تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : هل يشكل الإسلام خطرا على الغرب؟



مقاوم
04-24-2006, 07:10 AM
هل يشكل الإسلام خطرا على الغرب؟

بقلم د . عبدالله النفيسي (http://www.alasr.ws/index.cfm?method=home.authors&authorsID=40)*

من الخطأ تفسير ما نشر في الصحافة الأوروبية من رسوم مسيئة للإسلام والمسلمين على أنه عارض سرعان ما سينطوي في الأيام القليلة القادمة، إذ لا ينبغي عزل ما حدث عن السياق التاريخي لموقف الأوروبيين الفكري والسياسي من الإسلام والمسلمين عموما والقرآن الكريم ورسول الله صلي الله عليه وسلم تحديدا.

فمن خلال استعراض كتابات دوزيه وراينهارت وجولدزيهر ولامنس وسورديل ووات ورودنسون وغيرهم كثير، سنلاحظ أن هؤلاء جميعا أنكروا الوحي الذي تنزل على محمد صلي الله عليه وسلم وأنكروا كذلك نبوة محمد صلي الله عليه وسلم، بل وتطاولوا في كتبهم على سبه وشتمه، وأنكروا دور المسلمين في أي إنجاز حضاري، وأكدوا أن سبب تخلف المسلمين هو الإسلام ذاته، ومعظم كتاباتهم في حقيقتها اتجهت نحو محاولة تقويض أساس العقيدة الإسلامية المتمثل في الكتاب الكريم والسنة الشريفة. إذن هذه الرسوم المسيئة في صحافتهم للإسلام والمسلمين، ينطبق عليها مقولة أن الإناء ينضح بما فيه.

لقد تحول موقف هؤلاء المستشرقين أمثال دوزيه وراينهارت وجولدزيهر ولامانس وسورديل ووات ورودنسون وغيرهم، إلي موجة عنصرية مضادة لكل ما يمت للإسلام والمسلمين على أي صعيد كان.. سياسي ديني ثقافي اجتماعي.. الخ. وحدث هذا منذ عشرات السنين، ويخطئ خطأ كبيرا ذاك الذي يستهين بأعمال هؤلاء المستشرقين وما زرعوه في المخيال الأوروبي من حساسية وتوجس مفرطين من الإسلام والمسلمين.

وإلى جانب ذلك، هناك عوامل جديدة معقدة ومتشابكة سكبت الزيت على النار المشتعلة: هجرة المسلمين بأعداد كبيرة للعيش في الأقطار الأوروبية ومزاحمتهم للعمالة الأوروبية، وتداعيات ذلك الأمر على الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية، وكذا موقف المجموعة الأوروبية إزاء الصراع العربي الإسرائيلي وانحياز الأوروبيين بشكل عام للجانب الصهيوني، ومثال ذلك، قرار المجموعة الأوروبية بقطع المساعدات عن السلطة الفلسطينية بعد فوز حماس في الانتخابات الفلسطينية الأخيرة.

عبر الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون عن قلقه من الإسلام والمسلمين من خلال كتابين نشرهما منذ سنوات قريبة مضت، أولهما بعنوان "نصر بلا حرب"، وثانيهما "انتهزوا الفرصة"، يقول نيكسون في هذين الكتابين إنه بعد سقوط الاتحاد السوفييتي ومعه سقوط الاشتراكية كحركة ومنظومة سياسية، سيواجه الغرب والولايات المتحدة خاصة "ماردا آخر"، هو الإسلام، فينبغي علي الولايات المتحدة أن تعمل ـ يقول نيكسون ـ وبسرعة على ألامساك بما أسماه بالريادة الروحية في العالم، وأن تعمل على عدم السماح لنماذج "التشدد الإسلامي"، حسب تعبيره، أن تجد فرصتها في هذا المجال.

كما ألمح باري بوزان من مركز دراسات السلام والصراع في جامعة كوبنهاجن في الدنمارك إلى تخوفه من أن تحصل بعض المجموعات الإسلامية المنظمة على أسلحة التدمير الشامل سواء كانت نووية أو بيولوجية، ولإكمال صورة التخوف الغربي، ربط نشاط العراق وليبيا وباكستان في المجال النووي خلال الثمانينات من القرن الماضي، بالإسلام والمسلمين، لذلك نجد ستيف وايسمان وهربرت كروزني يصدران كتابهما المعنون "القنبلة الإسلامية"، يحذران فيه الغرب من حماس هذه الدول للحصول على التقانة النووية، ويربطان حركة هذه الدول في هذا الاتجاه بالإسلام والمسلمين في العالم أجمع.

وما يعزز هذا القلق الغربي إزاء الإسلام والمسلمين، ذلك التهليل الذي اندلع في العالم الغربي للفكرة التي أطلقها في العام 1993، عالم السياسة الأمريكي الشهير صمويل هانتنجتون في مجلة الفورين افييرز حول صدام الحضارات، وإعادة تشكيل النظام العالمي من جديد، فاعتبر أن صدامات العالم الجديد لن تكون اقتصادية ولا سياسية، إنما ستكون حضارية في الدرجة الأولى، وبعد أن عدد سبع حضارات أساسية في العالم، خلص إلى القول بأن الصدام الحقيقي سيكون بين الإسلام والغرب عامة.

كذلك قامت في الثمانينات عشرات من المراكز البحثية في الولايات المتحدة وأوروبا لمتابعة "الظاهرة الإسلامية"، بينما كانت معظم المجلات والنشرات والأبحاث تركز في الماضي على ما أسمته بـ"التهديد الأحمر"، والذي يرمز إلى الحركة الشيوعية العالمية، إذا بها الآن تركز على ما تسميه بـ"التهديد الأخضر"، الذي يرمز إلى الإسلام.

كما نشطت اللجان الفنية التي شكلها حلف الناتو لدراسة الظاهرة الإسلامية، ومتابعة هذا الأمر في أوروبا الغربية، وخاصة بين الأتراك في ألمانيا، وفي فرنسا بين المغاربة والجزائريين، والمملكة المتحدة بين الباكستانيين والهنود والعرب.

كما تأسست بين دول حلف شمال الأطلسي، قنوات لتبادل المعلومات في هذا المجال، وتبع ذلك تنسيق في السياسات والإجراءات والقوانين ذات الصلة بالموضوع، وخاصة في مجالات الهجرة والتعليم والثقافة، لحماية الخصوصيات، الداخلية للمجتمع الأوروبي من المؤثرات الإسلامية. وانبثقت خلال ذلك مدارس فكرية غربية لمتابعة هذا الأمر:

مدرسة الأقلية، ويبرز فيها جون إزبوزيتو، الذي ينادي بضرورة تفهم الظاهرة الإسلامية، وأهمية فتح حوار معها بغية استيعابها وترشيدها. ومدرسة الأكثرية التي يبرز فيها عتاة الكتابة السياسية، أمثال هنري كيسنجر ودانييل بايبس ومارتن كريمر وجون لوتواك، وهذه المدرسة تعادي بكل وضوح الإسلام وتنادي بالتعاون الغربي لاستئصال أية امتدادات له في الغرب أو تفشي "سياسي" له في قلب العالم العربي والإسلامي، هكذا نلاحظ وبصورة عامة ومن خلال ما ذكرناه، أن ثمة قلقا مشتركا ينتظم الغرب، بأقدار متفاوتة إزاء الإسلام والمسلمين.

الغرب السياسي كان عبر التاريخ ولا يزال من خلال تعامله مع العالم العربي والإسلامي، يروم الهيمنة على مقدرات المسلمين، وينزعج من الإسلام من حيث إنه يشكل للمسلمين إطارا مرجعيا يفرز في نهاية المطاف حركة "مستقلة" ونموذجا للتنمية "مستقل" عن الغرب، يجد قاعدته في أمة تعدادها يزيد على المليار ونصف المليار، تتوزع على رقعة واسعة من هذا الكوكب، تمتد من موريتانيا إلى اندونيسيا، وتتجمع في مناطق غنية بأحزمة المعادن الثمينة، النفط وغيره، وتبشر بأنساق تنموية جديدة وأسواق وصناعات مشتركة، ربما لا تخضع للتوجيه الغربي كما هو حاصل في اتفاقية منظمة التجارة العالمية.

تقول هيلين دانكوس الباحثة الفرنسية المعروفة، عندما كانت تحلل الأزمة الأفغانية، بأن الإستراتيجيات الأمريكية والأوروبية، ينبغي أن يعاد تصميمها من جديد لمواجهة ظاهرة "الصحوة الإسلامية"، التي ظهرت كقوة على الأرض، ومن الممكن أن تؤثر على ما تسميه "دانكوس" بالمجال النفطي الإسلامي، ويشمل هذا المجال حسب تعريفها، إقليم الخليج والجزيرة العربية. يوجد قلق غربي فعلي من ظهور الإسلاميين في هذا المجال النفطي الإسلامي، الذي يشكل إقليم الخليج والجزيرة العربية "قلبه"، حيث مكة وبيت الله الحرام، كمصدر روحي لاستقطاب هذا العالم الإسلامي مترامي الأطراف.

كما أن وصول الإسلاميين للسلطة في إيران والسودان وأفغانستان والبوسنة، وأدائهم القتالي اللافت في الشيشان، ومواجهتهم مع جيش روسيا الاتحادية لفترة طالت دليل على "موجة إستراتيجية"، من المحتمل أن تؤثر على موازين القوى، وبالتالي قد تمتد لمناطق أخرى كثيرة، وتربك تدفق النفط من "المجال النفطي الإسلامي" نحو الأسواق الغربية، وهو أمر لا يمكن أن تقبله الأوساط الإستراتيجية في الغرب وعواصمه.

لا ننكر أن تجارب الإسلاميين في إيران والسودان وأفغانستان والبوسنة والشيشان وربما غيرها من المناطق، يشوبها الكثير من الثغرات، ولكن من جهة أخرى، لا أحد في المقابل يستطيع أن ينكر بأنهم بدأوا يلتقطون الشروط الفنية والموضوعية للفعل في عالم "البوليتيكا"، ومن يحلل هذه التجارب يدرك قدرة الإسلاميين على المواءمة بين ثوابت الايدولوجيا ومتغيرات الاستراتيجيا، هذه المقدرة على التأقلم وامتصاص الأزمات لدى هذه التجارب الإسلامية تسبب قلقا غربيا متزايدا على ما أسمته هيلين دانكوس "المجال النفطي الإسلامي".

تقول دانكوس إنه يتعين على الغرب أن ينتبه "للخطر" الذي تمثله ظاهرة "الإسلام السياسي" في منطقة المجال النفطي الإسلامي، وفي هذا المجال تعتقد دانكوس وهي مجرد ممثلة لمدرسة فكرية غربية كبيرة، إنه لابد من تطويق ظاهرة "الإسلام السياسي" وإبعادها عن "مركز القرار"، أما في شريط النفط الممتد ما بين الكويت ومسقط، فتعتقد دانكوس أن وجود ظاهرة "الإسلام السياسي" هو خطيئة لا تغتفر، ولابد أن تتضافر الجهود الغربية، حسب رأيها، مع جميع الدول المستهلكة للنفط للتخلص من هذا الخطر.

هكذا نلاحظ أن شريحة كبيرة من العقول الإستراتيجية الغربية، وهي شريحة آخذة في النمو والتراكم، بدأت منذ زمن تقلق بوضوح من ظاهرة "الإسلام السياسي".

في محور مواز، سنلاحظ أيضا أن هناك نشاطا غربيا بارزا لإبعاد الإسلام تماما من التمكن في منطقة القلب من النظام الدولي، وخاصة في أوروبا، فالتدخل الغربي في البوسنة والهرسك وكوسوفا واتفاقية دايتون جاءت جميعها في توقيتها ومضمونها، مستهدفة إبعاد الإسلاميين هناك عن "مركز القرار" في البلقان.

أما في الشيشان فالمؤامرة الغربية على المسلمين كانت أوضح وأشنع، إذ تغاضي الغرب عن المذابح الرهيبة التي تعرض ومازال يتعرض لها المسلمون هناك على أيدي الروس دون أن نسمع همسة في إعلام الغرب عن حقوق أهل الشيشان، وكانت كل تدخلات الغرب في الموضوع مجرد حركات تمويه سياسي مفضوح.

هكذا إذن ترسخت القناعة بأن الغرب لا يتسامح إزاء تمكن الإسلام في منطقة "القلب" من النظام الدولي مهما كانت المبررات. نلاحظ أيضا في هذا المجال حساسية المجتمع الفرنسي من بضع طالبات مسلمات في المدارس الفرنسية عندما أصررن على ارتداء الحجاب، وكيف أن هذا الموضوع وصلت مناقشته إلى البرلمان والمحاكم، وكان موضوعا لتصريحات عديدة في وزارة الخارجية الفرنسية نفسها، وموضوعا لندوات عقدت في الجامعات الفرنسية، ألا يدل ذلك أيضا على أن ثمة حساسية من الإسلام؟

سنلاحظ أيضا أنه أثيرت ضجة في الدنمرك، وتحديدا، في مجالسها البلدية خلاصتها: لماذا يشتري المسلمون هناك منازل كثيرة؟ من يسمح لهم بذلك؟ وتتساءل الصحافة الدنمركية: لماذا لا توضع قيود على ذلك، خوفا من المؤثرات الثقافية للمسلمين على المجتمع الدنمركي؟ ألا يعكس أيضا حساسية مفرطة من الإسلام، وعدم استعداد للتعايش معه؟

إذن ما فائدة الحوار الذي يتشدقون به ويدعون له؟ وكيف يزعم الأوروبيون بأن مجتمعاتهم "علمانية"، ولا تمييز في قوانينها وفلسفتها الاجتماعية بين الأديان والأجناس والعناصر والأعراق؟ ولماذا يبيعون علينا بضاعة "علمانيتهم"؟
لا شك بأن الأقليات الإسلامية في ديار الغرب تعيش أزمة وغربة وتعاني من التضييق بأقدار متفاوتة وأشكال مختلفة، ومن يدرس هذه الحالة يدرك أن هذا الموضوع سيشهد انفجارات في المستقبل، ما لم يدرك الأوروبيون أبعاد هذه المشكلة، ليس في برلمانهم في ستراسبورغ فقط، بل في صحافتهم العنصرية حتى العظم.

*عضو مؤسس في الحملة العالمية لمقاومة العدوان وعضو الإدارة التنفيذية فيها