تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : موقف من قانون الزواج المدني / فضيلة القاضي الشيخ محمد كنعان



منير الليل
01-05-2003, 04:59 AM
موقف من


مشروع قانون
الأحوال الشخصيّة المدني






كتبه القاضي المستشار
الشيخ محمد كنعان







www.islammi.jeeran.com


لا تنسونا من دعائكم في ظهر الغيب









بيروت, لبنان
مشروع الزواج المدني شرعا وقانونا

بتاريخ يوم الخميس من شباط 1998 وزّع رئيس الجمهوريّه اللبنانيّة السابق الياس الهراوي على الوزراء كتيّبا, تضمّن "مشروع قانون الأحوال الشخصية الاختياري" الذي سبق أن أبدى رغبته في طرحه, لاقراره في مجلس الوزراء, تمهيدا لاحالته الى المجلس النيابي, وقد نشرت الصحف اللبنانيّة نصّه مع أسبابه الموجبة, وتتابعي ردود الفعل المؤيّدة والمعارضة.
ولأن موضوع "الأحوال الشخصيّة " يهمّنا لأسباب كثيرة أهمّها: أنّه معقلنا الأخير الذي نطبّق فيه جانبا من أحكام شريعتنا الغرّاء, فلا يسعنا ولا يجوز لنا أن نتركه وقد طرح, دون أن نعلن تجاهه موقفا شرعيّا مفصّلا, يعبّر عن موقف المسلمين منه, بصرف النظر عن مدى تأثير هذا الموقف على الواقع أو تأثّر المسؤولين به, فالحق يجب أن يقال, والحق أحق أن يُتّبع, وماذا بعد الحق الا الضلال؟.
ولكي نوضّح بعض الأمور على نحو أفضل, فقد قسّمنا موقفنا هذا الى ثلاثة أقسام:

القسم الأوّل: يتعلّق بمبادئ عموميّة

وفي هذا القسم ثلاث مسائل هي:
1. الطرح الرئاسي وموقفه من الدستور.
2. صيغة العيش الطوائفي.
3. القانون اللبناني يحمي الأحوال الشخصيّة للطوائف.


المسألة الأولى: الطرح الرئاسي وموقعه في الدستور

من المعلوم أن النظام اللبناني القائم ليس نظاما رئاسيّا, ولكنّه نظام برلماني يقوم عاى المؤسسات, ودور ؤئيس الجمهوريّة فيه هو دور الحكم والمراقب, وهو المرجع الأخير الذي لا ينحاز ولا يتبنّى مواقف فريق ضدّ آخر, وقد خوّله الدستور في المادّة "السادسة والخمسون " منه, حق اصدار القوانين التي تمّت الموافقة عليها نهائيّا, في خلال شهر مناحالتها الى الحكومة ويطلب نشرها, كما أن "وثيقة الوفاق الوطني" قد نصّت في سياق بيان صلاحيات رئيس الجمهوريّة على ما يلي:
{ 4- يُصدر (رئيس الخمهورية) القوانين وفق المهل المحددة في الدستور, ويطلب نشرها بعد اقرارها في مجلس النوّاب, كما يحق له بعد اطلاع مجلس الوزراء, طلب اعادة النظر في القوانين, ضمن المهل المحددة في الدستور ووفقا لأحكامه, وفي حال انقضاء المهل دون اصدارها أو اعادتها, تعتبر القوانين نافذة حكما ووجب نشرها.
5- يحيل مشاريع القوانين التي تُرفع اليه من مجلس الوزراء الى مجلس النوّاب.}

فواضح من هاتين الفقرتين أنّه ليس من صلاحيّة رئيس الجمهوريّة اقتراح مشاريع قوانين ولا طرحها, والا صار موقعه كواحد من النوّاب وليس الأمر كذلك, مع الاشارة الى أن أنظمة الأحوال الشخصيّة لا يصح اقتراحها من أحد غير الطائفة صاحبة الشأن, فكل طائفة أو مذهب, هو الذي يتقدّم من السلطات المختصّة بنظامه الخاص به في هذا المجال, طبقا لما نصّ عليه " نظام الطوائف الدينيّة" الصادر بقرار 60 ل ر لعام 1936, والذي لا يُطبّق على المسلمين, لأن أنظمتهم كانت موجودة قبل صدوره, ومحاكمهم قائمة منذ قرون.

المسألة الثانية: صيغة العيش الطوائفي


قام النظام اللبناني على ما عُرف بالميثاق الوطني غير المكتوب, التي تحددت معالمه بالتطبيق والممارسة,وفحواه: أن الشعب اللبناني مؤلّف من عدّة طوائف اسلاميّة ومسيحيّة, وقد انبثق عن هذه الممارسة تركيبة سياسيّة واجتماعيّة ثقافيّة طائفيّة, عرفت بالنظام الطائفي, وجميع المسؤولين في شتّى المستويات موجودون في مواقعهم بمقتضى هذه الطائفيّة, ولم يُلحظ لا في الدستور ولا في الأعراف المطبّقة أي دور أو وجود معترف به لفئة لا دينية ولو كانت حزبية, الا تحت ستار مذهب أو طائفة, فاللبناني الملحد لا يستطيع أن يترشّح لأي مقعد نيابي, من دون أن يُثبت انتماءه الشكلي الى مذهب ما, ويوجد في المجلس النيابي دائما, نوّاب ترشّحوا وفازوا باسم المسلمين, وهم في الواقع ملاحدة لادينيّون, وهؤلاء اللادينيون هم أقليّة في المجتمع, فلا يجوز زعزعة الاستقرار الاجتماعي, وارباك النظام القضائي من أجلهم, ولا يصح مسايرة أهوائهم على حساب مصلحة الغالبيّة العظمى من الشعب الرّافضة لأفكارهم وعقائدهم, واذا أتيح للأقليّة أن تفرض آراءها وعقائدها ومصالحها على الأكثريّة الساحقة, فأين الديموقراطيّة التي يتغنوّن بها؟!.
ولئلا تظل أزمات أولئك اللادينيين من أجل حل, فقد اقترحنا ونجدد الاقتراح, بأن يعلن هؤلاء عن أنفسهم أولا, وليشكّلو حزبا أو جمعيّة أو ملّة أو طائفة, أو ما يشاؤون من الأسماء, لينضم اليهم من كان على شاكلتهم, ثم ليشترعوا لأنفسهم بعدئذ ما يشاؤون من القوانين الملزمة لهم, وليتزوّجوا من وكيف ومتى وأين وكم شاؤوا, وليعيشوا في ذلك النعيم الذي يتحدثون عنه, وليكن لهم نوّابهم ووزراؤهم, فنحن لا يضيرنا أن تتشكّل هذه الفئة, وأن تتخذ لنفسها نظاما خاصّا في الأحوال الشخصيّة, بل نحن ندعوا الى ذلك ونطلبه حتى ينقى مجتمعنا الاسلامي من الدخلاء والمنافقين, الذين يستغلّون اسم الاسلام لمصالحهم, ويطعنون المسلمين بلسان فصيح, وفي شهر رمضان.

المسألة الثالثة: الدستور اللبناني يحمي الأحوال الشخصيّة للطوائف

من الشروط الأساسيّة لقانونيّة أي قانون في العرف الوضعي, أن لا يكون مخالفا لقواعد الدستور والا أعتبر باطلا, وأمكن ابطاله رسميّا بالطعن فيه أمام المجلس الدستوري, ومعلوم أن أنظمة الأحوال الشخصيّة للطوائف المعترف بها في لبنان, محميّة بمقتضى الدستور على:" أن الدولة تضمن للأهلين على اختلاف مللهم, احترام نظام الأحوال الشخصيّة والمصالح الدينيّة." ويفهم من هذه الفقرة: أنّ من لا ملّة له فلا نظام لأحواله الشخصيّة, وبالتالي فلا يصح اشتراع قانون لملّة لا وجود لها, الا اذا استحدثت لنفسها طائفة أو ملّة, وتقدّمت هي بطلب الى السلطات المختصّة مرفق بأنظمتها بما فيها الأحوال الشخصيّة, بغية الاعتراف بوجودها, أسوة بالطوائف اللبنانيّة الأخرى.
بل ان "وثيقة الوفاق الوطني" قد ذهبت في حماية أنظمة الأحوال الشخصيّة الدينيّة, أبعد مما نصّت عليه المادّة "التاسعة" من الدستور المشار اليها, فقد نصّت "الوثيقة" في سياق بيان الجهات التي لها حق مراجعة " المجلس الدستوري" فيما يتعلّق بتفسير الدستور ومراقبة دستوريّة القوانين وفي البند (ب) على ما يلي:
{ب- تأمينا لمبدأ الانسجام بين الدين والدولة, يحق لرؤساء الطوائف اللبنانيّة, مراجعة المجلس الدستوري فيما يتعلّق ب:
1. الأحوال الشخصيّة.
2. حريّة المعتقد وممارسة الشعائر الدينيّة.
3. حريّة التعليم الديني.}
فبموجب هذا البند, يحق لأي مرجع ديني, أن يطعن بأي قانون يتعلّق بالمجالات المذكورة, ويطلب ابطاله أمام المجلس الدستوري.

منير الليل
01-05-2003, 04:59 AM
القسم الثاني: الدوافع الى اقتراح هذا القانون.

تنصّ الأسباب الموجبة في العادة, على المصادر الي استمدّ منها القانون واستند اليها, وعلى المنافع المرجّحة لطرحه, والبواعث الدافعة الى اقتراحه, وذلك لاقناع الناس به, وحماهم على الموافقة عليه واعتماده, رغبة بما فيه لا رهبة من الحاكم.
وبالعودة الى الأسباب الموجبة لطرح هذا المشروع, في مبادئه العامّة وميزاته الأساسيّة, نتوقّف عند النقاط التالية:
أ- تقول الأسباب الموجبة:{ ان حق الدولة في مجال تنظيم الشؤون العامّةو وفي سنّ التشريعات المستلهمة من الدستور نصّا وروحا والمتلائمة مع حاجات المجتمع , وهو من البديهيّات الدستوريّة}.
ونقول: ان قضايا الأحوال الشخصيّة, ليست من الشؤون العامّة كقوانين البناء والانتخاب والأحزاب, ولكنّها من الشؤون الخاصّة بكل طائفة ومذهب, ولهذا لم تقم الدولة بسنّ أي قانون يتعلّق بالأحوال الشخصيّة لأي ملّة على الاطلاق, ولكنّها تقرّ ما تقدّمه اليها تلك الملّة أو الطائفة كما هو معلوم وواقع.
وأما مخالفة هذا الطرح للدستور فهي واضحة كما أسلفنا في القسم الأوّل.
ب- وترى الأسباب الموجبة: { أنّ هذا المشروع يوفّر على بعض المواطنين أعباء السفر للخارج بغيّة عقد الزواج وفقا لصيغ القوانين السائدة هناك}.
ونقول أولا: ان هؤلاء المواطنين, سيظلّون يسافرون لعقد زواجهم في الخارج لسببين: أحدهما: أن مشروع القانون لم يتضمّن الغاء ما يخالفه من أحكام, وعلى رأسها المادّة / 25/ من القرار رقم 60ل ر لعام 1936, وثانيها: أن المواطن اللبناني, سيجد في الخارج قانونا أرحم به من القانون المقترح.
ونقول ثانيا: اذا كان المسؤولون يحملون هموم الناس الى هذا الحد, فلماذا لا يفكّرون في حالة تلك الأعداد الكبيرة من الطلاب اللبنانيين , الذين يضطرّون الى السفر الى أبعد البلدان, لا من أجل الزواج بل من أجل التخصص,و يتكبّدون مصاريف وتكاليف باهظة لسنوات عديدة , وهم أكثر بكثير من راغبي الزواج الأجنبي؟
ولماذا لا يفكّلر المسؤولون, بوضع الحلول لأزمات أولئك الشباب التعليميّة والماليّة والاغترابيّة, مع ما يترتّب عليها من أضرار على أخلاقهم زانتمائهم الوطني والقومي والديني؟
ولماذا لا يفكّر المسؤولون, بأفواج التجّار والصناعيين والعمّال والمتخصصين, المتدفّقة كالسيل الى الخرج سعيا وراء لقمة العيش, وكثير منهم يذهب من دون رجعة الى الىطن؟ ولماذا لا يفكّر المسؤولون بأؤلئك المرضى الذين يُنقلون الى الخارج على الحمّالات لأنهم لا يجدون لأمراضهم علاجا في لبنان؟
ج- وتقول الأسباب الموجبة: { ان هذا المشروع يسهم في اشاعة الانصهار الوطني}.
ونقول اننا نرى العكس تماما, فان هذا المشروع سيؤدّي في حال اقراره, الى مزيد من الانشقاق الوطني,لأن الانصهار الوطني لا يتحقق باستعداء الغالبيّة العظمى من الشعب, ارضاء لفئة قليلة غير معلومة ولا ظاهرة ولا منظّمة ولا معترف بها من الدولة.
وان الانصهار الوطني لا يتحقق بقهر الأكثريّة الساحقة من المسلمين خاصّة وغيرهم عامّة, باشتراع قانون يتحدّى صراحة عقائدهم وأحكام دينهم, ويرمي الى تشتيت الأسرة واختلاط الأنساب.
واذا كان المعنيّون بالأمر يرغبون حقّا في اشاعة الانصهار الو طني, فلماذا لا يطبّقون المادّة /95/ من الدستور, والبند (ن) من وثيقة الوفاق الوطني بعنوان:" الغاء الطائفية السياسية ونصّه:
{ز- الغاء الطائفيّة السياسيّة هدف وطني أساسي, يقتضي العمل على تحقيقه وفق خطّة مرحليّة, وعلى مجلس النوّاب المُنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين, اتّخاذ الاجراءات الملائمة لتحقيق هذا الهدف, وتشكيل هيئة وطنيّة برئاسة رئيس الجمهوريّة تضم بالضافة الى رئيس مجلس النوّاب ورئيس مجلس الوزراء شخصيّات سياسية وفكرية واجتماعية, مهمّة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بالغاء الطائفية, وتقديمها الى مجلسي النوّاب والوزراء, ومتابعة تنفيذ الخطّة المرحليّة}.
د- وترى الأسباب الموجبة:{ أن قيام المحاكم المدنية الوطنيّة, بتطبيق القانون الأجنبي المعقود في ظلّه الزواج المدني في الخارج, يسئ الى مبدأ سيادة الدولة اللبنانية في مجال التشريع}.
ونقول: اذا كان الأمر كذلك فمن أين أتت مواد هذا المشروع؟ وما هو مستند أحكامه؟
فلذا كان واضعه فلان من اللبنانيين من خالص رأيه, فليس ذلك الفلان بعبقري عصره الوحيد, بل هناك أمثاله مئات وألوف, واذا كان واضعه حزبا, فنحن نعرف عقائد تلك الأحزاب وموقفها
من الدين عامّة, ومن الاسلام خاصّة.
ولكن الذي نصّت عليه الأسباب الموجبة أنّه: {تمّ الاستئناس قدر الحاجة والمستطاع, بقوانين عربيّة أو آسيوية أو غربيّة: التونسي, والتركي والفرنسي والسويسري}. وفي هذا الكلام ايهام بأن القانون العربي التونسي هو غير الآسيوي التركي, غير الفرنسي السويسري, وليس هذا بصحيح, اذ من المعلوم أن القانون التونسي هو نسخة طبق الأصل من القنون الفرنسي, وأن القانون التركي غربيّ المصدر والتأليف, وأن هذين القانونين مفروضان بالاكراه على الشعبين التونسي والتركي المسلمين, فكل هذه القوانين التي أشارت اليها الأسباب الموجبة هي قوانين غربية أوروبية.
فهل نقل مواد القوانين الغربية ووضعها في مشروع لبناني, يحوّلها الى وطنيّة, وتصبح بالتالي مقبولة ولا حرج على القضاء اللبناني لأن يعمل بها؟ وهل السيّارة الأميركيّة أو اليابانيّة المستوردة الى لبنان, تتحوّل الى "صناعة لبنانية" بمجرّد تسجيلها لدى الدوائر المختصّة؟

منير الليل
01-05-2003, 05:04 AM
القسم الثالث: مضامين هذا المشروع مخالفة للشرع

تصمّن هذا المشروع أحكاما تتعلّق بالخطبة والزواج, والطلاق والهجر, والحضانة والنفقة والبنوّة الشرعيّة والبنوّة غير الشرعية, والتبني ونفي الأبوّة , والاقراربالنسب , والولاية والوصاية, والمفقود والارث والوصيّة, وتحرير التركات.
ويُلاحظ أن المشروع خلا عن أحكام, هدايا الخطبة, والعلامة , والمهر, والجهاز, ومشاهدة الأولاد, والوقف, كما أنّه لم يبيّن من يدير أموال فاقدي الأهليّة من الصغار والمحجور عليهم وكيف يتم ذلك, كما أنه لم يتّخذ موقفا مما اعتبره خرقا للسيادة الوطنية في المادة /25/ من القرار /60ل ر/ التي ستظل سارية المفعول, وسيظل القضاء المدني اللبناني ملزما بتطبيق قانون أحكام البلد الأجنبي الذي جرى في ظله العقد في الخارج وكأن شيئا لم يكن.
وباستعراض أحكام هذا المشروع مقارنة بالأحكام الشرعية, نجد مخالفات خطيرة للشرع الشريف, نستعرض أهمها وأبرزها في المسائل العشر الآتية.

المسألة الأولى: منع تعدد الزوجات

شرط القانون لصحّة عق الزواج, أن لا يكون أحد طالبي العقد مرتبطا بزواج قائم والا كان العقد باطلا ( المادة 9 والبند الأول من المادة 21). ان هذا الشرط الرامي الى منع أن يكون للرجل المسلم أكثر من زوجة واحدة, هو شرط مخالف لصريح القرآن الكريم والسنّة النبوية, واجماع المسلمين ععبر العصور على مشروعية تعدد الزوجات وفق الحاجة,, ولكن هذا الشرط موافق لما عليه العمل لدى الكنائس كلها, فهو شرط مرفوض اسلاميا, مقبول كنسيّا.
وسنذكر في المسألة الثانية, ما يترتبه هذا المشروع من نتائج غريبة غير انسانية, بخصوص نسب الأولاد الحاصلين من زواج آخر.
والغريب في هذا الأمر, أن يفرض على المسلم الامتناع عن فعل شئ أباحه له دينه, وهو لا يضرّ أحدا ولا يأخذ من حقّه شيئا, ولا يتم باكراه واجبار, فاذا تزوج المسلم مثنى وثلاث ورباع, فما الذي يزعج غير المسلمين من هذا الأمر؟ وما الذي يغيظهم؟ مع العلم أن تعدد الزوجات ليس الزاميا ولا واجبا, فباستطاعة الرجل أن يكتفي بمرأة واحدة ,وأكثر الرجال كذلك يفعلون, فباستطاعة المرأة أن ارفض زواج رجل متزوّج, وهذا يحدث أحيانا, ولا يحدث أحيانا فتقبل المرأة أن تكون زوجة ثانية, فاذا كان الزوجان راضيين, فعلام هذه الضجة؟ وما هو سبب هذا الحقد الدفين على الدين الاسلامي؟

المسألة الثانية: البنوّة غير الشرعيّة

نصّت المادّة /61/ من المشروع على ما يلي:
{البنوّة غير الشرعية في نطاق تطبيق هذا القانون هي: البنوّة الناتجة من علاقة شخصين أحدهما متزوّج وفقا لأحكام هذا القانون}.
ومعنى هذا: أن الرجل الذي تزوّج طبقا لهذا القانون, ثم تزوّج امرأة أخرى فأنجب منها ولدا, فان هذا الولد يعتبر غير شرعي, ولا تثبت بنوّته الا باعتراف رضائي يعلن بقرار من المحكمة المختصّة بعد مطالعة النيابة العامّة, ويشترط لصحّة هذا الاعتراف موافقة الزوج الآخر والا لم يصح الاعتراف (المادتان 62 و 46 منه) ويقبل الاعتراف بالولد من الزنى, سواء كان من زنى الزوج أو الزوجة.
والغريب في هذه المسألة: أن المشروع أعطى الولد الشرعي المولود نتيجة علاقة غير شرعيّة ناتجة عن الخطف أو الاغتصاب أو الاغراء بالطرق الاحتياليّة, حقّ طلب اثبات انتسابه الى والده لدى القضاء, ولم يعط هذا الحق للولد المولود نتيجة زواج آخر, بل يظل هذا الولد اذا لم يعترف به والده من دون نسب (المواد 65-68 منه).
والأغرب مما تقدّم: أن المشروع منع على الوالدين أن يتبنّيا أولادهما غير الشرعيين, فقد نصّت المادة (80) على ما يلي: { لا يصح تبني الوالدين أولادهما غير الشرعيين}.
ومعنى هذا أن الولد الناتج عن زواج ثاني, لا يصح لوالده أن ينسبه اليه ولو بطريق التبنّي, في حين أجاز المشروع تبنّي أولاد الآخرين كما سنبيّن في المسألة الثالثة, وهذا قي باب الامعان في منع تعدد الزوجات, ومعاقبة المعددين وأولادهم أيضا, معاقبة لا أقسى ولا أفظع, بحرمان الأولاد حقّهم الشرعي في النسب.
وهذا كلّه تخليط, وتخبّط عشواء في أنساب الناس وكراماتهم, لا يجيزه الاسلام الذي يحرص كل الحرص على مراعاة حرمة النسب واثباته بأيسر الأسباب, ولو من زواج فاسد أو وطء بشبهة.

المسألة الثالثة: اباحة التبنّي

أجاز المشروع في " الفصل السادس" من الباب الثاني منه بالتبنّي, وأعطى عقد التبنّي الناشئ بين المتبنيﱢوالمتبنى, الحقوق والواجبات العائدة للبنوّة الشرعيّة بكل جوانبها, وأجاز أيضا الغاءه في حالات عدّدها, فتزول بالغائه كلّ الحقوق والواجبات التي ترـبت عليه, فبعد أن كان المتبنّى أخا لولد المتبنّي, يمتنع أن يتزوّج أحدهما الآخر , اذا كان أحدهما ذكرا والآخر أنثى.
والغريب أيضا في هذه المسألة: أنّ المشروع أجاز تبنّي أولاد والدهم على قيد الحياة, ويتم التبنّي بموافقتهما, وهذا الترخيص سيفسح المجال للمتاجرة بالأولد وبخاصّة أولاد الفقراء, ولا نستغرب أن تفتح مكاتب للتبنّي على غرار مكتب الخادمات.
والأغرب مما تقدّم: أن يمنع المشروع على الوالدين, أن يتبنّيا أولادهما غير الشرعيين كما أشرنا في المسألة الثانية, وذلك من أجل محاصرة عمليّة الزواج الثاني, وتقييد حريّة المسلم في تعدد الزوجات.
ومعلوم شرعا: أن التبنّي بجميع وجوهه محرّم وغير جائز, بصريح القرآن الكريم والسنّة النبوية واجماع الأمّة, فلا تجوز اباحته اباحته في حال من الأحوال.

المسألة الرابعة: الغاء شرط الدين في الزواج

ألغى المشروع شرط الدين لصحّة عقد الزواج, من أجل افساح المجال لزواج المسلمة غير المسام, لأن العكس حاصل بالفعل على نحو شرعي وقانوني, وهذا الاجراء مخالف لأحكام الاسلام, اذ من البديهي في الشرع الاسلامي: أنّه لا يتزوّج المسلمة الا مسلم, وغير هذا باطل مرفوض لا يُقبل.

المسألة الخامسة: الغاء مانع اختلاف الدين في الارث

نصّت المادّة /110/ من المشروع على مايلي:
{تطبّق على الزوجين اللذين عقدا زواجهما وفقا لهذا القانون, أحكام الارث والوصيّة وتحرير التركات العائدة الى نظام الأحوال الشخصيّة التابع له كل منهما, مع مراعاة المبدأين الآتيين:
1- لا يحول اختلاف الدين دون التوارث بين الزوجين, ودون افادة الأولاد.
2- يبقى اختصاص النظر في قضايا الارث والوصيّة وتحرير التركات والنزاعات الناشئة عنها, للمحاكم المدنيّة دون سواها}.
ان مرادهم من هذه المادّة هو افادة المسلم من تركة غير المسلم والعكس, وتعليقنا على المسألة هو السؤال التالي: هل يقوم المسؤولون بتوزيع ميزانيّة الدولة على الشعب والمناطق بالعدل؟ والا فلماذا توجد منطقة محرومة؟ وقرى وأحياء فقيرة؟
ان توزيع الميراث على الورثة, هو حكم شرعيّ لخّص رب العالمين تعليله في قوله: آباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا, فريضة من الله, انّ الله كان عليما حكيما.

المسألة السادسة: في العدّة, أو متى تتزوّج المطلّقة

نصّت المادّة /34/ من المشروع على ما يلي:
{ يمتنع على المرأة أن تتزوّج قبل انقضاء ثلاثمئة يوم على ابطال الزواج, أو انحلاله الا اذا كانت حاملا ووضعت مولودها قبل انقضاء هذه المدّة, أو اذا رُخّص بالزواج بقرار معلّل تتخذه المحكمة المختصة في غرفة المذاكرة}.
والغريب في هذه المادّة هو: جعل العدّة أكثر من ثلاثة أضعاف العدّة الشرعية, والأغرب هو جعلها قابلة للتقصير حسب رأي القاضي من دون حسبان لمفاجآت الحمل والخصومة بشأنه, ولسنا ندري ما هو التعليل الذي يعلّل به القاضي قراره بتقصير هذه المدة والسماح للزوجة المعتدّة بالزواج من رجل آخر. مع الاشارة الى أن العدّة كانت في الجاهليّة قبل الاسلام سنة كاملة.

المسألة السابعة: منع الطلاق بالتراضي

نصّت المادّة (26) من المشروع أنه {لا يصح الطلاق بالتراضي}.
أي بتراضي الزوجين واتفاقهما, فاذا جاء الزوجان الى المحكمة, وعرضا أنهما قد اتفقا على الطلاق, فان المحكمة لا تقبل طلبهما ولا تحكم لهما به, لأن هذا القانون أوجب أن يكون الطلاق بسبب خصومة ولأسباب مكشوفة مفضوحة, أي: يجب على الزوجين نشر أسرارهما وفضائحهما وخصوصيتهما أمام المحكمة ليحصلا على حكم بالطلاق, وان هما اتفقا على ستر ما بينهما, وعلى حفظ أسرارهما وكرامتهما, وعلى أن يفترقا بالحسنى, فان طلبهما يردّ ولا يقبل, وعلى سبيل المثال: اذا اطّلع أحد الزوجين أو علم, أن زوجه الآخر قد زنى وتصارحا بهذا الأمر, فانهما لا يستطيعان أن يحتفظان بهذا السر فيما بينهما ويفترقا بالحسنى لأن القانون _المنتظر_ يلزمهما بالبوح بهذه الفضيحة وتدوينها في الحكم كسبٍ للطلاق, من دون مبالاة بردّة الفعل لدى الأهل, وانعكاس هذا الأمر بالسوء على الزاني في حياته وسمعته ومستقبله.
فأين الحريّة والحرص على كرامات الناس وأسرار حياتهم؟ وهل يوجد قانون في العالم لا يجيز للخصوم أن يتراضوا على انهاء النزاع؟ فاذا اتفقوا دوّن اتفاقهم وصدّقت المحكمة عليه؟ فلماذا يرفض هذا المبدأ في مؤسسة الزواج؟

المسألة الثامنة: في أسباب انحلال الزواج

أورد المشروع سببا غؤيبا عجيبا لانحلال الزواج في المادة (24) منه, وهو : أن الزواج ينحل بتحوّل جنس أحد الزوجين الى الآخر}.
وسنناقش هذا السبب من الناحية الواقعية والعلمية, لأنه يدلّ على سطحيّة في التفكير عند الذين وضعوا هذا السبب, الذي معناه: أنه يمكن للزوج أن يجري عملية استئصال لجهازه التناسلي الذكري, ويزرع مكانه جهازا أنثويا, فينهد له ثديان, ويتساقط شعر لحيته وينعم صوته وجلده, ويصبح مهيّأ لأن يكون زوجة يحبل كسائر النساء, وأنه يمكن للزوجة أن تفعل مثل ذلك, فيختفي ثدياها, وينبت شعر لحيتها, وتصبح رجلا زوجا.
هذا ما يفهمه عقلاء البشر من نص هذه المادة, وهو تصوّر لا مستند له ولا أصل الا في أوهام بعض الناس الذين يأخذون معلوماتهم مما تكتبه بعض المجلات والصحف تحت عناوين مثيرة لافتة, عن حالات نادرة يطلقون عليها, أنها تحوّل شاب الى شابّة اوالعكس, حتى توهّم الكثيرون أن تحويل الذكر الى أنثى والأنثى الى ذكر, بات ممكنا من غير أن يعلرفوا حقيقة الأمر, فاذا كان واضعو هذا المشروع مقتنعين ومصدّقين بأن الرجل كامل الرجولة يمكن أن يحوّل الى امرأة تحبل وترضع, وأن المرأة يمكن تحويلها الى رجل,فعلى العقل والعلم والفهم السلام, وأما اذا كان مرادهم بهذا التحوّل, ما يُعرف بالفقه الاسلامي ب "الخنثى" فلا يصح ايراد أحكام الخنثى بهذه العبارة, لأن الخنثى لا تتحوّل من جنس لى آخر, ولكنّه مولود له حالتان: فهو اما يولد حاملا عضوي الذكورة والانوثة معا, وهذ يتّضح حاله بالتدرّج حتى سن البلوغ حيث يغلب أحد العضوين, وهنا يمكن للطب مساعدته على ابراز حالته الغالبة واستئصال العضو الزائد, وهذا ليس تحوّلا من جنس الى آخر كما يحلو للبعض أن يسميّه, بل هو اتّضاح جنسه الذي كان غير واضح عند الولادة, بوجود العضو الآخر لديه, واما أن يولد الخنثى مبهم الجنس لا يظهر فيه أي عضو, وهو يبوّل من ثقب, ويسمّى "الخنثى المشكّل", فهذا اذا كان جهازه التناسلي موجودا في تكوينه, أمكن للطب مساعدته على ابراز جنسه, والا ظلّ طوال حياته مشكّلا, والخنثى في حالتيه لا يصح زواجه أصلا الا بعد اتضّح حالته.

منير الليل
01-05-2003, 05:05 AM
المسألة التاسعة: اباحة الزواج بين قرابة الرضاع

لم ينص المشروع في موانع الزواج الا على قرابتس النسب والمصاهرة, كما في المادّة "العاشرة" منه, وهذا يعني أن: قرابة الرضاع غير معتبرة من موانع الزواج, وهذا موقف الكنائس, فيجوز للرجل بموجب هذا القانون أن يتزوّج أمّه وابنته وأخته... من الرضاع, ويجوز للمرأة أن تتزوّج أباها وابنها وأخاها... من الرضاع, وهذا مخالف لصريح القرآن والسنّة النبويّة.

المسألة العاشرة: تعقيدات في التطبيق

في حال اقرار هذا القانون, فسيعان القضاء الشرعي ومعه جميع المسلمين, ومن تعقيدات تخالف الشرع مخالفة صريحة, من دون أن يكون للقضاء الشرعي صلاحيّة تطبيق الأحكام الشرعيّة بخصوصها, ونذكر منها على سبيل المثال ما يلي:
1) اذا ارتد مسلم أو مسلمة بسبب رضوخه لاحكام هذا القانون فتوفيّ أحد والديه مثلا, فان على المحكمة الشرعيّة حين تصدر قرار حصر ارث المتوفّى أن تورث ذلك الرجل المرتد وتلك المرأة المرتدة من المتوفّى, لأن مذهبهما في دوائر النفوس ما زال كمذهب المورث, وهذا أمر لا يجوز شرعا, وستكون المحاكم الشرعية مضطرة ومجبورة بحكم القانون على فعله, والا عرّضت حكمها للفسخ أو لعدم التنفيذ.
2) تعهد المشروع موضوع النفقة الواجبة على الوالدين للأولاد الناتجين عن الزواج طبقا لأحكامه دون العكس, حيث يظلّ النظر في دعاوى نفقة الوالدين على أولادهم هؤلاء من اختصاص القضاء الشرعي, وهنا سيواجه القضاء الشرعي قضايا يكون فيها الزواج باطلا ويكون نسب الأولاد غير ثابت شرعا بذلك الزواج, فلا يستطيع القاضي الشرعي الا التقيّد بما في اخراج القيد وان كان مخالفا للشرع في الواقع.


وخلاصة القول:
أن هذا المشروع لن ينتج انصهارا وطنيا , بل أولاد طائفيين يُفر ضون على الطوائف فرضا, من دون أن يكون للطائفة أن تطبّق أحكامها على ذلك الوافد الغريب.
وأن هذا المشروع لن يحلّ أزمة أحد, بل سيورّط المجتمع بسيل من الأزمات, ونحن سلفا نقول لأولئك المتلهفين الى اقرار هذا القانون: انه سينطبق عليكم المثل القائل:" افرح تفرح,جرّب تحزن" فانتبهوا.
وأن هذا المشروع مخالف لأحكام الشريعة الاسلاميّة, فهو مرفوض جملة وتفصيلا, ولن نقبل بأن نترك تراثنا وتاريخنا وشريعتنا, لنأخذ لمامات من قوانين الغرب, أو من تهيؤات بعض المنظّرين أعداء الدين في لبنان.
ونحن ما زلنا نأمل في أن يعمد المسؤولون الى طيّ هذا الموضوع, والاهتمام بدلا عنه بالقضايا الملحة والمهمة والنافعة للبلاد والعباد.

والحمد لله رب العالمين وبه المستعان




وبما أن الشيخ محمد كنعان هو رئيس المحاكم الشرعية السنية العليا في لبنان
فهو خط الدفاع الأمامي حول خطورة هذا الموضوع....

فالزواج هو آخر قلاعنا الاسلامية في لبنان
ولن نرضى لأحد بان يأخذ هذه القلعة منا....
نسأل الله أن يجمع صفوفنا ويوحد كلمتنا...

هلال80
01-05-2003, 05:18 AM
بارك الله فيك اخي منير......زينة شباب بيروت:)

وبارك الله بسماحة الشيخ محمد كنعان .......

يثبت الموضوع للفائدة ان شاء الله

جنى
01-07-2003, 01:40 AM
بارك الله بك اخي الكريم على طرح نص الشيخ محمد كنعان حفظه الله ......... ان موضوع الزواج المدني البعض نسيه لا لانه أصبح ليس مهما بل لأن المروجين للمدنية المتفلتة أضاعوه أو أخفوه قليلا وشغلوا الناس بأشياء لكي يعملوا ما يريدون وهكذا ..... ضاع الموضوع بين الاوراق وعاد ليطل في نصوص ما زالت ثابتة ان شاء الله......... انها المدنية التي تذهب بالأسر الى الضياع من الحقوق الشرعية وغيرها....... مشكور أخي وكل من يساهم في الدعوة الصحيحة الى نشر هذا الموضوع........ورد كيد الكائدين لهذا الدين في نحورهم ان شاء الله.........e:

منير الليل
01-11-2003, 04:07 AM
شكرا لكما
والحمد لله الذي قيّض من هذه الأمة
رجالا ونساءا يدافعون عن هذا الدين الاسلامي الحنيف


لا اله الا الله




اله أكبر

الرايات قادمة