تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : نساء خلدهن التاريخ



من هناك
05-19-2006, 08:26 PM
لم يكن القصص في كتاب الله عز وجل للتسلية أو للتنويه بأصحابها ولكن الغرض أسمى وأجل لما فيها من عبر جمة وفوائد للناس··· وكما تعرض القرآن في قصصه للرجال·· تعرض ايضاً لنساء جعل منهن أسوة حسنة لغيرهن من بنات جنسهن·· ومن أخريات مثالاً لما يجب أن يُجتنب من خلق سيّئ··! وقد تحدث القصص القرآني عن نساء فضليات من نساء العالمين خلّد الله ذكرهن إلى يوم الدين:

" نبدأ بالبتول الطاهرة مريم ابنة عمران التي سميت سورة من سور القرآن الكريم باسمها فهي المصطفاة من الله والتي عكفت وتفرغت لعبادته سبحانه وتعالى حتى جاءتها الآية الكبرى في حياتها كلها عندما بشرتها الملائكة بخلق عيسى في بطنها بكلمة من الله: واختصها سبحانه وتعالى بهذه المعجزة التي لن تتكرر إلى يوم القيامة والتي فضلها بها على كل نساء العالمين·· ما المسيح ا بن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صدِّيقة [المائدة75/]·

" وكذلك امرأة فرعون تلك المرأة المؤمنة التي قال الله تعالى فيها: وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين[التحريم11/]·

فقد كانت أجمل نساء زمنها وهي الملكة امرأة فرعون أعدى أعداء الله·· ومع هذا فهي احدى المبشرات بالجنة بعد ان هداها الله إلى الإيمان فخرجت على سلطان زوجها··· ولم يرهبها بطشه·· وهي أول من استقبلت موسى عليه السلام ضيفاً وقيل أنها هي التي سمته (موشى) أي (ماء·· وشجر) لانها وجدته بين الماء والحلفاء والشجر··

ولقد سجل القرآن لها دورها العظيم الذي قامت به في انقاذ موسى وأمومتها له وتربيته بالرغم من جبروت زوجها·· وعندما علم فرعون زوجها بإيمانها عذبها ونكل بها لتنصرف عن دين الحق فجعلها الله سبحانه وتعالى مثلاً للذين آمنوا إلى يوم القيامة·· وهكذا حظيت إمرأة فرعون بأعظم شرف من الله·

" وأما عائشة بنت أبي بكر الصديق(رضي الله عنهما) زوج رسول الله(ص) وأم المؤمنين·· التي نزلت فيها آيات في القرآن تُتلى إلى يوم القيامة وهي الآيات التي نزلت في حديث الإفك في سورة النور من الآية [11-21]·· هذه الآيات العشر هي التي نزَّل فيها الله براءتها من فوق سبع سموات على مثيريها··

وسمي بحديث الإفك نظراً لان من شارك فيه باذاعته والمبالغة فيه هم المنافقون وبعض ضعفاء الإيمان ممن تأثروا بحديثهم من المسلمين·

" وفي قصص القرآن الكريم موقف بلغ الذرورة في الوفاء والصبر·· وهو انكشاف ابتلاء سيدنا أيوب عن قصة زوجة وفيّة صابرة·· لازمته في شدته وطيلة فترة ابتلائه: ترعاه وتقوم بواجبها خير قيام·· وكانت له السكن والمودة والرحمة·· كما كانت معه في النعمة والرخاء·· فعندما طال مرض أيوب عليه السلام وتفرق عنه الأهل والأصحاب وذهب عنه المال والجاه والصحة·· خدمته بكل جوارحها حتى اضطرتها قسوة الحياة لان تعمل في النهاية عند ذوي النعمة بعد ان كانت مخدومة في قصرها من أجل القليل الذي يسدّ جوع زوجها ويسد رمقها·· بل لم تتوان عن اللجوء إلى (بيع شعرها) الجميل الطويل عندما انغلقت أمامها الأبواب بعد اشاعة كاذبة تقول: ان من يستخدم امرأة أيوب يناله البلاء مثل زوجها··

ويقول هنا الامام ابن كثير: فلما لم تجد من يستخدمها عمدت فباعت لبعض بنات الاشراف إحدى ضفيرتيها بطعام طيب كثير فاتت به أيوب فقال: من أين لك هذا؟·· وأنكره·· فقالت خدمت به اناساً·· فلما كان الغد لم تجد أحداً··!! فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فاتته به·· فانكره ايضاً وحلف لا يأكل منه حتى تخبره: من أين لك هذا الطعام؟ فكشفت عن رأسها محلوقاً فدعا قائلاً: "اني مسني الضر وانت أرحم الراحمين"· ولعل سيدنا أيوب لم يقلها من أجل نفسه·· وانما قالها من أجل زوجته ومن أجل الجميل الذي أسرته به··" واستجاب الله الدعاء·· كما جاء في قوله تعالى: وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وانت ارحم الراحمين فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين [الأنبياء 83 - 84]· " وفي القرآن حديث عن سيدنا سليمان عليه السلام الذي لم يغفل أمر المرأةالتي تستند إلى المشورة في ملكها وتبحث عن الرأي السليم·· فعندما أرسل سيدنا سليمان إلى ملكة سبأ بكتاب فجمعت رؤساء مملكتها وحدثتهم قائلة "يا أيها الملأ" فشاورتهم لتتبين الرأي الرشيد وفي هذا توجيه للرجال والمجتمع كله·· واخذت الرأي معهم·· ولما انتهت إلى رأي ناصح فيه حكمة وعمق قالت: اني مرسلة إليه بهدية فناظرة بمَ يرجع المرسلون [النمل35/]·

وقد روي ايضاً أن الملكة (بلقيس) قالت لرسولها: اذا دخلت بهديتك ونظر إليك الرجل غاضباً فاعلم انه ملك، وان رأيته لطيفاً بشوشاً فسوف يفرح بها ويعرض عن قتالنا·· ومن ذكائها الذي حدثنا عنه القرآن الكريم بعد ذلك·· قولها بعد ان رأت نبوة سيدنا سليمان عليه السلام قائمة أمامها مع معجزاته: قالت رب اني ظلمت نفسي واسلمت مع سليمان لله رب العالمين [النمل44/]·

وهكذا نرى ان القرآن الكريم بذكره للمرأة حرص على توصيل المنهج الأخلاقي الداعي إلى التهذيب والتربية والعظة·

" بقلم: د· عبد الرحمن الصمدي