج السياسة الأحادية، وكما أن هذا الانسحاب الأحادي الجانب يدعم رأي حماس بأنه ليس هناك ضرورة للعودة إلى طاولة المفاوضات، فإن الثبات على هذه المواقف هو الذي سيحقق أهداف الطرفين.
ولكن هل يمكن لهذين الشريكين اللدودين أن يجدا سكناً مشتركاً مقبولاً؟ إن الجواب على هذا السؤال يعتمد على مدى استعداد كل واحد منهما للاعتراف بحقائق معينة، مهما كان هذا الاعتراف غير مريح. أول هذه الحقائق أن حماس لن تقبل الشروط الثلاث التي وضعها المجتمع الدولي لفتح قنوات الاتصال معها (أي الاعتراف باسرائيل، والتخلي عن العنف، والقبول بالاتفاقات السابقة) بالتأكيد هي لن تعترف، على الأقل ليس الآن، وليس تحت أي تهديد. بدلاً من ذلك، يجب إعادة تعريف هذه الشروط بطريقة أكثر واقعية وأكثر مغزى مما كانت عليه من قبل: هل الحكومة الاسرائيلية تعزز وقف النار، وتبذل جهدها في استعادة القانون والنظام؟ هل تتعامل مع اسرائيل بطريقة عملية في القضايا ذات الاهتمام المشترك؟ هل توافق على المبادرة العربية التي تدعو إلى تطبيع العلاقات مع اسرائيل فور التوصل إلى اتفاق سلام، وبالتالي، وضمناً الاعتراف باسرائيل؟ هذه الأساسيات سوف تكون مقبولة لدى جميع الفلسطينيين، وفي حال رفضتها حماس فإنها ستتعرض لملامة شديدة من قبلهم.
ومن ناحية أخرى يمكن أن تبقى جهود الولايات المتحدة الأمريكية لتجويع الحكومة الفلسطينية وحرمانها من الدعم المالي، موقفاً مبدئياً، ولكنها سياسة غير فعالة، وبالتالي فإنه النتيجة سوف تكون كارثة، وسوف تعم الفوضى والصراعات المحلية بين الفلسطينيين، هذا بالإضافة إلى استئناف دورة العنف بشكل كامل. يمكن بدل ذلك، أن تبقى الولايات المتحدة على موقفها في حين تسمح للدول المانحة أن تتعامل مع الحكومة الفلسطينية وتقوم بدفع مرتبات الموظفين من خلال صناديق الدعم الدولية.
أما بالنسبة للسياسة الاسرائيلية الأحادية، فعلى الرغم من كل عيوبها، تبقى الطريق الواقعي الوحيد للتقدم إلى الأمام، والحرص على نجاح هذه السياسة، يتطلب توفير الدعم المادي والدبلوماسي لخطة الانطواء التي ينوي أولمرت القيام بها. ولكنه يعني من ناحية أخرى، وضع خطوط حمر تضمن بقاء الخيار الأوحد لحل النـزاع، وهو التفاوض للتوصل إلى الحل القائم على بناء دولتين. على الولايات المتحدة أن ترفض الاعتراف بالحدود النهائية المعلنة من طرف واحد، كما عليها أن ترفض أي خطوات استباقية فيما يتعلق بمستقبل القدس، وعليها أن تضع تصورها للحل النهائي في الوقت المناسب.
في حين تفترق أهداف حكومتي حماس واسرائيل على المدى الطويل، فإن مصالحهما الآنية تتقاطع، ونتيجة لذلك، يمكن إرساء الأمن والنظام في الأراضي الفلسطينية، والنهوض بالاقتصاد، كما يمكن تنفيذ الخطة الاسرائيلية الأحادية الجانب، والتوصل إلى هدنة غير رسمية بين الطرفين، وهي أمور تبدو ممكنة التحقيق في الوقت الحالي، أكثر من أي وقت مضى.