تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : حماس من أجل حماس ... [حسين بن محمود] 9 ربيع الثاني 1427هـ



صلاح الدين يوسف
05-08-2006, 05:08 PM
حماس من أجل حماس ... [حسين بن محمود] 9 ربيع الثاني 1427هـ

حماس من أجل حماس

الحمد لله معز الإسلام وأهله ، ومذل الشرك وأهله ، والصلاة على بدر التمام المبعوث بالحسام : محمد سيّد الأنام وعلى آله وصحبه آكد وأتم السلام .. أما بعد

فقد اتضح للناس حقيقة الإنتخابات التشريعية ومضمون الديمقراطية الأمريكية ، فها هي فلسطين ترزح تحت نيران اليهود وحصار النصارى وخيانة الحكومات العربية بعد أن اختار أهلها النهج الديمقراطي بطريقة غير حضارية ، فإختاروا من لا يعبد أمريكا ولا يخدم يهود ولا يسجد للأمم المتحدة الصهيونية !!

هذا الفهم الخاطئ للديمقراطية هو الذي أورد أهل فلسطين الموارد ، فالإنتخابات الديمقراطية في الدول العربية تعني : إختيار من يحقق المصالح الأمريكية واليهودية ، وأي تفسير أو فهم غير هذا فإنه جهل من صاحبه مركب وقصور وأماني ووهم لا يمت للواقع بصلة ..

مائة وستون ألف موظف حكومي رواتبهم تتجاوز المائة والعشرون مليون دولاراً يعيلون أبناء وزوجات وإخوان وأخوات وآباء وأمهات : اختار من يمثلونهم حكومة لا تعترف بدولة يهود فكان لزاما أن تنقطع عنهم جميع المساعدات لأنه لا وجود في عالمنا اليوم لمن لا يفهم الديمقراطية ..

أوروبا كانت تمول فتح بـ (500) مليون يورو سنويا لضرب الحركة الإسلامية في فلسطين ، وكذا أمريكا وحكومات الدول العربية ، هذا عدا الدعم المادي لرموز منظمة التجارة (التحرير) الفلسطينية ، ولم تنجح كل هذه الأموال وذلك المكر العالمي وجميع المؤتمرات العربية والأجنبية لأكثر من عقدين في انتزاح الحجر من يد الطفل الفلسطيني المسلم المعتز بدينه الضارب بتراب أرضه وجوه الكفار والمنافقين ..

هذا الجهل المتأصل في قلوب وعقول قادة حماس - وأهل فلسطين المسلمين - بالديمقراطية هو الذي أوردهم الموارد ، وعبثا حاول ابن الإنجليزية في الأردن و"الدميم المشؤوم" صاحب مصر إقناع هؤلاء الجهال بفهم روح الديمقراطية والإعتراف بدولة يهود والتنازل عن أرض فلسطين وإلقاء السلاح مقابل رواتب وأموال تُدفع لموظفي الحكومة الذين غالبيتهم من حركة فتح "اللا-إسلامية" ..

والحاصل الآن أن جميع حكومات الدول العربية تحاول وبكل ما أوتيت من "دبلماسية" إقناع حماس بالتخلي عن عنادها والإنبطاح ليهود والإيمان بالديمقراطية حتى ترضى أمريكا ويصبح الجهاد في فلسطين مؤتمرات لسلام الشجعان ، وهذه المؤتمرات والإجتماعات التي تعقدها الحكومات العربية ما هي إلا رماد يُذر في عيون من لا بصيرة له ..

حماس منظمة إرهابية ، وإسمها مسجل في القائمة الأمريكية منذ سنوات ، وأية مساعدات لها تُعد من قبيل مساندة الإرهاب الذي قال عنه بوش في بداية الحرب الصليبية "من ساند الإرهابيين فهو إرهابي وعدو لأمريكا والدول المتحضرة" ، فمن من هؤلاء الحكام عنده الجرأة ليصبح مساندا للإرهاب وقد حكم "هبل" بحرمة ذلك حرمة قطعية !!

هذه الإجتماعات التي تُعقد وتنتهي ولا يعرف عنها الناس شيء ، هي في حقيقتها محاولات للضغط على حماس لتلحق بركب الدول الديمقراطية ولا تكون عدوة للحضارة أو تسبح عكس التيار ، فإذا ما رجعت حماس إلى رشدها وألقت بمبادئها خلفها ، عندها تكون حكومة عربية رسمية مثالية وليّة لأمر المسلمين بنص الفتاوى السلطانية ، وبمعنى آخر : تكون كبقية الحكومات العربية ..

إنه اختابر صعب وامتحان لأصحاب المبادئ والعقيدة ، هل يكون المحيا والممات لله رب العالمين ، أم يكون المحيا والممات للآلاف والملايين !! هل تصبر النفوس وتتحمل البأساء والضراء وتثبت حين البأس ، أم أن النفوس تقبل الذل والهوان وتنصاع ليهود وعباد الصلبان !!

تجوع المرأة ، ويبكي الطفل ، ويألم الرجل ، ويسمع النحيب من على الأرض من المسلمين ، إنه اختبار وامتحان ، إنها البأساء والضراء والجوع والضمأ ، إنه زمان تضيق الأرض فيه بما رحبت ، زمان تزيغ فيه الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر ويظن البعض بالله الظنون ، زمان الزلزلة الذي يتسائل المؤمنون فيه : متى نصر الله !! إنه زمان المستضعفين من الرجال والنساء والولدان ..

إنه زمان البلاء ليُعلم فيه الصابر ويُختبر ، إنه زمان يتجرد فيه المحاصر من كل أثقال الدنيا فلا تبقى إلا نفسه يبيعها : إما لخالقه ، أو للمخلوقين ، والله قد اشترى ، والمخلوق يساوم الأنفس كي لا تلج سوق الشهادة ..

عشرات الآلاف من المجاهدين ومئات الآلاف من أُسرهم مُحاصرين من قِبل حكومات الدول العربية التي تأتمر بأمر الحكومة الأمريكية التي تأتمر بأمر يهود : ظلمات بعضها فوق بعض ..

لا تنفعنا اليوم مؤتمرات ، ولا تنفعنا اللقاءات ، ولا تُسمن الإجتماعات المعهودة ولا تغني من جوع .. إن الذي يُحاول اليوم امتصاص غضب الشارع الإسلامي بمثل هذه المؤامرات إنما يقتل مئات الآلاف من المسلمين تكالب عليهم أهل الشرق والغرب والشمال والجنوب وحتى الوسط : فدبابات اليهود تقتلهم ، ومرتدوا بني جلدتهم من جرذان فتح - الذين يقتاتون من دماء وأجساد أهل فلسطين نصرة ليهود وتحقيقا لمصالحهم وتضخيما لحساباتهم البنكية في سويسرا والخليج وأمريكا والبنوك اليهودية في فلسطين - كشروا عن أنيابهم ، ولو شاء أحد لصوص فتح إنهاء الأزمة الفلسطينية لتبرع بربع عشر ماله ليغطي رواتب الموظفين لسنوات ..

لقد خسرت حماس الكثير بسبب دخولها هذه الإنتخابات ، فبعد أن كانت الحكومات تتزلف لها لمساعدتها كي تتبجح أمام شعوبها بمساندتها للقضية الفلسطينية ، أصبحت حماس اليوم تتسول المال من هذه الحكومات المرتدة وتمد إليها يدها التي شرفها الله بقتال أعداء الأمة ، بل أصبحت حماس تتسول الصدقات من النصارى الكفار أعداء الأمة بعد أن أعزها الله بالجهاد !!

لقد خسرت حماس حماسَ الشارع المسلم لها لأن قضيتها اليوم أصبحت : قضية سياسية دائرة في شد وجذب حول قضية الإعتراف بالدولة اليهودية ، بعد أن كان مجرد الحديث عن هذه الفكرة : خيانة عظمى للإسلام وللأمة الإسلامية !!

نعم ، لقد خسرت حماس يوم أن دخلت الإنتخابات لتبرهن للناس بأن الشعب الفلسطيني يريد الإسلام ، ولم يكن أحد من المسلمين يشك في ذلك ، وإنما كان هذا مغيبا في الإعلام الصليبي وادعى النصارى نقيضه ، وهل تحتاج حماس لتبرهن للنصارى اختيار المسلمين للإسلام !!

لقد خسرت حماس يوم أن طلبت الحكم لتُنهي الفساد المستشري في صفوف فتح وتوقف تلك الإختلاسات والسرقات ، وغاب عن حماس أن هذه الأموال أصلها صليبي ، ولم تحصل عليها فتح إلا بسببها هي !! ولو فكر أحدنا قليلاً لأدرك بأن فتح لم تكن تسرق الأموال ، بل هذه الأموال حق لها يعلم أصحابها أين تذهب وكيف تُنفق !!

نعم ، لقد خسرت حماس ، ولكنها لم تخسر وحدها ، فالأمة التي كانت تتحمس لحماس قد خفَت حماسها ، وكأن القضية كانت "حماس" فقط !!

لقد استطاع الكفار من قبل اختزال قضية الأمة في منظمة التحرير ، ثم في شخص عرفات ، وبعد أن هلك اللص الخائن أرادوا أن يختزلوا القضية في شخص آخر فضاعوا بين قريع وعباس ودحلان وأبو مازن وبقية جرذان فتح ، ولم يستطع واحد منهم سد فراغ الخائن الأكبر ، وقد اختزل كثير من الناس اليوم قضية الإسلام الأولى في حركة حماس !!

قُتل الشيخ الجليل أحمد ياسين ، وقُتل الرنتيسي ، وقُتل عيّاش وغيرهم من الذين بذلوا أرواحهم ، لا لحماس ، ولكن لما تُمثله حماس .. باع هؤلاء أنفسهم مقابل ميتة في سبيل عزة وكرامة الأمة كلها .. مات هؤلاء لأن فلسطين والأقصى أغلى من حياتهم وأغلى من حماس وأغلى من حركة الجهاد وأغلى من الأحزاب السياسية وأغلى من حكومة ومناصب وتصفيات ورواتب وآباء وأمهات وأبناء ..

هل سأل أحدنا نفسه : أين وصلت الحفريات اليهودية تحت الأقصى !!

هل بات أحد من المسلمين يسأل نفسه : كيف نهزم يهود ونُخرجهم من أرض المسرى !!

إنها اليوم قضية : نجاح أو فشل حماس في الحكومة !!
إنها قضية : رواتب !!
قضية : مساعدات لم تصل !!
قضية : بنوك امتنعت عن تحويل الأموال !!
قضية : المنظمة العربية وكيفية تعاملها مع هذه المشكلة !!

لقد كان رأينا ، ولا زال ، أن لا تدخل حماس الإنتخابات في الوقت الراهن ، وأن لا تبتغي عن الجهاد بدلاً ، وأن لا تضع حول عنقها حبل الديمقراطية الذي لم يُصنع إلا لشنق من صدّق هذه الدعوى وتغافل عن الحقيقة ..

حماس اليوم تحتاج إلى وقفة ، وتحتاج إلى مراجعة ، وتحتاج إلى همة وعزيمة ، لا أقول من قبل أفراد حماس فقط ، ولكن من قبل الأمة كلها ، لأن حماس لا تمثل نفسها فقط ، ولا تُمثل شعب فلسطين فقط ، بل هي جزء مهم من الأمة الإسلامية ، بل من أهم أجزاء الأمة ، وتضييع حماس تضييع للأمة ، وخذلانها خذلان لمقدسات المسلمين ، فعلى كل أبناء المسلمين الوقوف مع حماس ، لا من أجل حماس ، ولكن من أجل فلسطين ..

إن أولى الناس بمساندة حماس هم أهل فلسطين نفسها ، فعليهم مؤازرة حماس والوقوف معها وإن اختلفوا في الرأي ، وعليهم ضرب من يريد الفتنة في فلسطين بيد من حديد ، وعليهم إقصاء جرذان فتح ولصوصها عن الساحة الفلسطينية حتى لا يبقى إلا مسلم ، وحتى لا يتكلم هؤلاء الرويبضة الكذابون الخراصون في أمور المسلمين ..

نعم ، نحن نختلف مع حماس في دخولها في الإنتخابات ، ونرى أنه اجتهاد خاطئ ، ولكن نسأل الله أن يأجرهم عليه ، ونحن مع حماس قلبا وقالبا ما دام حماسها لم يخفت ، وقلبها لم يتوقف ، وهمتها لم تموت ..

نريد إشعال الحماس في روح المسلمين وإرجاع حنين القلوب لمسرى الرسول صلى الله عليه وسلم .. نريد من المسلمين إدراك حجم المؤامرة العالمية على إخواننا في فلسطين وعلى فلسطيننا الحبيبة ..

كم طلب المجاهدون منا الدعاء ، واليوم نطلب من كل مجاهد في كل ثغر ومِصر أن يدعو هذا الدعاء : "اللهم افتح على أيدينا هذا الثغر (ويسميه : كالشيشان وأفغانستان والعراق وغيرها) وارزقنا الشهادة على عتبات المسجد الأقصى" ، نريد من المسلمين أن يهتفوا بأعلى صوتهم في كل مكان "اللهم ارزقنا الشهادة في فلسطين" ، لا من أجل حماس ولا الجهاد ولا القاعدة ولا غيرها من الجماعات المجاهدة ، ولكن من أجل : كلمة رب العالمين ..

لقد أصبح جهاد المال اليوم من أعظم الجهاد ، وإيصال المال إلى داخل فلسطين - بعد منع الكفار وخيانة الحكومات العربية - يعد اليوم فرض على الكفاية تأثم الأمة بتركه ، ولا يجوز للأمة خذلان أهل فلسطين لأي سبب كان ، ومن عنده زكاة مال فأحق الناس به اليوم مجاهدي فلسطين وأهليهم ..

نعم ، نحن نختلف مع حماس في دخولها الإنتخابات ، ولكن يبقى أفرادها إخوة لنا ومن أقرب الناس لقلوبنا لحراستهم مسرى نبينا من عبث إخوان القرد والخنازير ، وإن اعترفت حماس باليهود - بعد أن منعت حكومة مصر وحكومة الأردن دخول الطعام والدواء والكساء إلى فلسطين - فهذه ليست هزيمة لحماس ، بل هي هزيمة للأمة التي تمثلها حماس في فلسطين ، وإن كان اعترافها لا يعنينا بشيء لأنه اعتراف من لا يملك لمغتصب ..

نعم ، نحن نختلف مع حماس في دخولها الإنتخابات ، وقد اجتهدت ، والإجتهاد ليس خطأ ، كما أن التأويل ليس بالخطأ ، وسنة النبي صلى الله عليه وسلم التبرؤ من الخطأ لا من صاحبه ، ولو كان الصواب التبرؤ من صاحب الخطأ لتبرأنا من كل الناس لأن "كل بني آدم خطاء" ..

واجب على كل مسلم قادر أن يبذل ماله ونفسه ووقته لنصرة المسلمين في فلسطين ، وعار على المسلم أن ينتظر إذن النصارى واليهود ليساند إخوانه المسلمين .. لقد هب المسلمون في جميع الأرض لنصرة نبيهم صلى الله عليه وسلم ضد النصارى الصليبيين ، وها هم اليوم أمام امتحان آخر : نصرة حراس مسرى النبي صلى الله عليه وسلم وأرض الأنبياء ..

أهل فلسطين اليوم محاصرون داخل سور يهودي نصراني كافر ، ويصعب هدم هذا السور من الداخل ، ولو هب المسلمون لنصرة المسلمين في فلسطين لتهاوى السور بمجرد صحوة المسلمين خارجه ..

على المسلمين في فلسطين التكاتف والتعاضد ونشر روح الإيثار فيما بينهم حتى يأتي الله بأمر من عنده ، فالصبر الصبر أهل فلسطين فإنه أمر الله {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} (البقرة : 155) ، فمن كان من أهل الإيمان وصبر فإنه موعود {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} (الصف : 13) .

فالنصر قريب لمن صبر واتقى وكان من المؤمنين {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللهِ أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللهِ قَرِيبٌ} (البقرة : 214) ..

اللهم اجمع إخواننا في فلسطين على عروتك الوثقى ، واجعلهم من أهل التقوى .. اللهم سدد رميهم ، وافتح على أيديهم ، ومكنهم من رقاب أعداءك يا رب العالمين .. اللهم أنت الناصر وأنت المعين ولا حول ولا قوة إلا بك .. اللهم سد رمقهم ، وأشبع جائعهم ، واشفي جرحاهم ، وتقبل شهدائهم ، وفك أسراهم يا سميع يا قريب ..

اللهم ارزقنا الشهادة في فلسطين .. اللهم ارزقنا الشهادة في فلسطين .. اللهم ارزقنا الشهادة في فلسطين ..


والله أعلم .. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..


كتبه
حسين بن محمود
9 ربيع الثاني 1427هـ