تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فبايعهم على الموت ... [للشيخ الأسير فارس الزهراني] فك الله أسره



رافع الراية
06-09-2006, 02:31 AM
بسم الله الرحمن الرحيم

فبايعهم على الموت



في العام السادس الهجري وفي شهر ذي القعدة خرج النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم متجهين إلى مكة لأداء العمرة وكان معهُ ألفٌ وخمسُمائة، كما في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه ، وعنه فيهما: " كانوا ألفاَ وأربعمائة" وفيهما عن عبد الله بن أبى أوفى رضي الله عنه: "كُنَّا أَلْفاً وثَلاثمائة"، قال قتادة: قلتُ لِسعيد بن المسيِّب: كم كان الذينَ شَهِدُوا بيعةَ الرِّضوان؟ قال: خمسَ عشرةَ مائة. قال: قلتُ: فإن جابرَ بنَ عبد الله قال: كانُوا أربعَ عشرةَ مائة، قال: يرحمُه الله أوْهَمَ، هو حدَّثني أنهم كانوا خمسَ عشرة مائة.

يقول ابن القيم رحمه الله: "وقد صح عن جابر القولانِ".

بعث النبيُّ صلى الله عليه وسلم بينَ يديه عَيْناً له مِن خُزَاعَةَ يُخبِرُه عن قريش، حتى إذا كان قريباً من عُسفان، أتاه عَيْنُه، فقال: إني تركتُ كعبَ بنَ لُؤي قد جمعوا لك الأحَابِيشَ، وجمعوا لك جموعاً، وهم مقاتِلوك وصادُّوك عن البيت ومانعوك، واستشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم أصحابَه، وقال: "أترون أن نمِيلَ إلى ذَراري هؤلاء الذين أعانُوهم فَنُصِيبَهم، فإن قعدُوا، قعدُوا موتُورين محروبين، وإن يجيئوا تَكُنْ عُنقاً قطعها اللهُ، أم ترون أن نَؤُمَّ البيت، فمن صدَّنا عنه قاتلناه"؟

فقالَ أبو بكر رضي الله عنه: اللهُ ورسولُه أعلم، إنما جِئنا معتمرِين، ولم نجئ لِقتال أحد، ولكن مَن حال بيننا وبينَ البيت، قاتلناه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَرُوحُوا إذاً".

فلما اقترب من مكة وفزعت قريشٌ لنزوله أحبَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يبعَثَ إليهم رجلاً من أصحابه، فدعا عمر بنَ الخطَّاب لِيبعثه إليهم، فقال: يا رسولَ اللهِ؛ ليس لي بمكة أحدٌ من بني كعب يغضَبُ لي إن أوذيتُ، فَأَرْسِلْ عُثْمَانَ بن عفان، فإن عشيرَتَه بها، وإنه مبلِّغٌ ما أردتَ، فدعا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عثمانَ بنَ عفان، فأرسله إلى قريش، وقال: "أخبرهم أنَّا لم نأتِ لقتال، وإنما جئنا عُمَّاراً، وادعُهُم إلى الإسلام"، وأمره أن يأتيَ رجالاً بمكة مؤمنين، ونساءً مؤمناتٍ، فيدخُلَ عليهم، ويبشِّرَهم بالفتح، ويخبِرَهم أن الله عزَّ وجلَّ مظهِرٌ دينَه بمكة، حتى لا يُسْتَخْفى فيها بالإيمان، فانطلق عثمان، فمرَّ على قريش، فقالوا: أين تريد؟ فقال: بعثني رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أدعوكُم إلى الله وإلى الإسلام، وأُخبِركُم أنَّا لم نأتِ لِقتال، وإنما جئنا عُمَّاراً، فقالوا: قد سمعنا ما تقُولُ، فانفُذْ لِحاجتك، وقام إليه أبانُ بنُ سعيد بن العاص، فرحَّب به، وأسرج فرسَه، فحمل عُثمانَ على الفرس، وأجاره، وأردفَه أبانُ حتى جاء مكة، وقال المسلمون قبل أن يَرْجِعَ عثمانُ: خَلَص عثمان قبلنا إلى البيت وطافَ به، فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "مَا أَظنُّه طَافَ بالبَيْتِ ونَحنُ مَحْصُورُونَ"، فقالُوا: وما يمنعُه يا رسول اللهِ وقد خَلَصَ؟ قال: "ذَاكَ ظَنِّي به، ألاَّ يَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ حَتَّى نَطُوفَ مَعَهُ" واختلط المسلمون بالمشركين في أمر الصلح، فرمى رجلٌ من أحد الفريقين رجلاً مِن الفريق الآخر، وكانت معركة، وترامَوْا بالنَّبلِ والحِجارة، وصاح الفريقانِ كلاهما، وارتهن كُلُّ واحدٍ مِن الفريقين بمن فيهم، وبلغ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن سفيره عثمانَ قد قُتِلَ، فقال: "لا نبرح حتى نناجز القوم" وعزم على القتال، ودعا إلى البَيْعة، فثار المسلمون إلى رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم وهو تحتَ الشجرة، فبايعُوه على ألاَّ يَفِرُّوا - وفي رواية على الموت [انظر فتح الباري 6/117] - فأخذ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه، وقال: "هذِهِ عَنْ عُثْمَان".

وكان عمر آخِذاً بِيدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم لِلبَيْعةِ تحتَ الشجرة، فبايعه المسلمون كُلُّهُم إلا الجدَّ بْنَ قَيْسٍ.

وكانَ مَعْقِلُ بنُ يسار آخذاً بِغصنها يرفَعهُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أوَّلَ من بايعه أبو سِنان الأسَدِي.

وبايعه سلمةُ بنُ الأكوع ثلاثَ مرات، في أول الناس، وأوسطِهم، وآخِرِهم.

نعم من أجل رجل واحد ثار المسلمون وتبايعوا على الموت أو على عدم الفرار وأنزل الله فيهم آيات تُتلى إلى يومنا هذا وسُميت تلك البيعة ببيعة الرضوان وبشّرهم الله بالجنة وكانوا خير أهل الأرض كما في صحيح البخاري "أنتم اليوم خير أهل الأرض"، وها نحن اليوم في جزيرة العرب يتجبر طواغيت آل سعود ويتجرأ جند الطاغوت أعوان الصليبيين على قتل القائد المجاهد خالد حاج وأخيه إبراهيم المزيني ( وغيرهم* ) ووالله لن تذهب دماؤهم هدراً وسنأخذ بثأرهم وإني على يقينٍ بأن المجاهدين قد عزموا على مناجزة القوم وعلى عدم الفرار بل وعلى الموت عسى الله أن يرضى عنهم والأيام حُبلى فدماء المجاهدين (خالد حاج، يوسف العييري، تركي الدندني، أحمد الدخيل وغيرهم )، لن تذهب بالمجان بل ستبقى وقوداً للمعارك، وزاداً للطريق، ونوراً للمجاهدين، وناراً على المرتدين والصليبيين.

يقول ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد: "كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يُبايعُ أصحَابَه في الحربِ على ألا يَفِرُّوا، وربَّما بايعهم على الموتِ، وبايعهم على الجهادِ كما بايعهم على الإسلام، وبايعهم على الهِجرةِ قبل الفتح، وبايَعَهُم على التوحيد، والتزامِ طاعةِ الله ورسوله، وبايع نفراً من أصحابه ألا يسألوا الناس شيئاً".

والبيعة على الموت من الأمور المشروعة كما مرَّ وقد ذكر ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية [7/11-12] قصة عكرمة بن أبي جهل يوم اليرموك فقال: "قال سيف بن عمر عن أبي عثمان الغَسَّاني عن أبيه. قال: قال عكرمة بن أبي جهل يوم اليرموك: قاتلتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في مواطن وأفر منكم اليوم؟ ثم نادى: من يبايع على الموت؟ فبايع عَمُّه الحارث بن هشام، وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قُدَّام فسطاط خالد حتى أُثبتوا جميعا جراحا، وقُتِل منهم خَلْقٌ منهم ضرار بن الأزور رضي الله عنهم وقد ذكر الواقدي وغيره أنهم لما صرعوا من الجراح استسقوا ماء فجيء إليهم بشربة ماء فلما قربت إلى أحدهم نظر إليه الآخر فقال: ادفعها إليه، فلما دفعت إليه نظر إليه الآخر فقال: ادفعها إليه، فتدافعوها كلهم من واحد إلى واحد حتى ماتوا جميعا ولم يشربها أحد منهم، رضي الله عنهم جميعا".

وقد أوردت هذه القصة لتأكيد مشروعية البيعة على الموت فقد عُقدت هذه البيعة على مرأى ومسمع أكثر من ألفٍ من الصحابة بينهم مائة من أهل بدر وقائد الجيش يومئذ خالد بن الوليد ولم يُنكر أحدٌ منهم على عكرمة بل أقروه على فعله يقول ابن كثير رحمه الله: " قال سيف بن عمر بإسناده عن شيوخه: إنهم قالوا كان في ذلك الجمع - جيش المسلمين باليرموك - ألف رجل من الصحابة منهم مائة من أهل بدر".

يقول سيد قطب رحمه الله: "هذا الدرس – بيعة الرضوان – كله حديث عن المؤمنين, وحديث مع المؤمنين؛ مع تلك المجموعة الفريدة السعيدة التي بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة والله حاضر البيعة – بعلمه - وشاهدها وموثقها, ويده فوق أيديهم فيها؛ تلك المجموعة التي سمعت الله تعالى يقول عنها لرسوله صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}.. وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لها:"أنتم اليوم خير أهل الأرض"... وإنني لأحاول اليوم من وراء ألف وأربعمائة عام أن أستشرف تلك اللحظة القدسية التي شهد فيها الوجود كله ذلك التبليغ العلوي الكريم من الله العلي العظيم إلى رسوله الأمين عن جماعة المؤمنين. أحاول أن أستشرف صفحة الوجود في تلك اللحظة وضميره المكنون; وهو يتجاوب جميعه بالقول الإلهي الكريم, عن أولئك الرجال القائمين إذ ذاك في بقعة معينة من هذا الوجود... وأحاول أن أستشعر بالذات شيئاً من حال أولئك السعداء الذين يسمعون بآذانهم, أنهم هم, بأشخاصهم وأعيانهم, يقول الله عنهم: لقد رضي عنهم، ويحدد المكان الذي كانوا فيه, والهيئة التي كانوا عليها حين استحقوا هذا الرضى: {إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}.. يسمعون هذا من نبيهم الصادق المصدوق, على لسان ربه العظيم الجليل..

يالله! كيف تلقوا - أولئك السعداء - تلك اللحظة القدسية وذلك التبليغ الإلهي ? التبليغ الذي يشير إلى كل أحد, في ذات نفسه, ويقول له: أنتَ أنت بذاتك يبلغك الله لقد رضي عنك، وأنت تبايع تحت الشجرة! وعلم ما في نفسك فأنزل السكينة عليك!

إن الواحد منا ليقرأ أو يسمع: {اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ}.. فيسعد. يقول في نفسه: ألست أطمع أن أكون داخلاً في هذا العموم ? ويقرأ أو يسمع: {إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}.. فيطمئن. يقول في نفسه: ألست أرجو أن أكون من هؤلاء الصابرين ? وأولئك الرجال يسمعون ويبلغون. واحداً واحدا أن الله يقصده بعينه وبذاته، ويبلغه: لقد رضي عنه! وعلم ما في نفسه، ورضي عما في نفسه!

يا لله! إنه أمر مهول!

{لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً}..

علم ما في قلوبهم من حمية لدينهم لا لأنفسهم، وعلم ما في قلوبهم من الصدق في بيعتهم، وعلم ما في قلوبهم من كظم لانفعالاتهم تجاه الاستفزاز, وضبط لمشاعرهم ليقفوا خلف كلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم طائعين مسلمين صابرين.

فأنزل السكينة عليهم.. بهذا التعبير الذي يرسم السكينة نازلة في هينة وهدوء ووقار, تضفي على تلك القلوب الحارة المتحمسة المتأهبة المنفعلة, برداً وسلاماً وطمأنينةً وارتياحاً".

وإنني أسأل كلَّ مُسلمٍ يقرأُ هذا الكلام فأقول:

أين نحن من الشيخ عمر عبد الرحمن في سجون أمريكا؟
وأين نحن من المجاهد رمزي يوسف والمجاهد أبي هاجر العراقي في سجون أمريكا؟
وأين نحن من أسرانا في غوانتانامو؟ وأين نحن من علماء المسلمين المأسورين في سجون الطواغيت والمرتدين؟
وأين نحن من بقية المستضعفين من المسلمين الذين يقبعون خلف الأسوار؟

يالله بيعةٌ على الموت وعلى عدم الفرار من أجل رجل واحد - عثمان بن عفان - من رسول الله صلى الله عليه وسلم!! وقتلانا اليوم وأسرانا بالمئات والآلاف ولا تتحرك فينا شعرةٌ ولا نبايع لله بيعة صادقة نكفر بها خطايانا!!

أين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه؟ أين شباب الإسلام؟
أين الذين يثأرون لدينهم ولعرضهم ولإخوانهم ولأمتهم؟

حُورب ديننا وسُبَّ ربُنا تعالى ونبينا صلى الله عليه وسلم وأُخذت ديارنا ونحن سادرون غافلون مشغولون!! وأُخذت أموالنا ونحن لاهون!! وقُتل أبطالنا وأخيارنا ونحن ساكتون!!

فإلى متى يا أمة الإسلام؟ إلى متى؟ إلى متى؟!!





كتبه أبو سلمان فارس بن أحمد آل شويل الزهراني


أسير في بطن أحد سجون طواغيت جزيرة العرب


فك الله أسره

المهاجر7
12-25-2007, 06:33 PM
السلام عليكم ورحمة الله, نسأل الله أن يفك أسر الشيخ فارس الزهراني ويفك أسر جميع العلماء العاملين الصادعين بالحق.