تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ورقة الأقليات.. قنابل موقوتة تهدد النظام الإيراني



سعد بن معاذ
06-14-2006, 01:17 PM
ورقة الأقليات.. قنابل موقوتة تهدد النظام الإيراني
يوسف شلبي


مجلة العصر/9-6-2006

هل تعاني إيران فعلا من مشكلة أقليات؟ إن تصاعد الاضطرابات العرقية المسجلة في إيران، رغم التعتيم الإعلامي عنها، ضد عرب الأهواز والأكراد والتركمان والبلوش والأذريين، توحي بأن إيران تعيش فعلا أزمة أخلاقية مع أقليتها المختلفة، وأبرزها عرب الأهواز الذين يشكلون أكثر من 3 ملايين نسمة، أي نحو 5 % من سكان إيران، تقطن أغلبيتهم مدينة الأهواز في أحياء شعبية فقيرة ومكتظة بالسكان، لتلقى بمزيد من التعقيد والأعباء ليس فقط على حكومة المحافظين بقيادة الرئيس أحمدي نجاد، وإنما على كافة أركان نظام الجمهورية، خاصة مرشد الثورة، والحرس الثوري، والاستخبارات العسكرية.

القيادة السياسية والدينية والعسكرية في وضعية حرجة، في الوقت الذي تحاول فيه حشد تأييد المجتمع الدولي بخصوص ملفها النووي بعد تصاعد حدة التهديدات الأمريكية والإسرائيلية بشن ضربة عسكرية على إيران، والتلميح بفرض العقوبات الاقتصادية والتجارية والسياسية بالتنسيق مع الدول الأوربية والمجموعة الدولية، إضافة إلى الاتهامات لمنظمات حقوق الإنسان لإيران بعدم احترام حقوق الإنسان والأقليات. الاضطرابات العرقية، وضعت كل النظام الأمني الإيراني في محك جديد لمواجهة القلاقل ومتابعة "المخربين" أو"الإرهابيين" حسب ما يتداوله الإعلام الإيراني الرسمي.

فقد فوجئت الاستخبارات الإيرانية بأن معلوماتها في موضوع "الأقليات" لم تكن دقيقة، وأن "الجهاز" عموما بحاجة إلى إعادة هيكلته من جديد، باعتبار أن المخاطر المحدقة بالجمهورية "الإسلامية" في إيران قد تدك قلعتها المتينة، إذا استفحل الأمر ولم تجد القيادات السياسية حلولا لها في أسرع وقتا لتوطيد جبهتها الداخلية المتكونة من عدة أعراق ومذاهب وديانات، استعدادا للمواجهة الكبرى مع "الشيطان الأكبر" -حسب التعبير الرسمي- التي قد تنفجر في أي لحظة!

* مواجهات الأقليات .. لصالح من؟

فرضت أحداث المواجهات بين الأقليات في مناطق مختلفة في إيران تساؤلات مهمة، وكشفت في الوقت ذاته عن دلالات عدة: من المستفيد من التوتر؟ وهل التيار القومي الفارسي "المتشيع" كشر عن أنيابه لـ"تفريس" (فرض القومية الفارسية) مناطق الأقليات، خاصة في إقليم خوزستان "العربي"؟ وهل السلطات الإيرانية متورطة في هذه الخطة "الجهنمية" لإحلال العرق (الغالب) في مكان عرق آخر (الأقلية)، وذلك بالدعوة إلى ترحيل عرب خوزستان "الأهوازيين" وإسكان الفرس في مدنهم وقراهم، وإطلاق الأسماء الفارسية عليها، وذلك من خلال تهجير السكان الأتراك الأصليين من أذربيجان الإيرانية إلى الأهواز العربية، وهذا كله بهدف جعل عدد العرب "السكان الأصليين" في الإقليم نحو ثلث سكانها وذلك قياسا بالمهجرين من الفرس.

تبلغ مساحة مدينة الأهواز، التي احتلها رضا شاه عام 1925، 375 ألف كيلو متر، وهي عاصمة إقليم خوزستان وسادس مدن إيران الكبرى، تحدها العراق من جهة الغرب والخليج العربي من جهة الجنوب الغربي، فيما تحيطها من جهات الشمال والشرق والجنوب الشرقي جبال "زاجروس" التي يعتبرها الأهوازيون الفاصل الجغرافي الطبيعي الذي يدعم مطالبهم "الشرعية" في الانفصال عن إيران والاستقلال بالثقافة والهوية العربية.

في الحقيقة، لم تنشأ معارضة الأهواز كما يشير مركز الأهرام الدولي، بسبب بعض السياسات الحكومية "الجائرة" فقط، وإنما يرجع السبب أيضاً للطبيعة الوعرة التي تفصل الأهواز عن بقية المناطق الإيرانية التي جعلت من العسير ربطها بالمدن الرئيسية في إيران.

في الوهلة الأولى، قد تكون النزعة الاستقلالية عند بعض الأقليات لا تشكل خطرا على المدى القريب لإيران، نظرا لأن الظروف الداخلية والخارجية لا تسمح بمثل هذه المغامرة، حيث أن التوازنات الإقليمية الهشة للدول المحيطة بإيران تخشى من غلواء النزعة الاستقلالية، التي ستنتقل تأثيراتها إلى أقلياتها.

وتزايد التخوف الإيراني من استغلال الاستخبارات الدولية للنزعات العرقية، واستخدامها لزعزعة الاستقرار الوطني، وبث الفوضى والانقسامات، فهي نشطة داخل إيران، منذ عهد الشاه الإيراني إلى يومنا هذا.

وكانت تقارير سابقة أشارت أن بعض الأجهزة الاستخباراتية قامت بعمليات تخريب وتجسس في المناطق التي تقطنها الأقليات العرقية الإيرانية، خاصة في إقليم خوزستان الغني بالنفط.

ويخضع الإقليم عادة لإجراءات أمنية مشددة ولا تسمح السلطات الإيرانية بوقوع أي اضطرابات فيها، نظراً إلى أنها العصب الاقتصادي الحيوي لإيران، وذلك بعد اكتشاف النفط في منطقة عبادان والذي يمثل نحو 90 % من نفط إيران.

* مشاكل عرقية مفتعلة!

في العموم، مجمل الأقليات التي تتكون منها الأمة الإيرانية (40 % من مجموع السكان) منسجمة في داخل النسيج الاجتماعي الإيراني المتنوع بثقافاته وعاداته وتقاليده، مقارنة بالأقليات الأخرى المتواجدة في البلاد المحيطة بإيران (العراق، أفغانستان، سوريا، تركيا إلى باكستان). غير أن المصالح الاقتصادية، والأهداف السياسية، والموقع الاستراتيجي، تبقى أهم العوامل التي تدفع قوة عالمية مثل الولايات المتحدة الأمريكية إلى إثارة ما أصبح يطلق عليه إعلاميا بـ"مشكل الأقليات" في المنطقة ومعاناتها من اضطهاد الأغلبية!

قد يكون من مصلحة الولايات المتحدة استخدام هذا السلاح وافتعال المشاكل واستغلال الأوضاع، أي إثارة الصراعات الداخلية بأي حال من الأحوال، لأن الإستراتيجية التي تتعامل بها السلطات الإيرانية مع الأقليات خاطئة من أكثر من وجه، كما أن الأوضاع الصعبة التي يعانى منها معظم الأقليات الإيرانية وخاصة عرب الأهواز الذين يمدون خزينة الدولة سنويا بأكثر من 20 مليار دولار كمداخيل للنفط، في حين يعيش أغلب سكانه في فقر مدقع، وانعدام التنمية في المدينة، وضعف البنية التحتية، والافتقار إلى أبسط الحقوق الوطنية رغم اعتبارهم "دستوريا" و"قانونيا" مواطنين إيرانيين!! إذا، نقطة الضعف الأساسية في نظام الملالي تكمن في الأقليات التي تعاني كلها مما تعتبره تمييزاً فارسياً عنصرياً أو مذهبياً تجاهها سواء كانت من العرب أم الأكراد أم التركمان أم البلوش أم الآذريين.

* فعالية سلاح "الأقليات" للضغط على الأنظمة المستعصية!

المواجهات في إقليم الأهواز الأخيرة، والضغوطات القوية ضد الأقلية الكردية، تؤكد لا محالة أن يد الولايات المتحدة الأمريكية، بمساعدة مباشرة من بريطانيا، بدأت في تبنى إستراتيجية جديدة في المنطقة، من خلال التعامل مع إيران بمنطق تفجير ثورة الأقليات في الداخل الإيراني، وهو ما يعرف بإستراتيجية الثورة الشعبية، تعتمد على تغيير النظام بنقل المعركة إلى قلب الأراضي الإيرانية، وتعزيز المعارضة الداخلية ومساندتها عن طريق المواجهة العسكرية، وتبني "الاستقلال" عن السلطة المركزية ودعمها دوليا، ونسج علاقات قوية "إستراتيجية" مع باقي الأقليات داخل إيران، والمطالبة بحقها في تقرير مصيرها.. ولهذا يتبادر إلى الذهن سؤالاً هاماً مفاده: هل مشاكل إيران العرقية مفتعلة؟

كشف تقرير لوكالة الاستخبارات الأمريكية ( سى آي آيه ) أن إيران تستخدم في مواجهتها ضد الأمريكيين في المنطقة سلاح إثارة الخلافات المذهبية والعرقية، وهى التي تلعب دوراً مهما في تحريك هذه الصراعات في العراق، أين تتحكم في الوضع الداخلي للجنوب العراقي الشيعي، وتهدد بنقلها عدواها إلى الدول الأخرى مثل البحرين والكويت ولبنان واليمن (انتفاضة الحوثي) ولهذا قررت الولايات المتحدة استخدام السلاح ذاته في إيران.

وإدراكا منها لأهمية إقليم خوزستان العربية في حساباتها الدقيقة، كونها تتاخم جغرافيا جنوب العراق، عملت وكالة الاستخبارات الأمريكية على توطيد علاقتها مع المعارضة العربية، والقيام بتسليحها حسب بعض التقارير الصحفية، حيث سمح لها هذا التدخل، بإقامة جسر مباشر في الإقليم، في حالة اتخاذ قرار بغزو إيران أن تبدأ بالاستيلاء على إقليم خوزستان، بمساعدة المعارضة الخوزستانية، لتستغل بذلك العلاقات السيئة التي تربط الأهواز بالحكومة الإيرانية وتحتل في نفس الوقت الحقول النفطية الكبيرة التي تحويها منطقة عبادان الإستراتيجية.

كما ركز الإعلام العربي على أحداث إقليم خوزستان ذي الأغلبية العربية، رغم تسجيل اضطرابات في منطقة أذربيجان الإيرانية في شرقها وغربها، وهي أقلية عرقية كبيرة مقارنة بالأقليات الأخرى، ويبلغ حجمها الربع من حجم السكان، يتبعون المذهب الشيعي، ويحتلون مناصب مهمة في الحكومة الإيرانية، ولهم نفوذ قوي على الاقتصاد الإيراني والتجارة الخارجية.. الأقلية الأذرية، حكمت تاريخيا إيران منذ العهد الذهبي للحكم الصفوي في القرن السادس عشر. وحتى الجمهورية "الإسلامية" التي تعتبر أكثر "فارسية" من النظام الشهنشاهي البهلوي، يغلب عليها العرق الأذري.

الآن وفي ظل التوتر بين إيران والغرب أي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، يبدو أن قضية القوميات غير الفارسية في ايران مرشحة للخروج من إطارها المحلي لتصبح عاملاً في معادلة الصراع الإقليمي والدولي.