تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : التفجيرات الإرهابية بين ضغوط الأنظمة وفبركة الجهاز الأمني



من هناك
04-29-2006, 11:37 PM
التفجيرات الإرهابية
بين ضغوط الأنظمة وفبركة الجهاز الأمني



عندما كان الإسلاميون يرفعون الصوت خلال عقد الستينات من القرن الماضي، محذرين من سياسات القمع والترهيب وفق خطط وضعتها أجهزة الاستخبارات (العربية والأمريكية) من أجل ما سمي «تجفيف الينابيع» ومحاولة استئصال جذور المدّ الإسلامي.. كان منظّرو الأنظمة الاستبدادية الحاكمة والمدافعون عنها من الليبراليين والقوميين في ذلك الزمان يعتبرون أن هذه مبالغات، وأنها انسياق مع نظرية المؤامرة التي لا مكان لها في الواقع العربي المعاش. وبطبيعة الحال فقد أثبتت هذه السياسات فشلها الذريع، وانكمشت التيارات الماركسية والليبرالية أو تلاشت. وبدل أن ينحسر المد الإسلامي أو يحاصر، فقد أفرزت سياسات القمع والإرهاب المنظم على المستوى الأمني العربي أو السياسي الدولي، تيارات عنيفة حملها ارهاب السلطة المنظم على أن تنتقم لظلاماتها وظلامات الشرائح الشعبية المقهورة، عن طريق استخراج نظريات شرعية وسياسية تبرر لها نهجها العنفي، كردّ فعل طبيعي ضد السياسات المعتمدة في عالمنا العربي المتخلف المقهور.

أنا لا أريد أن أظلم الأنظمة لأضعها في دائرة المؤامرة على الإسلام والمسلمين، قد تكون بريئة من هذه التهمة الكبيرة، فكل ما تريده وتسعى اليه هو الاحتفاظ بالكرسي ومكاسب ومغانم الحكم وضمان انتقاله (بعد عمر طويل) من الأب الى الابن، سواء في الأنظمة الملكية أو الأميرية أو الجمهورية وحتى الثورية. لكن المشروع الأمريكي (المتواطئ مع المشروع الصهيوني) يتجاوز هذا الكسب المتواضع، فالادارة الأمريكية - منذ رئاسة رونالد ريغان - تعمل على دعم التيارات المتطرفة حتى تستطيع بها محاصرة الحركة الاسلامية التي تحمل مشروعاً سياسياً يشكل تهديداً حقيقياً لمصالحها.. هكذا يمكن أن نفهم رعايتها حركة الطالبان عبر الاستخبارات الباكستانية لمنع حركات الجهاد الأفغانية من بناء دولة إسلامية حديثة بعد تحرر أفغانستان من الاحتلال الروسي، وكذلك رعاية المجموعات التكفيرية على الحدود الباكستانية قبل تفجيرات 11 أيلول 2001. لكن الفشل صاحب التخطيط الأميركي باستمرار، حتى مشروعه العراقي، حين دفع صدام حسين الى احتلال اجزاء من إيران في حرب الخليج الأولى، والى احتلال الكويت في الحرب الثانية، ليصل الأمر بوزيرة الخارجية الأميركية السابقة (مادلين أولبرايت) الى القول: «ان غزو العراق كان من أسوأ الكوارث.. لقد كان صدام حسين فظيعاً، لكننا لا يمكن أن نشن حرباً على كل شخص لا نحبه».

نعود الى ساحتنا، اللبنانية والعربية، والنموذج المعتمد في استهداف التيارات والحركات الإسلامية، كلها دون استثناء، بتهمة ممارسة العنف والإرهاب وتفجير المنتجعات، بل وجريمة اغتيال الرئيس الحريري، من صواريخ تلفزيون المستقبل في حزيران عام 2003 التي لم يصدقها الحريري نفسه وقد كان يومها رئيساً لمجلس الوزراء، ولم يسمع أحد عن القضية شيئاً بعد ذلك.. الى مجموعة مجدل عنجر التي اتهمت في ايلول عام 2004 بالتخطيط لنسف السفارة الايطالية، وقضى أحد المتهمين فيها (اسماعيل الخطيب) تحت التعذيب دون ان يُسأل أحد في الجهاز الأمني (اياه) عمّا جنت يداه. وصولاً الى مجموعة التسعة (الاسلاميين) التي أعلن الجهاز إياه أنها كانت تخطط لأعمال إرهابية منها اغتيال أمين عام حزب الله وحيازة أسلحة ومتفجرات وصواريخ «لاو»، ثم قيل ان المجموعة كانت تخطط لشراء الصواريخ، وتتحدث عن امكانية اغتيال السيد نصر الله، فيما لو.. نشبت فتنة مذهبية. وقد علق وزير الداخلية على الخبر فقال انه مضخم، وحين احتج بعض المستفيدين قال الوزير إنه استقى معلوماته من قيادة الجيش وبموافقة قائد الجيش. والمضحك هذه المرة أن المجموعة ليست أصولية ولا ارهابية ولا من أحزاب الإسلام السياسي، وانما هي من جماعة «التبليغ والدعوة» التي يعرف الإنس والجن انها لا تتعاطى الشأن السياسي فضلاً عن ممارسة الارهاب، مما يدل على أن جهازنا الأمني لا زال مبتدئاً في فبركة مثل هذه الاتهامات.

أما في مصر، فقد أعلنت السلطات منذ أسبوعين عن اعتقال مجموعة اسلامية قالت انها تخطط لشنّ هجمات ضد أهداف سياحية ورجال دين مسلمين ومسيحيين، وأنها تحمل اسم «تنظيم الطائفة المنصورة»، وأذكر للمناسبة رواية لأحد المقربين من أجهزة الأمن في أحد الأقطار العربية المعروفة بكثرة المجموعات الإرهابية التي لا تحمل اسماً، ومن أجل التفريق بينها اعلامياً، يلجأ ضابط مسؤول الى عرض مجموعة من الأسماء، فيختار مسؤول المجموعة احدها، لتعرف بها المجموعة بعد ذلك. وقد أعلن مركز «ماعت - للدراسات الحقوقية والدستورية» بالقاهرة أنه تحرى ظروف المجموعة المتهمة، فتبين له أن ثمانية منهم كانوا معتقلين وأفرج عنهم قبل أيام من اعتقالهم الأخير، وأن معظم العشرين المعتقلين تربطهم علاقات قوية بجيرانهم الأقباط، وأن جيرانهم فوجئوا بأسمائهم وصورهم في وسائل الإعلام لأنهم لا يتعاطون أي شأن حزبي أو سياسي، وأن سلطات الأمن هددت ذويهم في حال ابلاغ الإعلام أو جهات حقوقية عن ظروفهم.

وبعد أيام تقع تفجيرات مدينة «دهب» في سيناء، التي سقط ضحيتها ثمانية عشر من المصريين والأجانب، فاعتقلت الأجهزة فوراً مجموعة من بدو سيناء مؤلفة من عشرة أفراد أطلقت عليها اسم «التوحيد والجهاد». وقد التقت آراء معظم المعلقين المصريين على أن التوقيت لم يأت عبثاً، فالضغوط كبيرة على الرئيس مبارك في مجلس الشعب من أجل الغاء قانون الطوارئ، وأن الحكومة تحتاج الى مبرر من أجل تمديد العمل بالقانون، أو حتى يكون «قانون الإرهاب» الموعود أشد وطأة من قانون الطوارئ.

لكن الصحافة الإسرائيلية وضعت يدها على الحقيقة حين قالت معاريف (عميت كوهين): ان الفشل يتبدى في المفهوم الأمني المصري القائم على فرضيّة أن الدفاع عن القاهرة والنظام هو الأساس، كما اقترح كاتب في يديعوت (رونن بيرغمان) ان يجري تسليم «مقاومة الإرهاب الإسلامي» في مصر الى «الشاباك» الاسرائيلي.

وليس بعيداً عن هذا، الرواية التي تداولتها الأوساط الإعلامية في الأردن، قبيل استقبال الدكتور محمود الزهار وزير الخارجية الفلسطيني في عمان، من أن السلطات وضعت يدها على مجموعة تابعة لحركة حماس تقوم بتهريب أسلحة عبر الأردن، وبعد أيام قالت إن مصدرها سوريا، وإن مسؤولاً عسكرياً من حماس هو الذي يشرف على عملية التهريب. ولم يصدق أحد الخبر، حتى الإعلام الأردني نفسه.

معروف أن مؤسسات جامعة الدول العربية عادت كلها الى القاهرة، وهي معطلة غير فاعلة، عدا جهاز وزراء الداخلية العرب، الذي لا زال في تونس، ويعمل بنشاط. وكان يمثل لبنان فيه مدير عام سابق للأمن العام. وعندما جاء الرئيس لحود رئيساً للجمهورية جرى نقل المدير العام سفيراً للبنان في تونس، ربما من أجل متابعة هذا الملف، وحرصاً على التنسيق الأمني العربي، الذي ما زال يعمل بفاعلية وتنسيق كاملين!

http://www.al-aman.com/subpage.asp?sectionid=21