تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : ما أشبه الليلة بالبارحة



FreeMuslim
05-29-2006, 10:14 AM
عذراً رسول الله فقد بطل حديث الغزاة





شريف عبد العزيز







[email protected] ([email protected])




مفكرة الإسلام: قاطعوا المنتجات الدانماركية، اطردوا السفراء الدانماركيين، اضربوا مصالحهم الاقتصادية، اللعنة والويل لكل من سب رسول الله، إلا رسول الله، بالروح بالدم نفديك يا نبينا، وغيرها من الشعارات القوية الرنانة التي أطلقها الملايين الذين خرجوا في تظاهرات عارمة وحاشدة في جميع أنحاء العالم، والتي توعد فيها المسلمون بالانتقام لإهانة نبيهم صلى الله عليه وسلم بأشد الانتقام.

والذي كان يرى حجم الانتفاضة الشعبية للمسلمين وقتها يظن أن الروح قد دبت في أوصال جسد الأمة المنكوبة, وأن شبح اليأس قد أخذ في الابتعاد عنها وفارق قلوب أبنائها, وأن هذه النازلة قد وحّدت بين طوائف الأمة، وبشائر الخير أقبلت والمحن ألقت بالمنح، والمؤتمرات الشعبية واللقاءات المفتوحة والخطب والدروس كلها توجهت لتوعية الأمة بحق النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية نصرته، وأطلقت الكثير من المواقع الإسلامية على شبكة الإنترنت من أجل مخاطبة العالم كله بقدر ومكانة النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن خلال هذا الزخم الضخم وردود الأفعال القوية للمسلمين ظلت الحكومة الدانماركية صامدة ورافضة لتقديم أي اعتذار [وإن كان حتى الاعتذار لا يكفى] عما بدر من صحفها، وظلت أيضًا الدول الأوروبية توالي نشر الصور المسيئة للنبي صلى الله عليه وسلم في تحدّ واضح ومقصود لمشاعر أمة المليار وربع، وكأن شيئاً عجيباً يدفعهم إلى هذا الثبات والعناد، وكأن علماً راسخاً عندهم بأن انتفاضة المسلمين ما هي إلا سحابة صيف سرعان ما ستنقشع, وزوبعة في فنجان لا تجاوز حافته، فهل صدق علينا ظنهم؟!
الواقع المرير الذي لا مفر منه أن الظن قد أصبح يقيناً، فقد انفضت التظاهرات ووقفت المؤتمرات, وانحلت اللجان, وسكتت الأصوات, واختفت المقالات, وتبخرت وعود المقاطعات, وانشق صف الدعاة بين من يريد محاربة الغرب والتقرب منهم ومهادنتهم وبين من يريد بقاء المقاطعة، وحتى صف من يريد المقاطعة أخذ في التنازل والاستثناء لبعض الشركات والمنتجات وذلك بحجة تقديم الاعتذارات, وبالجملة بطل حديث النصرة.

وهذا الواقع المرير يذكّرنا بما سطّره من قبل العلامة الكبير المؤرخ ابن الأثير في كتابة النفيس الكامل في التاريخ وهو يصف واقعاً شديد الشبه بحال الأمة الإسلامية الآن؛ إذ يقول في أحداث سنة 361 هجرية, وكانت الخلافة العباسية وقتها قد بلغت حالة شديدة من الضعف والتردي بسبب ضعف مركز الخلافة وتسلط الدولة البويهية الشيعية على العراق, حتى أن السلطان البويهي كان هو الحاكم الفعلي والحقيقي للخلافة، والخليفة مجرد صورة ومنصب شرفي ورمز ديني لا أمر له ولا نهي، وهذه الحالة بالغة السوء شجعت أعداء الإسلام في الهجوم على بلاد الإسلام, واسمع ما قاله ابن الأثير:

[في هذه السنة 'يقصد 361 هجرية' أغار ملك الروم على 'الرها' ونواحيها, وساروا في ديار الجزيرة حتى بلغوا نصيبين - في 'سوريا الآن' - فغنموا وسبوا وأحرقوا وضربوا البلاد, وفعل مثل ذلك بديار بكر, ولم يكن من أبي تغلب بن حمدان 'والي الموصل' في ذلك حركة ولا سعي في دفعه, ولكنه دفع إليه مالاً عظيماً ليرده، فسار جماعة من أهل تلك البلاد إلى بغداد مستنفرين, وقاموا في الجوامع والمشاهد واستنفروا المسلمين, وذكروا ما فعله الروم من النهب والقتل والأسر والسبي فاستعظمه الناس، وخوّفهم أهل الجزيرة من انفتاح الطريق وطمع الروم، فهاجت العامة وقصدوا دار الخليفة وأغلقت الأسواق, وكان [بختيار السلطان البويهي] وقتها يتنزه بنواحي الكوفة ويصطاد هناك، فخرج إليه علماء بغداد ووجوهها منكرين عليه اشتغاله بالصيد وقتال 'عمران بن شاهين' أمير البطائح وهو مسلم، وترك جهاد الروم ومنعهم عن ديار الإسلام حتى توغلوا فيها، فوعدهم بالتجهّز للغزاة, وأرسل لقائد جيشه يأمره بالتجهيز للغزو واستنفار الناس، ففعل القائد ذلك واجتمع من المسلمين عددًا كثيرًا لا يحصون كثرة، وكتب 'بختيار' إلى 'أبي تغلب الحمداني' يأمره بإعداد المسيرة والعلوفات اللازمة، ثم أرسل 'بختيار' إلى الخليفة 'المطيع لله' يطلب منه مالاً يخرجه في الغزوة، فقال 'المطيع': [إن الغزاة والنفقة عليها وغيرها من مصالح المسلمين تلزمني إذا كانت الدنيا في يدي وتجبى إليّ الأموال، وأما إذا كانت حالي هذه فلا يلزمني شيء من ذلك, وإنما يلزم مَن البلاد في يده, وليس لي إلا الخطبة, فإن شئتم أن اعتزل فعلت], وترددت الرسائل بينهما حتى بلغوا إلى التهديد، فبذل 'المطيع لله' أربعمائة ألف درهم, فاحتاج إلى بيع ثيابه وأنقاض منزله وغير ذلك, وشاع في الناس حتى خراسان أن الخليفة قد صودر ماله, فلما قبض 'بختيار' المال صرفه في مصالحه، ثم يعلّق ابن الأثير على الحادثة بأبلغ عبارة فقال: [وبطل حديث الغزاة].

ونحن نعلق على الأحداث التي أعقبت الانتفاضات والتظاهرات العارمة, وحالة الهدوء والخفوت والسكون التي عاد إليها المسلمون فنقول: [عذراً رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقد بطل حديث الغزاة].

لهذا تتساقط وتتآكل هيبتنا يوماً بعد أخر حتى أصبح لا مكانة لنا على خارطة العالم بل على العكس تماماً أصبحنا حقل تجارب لكل سلاح ينوون تجربته وتعديله ..
الويل والثبور لنا نحن أمة الزوابع والغبار المنقشع .. لقد وصل بنا الخنوع وحب الدنيا للحد الذي يتم به التطاول على خير خلق الله أجمعين عليه الصلاة والسلام ونحن صامتين صم بكم عمي ولكأننا أعجاز نخل خاوية ..
منذ البداية كان الخوف أن تكون تلك الهبة الاسلامية ما هي إلا مجرد ردة فعل عاطفية وأنية سوف تنقشع وتتلاشى بمرور الأيام وهذا الذي كان .. لا أدري كيف سنقف بين يدي الله عز وجل وماذا سيكون جوابنا وهو العالم بكل شيء حين سؤالنا عن ماذا قدمنا وماذا فعلنا حين كان هناك تطاول على رسوله عليه الصلاة والسلام وكيف لنا طلب الشفاعة من النبي الكريم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وصحبه وسلم ونحن الذين لم نحرك ساكناً عندما كان هناك حملة طاولت شخصه الكريم عليه الصلاة والسلام .. ما بال هذه الأمة وقد أضحت كالجسد الذي لا روح فيه .. الخوف وكل الخوف أن يستخلفنا الله تعالى بقومٍ أخرين يحبهم ويحبونه أعزة على الكافرين رحماء بينهم وهذه تكون القاضية والقاسمة نسأل الله تعالى السلامة واللطف ..