تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : فكرة " حوار الأديان " سلاح من أسلحة تدمير الإسلام



ابو شجاع
06-03-2006, 03:18 PM
فكرة " حوار الأديان " سلاح من أسلحة تدمير الإسلام






قال تعالى : {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ } [البقرة :2/109]. وقال جل من قائل : {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ } [البقرة :2/145]. هذه الآيات البيّنات تكشف لنا ما في أعماق صدور أهل الكتاب، وما تنطوي عليه نفسيتهم تجاه الإسلام والمسلمين، وما يكمن فيها من حسد وحقد وبغض وكره لملة الإسلام، ونكشف لنا أيضا نواياهم الخبيثة ومكرهم وغدرهم بنا.

وعليه فإنه عز وجل يحذرنا من اتباع أهواءهم والميل لهم كل الميل، أو ترك ملة الإسلام إرضاء لهم. ومن يفعل ذلك من المغرر بهم، ويقع في حبال شباكهم، ويرتد عن الإسلام، لن يقبل الله منه يوم القيامة لا عدلا ولا صرفا، وهو يومئذ من الخاسرين، قال تعالى : {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين }[آل عمران :3/85]. وقال عليه الصلاة والسلام : " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ " [أخرجه مسلم وأحمد].

ولكن رغم آيات التحذير والتنبيه، والوعد والوعيد. ورغم استحالة التوفيق بين الحق والباطل، أو المصالحة بين الكفر والإيمان، فإننا نجد على الساحة الإسلامية خلافا شديدا بين الفرقاء حول فكرة التقريب بين الأديان. وبالتحديد فكرة " الحوار بين الأديان" التي فتن بها المسلمون خلال العقود الماضية. ففريق يرفض هذه الفكرة ويقاومها ويأبى أن يشارك أو يساهم فيها، ويحذر المسلمين منها، ويدعوا لمقاطعتها وفضحها وكشف خفاياها. وفريق أخر متحمس لها يدافع عنها وينشط في تنميتها ورعايتها أيما نشاط. وهكذا الجدل لازال متواصلا، والحبر لازال سائلا، والندوات والمؤتمرات لازالت متواصلة. وما إن تنتهي ندوة أو مؤتمر إلا ويعقبها مؤتمرا آخر أو ندوة أخرى في مختلف العواصم الإسلامية و الغربية. وها نحن اليوم على مسافة أسبوعين من انتهاء المؤتمر الرابع لحوار الأديان الذي عقد في الدوحة بقطر، حتى أعلن الرئيس القبرصي " تاسيوس بابا دويلوس" أثناء زيارته القاهرة ولقاءه بشيخ الأزهر الـ " د : محمد سيد طنطاوي" عن اعتزام بلاده عقد مؤتمر للحوار بين الأديان بالتنسيق مع حكومة " ماليزيا " خلال شهر يوليو المقبل.



والسؤال البديهي الذي يطرح نفسه الآن هو التالي:


ما هي حقيقة هذه الفكرة الدخيلة على المسلمين، والتي تحوم حولها الشبهات، وما هي الخلفية الفكرية التي تنطوي عليها، وما هي أبعادها العقائدية والفكرية والثقافية والسياسية. ومتى كان بالتحديد تاريخ ابتكارها ونشأتها وظهورها بشكل دولي، ومن الذي يقف وراءها ويرعاها. إلى غير ذلك من الأسئلة والاستفسارات التي تحتاج منا إلى وقفة وبحث.


ولنبدأ أولا بتاريخ نشأتها. " فقد ظهرت هذه الفكرة بشكل رسمي ودولي سنة 1932م , لما أرسلت فرنسا ممثلين عنها لمفاوضة رجال الأزهر في فكرة توحيد الأديان الثلاثة, أي الإسلام - والنصرانيّة - واليهوديّة. ثم تبع ذلك مؤتمر باريس لعام 1933م. وقد حضر هذا المؤتمر جمع من المستشرقين والمبشرين من جامعات - فرنسا - وإنجلترا - وسويسرا - وإيطاليا - وإسبانيا – وبولونيا - وتركيا- وأمريكا- وغيرها. ثم عقد بعد ذلك مؤتمر عالمي للأديان في أواخر سنة 1936م, قبل الحرب العالمية الثانية" (1). ومن بعد انشغل الأوروبيون بحروبهم فلم يواصلوا مشوار هذا الحوار. وهكذا خمدت هذه الفكرة لبرهة من الزمن، لتعود من جديد إلى الظهور بشكل حيّ على أيدي جماعة معروفين بميولهم الصهيونية, فقاموا بتنشيط مؤتمر للتأليف بين الإسلام والنصرانيّة في بيروت عام 1953م , ثم في الإسكندرية عام 1954م. وقد أصدر وقتها الحاج " أمين الحسيني" بيانا أثبت فيه صلة هذه الدعوة والقائمين عليها بالصهيونية العالمية. " وفي سنة 1964م قام البابا " بولس السادس" بتوجيه رسالة يدعو فيها إلى الحوار بين الأديان. وقد قام من بعد الفاتيكان بإصدار كتاب سنة 1969م يحمل عنوان " دليل الحوار بين المسلمين والمسيحيين"."(2) والجدير بالذكر هنا أنّ نشاطات الفاتيكان في بداية الستينات كانت متزامنة مع نشاطات المملكة الهاشمية الأردنية التي تعتبر بمثابة مملكة " الكرك" الصليبية المعروفة بعدائها وحربها للإسلام. وقد كان ممثل هذا النشاط هو الملحق الثقافي الأردني " بجنيف " الذي كانت له مجلة تصدر بسويسرا.


" وقد عقد خلال العقدين السابع والثامن من القرن العشرين أكثر من لقاء ومؤتمر للحوار بين الأديان والحضارات. وكان من أبرزها "المؤتمر العالمي الثاني للدّين والسلام" الذي عقد في بلجيكا , والذي حضره 400 مندوب من ديانات العالم المختلفة. وكذلك مؤتمر قرطبة في إسبانيا الذي حضره ممثلون عن المسلمين والنصارى من ثلاث وعشرين دولة. وقد عقد هذين المؤتمرين سنة 1974م , ثم جاء بعد ذلك الملتقى "الإسلامي المسيحي" سنة 1979م, الذي انعقد في " قرطاج" بتونس.

أما في العقد الأخير من القرن العشرين فقد نشط الدّاعون إلى فكرة حوار الأديان بتكثيف الملتقيات والمؤتمرات . فعقدوا سنة 1993م مؤتمر " الحوار الأوروبي العربي" في الأردن . ثم تلاه سنة 1994م مؤتمر الخرطوم للحوار بين الأديان. وفي عام 1995م عقدت ثلاث مؤتمرات للحوار, أحدها في " استكهولم" والآخر في " موسكو" وكان عنوانه " الإسلام والتفاهم بين الأديان والشعوب في العالم المتغير" وتم هذا المؤتمر تحت رعاية منظمة اليونسكو والعديد من الهيئات الدينية الأخرى. أما المؤتمر الثالث فقد عقد في عمان بالأردن . ثم تلاهم مؤتمر " الإسلام وأوروبا " في جامعة آل البيت في الأردن سنة 1996م" (3) . وهكذا تتالت النشاطات واستمرت الندوات والمؤتمرات إلى يوم الناس هذا الذي تابعنا فيه آخر ما حدث في الدوحة.



وواضح من هذه الندوات والمؤتمرات أنها وسائل وأساليب أخرى مضافة إلى الأساليب والوسائل الكلاسيكية القديمة، كبعثات التبشير والمستشرقين والمؤلفات ودور الثقافة والإعلام، وما شاكل ذلك. ولكي تثمر هذه الوسيلة وينجح هذا الأسلوب الجديد ويزدهر في ربوع البلاد الإسلامية، ويستقطب أبناءها بشكل أفضل، " لجأت الدول الغربية لإنجاز هذا المشروع إلى الجهات الرسمية داخل دولهم ودول عملائهم في العالم الإسلامي. ومن ثمة أنشأوا فرق عمل مشتركة ومراكز ومؤسسات متعددة. كمركز " أوكسفورد للدراسات الإسلامية " ومركز " دراسات الشرق الأوسط " في جامعة " درم البريطانية " وكلية " الصليب المقدّس الأمريكية " و" رابطة العالم الإسلامي " و" المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية " و" جامعة آل البيت " و" مجلس الكنائس العالمي"(4) . وغيرها الكثير موزع هنا وهناك. وهكذا انطلقت هذه المراكز والمؤسسات تنشط بفرق عملها لتستقطب المسلمين أينما كانوا. سواء في العالم الإسلامي, أم في البلاد الغربية .

ابو شجاع
06-03-2006, 03:21 PM
وبعد هذه اللمحة التاريخية عن نشأة هذه الفكرة، نأتي الآن للحديث عن بعض الشخصيات ورجالات هذه الدعوة المشبوهة. سواء من تقدم منهم في العصور السابقة, من قبل أن تأخذ هذه الفكرة شكلها الرسمي والدولي, أو ممن تأخر منهم من المعاصرين.

ففي القديم وجدت هذه الفكرة عند ملاحدة الصوفية. كابن سبعين واسمه " عبد الحق بن إبراهيم بن محمد الرقوطي"، اشتغل بالفلسفة فأصابه إلحاد، وقد هلك عام 669 هـ. وكذلك ابن هود واسمه " حسن بن علي المغربي الأندلسي"، متصوف فيلسوف، وكان على صلة باليهود، هلك عام 699هـ. وأيضا التلمساني واسمه " أبو الربيع سليمان بن علي بن عبد الله العابدي"، شاعر ونحوي ، هلك عام 690 هـ . [نواقض 378] . قال ابن تيمية: " كان ابن سبعين وابن هود والتلمساني وغيرهم يسوغون للرجل أن يتمسّك باليهوديّة والنصرانيّة كما يتمسّك بالإسلام, ويجعلون هذه طرقا إلى الله بمنزلة مذاهب المسلمين". [انظر المجموع : 14/164]. وقد وجدت هذه الدعوة أيضا عند التتار: قال ابن تيمية " وكذلك الأكابر من وزرائهم وغيرهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى , وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب عند المسلمين" [المجموع : 28/523] .


أمّا من المتأخرين ممّن دعوا إلى هذه الفكرة، وبرزوا مع بروزها بشكل رسمي ودولي، نجد على رأسهم" جمال الدين الأفغاني" وكان ذلك في أواخر القرن الثامن عشر. قال محمد عمارة : لقد راودت الأفغاني أحلام السعي لتوحيد المؤمنين بالدين، وأبناء الشرائع السماوية الثلاث، سدا للثغرات أمام الأعداء، وتعبيرا عن اتحاد مقاصد الشرائع السماوية نحو الخير والحق والعدل. وفي هذا الصدد يقول الأفغاني عن نفسه : " لقد لاح لي بارق أمل كبير: أن يتحد أهل الأديان الثلاثة، مثلما اتحدت الأديان في جوهرها وأصلها وغايتها، وبهذا الإتحاد يكون البشر قد خطوا نحو السلام خطوة كبيرة في هذه الحياة القصيرة ". وقال : " إنّ الأديان الثلاثة الموسَويّة والعيسويّة والمحمديّة على تمام الإتفاق في المبدأ والغاية, وإذا نقص في الواحد شيء من أمور الخير المطلق، استكمله الثاني. وعلى هذا لاح لي بارق أمل كبير أن يتحد أهل الأديان الثلاثة ".

وقد تأثر بفكرة الأفغاني تلاميذه، وأولهم الشيخ " محمد عبده "، إذ دعا هو الآخر بإيعاز من الأفغاني إلى فكرة التقريب بين الأديان. حيث قام الشيخ " محمد عبده " ومنذ إن كان منفيا في بيروت عام 1883م، بالإتصال برجالات الدّين النصراني، وتفاوض معهم. فقد اتصل بالقسّ " إسحاق تيلور" وكتب له رسالتين بهذا الخصوص. وقد قال القس حينذاك : " إن تفسير الإمام يمهّد لي الطريق لإثبات الوحدة بين الديانتين، في وسط يلتقي فيه المؤمن بالقرآن مع المؤمن بالإنجيل. وكانت يومئذ النتائج التي ظهرت من خلال هذه اللقاءات الثنائية أن برزت على السطح مظاهر التآلف بين أتباع الديانتين، لمّا قامت ثورة 1919م بقيادة " سعد زغلول"، فيومها شاهد النّاس أمرا غريبا وغير مألوف. إذ رأوا الصّليب يتحد مع الهلال، واستمعوا لِخطب شيوخ الأزهر تلقى في الكنائس, وشاهدوا القساوسة يعتلون منبر الرسّول صلى الله عليه وآله وسلمفي الأزهر.



ومن الذين يروجون لهذه الفكرة، ويزعمون أنها من صميم التوحيد. وينعون على المسلمين كثرة إسرافهم في القول بتمييز الإسلام على غيره، كاليهوديّة والنصرانيّة. ويرون أن ذلك مخالف لنصوص القرآن الكريم. نجد الـ " د- أحمد كمال أبو المجد" المستشار السابق لرئيس وزراء الكويت إذ يقول : " والذين يسرفون في الإلحاح على تميز الإسلام والمسلمين تميزا شاملا، محجوجون بنصوص القرآن الكريم، التي تصف أنبياء الله بوصف الإسلام. وهم محجوجون كذلك بحقيقة وحدة الإنسان، ووحدة مصدر الأديان السّماوية، وبأن العهد الذي أخذ بحمل الأمانة إنما أخذ على آدم أبِ البشرية، وعلى بنيه مسلمين وغير مسلمين ". [انظر : حوار لا مواجهة ص 207 أحمد كمال أبو المجد] .


ومن الذين يتبجّحون صراحة بهذا الرأي هو الـ" د - عبد العزيز كامل" إذ يقول : " ونحن في منطقة الشرق الأوسط نؤمن بالتوحيد بطريقة أو بأخرى، وأقولها واضحة، يستوي في هذا : الإسلام ، والمسيحيّة ، واليهوديّة ، حتى الإيمان بالأقانيم الثلاثة في الفكر المسيحي يُختم بإله واحد. هذه منطقة توحيد. والصور تختلف، وتفسيرها الفلسفي يختلف". [عبد العزيز كامل ـ الإسلام والعصر/ ص 194 نقلا عن العصريون ليوسف كمال ]


أما ممن يتحمّسون لإزالة الفروق بين الأديان ويزعمون أن ذلك ليس خطرا, ويرفضون تقسيم الناس على هذا الأساس (المتخلف) إلى مؤمنين وكفّار, باعتبار أنّ هذا التقسيم مرتبط بالعصور الوسطى وعهود الظلام. فهو الـ" د- محمد عمارة" الذي رفع شعار ( وحدة الدّين الإلهي ) وطرح نظريّته هذه في كتابه " تيارات اليقظة الإسلامية". حيث يقول : " والفروق بين المسلمين وأهل الكتاب ليست من الخطر بحيث تخرج الكتابيّين من إطار التديّن بالدّين الإلهي " ويرى في هذا الصدد أنّ " رفاعة الطهطاوي" قد قدّم فكرا مستنيرا في هذا المجال، حيث قدّم " تقسيما جديدا لا يقوم على معايير الكفر والإيمان، وإنما يقوم على مقاييس التحضّر والخشونة " [ تيارات اليقظة الإسلامية : محمد عمارة ( ص 280 ) / سلسلة الهلال / 1982 م ]


أما الـ" د - حسن حنفي" فهو أشدّ صراحة في طرحه لهذه الفكرة إذ يقول في كتابه " التراث والتجديد" :" لا يوجد دين في ذاته، بل يوجد تراث لجماعة معينة ظهر في لحظة تاريخية محدّدة، ويمكن تطويرها للحظة تاريخية قادمة ". [التراث والتجديد : حسن حنفي ص 22] .


وممن يعتقد بأنّ الجنّة لا تخصّ المسلمين وحدهم هو الأستاذ " عبد اللطيف غزال" إذ يقول : " ِلمَ يعتقد أتباع كل دين أن الله يختصّهم بالجنّة، ويذر غيرهم وأكثر النّاس في النّار؟ إنّ إلهاً هذا شأنه وإن صحّ – وحاشا أن يصح – لا يكون إله طائفة قليلة بالنسبة لسائر النّاس، لأنه ليس ثمّة دين يضم أكثر البشر. إنّ العمل الصالح لهو اليوم أفضل جهاد في سبيل الله ". [العصريون : يوسف كمال/ ص 109] .


ومثل هذا الكلام يقول به آخرون، حيث يتصورون أن المتفوقين من الكفّار لا يحرمون من الجنّة. إذ يتساءل " محمود أبو رية " باستغراب في كتابه " دين الله واحد" فيقول : " كيف سيحرم "أديسون" مخترع النور الكهربائي من الجنّة، وقد أضاء العالم كله، حتى مساجد المسلمين باختراعه ؟ " وعندما قيل له : إنّ أديسون لم ينطق بالشهادتين، قال : " إذا كان هذا الرجل العظيم لم يدخل الجنّة شرعا، أفلا يمكن أن يدخلها عقلا بفضل الله ورحمته، مادام يؤمن بخالق السماوات والأرض". [العصرانيون بين مزاعم التجديد وميادين التقريب / محمد حامد الناصر: 310].


وكما يعجب " محمود أبو رية " من حرمان الكفار المتفوقين في ميدان العلم من دخول الجنة ؟ فإن الـ" د- فهمي الهويدي" يعجب بدوره من قول خطيب جمعة سمعه يتحدث في خطبة عن أنّ المسلمين " خير أمة أخرجت للنّاس" ، وهو يرى أن فرش المسجد ولباس الشيخ الخطيب من صنع غير المسلمين !!. [مجلة العربي / 104 هجري / شهر ربيع الأول]


هذه بعض أفكار وأراء واعتقادات، من يدافعون عن فكرة حوار الأديان، ويطالبون بإزالة الفوارق بين الأديان الثلاث. ولكي نفهم حقيقة هذه الفكرة، وأهم ما تنطوي عليه من أفكار جزئية، لا بد لنا من عرض أهم ما يدعون إليه ضمن هذه الفكرة العامة، وهذا ما سنقف عليه في الفصل الثاني بإذن الله.

ابو شجاع
06-03-2006, 03:25 PM
الجزء الثاني



بعد أن تابعنا في الفصل الأول نشأة فكرة حوار الأديان تاريخيا، ووقت ظهورها بشكل رسمي ودولي، والمراكز التابعة لها في العالم، والجهات التي ترعاها، والشخصيات النشطة في الدعاية لها، نأتي الآن لبحث الخلفية العقائدية والفكرية والثقافية والسياسية لهذه الفكرة، وننظر في أعماقها وأبعادها. أو بالأحرى لنقف على أهم الأفكار الجزئية التي تقوم عليها هذه الدعوة المشبوهة. وللعلم, فإنّ هذه الفكرة الخبيثة اتخذ لها الكفار وعملاؤهم شعارات جذابة ومغرية، ليسهل ترويجها داخل العالم الإسلامي. من مثل شعار: " الاتحاد ضد قوى الكفر والإلحاد", وشعار " التعايش السلمي بين الأديان", وشعار " التسامح الديني", وشعار " السلام العالمي" و"الإخاء الإنساني", إلى غير ذلك من شعارات التمويه والتضليل, ليصطادوا بها السذج والمغفلين من أبناء هذه الأمة المستهدفة. وإذا أردنا أن ننظر فيما وراء هذه الشعارات من أفكار، فإننا سنجد ما يلي:


أولا : يقولون لابد من مواجهة قوى الكفر والإلحاد المتمثلة في التيارات المادية الملحدة, " كتيار الفكر الشيوعي الملحد " المتجسد في الاتّحاد السوفيتي قبل انهياره. ولهذا فإنّ التعايش بين الأديان والحوار فيما بينها ضرورة ملحّة, لأن الإلحاد يهدد الأديان السماوية, ويهدد منجزاتها الحضارية. وبناء على هذا الادعاء عقدوا المؤتمرات المكثفة في نواح شتى من العالم, وحرصوا على أن يشترك فيها كل من كان ينتمي إلى عقيدة من العقائد المختلفة الموجودة في العالم, " كالهندوسية, والبوذية, والسّيخية, وغيرها من العقائد الوثنية, إلى جانب الإسلام, والنصرانية, واليهودية, كما حصل ذلك في المؤتمر العالمي " للدين والسلام " في اليابان, وفي ندوة بيروت, في لبنان عام 1970 م"(1).

وتبعا لهذا النداء الماكر إلى اتّحاد الأديان ضد قوى الإلحاد, قام المؤتمرون بوضع توصيات يطالبون فيها بإنجاز مشاريع تجسّد هذا الاتحاد عمليا. فنادوا بإنشاء مجلس عالمي للأديان, وببناء مركب ضخم للأديان, حيث يكون فيه مسجد, وكنيسة, ومعبد. وكذلك طالبوا بطباعة الكتب السماوية الثلاثة في غلاف واحد. أي الجمع بين القرآن والإنجيل والتوراة, وجعلهم في كتاب واحد, تحت غلاف واحد, حيث تجسد على هذا الغلاف الرموز الدينية الثلاث، الهلال والصليب ونجمة داود. وهكذا نفهم من خلال هذه الدعوة الخبيثة أنهم يسعون إلى إلغاء تميز الإسلام وتفوقه على باقي الملل والنحل المنحرفة .


ثانيا : قامت هذه الدعوة بالمناداة إلى جمع القواسم المشتركة بين الأديان الثلاثة, وهذه القواسم حسب زعمهم تشمل العقيدة والأخلاق, والقيم، والثقافة. وكان الغرض من هذه الدعوة هو خلق دين جديد ملفق يعتنقه المسلمون بدلا عن دين الإسلام، حيث تتغير فيه المصطلحات القديمة بمصطلحات جديدة، لها معان وأبعاد أخرى غير المتعارف عليها في الإسلام، كمعنى الإيمان والكفر، والشرك والإلحاد. ومن ثم تلغى عوامل التفرقة بين أتباع الأديان الثلاثة. وبالتالي تنطفئ شعلة العقيدة الإسلامية في نفوس أبنائها، وتمحى أثارها من الحياة وتصبح مجرد عقيدة روحية، لا علاقة لها بالسياسة وحياة المجتمع، مثلها مثل عقيدة النصارى وغيرهم من الملل الوثنية. وبهذا الشكل يتم القضاء نهائيا على تطلعات الإسلام لقيادة العالم مرة أخرى كما كان الحال عليه قبل سقوط الخلافة الإسلامية, وتتفرد الحضارة الرأسمالية العلمانية لقيادته بنظامها العالمي الجديد.

ولتحقيق هذا الهدف، كان لا بد من تشكيل عقلية المسلم الحالي تشكيلة جديدة، وصياغة شخصيته صياغة توافق طموحات الغرب الكافر. بحيث تزال عنه المناعة الثقافية التي يقاوم بها أي دخيل، وينتهي الحال به إلى الجمود والخمول والقعود عن واجب حمل رسالة الإسلام, وتبليغه إلى العالم عن طريق الجهاد, تنفيذا لقوله عز وجل { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ } }التوبة :9/33{. بل الأمر لا يقف عند حد القعود عن حمل رسالة الإسلام، وإنما يتعداه إلى إفساد المشاعر وقتل الحميّة الإسلامية في نفوس المسلمين، وإفساد ذوقهم الإسلامي. فيصبح المسلم لا يتأفف من الكفر ولا يبغضه، ولا يبغض أهله, ولا تشمئز نفسه من رؤية المنكر، ولا تأمره بالنهي عنه، ولا تحدثه بالأمر المعروف، بل لا يأبه به إطلاقا. وهكذا تزاح كل العقبات من أمام الغرب الكافر ليهيمن على العالم الإسلامي بشكل دائم.


ثالثا : يزعمون أن الحق نسبي, ويقولون إن الحقيقة المطلقة لا تكمن في دين بذاته ولا في مذهب من المذاهب الفكرية والفلسفية. وعليه لا يمكن لأحد أن يدعي فيما يعتقده هو، أنه الحق المطلق. لأنّ في هذا الادّعاء تسفيها للآخر ورفضا له. وهذا في حد ذاته خطر يهدد البشرية. حيث إنّ مثل هذا الادّعاء يولد الكره والبغضاء والنزاعات. وقد تتفاقم وتتراكم هذه النزاعات والخلافات لتنتهي بالصراعات الدموية, كما حدث ذلك في العصور الوسطى.


وكلامهم هذا يعني أنه لا يوجد في الدنيا شيء اسمه حقيقة مطلقة, بل كل ما فيها نسب من الحقائق موزعة بين الأديان والمذاهب الفكرية والفلسفات الإلحادية. وبالتالي فإن الإسلام ليس هو الدين الحق كما يزعم أتباعه, ولا يجوز لهم بحال من الأحوال أن يدّعوا ذلك، أو يقولوا إن الحقيقة المطلقة هي ملك أيديهم. وعليه لا بد من إعادة صياغة مناهج التعليم، وتنقيتها من النصوص التي تتحدث عن الحق والباطل كقوله تعالى:

{ وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ }البقرة :2/145-147

وقوله { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ }المائدة :5/48.

وقوله { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }التوبة :9/29 .


رابعا : يقولون : إنّ أنبياء ورسل الديانات المختلفة, دعوا كلهم إلى الإسلام, وهم في النهاية كلهم مسلمون. فلماذا إذاً هذا التمايز بين الأديان, أو تفويض دين على آخر؟. واحتجّوا على ذلك بما ورد في كتاب المسلمين, أي القرآن الكريم, كقوله تعالى على لسان سيدنا نوح عليه السلام :

{ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ }يونس : 10/72

وقوله على لسان سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام { رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة :2/128

وكقوله تعالى على لسان سيدنا موسى عليه السلام { وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ }يونس :10/84

وقوله على لسان الحواريين أتباع سيدنا عيسى عليه السلام { فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ }آل عمران :3/52

إلى غير ذلك من الآيات التي ورد فيها ذكر لفظتي إسلام ومسلمين. وهذا الاحتجاج باطل، وفيه تلاعب بمعاني الألفاظ والمصطلحات, وإفراغ لها من مدلولاتها اللغوية والاصطلاحية. إذ كلمة " مسلمون " الواردة في الآيات تعني " منقادون " ولا تعني أنهم اعتنقوا دينا واحدا, ألا وهو دين الإسلام الذي أنزله الله على خاتم الأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم , لأن الإسلام لم يكن معروفا لديهم, ولم يخاطبوا به, وإنما كان لكل قوم منهم رسول خاص بهم, يدعوهم إلى شريعة خاصة, قال تعالى :

{ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً }المائدة :5/48

فالمعنى إذا لكلمة " مسلمون " الواردة في هذه الآيات التي احتجوا بها تعني " الانقياد " لله عز وجل, ولا تعني غير ذلك. " ولكن بعد نزول القرآن على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عمد الوحي إلى بعض الألفاظ العربية, فنقل معناها من الوضع اللغوي, إلى المعنى الشرعي, بينته النصوص الشرعية, من قرآن وسنة. ومن هذه الألفاظ المنقولة من المعنى اللغوي إلى الاصطلاح الشرعي كلمة " الإسلام " التي كانت تعني في اللغة " الانقياد " فصارت تعني شرعا, الدّين الذي أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وآله وسلم , وأمر الناس كافة باتّباعه, قال عز وجل مخاطبا الناس جميعا, وإلى يوم القيامة :

{ وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ }آل عمران :3/85. "(2)

وقوله { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً }المائدة :5/3 .

" وبعد هذا النقل الشرعي لمعنى كلمة " الإسلام " صارت الألفاظ المشتقة منها, كالفعل واسم الفاعل " أسلم, مسلم ", إذا أطلقت دون قرينة دلت على المعنى الشرعي فقط, وإن أريد بها المعنى اللغوي الوضعي, احتاجت إلى قرينة تصرفها عن معناها الشرعي, كقوله تعالى :

{ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}آل عمران:3/67.

فهذه الآية لا تعني أن سيدنا إبراهيم عليه السلام كان على الدّين الذي أنزله الله على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم , وإنما تعني أن سيدنا إبراهيم كان منقادا لله فيما أنزله عليه, ولم يكن على الدّين الذي حرّفه اليهود والنصارى,"(3) وزعموا أنه من عند الله, افتراء عليه سبحانه وتعالى, وعلى أنبيائه, عليهم جميعا صلوات ربي وسلامه.

ابو شجاع
06-03-2006, 03:31 PM
خامسا : يزعمون " أنّ الأديان السماوية الثلاثة التي جاء بها محمد, وعيسى, وموسى, عليهم الصلاة والسلام, تنحدر جميعها من دين واحد, ونسب واحد, فهم ينتسبون إلى أب واحد, وهو سيدنا إبراهيم عليه السلام. وعليه فإنّ أصحاب هذه الديانات الثلاثة عليهم أن يتعايشوا معا بسلام, لكونهم ينحدرون من أصل واحد, نسبا ودينا"(4). وهذه المقولة الغرض منها تعزيز المؤامرة اليهودية الغربية, على الإسلام والمسلمين, واغتصاب المسجد الأقصى, باحتلال فلسطين, " لتبرير اشتراك اليهود والنصارى والمسلمين, في التداول على مدينة القدس بالولاية الدينية, باعتبارها تضم مقدساتهم, وأنهم ينتمون إلى دين واحد, هو دين إبراهيم أبِ الأنبياء."(5) ومن ثمّ لا بأس بدعوة يهود من إسرائيل لحضور مؤتمر يعقد في بلاد المسلمين، كما حصل ذلك في مؤتمر هذا العام بالدوحة، الذي شارك فيه 13 حاخاما بعضهم من إسرائيل (فلسطين المحتلة), وذلك تنفيذا لتوصيات أمير قطر. وبهذا الخلط بين أتباع الديانات الثلاثة يتم ترويض المسلمين للقبول بتبرير معاهدات الصلح الخيانية مع يهود, والتطبيع معهم, والقبول بهم دولة في الشرق الأوسط, والتنازل لهم عمّا اغتصبوه من أرض فلسطين المباركة.


فهذا الإطلاق على المسلمين واليهود والنصارى بأنهم جميعا أبناء إبراهيم, إطلاق عشوائي غير صحيح. يراد منه إضفاء الشرعية على الجريمة الفظيعة التي ارتكبها الحكام الخونة بأمر أسيادهم الكفار. وكذلك إلغاء للتمايز بين البشر الذي أقرّه الإسلام, تبعا لعقائدهم ومللهم، قال تعالى :

{ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}القلم :68/35-36

وقال { لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ }الحشر:59/20

وقال { قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة :5/100 .

هذا من ناحية، أما من الناحية الأخرى فإن ادعاءهم بأنّ محمدا, وعيسى, وموسى, عليهم الصلاة والسلام، كلهم على دين إبراهيم, ويستدلون على ذلك بقوله عز وجل :

{ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ }الشورى:42/13.

فإنّ هذه الآية ليس فيها ما يفهم منه أنهم على دين واحد. بل يفهم منها أنهم آمنوا بالعقيدة نفسها, وهي أصل كل دين من عند الله, أي عقيدة التوحيد. أمّا الدّين من حيث التشريع والمنهاج, فإن لكل دين خصوصيته, قال تعالى { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً }المائدة :5/48. " ثم إنّ الدعوة إلى رابطة أبناء إبراهيم, فضلا عن كونها رابطة عرقية نهى عنها الإسلام, فإنها رابطة قد عفا عليها الزمن, إذ لم يعد لها وجود في واقع الحياة, لأن ذرية سيدنا إبراهيم عليه السلام, قد اختلطوا بغيرهم من الأجناس والعرقيات الأخرى, بسبب المصاهرة, والمخالطة, والهجرة, والحروب, فيصعب, بل يستحيل, فرزهم اليوم من بقية الناس. إذ أصبح أتباع الديانات الثلاثة هم من جميع الشعوب والقبائل في العالم. وقد تم الامتزاج بينهم على أساس ديني, وليس على أساس عرقي"(6).

زد على ذلك أنّ الانتساب إلى ذرية سيدنا إبراهيم لا تعني شيئا, لأن الولاء لعقيدة التوحيد فوق الولاء للنسب والعرق, قال تعالى لسيدنا إبراهيم { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }البقرة :2/124.

وفي شأن مناجاة سيدنا نوح عليه السلام لربه لكي ينجي ابنه من الغرق, قال تعالى { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ}هود : 11/45-46 .

فبمقياس الشرع لا عبرة للأهل والنسب فابن نوح من أهله, إلا أنه لم يؤمن بما أنزل على أبيه. كذلك الظالمون من ذرية سيدنا إبراهيم, فإنهم مستثنون من عهد الله بالإمامة والتمكين في الأرض, لأنهم لم يتّبعوا ما أنزله الله على أبيهم إبراهيم, فتكون دعوة " أبناء إبراهيم " اليوم, هي دعوة جاهلية, وسياسية مغرضة. فيحرم أخذها والدعوة لها.

سادسا : يزعم دعاة الحوار بين الأديان, أن الناس كلهم مرتبطون ببعضهم بالأخوة في الإنسانية. وأنّ هذه الأخوة الإنسانية, تحتم عليهم العيش في سلام دائم, ويفسرون لفظة " الإسلام " بأنها تعني " السلام "، ويتغنون به ويجعلونه مقدسا. وهذا تحريف متعمد لكلمة " الإسلام" وتقديس باطل للسلام.
فلا السّلام مقدّس ولا الحرب مقدّسة. بل الدولة هي التي تقرر متى يكون السلم ومتى تكون الحرب.

وعلى هذا الأساس سار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة بعد أن أقام فيها أول دولة للإسلام. فكان صلى الله عليه وآله وسلم يحارب, ويسالم, ويهادن, ويعقد الصلح، حسب ما تقتضيه أعمال وواجبات حمل الدعوة. وهكذا سار الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ومن جاء بعدهم. وأحداث الفتوحات الإسلامية خير شاهد على ذلك. فالروم والفرس لم يهاجموا المدينة, وكذلك الصينيون في آسيا، والبربر في شمال إفريقيا، لم يهاجموا الإسلام في عقر داره, حتى يقال ما لجأ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون من بعده إلى خوض الحروب إلا من بعد أن فشلت كل الطرق السلمية، وما كان القتال آنذاك إلا قتالا اضطراريا لدفع الغزاة. والأصل في الحروب أنها شرعت للدفاع عن النفس. لا، لا يقال ذلك، وإن قيل فهو محض افتراء وكذب، وتزييف للحقائق.

فالجهاد والقتال في سبيل الله هو الأصل في الإسلام. ولن يتوقف إلى قيام الساعة. فقد ورد في سنن أبي داود عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : " والجهاد ماض مذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل ". وقال تعالى :

{ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }التوبة :9/29. فلو كانت الأخوة في الإنسانية مطلوبة شرعا, وأن أهل الكتاب مؤمنون وموحدون مثلنا, لما طلب الله, سبحانه وتعالى منا قتالهم, ولما اعتبر دينهم محرفا وباطلا. فهذا التحريف المتعمد لكلمة " الإسلام ", وتفسيرها بمعني " السلام " يراد بها تمييع الإسلام, وجعله دينا كهنوتيا صرفا.


ولنتساءل هنا: هل الكفار ومن نحى منحاهم في هذا التفسير، يعاملوننا بمقتضى ما وضعوا من معنى لهذه الكلمة. وهل ينظرون لنا بعين الأخوة الإنسانية، ويعاملوننا بالمعيار نفسه الذي يطالبوننا به، أي التسامح والتعايش السلمي، والأخوة الإنسانية، أم أن عداءهم لنا قد فاحت رائحته من أعماق أحشائهم؟. أوَ ليست الكنيسة المسيحية إلى حد الآن لا تعترف رسميا بالإسلام كدين سماوي. أوَ ليست " الموسوعة الثقافية الفرنسية, التي تعتبر مرجعا لكل باحث, تنص على أن الرسول محمداً صلى الله عليه وآله وسلم " قاتل, ودجال, وخاطف نساء, وأكبر عدو للعقل البشري". وكذلك معظم الكتب المدرسية في أوروبا, تصف الرسول محمداً صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام والمسلمين, بأقذع الصفات.

ثم ماذا يقول عنا ساستهم ومفكروهم؟ أوَ لم يقولوا بأن دين الإسلام يشكل خطرا على البشرية، أوَ لم يكتب المفكر الأمريكي " فرانسيس فوكوياما " في كتابه " نهاية التاريخ " ما نصه ( النظام الرأسمالي هو الخلاص الأبدي للبشر على الأرض, وأنّ الإسلام على الرغم من ضعفه وتفككه, فهو يهدد هذا الدين الجديد المنتصر) ويعني بالدين الجديد الرأسمالية. وأمّا الأمين العام لحلف شمال الأطلسي" ويلي كلايس " فإنه يعتبر( الإسلام الأصولي هو الخطر الذي يهدّد الجغرافيا السياسية للمستقبل). كما أن المستشرق " برنارد لويس" يؤكد على استحالة التعايش والتوفيق بين الإسلام والرأسمالية إذ يقول ( إنهما نقيضان, لا مجال للحوار بينهما ). وأمّا " صمويل هنتجتون" أستاذ العلوم السياسية في جامعة " هارفرد " الأمريكية, ومدير مؤسسة الدراسات الإستراتيجية فيها, فإنه يعتبر التصادم بين الحضارات صداماً حتمياً، إذ يقول ( إن التصادم بين الحضارات سوف يهيمن على السياسة الخارجية. والخطوط الفاصلة بين الحضارات سوف تكون خطوط المجابهة في المستقبل ). ثم يقول ( فإن الدين يميز بشدة ووضوح بين الناس, فقد يكون الإنسان نصف فرنسي ونصف عربي...إلا أنه من الصعب أن يصبح المرء نصف كاثوليكي, ونصف مسلم...). " (7)

فأين إذاً هذا التسامح، وهذا السلام، وهذه الأخوة الإنسانية, التي يتحدثون عنها ؟ .


وعودة إلى لفظة " إسلام " نورد بعضا مما قاله العلماء في تفسيرها. فالإمام القرطبي رحمه الله يقول ( والإسلام في كلام العرب هو الخضوع والانقياد). ويقول في تفسير قوله تعالى ( إن الدين عند الله الإسلام ) الدّين في هذه الآية الطاعة والملة, والإسلام بمعنى الإيمان والطاعات ). كذا قال الطبري وغيره. ويقول الأستاذ " محمد علي الصابوني" في صفوة التفاسير ( الإسلام في اللغة الاستسلام والانقياد التام, فالإسلام معناه إخلاص الدين والعقيدة ).

ويقول الدكتور " الصاوي " ( أن حقيقة الإسلام هي, الاستسلام لله وحده, فمن استسلم له ولغيره كان مشركا, ومن لم يستسلم له كان مستكبرا عن عبادته, والشرك والتكبر عن عبادته كفر, والاستسلام له وحده, يعني عبادته وحده, وطاعته وحده. فهذا دين الإسلام الذي لا يقبل الله غيره. ولذلك لا يجوز مساواة الأديان الأخرى بالإسلام, ولا نرضى من الدين غير ما رضيه الله, ألا وهو دين الإسلام, وكل من لم يؤمن بالإسلام فهو كافر بالإجماع. انتهى كلام الدكتور. ولما جاء جبريل عليه السلام، وسأل سيدنا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم قائلا له : يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فماذا كان جواب سيدنا محمد؟ هل فسر له الإسلام بأنه الإخاء الإنساني والسلام العالمي, والمحبة والوئام البشري, أم قال له " الإسلام : أن تشهد أن لا أله إلا الله, وأنّ محمدا رسول الله, وتقيم الصلاة, وتؤتي الزكاة, وتصوم رمضان, وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ".

هذا هو الإسلام كما فسّره سيد البشر صلى الله عليه وآله وسلم فهل أهل الكتاب يلتزمون اليوم بهذه الأشياء؟ بالتأكيد لا، بل هم لا زالوا يحاربوننا تارة ويحاوروننا أخرى لنتخلى عن هذا الإسلام. " عَنْ وَاقِدِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ " } رواه مسلم وبخاري

والآن، وبعد الوقوف على أهم الأفكار التي يدور حولها النقاش في مؤتمرات وندوات حوار الأديان، لنقف بعض الشيء مع مفهوم حمل الدعوة إلى الإسلام، ودعوة غير المسلمين إليه. فهذا الواجب فرضه الله على المسلمين. وقد قام به المسلمون خلال أربعة عشر قرنا من خلال دولة الإسلام, ولا زالوا يقومون به فرادى وجماعات, وذلك استجابة منهم لقوله تعالى { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } }النحل :16/125{. والدعوة بالحكمة المذكورة في هذه الآية تعني تقديم " البراهين والأدلة القاطعة, والحجج الظاهرة, أثناء الحوار والنقاش والمجادلة " وأمّا الموعظة الحسنة فهي " إخبارهم بالوعد والوعيد، والوقائع وما سيلقاه الناس يوم العرض الأكبر, ليحذروا بأس الله تعالى " وأمّا المجادلة بالتي هي أحسن تعني " التلطف في الكلام, وتجنب المخاشنة والتعنيف والبذاءة في القول " والمجادلة الحسنة لا تعني تمييع الخطاب, ولا مجاملة الآخرين, ولا تملق القوم, ولا إخفاء الحقائق عنهم, مظنة إحراجهم, ولا مسايرتهم على ما هم عليه من الضلالات, ولا تزكيتهم أو مدحهم وإعلاء شأنهم وشرفهم، وتأييدهم وتحريضهم على البقاء على ما هم عليه من كفر وشرك بالله. فكل هذه الأمور تعتبر خيانة لله ولرسوله, ولأمانة حمل الدعوة, ومن يفعل ذلك يلق آثاما عظيمة.

فرسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم حينما قام يدعو إلى الله وإلى رسالة الإسلام, لم يجامل الأفراد ولا الجماعات ولا الدول. بل خاطبهم بخطاب الإسلام، ودعاهم صراحة إلى ترك عقائدهم و دياناتهم ليلتحقوا بدين الإسلام. فقد خاطب هرقل, عظيم الروم, بقوله " .. فإني أدعوك بدعاية الإسلام, أسلم تسلم, يؤتك الله أجرك مرتين, فإن توليت فعليك إثم الأريسيين ..." وهكذا نفهم أنه يجب علينا تبليغ الإسلام والدعوة إليه بحزم وجد, دون أن تلين لنا قناة, أو نتلكأ في أداء هذا الواجب, أو نتراخى عنه ونتكاسل عن القيام به. فالأصل أن نبدأ نحن بالدعوة إلى الإسلام، ونحاور الكفار وغيرهم، ولا ننتظر منهم حتى يأتونا بكفرهم ويدعونا إليه, كما يحصل في المؤتمرات، لأنهم على باطل ونحن على دين الحق. ونقاشنا لهم يجب أن يبنى على هذه القناعة، فنشرح لهم الإسلام كما جاء به محمد صلى الله عليه وآله وسلم , وندعوهم إلى ترك أديانهم واعتناق دين الإسلام, الذي لا يقبل الله من دونه لا عدلا ولا صرفا ممن يأتيه يوم القيامة كافرا به.

وعليه من كان يرى في نفسه أنه لا يستطيع القيام بهذا الأمر على أحسن وجه, أو يرى في نفسه العجز والقصور عن التبليغ, أو أنه لا يحسن مناطحة الحجة بالحجة، ولا يقوى على المجادلة والمناقشة, ولا يعلم في الوقت نفسه خبث تلكم الأفكار التي تعرضنا لها آنفا. فعليه أن يتجنب الحضور في مثل هذه الملتقيات والمؤتمرات. لأن وجوده فيها لا يزيد عن كونه بيدقاً على رقعة الحوار لا أكثر ولا أقل. لأن هذه المؤتمرات تصنعها الكنائس والدول الغربية الكافرة، وتجر لها المسلمين جرا، وخير دليل على ذلك ما شهد به من يسمَّوْن بـ ( فرسان هذه المؤتمرات ). ففي تصريح لـ" د- محمد سليم العوّا " رئيس جمعية مصر للثقافة والحوار, عقب المؤتمر الثاني لحوار الأديان لعام 2004م الذي عقد في الدوحة قال بعد ثنائه على قطر لاحتضانها المؤتمر وتشجيعه لها بأن تستمر في تنظيمه ورعايته، قال:" غير أننا نرفض أن تملى علينا محاور هذا الحوار من قِبلِ الفاتيكان، الذي يضع الورقات ثم يطلب منّا أن نناقشها".



وأفصح وأدق من هذا التعليق، ما شهد به الشيخ " يوسف القرضاوي" وصرح به لقناة الجزيرة في برنامج " الشريعة والحياة " بتاريخ 20/06/2004م, إذ قال الشيخ القرضاوي : " إن لي أشياءً أنكرتها على هذا المؤتمر.

أولا : أنّ من دعا إلى عقد هذا المؤتمر هو " الفاتيكان "

ثانيا : إنّ الفاتيكان هو الذي قام باختيار الأشخاص الذين شاركوا في هذا المؤتمر. وهؤلاء الأشخاص عليهم الكثير من الملاحظات وعدة نقاط استفهام, بالإضافة إلى ضحالة زادهم العلمي والشرعي والفكري, مما لا يخولهم لمناقشة أهل الكتاب .

ثالثا : إنّ محاور المؤتمر وضعت من قبل الفاتيكان, وهي محاور تدور حول الحرية الدينية, أي حرية الردة عند المسلمين. رابعا : أنهم أداروا الحوار باللغة الإنكليزية. أي قدموا إلى ديارنا وبادرونا بالحوار وحاورونا بلغتهم. فهل يسمحون لنا بفعل هذا في ديارهم؟". انتهى كلامه.

وهذه الشهادة تكفي ليفهم العامي قبل المتعلم الخبث الذي تنطوي عليه فكرة حوار الأديان. ويعلم مدى مكر الكفّار بنا، ومجاهدتهم لنا لنترك ديننا ونتحول عن قبلتنا، قال تعالى {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ }التوبة :9/32.


فاللهم لا تطفئ نور الإسلام في صدورنا، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، واجعل كيدهم في أعناقهم، اللهم آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



-------------
(1) - (7) مفاهيم خطرة لضرب الإسلام وتركيز الحضارة الغربية ،- من إصدارات حزب التحرير- بشيء من التصرف.


للاستاذ خالد إبراهيم العمراوي

الفصل الاول
http://www.hizb-ut-tahrir.info/arabic/inde...fat/single/1160 (http://www.hizb-ut-tahrir.info/arabic/inde...fat/single/1160)

الفصل الثاني

http://www.hizb-ut-tahrir.info/arabic/inde...fat/single/1166 (http://www.hizb-ut-tahrir.info/arabic/inde...fat/single/1166)

المكتب الاعلامي لحزب التحرير

من هناك
06-03-2006, 04:57 PM
جزاك الله خيراً اخي ابو شجاع وارجو ان ينقل المشرفين الموضوع إلى قصم الوثائق لأهميته الشديدة في هذه الظروف

محبتكم في الله
06-06-2006, 12:03 AM
والآن، وبعد الوقوف على أهم الأفكار التي يدور حولها النقاش في مؤتمرات وندوات حوار الأديان، لنقف بعض الشيء مع مفهوم حمل الدعوة إلى الإسلام، ودعوة غير المسلمين إليه. فهذا الواجب فرضه الله على المسلمين. وقد قام به المسلمون خلال أربعة عشر قرنا من خلال دولة الإسلام, ولا زالوا يقومون به فرادى وجماعات, وذلك استجابة منهم لقوله تعالى { ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } }النحل :16/125{. والدعوة بالحكمة المذكورة في هذه الآية تعني تقديم " البراهين والأدلة القاطعة, والحجج الظاهرة, أثناء الحوار والنقاش والمجادلة " وأمّا الموعظة الحسنة فهي " إخبارهم بالوعد والوعيد، والوقائع وما سيلقاه الناس يوم العرض الأكبر, ليحذروا بأس الله تعالى " وأمّا المجادلة بالتي هي أحسن تعني " التلطف في الكلام, وتجنب المخاشنة والتعنيف والبذاءة في القول " والمجادلة الحسنة لا تعني تمييع الخطاب, ولا مجاملة الآخرين, ولا تملق القوم, ولا إخفاء الحقائق عنهم, مظنة إحراجهم, ولا مسايرتهم على ما هم عليه من الضلالات, ولا تزكيتهم أو مدحهم وإعلاء شأنهم وشرفهم، وتأييدهم وتحريضهم على البقاء على ما هم عليه من كفر وشرك بالله. فكل هذه الأمور تعتبر خيانة لله ولرسوله, ولأمانة حمل الدعوة, ومن يفعل ذلك يلق آثاما عظيمة.

فرسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم حينما قام يدعو إلى الله وإلى رسالة الإسلام, لم يجامل الأفراد ولا الجماعات ولا الدول. بل خاطبهم بخطاب الإسلام، ودعاهم صراحة إلى ترك عقائدهم و دياناتهم ليلتحقوا بدين الإسلام

جزاك الله خيرا
و المقتبس السابق لا يكثر اهمية مما كتب بالمقال
لكن المجاملات كثرت في المجال الدعوي و نتائجه بدأنا نراها الان و الله اعلم ما يحمله الغد

ابو شجاع
06-06-2006, 12:28 PM
السلام عليكم اخوتي واخواتي في الله

وبارك الله في الاخ الفاضل بلال والاخت الفاضلة محبتكم في الله

مشكلة ما يسمى مؤتمرات حوار الاديان انها تأتي لتقرر امورا منها العيش المشترك وتقبل الاخر وما الى ذلك من الكلام الفارغ الذي نسمعه على الفضائيات من علماء ومثقفين ومفكرين

بينما الدعوة ومجادلة الكفار لهدايتهم الى الاسلام امر مختلف تماما

فالمطلوب ان يجتمع المسلم والنصراني واليهودي والبوذي ويتنازل كل منهم عن جزء من معتقده بحجة الوصول لحل وسط فنصل بالنتيجة الى اسلام مشوه لا علاقة له بدين الله

دعوني انقل المقال التالي الذي وجدته البارحة وانا اتصفح الانترنت للدكتور يحيى فرغل من موقع صحيفة الشعب المصرية التابعة لحزب العمل لنرى كيف كان الحبيب المصطفى " يتحاور " مع اهل الكتاب واظنكم توافقونني بأن محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام هو افضل من يتحاور مع اهل الكتاب وطريقته في الدعوة هي اصح من طريقة اصحاب العمائم السلطانية والياقات البيضاء المنشاة الا ان كان احد يدعي انه افضل من محمد بن عبد الله في الحوار والجدال

اترككم مع المقال :



على خطى الحبيب في سنة الحوار

و … المباهلة





بقلم :د يحيى هاشم حسن فرغل
yehia_hashem@ hotmail .com
www.yehia-hashem.netfirms.com (http://www.yehia-hashem.netfirms.com)

جاء وفد نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة .. فدخلوا على اليهود فتناظروا معهم وعلت أصواتهم ( وقالت اليهود ليست اليهود على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء .. ) ثم انتقلوا إلى الحوار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان فيهم العاقب والسيد كبيرا قومهم …
قال الرسول صلى الله عليه وسلم لهما : أسلما قالا : أسلمنا قبلك
قال صلى الله عليه وسلم : كذبتما ، يمنعكما من الإسلام ادعاؤكما أن لله ولدا ، { عقيدة } وعبادتكما الصليب { عبادة } وأكلكما الخنزير { شريعة }قالا : إن لم يكن عيسى ولدَ اللهِ فمن أبوه ؟
فقال صلى الله عليه وسلم : ألستم تعلمون أنه لا يكون ولدٌ إلا وهو يشبه أباه ؟
قالوا : بلى
قال صلى الله عليه وسلم : ألستم تعلمون أن ربنا حي لا يموت ؟ ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شيء ؟ يحفظه ويرزقه ؟ فهل يملك عيسى من ذلك شيئا ؟
ثم قال صلى الله عليه وسلم : فإن ربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث ؟ ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ، ثم غذي كما يغذي الصبي ، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث ؟ فكيف يكون عيسى كما زعمتم ؟ فسكتوا
فنزلت صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية منها ، وجاء فيها دعوتهم إلى
المباهلة في قوله تعالى : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) (آل عمران: 61).
فامتنعوا منها، وقدموا الجزية عليهاماذا يعني خوفهم من المباهلة هنا ؟ ماذا يعني بالنسبة لمركز عقيدتهم في أنفسهم
؟
وذلك أن العاقب عظيمهم قال لهم: قد علمتم أنه .. ما لاعن قوماً نبي قط فبقي كبيرهم ولا صغيرهم .
قال ابن كثير عند تفسير هذه الآية الكريمة: قال تعالى آمراً رسوله صلى الله
عليه وسلم أن يباهل من عاند الحق في أمر عيسى بعد ظهور البيان {فمن حاجّك فيه
من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم
وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل} أي نلتعن {فنجعل لعنة الله على الكاذبين} أي منا أو
منكم .
وكان سبب نزول هذه المباهلة وما قبلها من أول السورة إلى هنا في وفد نجران..
أن النصارى لما قدموا فجعلوا يحاجون في عيسى ويزعمون فيه ما يزعمون من البنوة
والإلهية, فأنزل الله صدر هذه السورة رداً عليهم , قال ابن إسحاق في سيرته
المشهورة وغيره: قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفد نصارى نجران ستون
راكباً, فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم يؤول أمرهم إليهم وهم :
العاقب واسمه عبد المسيح, والسيد وهو الأيهم , وأبو حارثة بن علقمة أخو بكر بن
وائل, وأويس بن الحارث, وزيد, وقيس, ويزيد ونبيه, وخويلد, وعمرو, وخالد, وعبد
الله, ويُحَنّس, وأمر هؤلاء يؤول إلى ثلاثة منهم وهم :
العاقب - وكان أمير القوم وذا رأيهم وصاحب مشورتهم, والذي لا يصدرون إلا عن
رأيه
والسيد - وكان عالمهم وصاحب رحلهم ومجتمعهم
وأبو حارثة بن علقمة - وكان أسقفهم وحبرهم وإمامهم وصاحب مدارسهم - وكان رجلاً
من العرب من بني بكر بن وائل, ولكنه تنصر فعظمته الروم وملوكها وشرفوه(!! )
وبنوا له الكنائس وأخدموه لما يعلمونه من صلابته في دينهم , وقد كان يعرف أمررسول الله صلى الله عليه وسلم وصفته وشأنه مما علمه من الكتب المتقدمة, ولكن استمر في النصرانية لما يرى من تعظيمه فيها وجاهه عند أهلها.

قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال : قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر , عليهم ثياب الحبرات …
قال : يقول من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : ما رأينا بعدهم وفداً مثلهم : وقد حانت صلاتهم فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :«دعوهم» فصلوا إلى المشرق قال: فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو حارثة بن علقمة, والعاقب عبد المسيح, والسيد الأيهم وهم من النصرانية على دين الملك مع اختلاف أمرهم يقولون: هو الله, ويقولون: هو ولد الله, ويقولون: هو ثالث ثلاثة , ….. وكذلك قول النصرانية
فهم يحتجون في قولهم هو الله, بأنه كان يحيى الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص والأسقام, ويخبر بالغيوب , ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيراً, وذلك كله بأمر الله. وليجعله الله آية للناس
ويحتجون على قولهم بأنه ابن الله يقولون: لم يكن له أب يُعلم , وقد تكلم في
المهد بشيء لم يسمعه أحد من بني آدم قبله
ويحتجون على قولهم بأنه ثالث ثلاثة بقول الله تعالى : " فعلنا " و" أمرنا "
و" خلقنا " و" قضينا " فيقولون لو كان واحداً ما قال إلا فعلتُ وأمرتُ وقضيتُ وخلقتُ, ولكنه هو وعيسى ومريم ـ تعالى الله وتقدس وتنزه …..
فلما كلمه الحبران : قال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أسلما»
قالا: قد أسلمنا,
قال صلى الله عليه وسلم : «إنكما لم تسلما .
قالا: بلى قد أسلمنا قبلك .
قال صلى الله عليه وسلم : «كذبتما يمنعكما من الإسلام دعاؤكما لله ولداً
وعبادتكما الصليب وأكلكما الخنزير».
ثم دعاهم إلى المباهلة
, فقالوا: يا أبا القاسم: دعنا ننظر في أمرنا ثم نأتيك بما نريد أن نفعل فيما
دعوتنا إليه, ثم انصرفوا عنه
ثم خلوا بالعاقب , وكان ذا رأيهم فقالوا: يا عبد المسيح ماذا ترى؟ فقال: …
ولقد علمتم أنه ما لاعن قوم نبياً قط , فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم, وإنه
للاستئصال منكم إن فعلتم, فإن كنتم أبيتم إلا إلف دينكم والإقامة على ما أنتم
عليه من القول في صاحبكم, فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم
فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم
فقالوا: يا أبا القاسم, قد رأينا ألا نلاعنك ونتركك على دينك ونرجع على ديننا
ولكن ابعث معنا رجلاً من أصحابك ترضاه لنا يحكم بيننا في أشياء اختلفنا فيها في
أموالنا, فإنكم عندنا رضا
قال محمد بن جعفر: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ائتوني العشية أبعث
معكم القوي الأمين» فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ما أحببت الإمارة قط
حبي إياها يومئذ, رجاء أن أكون صاحبها , فرحت إلى الظهر مهجراً , فلما صلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم الظهر, سلم ، ثم نظر عن يمينه وشماله, فجعلت أتطاول له
ليراني فلم يزل يلتمس ببصره حتى رأى أبا عبيدة بن الجراح فدعاه , فقال: «اخرج
معهم فاقض بينهم بالحق فيما اختلفوا فيه». قال عمر: فذهب بها أبو عبيدة رضي
الله عنه.

وقد روى ابن مردويه من طريق محمد بن إسحاق, عن عاصم بن عمر بن قتادة, عن محمود
بن لبيد, عن رافع بن خديج : أن وفد أهل نجران قدموا على رسول الله صلى الله
عليه وسلم, فذكر نحوه, إلا أنه قال في الأشراف : كانوا اثني عشر, وذكر بقيته
بأطول من هذا السياق, وزيادات أخرى.

وقال البخاري : حدثنا عباس بن الحسين, حدثنا يحيى بن آدم, عن إسرائيل, عن أبي
إسحاق, عن صلة بن زفر, عن حذيفة رضي الله عنه , قال: جاء العاقب والسيد صاحبا
نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه , قال: فقال: أحدهما
لصاحبه : لا تفعل فو الله لئن كان نبياً فلاعناه لا نفلح نحن ولا عقبنا من
بعدنا, قالا: إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلاً أميناً ولا تبعث معنا إلا
أميناً , فقال صلى الله عليه وسلم : «لأبعثن معكم رجلاً أميناً حق أمين»
فاستشرف لها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقال: « قم يا أبا عبيدة بن
الجراح» فلما قام , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هذا أمين هذه الأمة» .
رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن أبي إسحاق السبيعي
عن صلة, عن حذيفة, بنحوه وقد رواه أحمد والنسائي وابن ماجه من حديث إسرائيل عن
أبي إسحاق, عن صلة, عن ابن مسعود بنحوه.
وقال البخاري : حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن خالد, عن أبي قلابة, عن أنس, عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال: «لكل أمة أمين, وأمين هذه الأمة أبو عبيدة
بن الجراح»

…. وقد روى البيهقي في دلائل النبوة قصة وفد نجران مطولة … قال البيهقي : حدثنا
أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل قالا: حدثنا أبو العباس
محمد بن يعقوب , حدثنا أحمد بن عبد الجبار , حدثنا يونس بن بكير, عن سلمة بن
عبد يسوع , عن أبيه, عن جده, قال يونس ـ وكان نصرانياً فأسلم ـ: إن رسول الله
صلى الله عليه وسلم, كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه(طـس) سليمان: { يعني
سورة النمل } «باسم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب, من محمد النبي رسول الله إلى
أسقف نجران وأهل نجران أسلم أنتم, فإني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب .
أما بعد فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد, وأدعوكم إلى ولاية الله
من ولاية العباد , فإن أبيتم فالجزية, فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب, والسلام».
فلما أتى الأسقفَ الكتابُ وقرأه فظع به , وذعره ذعراً شديداً, وبعث إلى رجل من
أهل نجران يقال له شرحبيل بن وداعة, وكان من همدان, ولم يكن أحد يدعى إذا نزلت
معضلة قبله ، لا الأيهم ولا السيد ولا العاقب
فدفع الأسقف كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل فقرأه , فقال
الأسقف: يا أبا مريم ما رأيك؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في
ذرية إسماعيل من النبوة , فما يؤمن أن يكون هذا هو ذاك الرجل, ليس لي في أمر
النبوة رأي , ولو كان في أمر من أمور الدنيا لأشرت عليك فيه برأيي واجتهدت لك ,
فقال الأسقف: تنح فاجلس, فتنحى شرحبيل فجلس ناحية
فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل, وهو من ذي أصبح
من حمير, فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه فقال له مثل قول شرحبيل , فقال له
الأسقف : تنح فاجلس
فتنحى عبد الله فجلس ناحية , فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له جبار بن
فيض من بني الحارث بن كعب أحد بني الحماس, فأقرأه الكتاب, وسأله عن الرأي فيه؟
فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله, فأمره الأسقف , فتنحى فجلس ناحية
فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعاً, أمر الأسقف بالناقوس فضرب به,
ورفعت النيران والمسوح في الصوامع, وكذلك كانوا يفعلون إذا فزعوا بالنهار, وإذا
كان فزعهم ليلاً ضربوا بالناقوس ورفعت النيران في الصوامع , فاجتمعوا حين ضرب
بالناقوس ورفعت المسوح, أهل الوادي أعلاه وأسفله. وطول الوادي مسيرة يوم للراكب
السريع, وفيه ثلاث وسبعون قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل, فقرأ عليهم كتاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم, وسألهم عن الرأي فيه, فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على
أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني وعبد الله بن شرحبيل الأصبحي وجبار بن فيض
الحارثي, فيأتونهم بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم

فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم, ولبسوا حللاً لهم
يجرونها من حبرة وخواتيم الذهب, ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه
وسلم فسلموا عليه, فلم يرد عليهم, وتصدوا لكلامه نهاراً طويلاً, فلم يكلمهم
وعليهم تلك الحلل وخواتيم الذهب
فانطلقوا يتبعون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف, وكانا معرفة لهم, فوجدوهما
في ناس من المهاجرين والأنصار في مجلس, فقالوا: يا عثمان ويا عبد الرحمن, إن
نبيكم كتب إلينا كتاباً فأقبلنا مجيبين له, فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد
سلامنا, وتصدينا لكلامه نهاراً طويلاً, فأعيانا أن يكلمنا, فما الرأي منكما,
أترون أن نرجع؟ فقالا لعلي بن أبي طالب وهو في القوم : ما ترى يا أبا الحسن في
هؤلاء القوم؟
فقال علي لعثمان وعبد الرحمن : أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم, ويلبسوا ثياب
سفرهم ثم يعودون إليه, ففعلوا
فسلموا عليه فرد سلامهم, ثم قال صلى الله عليه وسلم : «والذي بعثني بالحق, لقد
أتوني المرة الأولى وإن إبليس لمعهم».
ثم سألهم, فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له: ما تقول في عيسى, فإنا نرجع
إلى قومنا ونحن نصارى, يسرنا إن كنت نبياً أن نسمع ما تقول فيه؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما عندي فيه شيء يومي هذا , فأقيموا حتى
أخبركم بما يقول لي ربي في عيسى» فأصبح الغد وقد أنزل الله هذه الاَية {إِنَّ
مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ
لَهُ كُن فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن الْمُمْتَرِينَ *
فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ
تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ
وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى
الْكَاذِبِينَ *(آل عمران) } فأبوا أن يقروا بذلك.
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم الغد بعد ما أخبرهم الخبر, أقبل
مشتملاً على الحسن والحسين في خميل له, وفاطمة تمشي عند ظهره للملاعنة, وله
يومئذ عدة نسوة,
فقال شرحبيل لصاحبيه: لقد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا
ولم يصدروا إلا عن رأيي , وإني والله أرى أمراً ثقيلاً, والله لئن كان هذا
الرجل ملكاً مبعوثاً فكنا أول العرب طعناً في عينيه ورداً عليه أمره , لا يذهب
لنا من صدره ولا من صدور أصحابه حتى يصيبونا بجائحة, وإنا لأدنى العرب منهم
جواراً, ولئن كان هذا الرجل نبياً مرسلاً فلاعنّاه , لا يبقى منا على وجه الأرض
شعر ولا ظفر إلا هلك
فقال له صاحباه: فما الرأي يا أبا مريم؟ فقال: أرى أن أحكمه, فإني أرى رجلاً لا
يحكم شططاً أبداً, فقالا: له: أنت وذاك, قال: فلقي شرحبيل رسول الله صلى الله
عليه وسلم, فقال له : إني قد رأيت خيراً من ملاعنتك. فقال: وما هو؟ فقال: حكمك
اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح, فمهما حكمت فينا فهو جائز…..

وقال أبو بكر بن مردويه: حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا أحمد بن داود المكي ,
حدثنا بشر بن مهران حدثنا محمد بن دينار, عن داود بن أبي هند, عن الشعبي , عن
جابر, قال:
قدم على النبي صلى الله عليه وسلم العاقب والطيب, فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه
على أن يلاعناه الغداة , قال: فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأخذ بيد
علي وفاطمة والحسن والحسين, ثم أرسل إليهما, فأبيا أن يجيبا وأقرا له بالخراج,
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي بعثني بالحق لو قالا: لا,
لأمطر عليهم الوادي ناراً»
قال جابر, وفيهم نزلت {ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم}
قال جابر {أنفسنا وأنفسكم} رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب
{وأبناءنا} الحسن والحسين {ونساءنا} فاطمة. وهكذا رواه الحاكم في مستدركه عن
علي بن عيسى, عن أحمد بن محمد الأزهري, عن علي بن حجر, عن علي بن مسهر, عن داود
بن أبي هند به بمعناه, ثم قال: صحيح على شرط مسلم, ولم يخرجاه …... اهـ


وجاء في شأن هذا الحوار قوله تعالى في حقيقة الدين من سورة آل عمران : (إِنَّ
الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ
الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَن
يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإنْ
حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل
لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ
أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ
الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)
وجاء قوله تعالى في قضية " المحبة " المثارة نصرانيا " الله محبة " : ( قُلْ
إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ
وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)
{ لاحظ مناسبة ختام الآية لشعارهم : " الله محبة " ، ثم قارن بين شعار المحبة
هذا .. ، وشعار الرحمة في الإسلام " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " ..}
ثم تعرضت السورة لمعجزات سيدنا عيسى عليه السلام فنسبتها لإذن الله بقوله تعالى
: وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن
رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ
فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ
والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا
تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً
لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (49)
وجاء في قضية الرسالات السابقة : ( وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ
التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُم
بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللّهَ
رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ (51) فَلَمَّا
أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ
الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا
مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ
فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)


وجاء في قضية كيف خُلق عيسى
( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ
قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُن مِّن
الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ
الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا
وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ
اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)

وهنا ينتقل الحوار القرآني إلى المباهلة التي ذكرنا ما جاء فيها في كتب الحديث
والسيرة والتفسير :
وانتهى الحوار إلى امتناع وفد نجران عن المباهلة كما رأينا وتفضيلهم الجزية
عليها !! وما أهون المباهلة عند من كان على يقين .
وفي هذا الهروب من الملاعنة مالا يمكن تفسيره بغير غاشية عارمة من غواشي
النفاق
وإذا كان النفاق هو الجمع بين موقفين متناقضين مع إخفاء أحدهما وإظهار الآخر
أمام الناس ، وربما مع محاولة التوفيق بينهما : تعسفيا بالاعتقاد ، أو تبريرا
بالفلسفة والسفسطة فإن الدرجة الأعمق منه تلك التي تصل إلى نفاق الذات مع الذات
، عندما يتشعب في أعماق النفس ويصبح نفاقا مركبا ، مما يمكن أن نسميه النفاق
الذاتي
وقد تمثل نموذج هذا النفاق المركب في هرب الوفد من المباهلة : وهي نفاقية دخلت
كما هو واضح إلى عمق أعماق النفس : إذ كيف يقبلون الجزية ويرفضون المباهلة لو
أنهم صدقوا مع أنفسهم فيما يعتقدون :
إنه النفاق الذي من مظاهره العملية طبقا لقوله صلى الله عليه وسلم " آية
المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف وإذا عاهد غدر ) وفي رواية " ..
وإذا اؤتمن خان" !
ولقد امتد هذا النفاق الذي لتجذره فيهم صار ظاهرة كأنها الطبيعة الكونية فيما
أصبحنا نسميه اليوم " ازدواجية المعايير "
وهو ناشب أظفاره في عمق فلسفتهم الدنيوية فيما يسمى البراجماتية التي وضع
أركانها الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس
فعنده أن المنفعة أو بالأحرى " المصلحة الدنيوية " هي الحق فالبحث يأتي أولا عن
المنفعة الدنيوية فإذا تم التعرف عليها كانت هي الحق ، بينما في المذاهب
العقلية المثالية : الحق هو الحق في ذاته ، والخير هو الخير في ذاته ، والجمال
هو الجمال في ذاته
وامتد هذا النفاق إلى اليوم في موقف المسيحية اليهودية : المسيصهيونية من
اليهود واتخاذهم بطانة في حربهم للإسلام
إذ كيف يكون ذلك كذلك وهم من هم في موقفهم من المسيح وتكذيبه ، وذمهم له وسبهم
إياه ،.. اللهم إلا أن يكون الأمر على سبيل النفاق الذاتي
إن النفاقية الازدواجية التي صارت شريحة من عمق ذاتهم نجدها في قرارات مجلس
الأمن ..
في أسلحة الدمار الشامل التي يستعملونها في هيروشما ونجازاكي ويهددون
باستعمالها ضد من يقتنيها أو يحاول
في موقفهم من المقاومة الفلسطينية والعراقية .. وتجويع شعبيهما ثم العطف على
كلبة أو قطة قيل إنها ولدت في حجرة الرئيس كلينتون ، فاستُبعد الرئيس من
الحجرة إلى أن تمت الولادة والنفاس .. إلخ
كذلك : موقفهم الزائف أصلا من حقوق الإنسان إذ كيف يمكن الجمع بينه وبين فلسفة
التطور والصراع والتقدم .
موقفهم من المرأة : زعموا أنهم يستحدثون لها حقوقا وهم كما أثبتت التجربة
يجعلونها سوقا للمتعة والتجارة والربح وانتهاب الطبقة العاملة .. إلخ
يحظرون سرقة ثوب ويتجاوزون عن سرقة حقول النفط
يستمسكون بقواعد الإتيكيت فلا يفتح أحدهم خزينة ملابسه دون استئذان زوجه بينما
يفتحون خزائن العالم الثالث لينهبوها دون استئذان
ويخترعون مالا يحصى من المنتجات الصناعية لخير البشرية !! بينما ينتجون أدوات
التدمير النووية والفراغية والنيوترينية تلك التي تقضي على الإنسان وتبقي على
الأبنية – جريدة الخليج 15\10\1995
يشتهرون دعائيا بالصدق بينما يسرقون عبقريات غيرهم وينسبونها لأنفسهم – جريدة
الخليج 12\12\1995
– ويحاكمون رئيسا على الكذب - كما في حالة كلينتنون - لكنهم لا يبالون بكذبه >
في علاقته بزوجته وعشيقته .
يكذبون لا على الله فحسب ولكن على أنفسهم أيضا في قولهم " أعط ما لقيصر لقيصر
وما لله لله .. " لكي يبرروا علمانيتهم ، وكيف يكون نسبة هذا المبدأ إلى
المسيح مقبولا في عقل صادق مع نفسه إلا أن تكون هذه الكلمة تحديا لأفهامهم
الملتوية المتقاعسة عن معرفة بديهية هي أن كل شيء هو لله ، وأنه ليس لقيصر شيء
أمام الله ، وكأنه يقول لهم : " إن كان لقيصر شيء فليعطوه إياه
إن العلمانية إذ تقوم بعد ذلك على ذاك المفهوم السطحي إنما تجمع بين النقائض
على أسلوب النفاق الذاتي
يعيروننا وأذنابهم بالتخلف العلمي والتقني ولكنهم يحبسون عنا هذا التقدم
باعتباره أسرارا عسكرية ، وعندما يحصل شعب مسلم على قدر ملحوظ منه – النموذج
العراقي ، والإيراني – تقوم القيامة لوأد هذا الشعب واغتيال علمائه في الشوارع
..
يعايروننا بأنظمة الحكم الاستبدادية ويبادرون إلى مساندتها عند أول بادرة خطر
تمس مصالحهم المضمونة بهذه الحكومات .
ينادون بحرية المرأة بينما يصادرون حرية الرجل
إن النفاقية الازدواجية التي صارت شريحة من عمق ذاتهم هي ما نجدها في أسلحة
الدمار الشامل التي يستعملونها في هيروشما ونجازاكي ويهددون باستعمالها ضد من
يقتنيها أو يحاول
إن النفاقية الازدواجية التي صارت شريحة من عمق ذاتهم وصميم شخصيتهم هي في صميم
عقائدهم ومناهج تفكيرهم
إنهم يتباهون بنفاقيتهم و ازدواجيتهم ويسمونها : العقلية التركيبية للجنس الآري
في مقابل العقلية الأحادية للجنس السامي !!
ازدواجية شاملة في ثقافة الغرب الشاملة
ازدواجية المتناقضات الجامعة في بوتقة واحدة – ياللعجب - بين المسيحية
والإباحية والعلمانية والإلحادية والصهيونية والماركسية .
. ولذلك كانت علامة الدين الحق : الاستقامة والاتباع لكلمة الله ( اهدِنَا
الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ
المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7) ) سورة الفاتحة
( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ
أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ
وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (64)
فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ
بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا (65) ) النساء

أليس من الاستقامة ونحن ندعو إلى الحوار أن نقتدي فيه بسنة الرسول صلى الله
عليه وسلم : حوارهادئ ولكن مع المباهلة ؟!
حوار سلمي ولكن مع استحضار حقائق القرآن إذ يعلمنا الاستقامة والمكاشفة
والتسليم للخالق الواحد الأحد في حواره مع القوم ؟!
وقد جاءت آيات المكاشفة هذه بخصوص القوم في آيات شديدة الوضوح لا تحتاج لتأويل
أو تفسير في صدر سورة آل عمران : ( ألم (1 اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً
لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ (3) ) مِن قَبْلُ
هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِ
اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (4) )
وامتدت فيها إلى قوله تعالى ( ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في
الآخرة من الخاسرين ، كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول
حق وجاءهم البينات والله لا يهدي القوم الظالمين ، أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة
الله ، والملائكة والناس أجمعين ، خالدين فيها لا يخفف عنهم العذاب ولا هم
ينظرون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم ) الآية 89
وفي سورة المائدة في قوله تعالى : ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى
شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم
مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن
رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
(68) . ) وامتدت فيها إلى قوله تعالى : ) ( وَالَّذِينَ كَفَرُواْ
وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (86) اهـ المائدة
وفي سورة مريم : (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ
جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ
وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَن دَعَوْا
لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا
(92) إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ
عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (96) فَإِنَّمَا
يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ
قَوْمًا لُّدًّا (97)وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ
مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا (98)

أليس من الاستقامة والمكاشفة والمسالمة والمحبة والرحمة ونحن ندعو إلى الحوار
أن نقتدي فيه بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم : حوار ولكن … مع المباهلة ؟!
حوار ولكن مع حقائق القرآن في حواره مع القوم ؟!
أم ترى أن الخطاب الديني الذي يجري تحديثه بمعرفة الأمريكان والعلمانيين وكتاب
المارينز لا يضمر محبة ولا رحمة ولاسلما في تعامله مع هذه الحقائق وهذه الآيات
؟؟ وهل يملكون ؟ وهل ينجحون ؟
الله أعلم

http://al-shaab.org/2006/21-04-2006/yehia.htm