تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أوان الغرس



مقاوم
05-26-2006, 08:30 AM
أوان الغرس

بقلم محمد مختار مصطفى المقرئ

التشخيص والمداواة مهمتان عظيمتان تواجهان أي أمة تريد النهوض من وهدتها واستئناف الصعود من جديد. والأمة إذ تستشرف المستقبل تستشرف الغاية التي تترجم مبررات وجودها، متطلعة إلى التحقق بحكمة هذا الوجود.


وكلا المهمتين ـ بالنسبة لواقعنا نحن كأمة ـ أكبر من أن يتصدى لهما رجل، أو جماعة، أو حتى تيار خضم منها، مع بقاء غيره من التيارات خارج منظومة العمل، كل يحلق وَحْده، أو في سربه على حِدة.

إذاً لا بد من مرجعية موحدة للأمة الواحدة، تحشد طاقاتها كلها لإنجاز هاتين المهمتين، وهذا موضوع وحده سبق أن كتبت فيه.

ولست أتجاهل ـ بالدعوة إلى المرجعية الموحدة ـ قيمة المحاولات الفردية أو الجماعية التي تسعى لتحقيق ذات الهدف، ولكني أريد لهذه الجهود أن تتكامل وتتكاتف وتحشد في إطار عام يشمل الأمة أو أكثرها، ولا سيما في عصر التكتلات الكبرى، وفي سياق مواجهة القوى العظمى، فإنه لا يستقيم بحال أن تبقى أمتنا مفرقة الجهود كجزر مبعثرة في عرض محيط هائج، حيث يستهدفها قراصنة عتاة، يدركون أكثر منا أنهم لن يتمكنوا منا إلا أن ينفردوا بكل فريسة على حدة.

فلولا تلاحمت جزرنا كقارة عظيمة تتكسر عند شواطئها موجات الشر والعدوان؟

وأقول قبل أن أدخل إلى موضوعنا: والله ما كتبت أبيض في أسود في هاتين القضيتين إلا وأنا آمل أن تكتمل كتابتي بغيرها، أو أن تكمل هاتيك الغير، أو أن تسد ولو خلة ضيقة في منظومة أرجو لها أن تكون. موقناً بما قدمت: أن فرداً أو أفراداً أو جماعات هم ـ ولا ريب ـ دون الكفاية المنشودة بكثير، مهما بلغ نبوغهم وتواصل دفق عطائهم. على أني لا أكتب معتقداً أن دلوي يحوي ما ليس في دلاء الآخرين، ولكني أريد أن أفرغ ما فيه في رافده الواجب ومصبه الأصيل، خشية أن لا يصب الآخرون ثمَّ، فتتبعثر الجهود، وتذهب هباء منثوراً.

وقد وجدت في كتابات بعض الأفذاذ حفظهم الله ما يفهم منه أن بعض ما نراه اليوم من وجوه العطاء سابق لأوانه، فأحببت أن أحرر الحديث عن الأولويات، بما يدفع هذا الظن، أو يرفع ذاك الالتباس، خشية أن نهمل غرس فسيلات حان أوان غرسها، وإن كان زمان حصادها آتياً بعد حين، والفارق بين هذا وبين الإرجاء أو الإلغاء فارق بين، توضحه السطور التاليات:

حيث كتبت مرة: "لا ينازع أحد في حتمية ترتيب أولوياتنا وفق معطيات الواقع وباعتبار تقدير المآلات، فالاستطاعة وتحقيق مقاصد الشريعة (مصالحها) حدان ضابطان للواجب كيفما كان، ومعياران ملزمان للمكلف على كل حال.. وعلى أساس من ذلك تتحدد قائمة أعمالنا وسلسلة أولوياتنا.

والذي أريد أن أنوه عليه هنا: كون ترتيب هذه الأولويات لا يقتضي إهمال المتأخر منها، فبعضها ـ وإن كان مطلوباً على التراخي ـ إلا أنه لا ينتظر له أن يتحقق في حينه الموائم هكذا من فراغ، أو أن تختزل مسافات تكونه واكتماله في لحظة حلول دوره "ضربة لازب"، وبلا أصول يتطور عنها ومراحل نمو يتدرج خلالها، فذلك كله مخالف لسنن الوجود، وسبحان الذي (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ....) (فصلت: من الآية 9) (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ* ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيم) (فصلت: 10ـ 12).

ألم تر أنك إن رغبت في ولد صالح يدعو لك حين ينقطع عملك، وتتوكأ عليه عند ضعفك وكبرك.. توجب عليك ـ لا ريب ـ أن تستنبت بَذرته الآن، وإن لم تجن ثمرتها من توك.. ستختار له المنبت (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ) (الأعراف: من الآية58)، وستبذر وتحرث وتسقي، فإذا ما نبت واليته بالعناية، وكفلته بالرعاية، ونقيت له محيطه من كل فساد ودغل، وحميته من كل شر وخطر، وحطه بالحذر من جهاته الأربع، حتى إذا بلغ أشده واستوى ـ وقد آن أوان جنيك ثمرة التعب ـ وجدته قد وافاك وأنت في أمس الحاجة إليه على أتم ما كنت ترجو وتأمل.. ( كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الفتح: من الآية29).

أتراك فاعل كل هذا جملة واحدة، دفعة واحدة، حينما تحل لحظة حاجتك تلك؟!

وكذلك الحاذق من الناس.. يرصد قمح الصيف للشتاء، ولكنه لا يؤخر حرثه ليوم حصاده، ولا يتواكل على أنه قد كُفِيَ يومَه أو سنتَه، ولا يُسوف أنه الآن في غنى عن مشقات الفلاحة، أو أن ما يلزم إنجازه على الفور ملغي لما لا حاجة لنا فيه الساعة.

إن مراداتنا كأمة قد تستغرق جيلاً أو أكثر، أو بعض جيل... وكثير من هذه المرادات لا يحتمل التأجيل، لا من جهة الانتهاء، ولكن من جهة الابتداء.

فقد نتفق مثلاً على إرجاء إنفاذ تصور ما، غير أن هذا الإرجاء مقدر بوقت، قصر أو طال، أو هو مؤجل التقدير بحسبه وبحسب ما يلفه من معطيات وتقويمات، ولكن تبقى هناك بدايات لا بد من الشروع فيها، والتدرج من نقطتها، والتحرك من خط انطلاقها شيئاً فشيئاً، إلى أن تجتمع لنا عناصر الاكتمال، هذا ناهيك عما يتصل بذلك التصور من تصورات داعمة، مهيئة لأن تنجز، ومن غير أن يتصل بإنجازها ضرر أو مفسدة، أو تأخير لما هو أولى.

خذ مثلاً :

يرصد المتابع نضجاً ملحوظاً يتجه بجماعاتنا الإسلامية ـ أو بقطاعات منها ـ إلى التسليم بضرورة تحركنا كأمة { (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال: الآية 46)، ما من شأنه تكريس القناعات بأنه لا خروج من التنازع والفشل إلا من خلال مرجعية موحدة، وإن تعددت أطيافها، وهذا أمل عريض لا يتم بضغطة "زر"، ولا ينشئه مجرد قرار أو بيان، ومن جهة أخرى: لسنا نقدر له عمر إنجاز قصيراً، كي ننظر في مناسبته للمرحلة الراهنة من عدمها.

إن لهذا الإنجاز متطلبات تربوية هي أعمق في أبعادها من الهيكلة التنظيمية واللوائح الداخلية وسائر آليات التكتل والاجتماع.

والمطلوب أن نوافي لحظة الإنجاز النهائية ـ في حينها المناسب المختار ـ وقد استوفت مناهجنا التربوية مقاصدها، وبلغت من إعدادها لنفوس المجتمعين ما يؤهلهم لمشروعها.. مطلوب أن ترتقي تربوياتنا بوعي جيلنا الناشئ فوق ما قصر عنه جيلنا والأجيال قبله، كي نكون أكفاء لهذا الانصهار الكبير في الجسد الكبير .

ألا فلنرفع القواعد، بانتظار أن يحل الموسم لنؤذن في الناس:(وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا) (آل عمران: من الآية 103). "وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم الله"، قطعة من حديث رواه مسلم: (2563) عن أنس، (2563) عن أبي هريرة. .. وإذاً سيلبون.

وقس عليه ...

فكثير من الغايات والأهداف قد تتوفر إمكانية تحقيقها، ولكن يكون إتمام إنجازها في ظرف بعينه موضع نظر، أو يفتقد تحقيقها في مرحلة معينة شرط الملائمة والتناغم، فيصطدم مع طبيعة تلك المرحلة ويناقض أهدافها. غير أن الذي أعنيه هنا، كما قدمت، ليس تمام الإنجاز واكتمال نضجه واستواءه على سوقه، بل مكوناته وممكناته الأولية، التي لا يشملها هذا الاعتبار السابق، فهذه يلزمنا إنجازها لمعنيين: الأول: قيمة الوقت. والثاني: الأثر الإيجابي لتزامن وتوازي الأعمال المنعكس على الأعمال نفسها، سواء بالنسبة لكل منها على حدة، أو بالنسبة لها مجتمعة.

ثم إنه قد بقيت نقطة مهمة تتصل بالمثل المضروب، وبالمعنى المراد:

أقول: هذا الكم الهائل من الأفكار والأطروحات الذي يملأ علينا ساحاتنا ومكتباتنا.. ما السبيل إلى جمع الناس عليه، مع تعدد أرائهم في مفرداته، وتباين مواقفهم منها؟ أو غير المرجعية الموحدة للأمة الواحدة سبيل لجمع الناس؟

إن المرجعية التي ننشد ليست إلغاء للتعدد الكائن في ساحتنا الإسلامية، ما بقي هذا التعدد مصلحة لجماعاتنا، فإن يكن بهذا الاعتبار قبلناه وباركناه، وإلا فهو معوق رئيس لمشروع وحدتها، كما أن مصلحته من جهة الأصل هي أيضاً مؤقتة، وقد تستدعي مراعاتها في مرحلة ما إذابة تلك الكيانات ودمجها في دائرة الأمة، وليس بغائب أن الولاء في هذه الدائرة ينبغي أن يقدم على كل ولاء حزبي خاص، حتى مع بقاء التعدد في ساحتنا الإسلامية".

إنه لو فرض أن جمع الجماعات على مرجعية واحدة لا يناسب في مرحلة ما؛ فإن ذلك لا يعني أن نهمل ما يؤسس لهذا الأمل، ويكرس القناعة به، ويدشن لمشروعه، ويهيأ الأرض لرفع قواعده.
وهذا هو الفارق بين التعجل والمجازفة وبين الإرجاء والإهمال في تعاطينا مع أولوياتنا.

مجلة العصر

من هناك
05-26-2006, 08:14 PM
موضوع مهم بارك الله بك وجعلنا ممن يسعون لهذه الوحدة من اجل رفع شأن الأمة

الامة تحتاج لعلماء ربانيين يفهمون الواجبات العملية للدعوة إلى الإسلام ويعملون في هذا السبيل بدل ان تتشتت طاقات الأمة بين من يرجف ومن يحمل ومن يجلس ومن يهرب

مقاوم
05-27-2006, 06:01 AM
بوركت أخي بلال
إن من أعظم ما يفرق الجماعات الإسلامية هو
عدم اتفاقها على قائمة أولويات موحدة وهي وإن
اختلفت أهدافها ومناهجها إلا أن المساحات المشتركة بينها
كثيرة جدا سيما فيما يتعلق بالعدوان الخارجي على الأمة
فمتى يا ترى نرى قائمة أولويات موحدة في المسائل المتفق
عليها؟

من هناك
05-27-2006, 11:12 AM
لما نرى قلوباً هجرت الدنيا وانطلق بها اصحابها لتسمو نحن جنات الفردوس-نزل الصالحين