تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مستشار أحمدي نجاد لشئون أهل السنة



سعد بن معاذ
04-15-2006, 01:26 PM
مستشار أحمدي نجاد لشئون أهل السنة
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن


استحدث الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد منصب مستشار يختص بشئون أهل السنة في إيران، حيث ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية يوم الثلاثاء 3-1-2006م أن أحمدي نجاد أصدر مرسومًا رئاسيًّا يقضي بتعيين عالم الدين السني مولوي محمد إسحق مدني مستشارًا له لشئون المسلمين من أهل السنة في إيران، يجدر بالذكر أن أتباع المذهب السني، على مستوى التقسيم العرقي، هم من الأكراد والتركمان والعرب والبلوش، ومعلوم أن أهل السنة في إيران –الذين تبلغ نسبتهم نحو 20 % من سكان إيران- كانوا قد أعطوا أصواتهم في الجولة الأولى لانتخابات الرئاسة الإيرانية لمهدي كروبي رئيس البرلمان السابق، من أجل تحقيق عدد من المطالب، منها: الحصول على حقوق متساوية مع باقي المواطنين الإيرانيين، وإقامة مسجد لهم في طهران وغيرها من الحريات، ثم عادوا وأعطوا أصواتهم في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التي جرت في 24-6-2005م إلى الرئيس الإيراني السابق المخضرم علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي حل في المرتبة الثانية بعد إعلان فوز أحمدي نجاد.

ولا شك أن هذه الخطوة من جانب الرئيس الإيراني، بمثابة رسالة طمأنة لأهل السنة في إيران، الذين باتوا يتوقعون إهمالاً أكبر من الحكومة الإيرانية الجديدة التي لم يصوتوا لصالحها، فإذا كان الدستور الإيراني قد أكد احترامه للمذاهب الإسلامية المختلفة، والتي تضم المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي، وأعطى لأتباع هذه المذاهب مجموعة من الحقوق، مثل: حرية أداء مراسمهم المذهبية حسب فقههم، والاعتراف الرسمي بهذه المذاهب في مسائل التعليم والتربية الدينية والأحوال الشخصية (الزواج، والطلاق، والإرث، والوصية) وما يتعلق بها من دعاوي في المحاكم، وكل منطقة يتمتع أتباع أحد هذه المذاهب بالأغلبية، فإن الأحكام المحلية لتلك المنطقة –في حدود صلاحيات مجالس الشورى المحلية- تكون وفق ذلك المذهب ( المادة 12 من دستور الجمهورية الإسلامية)، فقد تباين الواقع في إيران عما نص عليه الدستور خلال العهود التي سبقت عهد رئاسة أحمدي نجاد، وعلى ضوء هذا الواقع يمكن الوقوف على عدة شواهد تدل على أن تعسفًا كانت تمارسه الحكومة الإيرانية في مجال الحرية الدينية:

ومن بين هذه الشواهد أن وجود أهل السنة في الحياة السياسية لا يتناسب وحضورهم في مؤسات الدولة، فلا يوجد محافظ واحد سني المذهب في المحافظات ذات الأغلبية السنية مثل محافظة كردستان. كما أنه لا يمكن لأي من أهل السنة ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية؛ لأن الدستور نص صراحة على أن يكون الرئيس من أتباع المذهب الشيعي الاثنى عشري دون غيره. كذلك لا يوجد مسجد لأهل السنة في العاصمة طهران، رغم المطالب المتكررة لسكان العاصمة من أتباع المذاهب السنية، بدعوى تخوف بعض الأوساط الحكومية من إثارة حساسية مذهبية، كما لا يقتصر الأمر عند منع الدولة بناء المساجد لأهل السنة في طهران –التي يوجد بها أكثر من نصف مليون سني- أو في المدن الكبرى مثل أصفهان ويزد وغيرها، بل إنه قد تخطى إلى تبنيها مجموعة من الإجراءات التعسفية ضد أهل السنة، مثل هدم عدد كبير من مساجد أهل السنة، حتى في المناطق ذات الأغلبية السنية، مثل: سلماس، شاهين دز، وكنار وشابهار في بلوشستان، وهشت بر في جيلان، فضلاً عن هدم مسجد الشيخ "فيض" بشارع خسروي في مدينة مشهد بمحافظة خراسان وتحويله إلى حديقة عامة وساحة خضراء، وإغلاق عدد آخر من مساجد أهل السنة أيضًا في كل من مدن: شيراز وأورميه وسنندج وسقر ومياندواب وغيرها. كما عمد النظام إلى تأسيس مراكز إسلامية شيعية كبيرة وسط المناطق المأهولة بأهل السنة، وعهد بمسئوليتها لفقهاء غير ملمين بظروف هذه المناطق، مما كان يعني حتمية استياء أهل السنة، خاصة أنهم ممنوعون من حرية الدعوة لمذهبهم بالمثل.

ومن ثم أدت حالة التنافر الاجتماعي بدلاً من الوفاق الوطني في هذه المناطق، ولعل الصدامات التي وقعت في كرمانشاه وباوه وجوانردو عام 1997م، أصدق دليل على ذلك. ويعاني أهل السنة من كبت سياسي وقمع وتعدد حالات الاعتقال على خلفيات سياسية ، ودون أسانيد وحجج قوية، خاصة لعلمائهم بتهمة بث الفرقة بين المسلمين، منها اعتقال الشيخ مفتي زاده أحد أشهر علماء السنة بتهمة اعتناق الأفكار الوهابية، كما ظلت الحكومة مصرة على عدم الاعتراف بالمدارس الدينية السنية التي أقيمت قبل الثورة، وبالتالي يؤخذ الطلبة بالمدارس السنية إلى التجنيد الإجباري، رغم أن نظراءهم من الطلاب بالمدارس الشيعية معفون منها.

لقد حاول النظام استحداث مناسبات تقرب بين الشيعة والسنة، مثل قيام الزعيم آية الله خامنئي باستحداث أسبوع الوحدة بين السنة والشيعة في الفترة من 12 إلى 17 ربيع الأول من كل عام، كنوع من التقريب بين اتخاذ أهل السنة يوم 12 ربيع الأول احتفالاً بمناسبة مولد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، واتخاذ الشيعة يوم 17 ربيع الأول لهذه المناسبة، فأصبح أسبوع الوحدة يضم التاريخين.

لذلك جاء قرار الرئيس أحمدي نجاد باختيار مستشار من علماء أهل السنة لشئونهم خطوة في هذا السبيل، برسالة واضحة لأهل السنة تؤكد حرص أحمدي نجاد على متابعة خطه السياسي نحو العدالة الاجتماعية من منطلق المواطنة دون تفريق بين العرقيات والأقليات، وبداية لتحول حقيقي وجاد نحو منح السنة حقوقهم الكاملة كمواطنين دون تفرقة. ولعل هذه الخطوة تشير إلى رسالة موجهة إلى معارضيه من الإصلاحيين والمحافظين على السواء، وبها يسعى أحمدي نجاد إلى توجيه ضربة ساحقة لمعارضيه من الإصلاحيين والمحافظين الذين لم يرتفعوا إلى مستوى تحقيق هذا النوع من العدالة.

فضلاً عن رسالة أخرى إلى دول الجوار العربية والإسلامية، حيث إن منصب مستشار الرئيس لأهل السنة في إيران يحمل رسائل طمأنة لدول الجوار العربية والإسلامية، خاصة ذات الأغلبية السنية حول توجهات أحمدي نجاد بشأن أهل السنة. ويتابع أحمدي نجاد أسلوب السياسة الخارجية لإيران التي تلعب دائمًا بالورقة الرابحة، حيث يخلق من خلال الحصول على رضا أهل السنة فرصة للنظام لكي يستخدمهم في دعم العلاقات مع الدول ذات الأغلبية السنية من أجل تحقيق هدف إقامة شرق أوسط إسلامي في مواجهة مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي ترعاه الولايات المتحدة.

إن طهران تضمن بالفعل علاقاتها، بل قيادتها للدول ذات الأغلبية الشيعية، وترغب حاليًا أن تكتسب ثقة الدول ذات الأغلبية السنية.

فإذا كانت دول الشرق الأوسط الإسلامية بينها وبين إيران تعامل ينحصر في المجال الاقتصادي، فإنها تخفي مشاعر القلق فيما بينها حول التوجه المذهبي والثقافي لإيران، مما يعطل تضامنها في مواجهة الإملاءات الخارجية.

ويدرك الرئيس أحمدي نجاد أن قوة إيران تزيد مع وجودها ضمن تكتل إسلامي؛ لذلك فسيكمل ما بدأه الرئيس السابق محمد خاتمي في تحسين علاقاته مع دول الخليج والدول العربية والإسلامية، لاستقطابهم لمشروع الشرق الأوسط الإسلامي في مواجهة مشروع "الشرق الأوسط الكبير" الذي تتبناه الولايات المتحدة، والذي يقضي بإدخال إصلاحات بعدة دول عربية وإسلامية لاقت انتقادات عدة؛ لأنها مفروضة من الخارج، ولا تتناسب مع القيم الحضارية والثقافية لهذه الشعوب، لذلك فإن أحمدي نجاد يتودد لأهل السنة؛ ليكون من بينهم سفراء له إلى الدول العربية والإسلامية السنية لتحقيق هدفه في شرق أوسط إسلامي.