تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : دراما جهادية



شيركوه
03-23-2006, 09:04 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

لم يكن طالب الجامعة " جعفر عتبة " إلا الإبن الأوسط في عائلة الأستاذ عمر عتبة التي تقطن في إحدى الأحياء الشعبية في عمان الشرقية , ولم يكن بطل قصتنا هذه إلا شخصا عاديا بمقاييس مجتمعنا المعاصر , مع كامل التحفظ على ما اعتاد عليه مجتمعنا و صنف الناس على ضوئه (عاديين) .


لم يكن جعفر متدينا بالمعنى الدارج للكلمة , بالرغم أن والده كان يعد " محافظا" ,على الرغم من ذلك... كان جعفر يحافظ على صلاته في بيته قدر ما يستطيع - كما يقول - , ولا يجد غضاضة من سماع الأغاني و متابعة " الموضة " التي طالما أثارت إنتقادات الأستاذ عمر والد جعفر .
كان هناك أمر واحد يجعل جعفر يخرج قليلا عن" عاديته" , فلقد كانت أخبار الجهاد تثير إهتمامه بشكل خاص , و لقد أجهش مرة بالبكاء عندما شاهد فلما عن الجهاد في البوسنة والهرسك , و أصابه الغم لحال أمة الإسلام البائس , و شعر لسويعات برغبة بالجهاد في سبيل الله , لكن هذه الحالة لم تستمر سوى سويعات قليلة تبخرت بعدها في فضاء اللهو الفسيح ..



11 أيلول , وما أدراك ما 11 أيلول , فلقد كانت محطة مهمة في حياة جعفر " العادي " حسب مقاييس مجتمع ابتعد عن الإسلام و تعاليمه , و لنترك جعفر يقص لنا الحكاية بلسانه :



استيقظت صباحا , و رأيت حركة غير عادية في المنزل , والدتي تجلس أمام التلفاز , و والدي يلبس نظارته التي لا يلبسها إلا في حالات الطوارئ, أخي محمد و غالب يجلسان بترقب يتابعان الأحداث عبر الشاشة الصغيرة , لم أفهم ما حدث ...
جعفر : ما الذي يجري ؟
أبو محمد : الله يستر يا ولدي , أمريكا تحترق ..
أم محمد : الله أكبر , الله أكبر , تعال يما يا محمد و شوف المجاهدين شو عملوا , ضربوا أمريكا في دراها ..الله ينرصهم الله ينصرهم ...
غالب : الله أكبر , الله أكبر , الله يلعن اليهود و الأمريكان , خليهم يذوقوا..


محمد : أكيد وراها اليهود لكي تقوم أمريكا بضربنا ..

لم يهتم جعفر كثيرا ببقية الحوار , فلقد كان إنعكاس الحدث على نفسيته إنعكاسا فريدا , نشط في دماغه خلايا كامنة , و هز في أعماقه عاطفة" حب الجهاد" , التي كانت و حتى تلك اللحظة , مجرد عاطفة خام , بلا معالم أو هوية , أو خارطة طريق تخرجها

من أسرها.

كانت القنوات الفضائية تعرض صور التفجيرات مرات و مرات , و جعفر لا يمل منها ولا يشبع , لقد كان يشاهد التفجيرات و دموعه حبيسة في زنزانة عينيه , تماما كما هي عاطفة " حب الجهاد" الخجولة , التي كانت تجلس في خدرها في عالم ما وراء الشعور....



لقد كانت ردة فعل جعفر مختلفة عن بقية أفراد الأسرة , بالرغم أنها لم تعكس مظاهر الفرحة العفوية التي أظهرها البقية , فأثرها كان عميقا جدا في نفسية جعفر الذي أصبح بعد 11 أيلول (( عادي)) مع وقف التنفيذ .


لقد كان أثر 11 أيلول يشبه زلزالا قويا ضرب عمق المحيط , فسبب شقوقا و صدوعا غير ظاهرة للعيان ,
لقد تغير إتجاه عقارب الساعة , و تغيرت معالم القرن الجديد بسبب ما فعلته تلك الطائرات المدنية , التي أنجزت مالم تنجزه أعتى الطائرات العسكرية في عشرات السنين ,
من وراء هذا الحدث الجلل ؟من تجرأ و حطم الصنمين في منهاتن ؟
كيف أعلن عن بداية الحرب العالمية الرابعة ؟
كيف غير التاريخ بسكاكين بلاستيكية و 19 عشر رجل ؟
من اي مدرسة عسكرية تخرج ؟ ما هي رتبته ؟ أين هو جيشه ؟


لم تكن تلك أسئلة تجول في خاطر جعفر وحده , بل كان يشاطره ذلك كل سكان هذا الكوكب,

أمريكا بدأت بالصراخ:


(( قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين * قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم ))


لقد كان أسامة بن لادن رضي الله عنه هو ذلك الفتى ,

لم يكترث جعفر بكل ما قاله الآخرون , لم يلتفت إلى الإشاعات المحلية و المستوردة التي سوقها الأعداء الأذكياء , و الأصدقاء الحمقى ..

للحظة , تمنى جعفر لو كان في إحدى تلك الطائرات , لينال شهادة في سبيل الله عز وجل , تضمن له السعادة الخالدة , و لأمة الإسلام الحياة الكريمة ,

شيركوه
03-23-2006, 09:08 PM
تسارعت الأحداث... أمريكا تهاجم افغانستان , تؤزها شياطين الردة الجامحة من المسلمين (سابقا) , ويزول نظام طالبان- اعاده الله - , و تبدأ حملة أمريكا الجديدة على العراق , لقد كانت الأحداث أسرع من أن يلحق بها جعفر ,
لقد تغيرت كميائية تفكير جعفر تغيرا مهما , لكنها بقية عاجزة عن تحقيق الإنفجار المرتقب...
أعلن صدام حسين , الرئيس العراقي وقتها , عن استقبال وفود من المتطوعين العرب الراغبين بالدفاع عن العراق ,
ارتبك جعفر كثيرا و بدا عاجزا عن تقرير ما يجب فعله , فهو يحب الجهاد في سبيل الله , لكن ليس تحت راية صدام البعثية , مهما تمسحت بالإسلام , فهو يريد جهادا صافيا في سبيل الله , لينال أجره غير منقوص ..


هل أذهب ؟ هل أبقى ؟

هل أذهب و أنتظر سقوط نظام صدام لأجاهد الغزو الصليبي لأرض العراق الرشيد تحت راية المجاهدين ؟
لقد كانت هذه أسئلة تجول في منطقة " الباطن الشعوري " لدى جعفر , دون أن تحدث تغيرا على سلوك جعفر أوتأثيرا على مسار حياته الجامعية ,
لقد تقدم" حب الجهاد" لدى جعفر خطوة , و خرج من سجن "اللاشعور" , ليصبح في منطقة أقرب إلى الواقع ... منطقة "الشعور الباطني ", دون أن تكون تلك العاطفة قادرة على تجاوزه ..
لقد بدأ الجهاد يشغل باله , ولم يعد ينتظر مؤثرات خارجية أو يحتاج لطاقة تنشيط حتى يشغل حيزا من تفكير جعفر ...
إلى من يذهب ؟ من يسأل ؟ فليس السؤال عن الجهاد أيامنا يشابه السؤال عن أحكام الطهارة و الحيض و النفاس , ليس السؤال عن حكم نصرة المسلمين المستضعفين كالسؤال عن أحكام الزواج و الطلاق و الغناء ...
فقرر جعفر إستشارة الشيخ الفاضل " أبي محمود" إمام المسجد المجاور , الذي يكثر من الدعاء للمجاهدين في خطبه , دون أن يحدد من هم و في أي أرض هم , دعاء عام , يريح الداعي و المؤمن ...و طواغيت البلاد و مخبريهم .


لم يكن جعفر من المواظبين على صلاة الجماعة , و كانت معرفته بالإمام لا تتجاوز لقاءهم وقت صلاة الجمعة , و بعض المرات التي يصاحب فيها جعفر والده إلى المسجد ,

ذهب جعفر إلى صلاة العصر و انتظر الإمام بعد الصلاة , رحب به الشيخ أبو محمود و هش في وجهه وبش , مما شجع جعفر لطرح السؤال الذي لا يتناسب مع مظهره الخارجي "الموافق للموضة"...


قال جعفر : شيخنا هناك سؤال و أريد له جوابا ...
الشيخ أبو محمود : تفضل يا جعفر , ما المشكلة ؟ ماذا تريد أن تسأل ؟
جعفر: هناك مسألة محيرة و أريد مساعدتك..
الشيخ : هل هو زواج أم خطوبة ؟ أم أن الله ابتلاك بالحب ؟

(وهنا أطلق الشيخ أبو محمود ضحكة عالية تجاوب معها جعفر بابتسامة صفراء قلقة )
قال جعفر : يا شيخ أريد أن أسأل عن حكم الذهاب للعراق للجهاد فيها ..
تغير وجه الشيخ أبي محمود و صبغ بصبغة جدية و قال :
عفوا يا ولدي , ومن وضع هذه الفكرة في عقلك ؟
جعفر : وهل فكرة الدفاع عن أمة الإسلام تحتاج لمن يضعها في عقلي ؟
الشيخ : لا طبعا يا ولدي , ولكن صدام حسين بعثي , و رايته راية جاهلية , و لا يجوز القتال تحتها ,
جعفر : يا شيخ , سيدخل الامريكان إلى بغداد , و عندها نقاتل ,
الشيخ أبو محمود : يا ولدي , ومن يضمن لك وجود راية مسلمة تقاتل تحتها بعد سقوط صدام ؟ الذهاب إلى العراق الآن يعد مخاطرة و مقامرة , و لقد حث الشيخ سلمان العودة و سفر الحوالي -وهم من علماء الجزيرة الصادعين بالحق - الشباب إلى عدم الذهاب إلى العراق الآن , لعدم توفر الراية ..
جعفر : إن لم نذهب , من سيرفع الراية الموحدة يا شيخ ؟
الشيخ أبو محمود : يا ولدي في أهل العراق الخير و البركة , ركز على تعليمك الآن , وعسى الله أن يقدر لنا الخير ..
جعفر : جزاك الله خيرا ..
لم يقتنع جعفر بما قاله الشيخ , ولكنه قبله , ربما لأن "حب الجهاد" في نفسه لم يكن كافيا لدفعه نحو الامام ,أو لأنه لا يدري تماما ما كان سيفعله لو قال له الشيخ : إذهب ...
سقط نظام البعث في غضون 3 أسابيع , و تزايد عدد المجاهدين الذين يقاتلون العدو الصليبي ,
لكن جعفر نسي هذا الأمر , و عادت حياته إلى " عاديتها " , و تراجع " حب الجهاد " خطوة إلى الوراء , ولكنه بقي متمسكا بمنطقة الباطن الشعوري..
لقد كانت أفلام المجاهدين التي تعرضها قناة الجزيرة بين الحينة و الأخرى تذكر جعفر بما يجري هناك , و كان يبدي لها إهتماما متزايدا , حتى ذهب مرة يبحث عنها في الشبكة العنكبونية , بعد أن أصابته حالة تشبه " الإدمان النفسي " عليها ..
دخل جعفر الإنترنت , و كتب كلمة " أفلام جهادية " في صندوق البحث لقوقل , لتخرج أمامه عشرات الأفلام الجهادية من أرض الرافدين ,






لقد كان جعفر يجد فيها إشباعا لحب غير واقعي أو تقليدي بالنسبة لمجتمع " العاديين " ,
وفي إحدى المرات , قاده محرك قوقل لموقع منتدى الأنصار , ولم يتمكن من تحميل الفلم الذي أراده لأن المنتدى يشترط الإشتراك أولا ...
سارع جعفر للمشاركة , ولكنه تحير كثيرا في إختيار المعرف , فهو غير معتاد على الإشتراك في المنتديات الجهادية , و كل معرفاته التي يستخدمها تليق بالمنتديات " العادية" التي يشارك فيها ولا تليق بعضو في منتدى الانصار الذي كان يسمع باسمه من قناة

الجزيرة كمصدر لبعض أفلام المجاهدين , قرر جعفر أن يختار اسم " خذوني للجهاد " ليكون معرفه في منتدى الأنصار ,
لم يدر جعفر أن الفلم الذي اراد أن يحمله هذه المرة هو فلم " أسد الثغور" لجماعة التوحيد و الجهاد , وأن مدة الفلم هي 50 دقيقة , فقرر مشاهدة الفلم في اليوم التالي... و غادر إلى فراشه ,
في اليوم التالي وبعد أن عاد من جامعته , حيث يدرس علم الهندسة الميكانكية في السنة الثالثة , تناول غداءه و تمدد ليشاهد فلم أبي أنس الشامي " أسد الثغور" عبر شاشة الحاسوب ,
لكنه سرعان ما استوى و اعتدل في جلسته بعد أن سمع صوت الشيخ أسامة بن لادن رضي الله عنه , يردد قوله صلى الله عليه وسلم :
قيام ساعة في الصف خير من عبادة ستين سنة ,

, لم يكن الفلم عاديا أبدا ,بالنسبة لشخص عادي..
مجاهدين عظام .. عمر حديد , أبو عزام ,و أبو أنس الشامي , يتحدثون عن يوميات الجهاد في سبيل الله ,
تأثر جعفر حين رأى ابن مدينته , الشيخ أبا أنس الشامي و هو يروي حديث عمير بن الحمام الأنصاري حين قال: يا رسول الله! جنة عرضها السموات والأرض؟ قال: نعم، قال: بخ بخ. فقال رسول الله : ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ؟ قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها. قال: فإنك من أهلها.. فأخرج تمرات من قرنه، فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه. إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر، ثم قاتلهم حتى قُتل..
يكاد يكون هذا الحديث الوحيد الذي روي عن عمير بن الحمام رضي الله عنه , لكنه كان كافيا ليدفع أبا أنس الشامي ليغزو حصن أبي غريب , حيث هتك عرض المسلمات , و ذاق المستضعفين ألوان العذاب ,
تزلزل جعفر بما رأى ,
و كأن عهد الصحابة الأوائل قد عاد على يد فتية التوحيد و الجهاد , فهناك يرمي عمير بن الحمام التمرات و هنا يرميها أبو أنس الشامي رحمه الله , فمضى أبو أنس إلى حيث مضى عميربن الحمام الانصاري ,
لقد كانت دموع جعفر تنهمل دون تكلف أو توقف ,
" نعم..
نعم...
هذه هي ضالتي ...
هذا ما ابحث عنه ,
هذه هي جنة الجهاد التي أدخلها في الأرض قبل أن أنال جزاءها في السماء "

مازالت دموع جعفر تخدد خديه , و قلبه يشهد هزات إرتدادية , حين كان يشاهد الفلم للمرة الثانية دون ملل أو كلل ...


لقد كان صوت أبي مصعب الزرقاوي وهو يقول "ما بالكم يا أمة الإسلام يبلغ أحدكم الثلاثين من عمره .. أو الأربعين أو الخمسين , لا يكلف نفسه رباط ليلة في سبيل الله " يستفز قلبه قبل عيناه , و يثير أوجاعا و اشجانا و أهدابا ..
ذهب جعفر و اغتسل و استغفر ربه , و صلى لله ركعتي توبة عن معاصيه , و عاهد الله على الجهاد في سبيل الله ,
لقد كانت ألذ ركعتين صلاها جعفر في حياته ... وكانت سجدته أطول سجدة سجدها , لقد كان يومه يوم ميلاد جديد , و إشراقة صبح عيد ...
أكمل جعفر صلوات اليوم في المسجد خلف الشيخ " أبي محمود" , و قبل وقت الفجر , استيقظ ليصلي قيام الليل , ثم توسط السطر الأول في المسجد , و صلى صلاة الفجر كصلاة مودع , و عاد إلى منزله يقرأ القرآن , و في الصباح الباكر ,خرج من منزله ليستقل حافلة توصله إلى جامعته ,
لقد كان جسده في الأرض , و روحه في السماء ... و كانت نظارته الشمسية تخفي خلفها عينين باكيتين حالمتين بالجهاد في سبيل الله ,
لقد أثار تدافع الطلاب على أبواب الحافلة ابتسامة ساخرة من جعفر , الذي أصبح "غير عادي" في مجتمع العاديين , حيث يكون حب الدنيا و عبادتها و التقاتل من اجلها هو" العادية ", و حب الجهاد في سبيل الله و القتال لإعلاء كلمته هو "الشذوذ" عن تلك العادية ,
لقد شعر جعفر و كأنه ضيفا على هذه الدنيا لا ينوي أن يجاوز الثلاثة , أو مسافرا حط في إستراحة ,

كان ينظر إلى الناس في الحافلة , نظرة شفقة لحالهم و رأفة , فهم يتدافعون من أجل الوصول إلى الجامعة في الموعد , و لم يتدافع أحد منهم للوصول إلى الفردوس الأعلى !!

"مساكين يا أيها الجارين وراء السراب , مساكين يا أيها المتدافعين على أبواب الحافلات و الوظائف , مساكين يا أيها المصطفين أمام عتبات السلاطين "المقدسة" ,
مساكين يا أيها العاديين ,

مساكين يا أيها الغافلين ,
مساكين يا زاهدين برضى الله وجناته ,
أتضحكون ؟ و والله وكأني أرى فوق رأس كل منكم تاريخ ولادته و وفاته , فعلمتم الأول , و جهلتم الثاني , فاحتفلتم بما علمتم و غفلتم عما جهلتم , ولو علمتم ما جهلتم , ما ضحكتم ..
أتفرحون؟ , و والله وأكني أرى الجنة و النار أمامي , وأرى معظم أهل الأرض يلقون في النار و القليل منهم يدخلون الجنة , فعجبي لمن يفرح لغير الجنة , و يحزن لغير النار ..
لا أفهمكم ولا تفهمونني , و لا ضير , فلست أخاف في حبي ملامة ...
لست أساوم على معشوقتي " الجهاد" ..
هذا فراق بيني و بينكم ,
يا عاديين ..."

كان هذا هو ما يجول في خاطر جعفر و ينعكس على شكل همسات و تمتمات خفية تداعب شفتيه و هو ينظر في الحافلة يمينا و شمالا , مخفيا نظراته خلف عدسات نظارته المعتمة,
لكنه كان عاجزا عن مسح دموعه التي تتسلل بين الحينة و الأخرى ...شوقا لمعشوقته ,
نعم , فلقد تيقن جعفر أن " حب الجهاد" قد أمسى "عشقا" يشغل عقله و يسكن قلبه .
حرص جعفر عل صلاة العصر في مسجد الجامعة , الذي لم يدخله من قبل , فلقد كان يتكاسل عن صلاة الجماعة ,
اصطف في السطر الأول , و بقي معتكفا حتى إقامة الصلاة , و في الخروج , رأى زميله " محمد خير " يقضي ما فاته من الصلاة , ففرح فرحا شديدا , و تأمل أن يجد من يفهم رغبته , و الأهم من ذلك ,من يدله على طريق إلى أرض الخلود.
لقد كان "محمد خير" شابا دمثا ملتحيا , من الحركة "الإسلامية" , و له نشاطات عديدة في مجلس طلبة الجامعة ,و يشارك في المهرجانات و الفعاليات " الإسلامية " وكان دوما ينصح جعفر بالإلتزام بالصلاة في المسجد , فيرد عليه جعفر ويقول : خيرا إن شاء الله , جزاك الله خيرا .

شيركوه
03-23-2006, 09:10 PM
عندما أنهى "محمد خير" صلاته , و هم بالخروج من المسجد رأى صديقه جعفر ينتظره في آخر المسجد ,
تقابلت عيناهما من غير ميعاد , و تعانقت نظراتهما على استحياء , و تبادلا إبتسامات الإخاء ,
سلما على بعضهما و تعانقا عناقا حارا ,
قال محمد : الحمد لله الذي قر عيني برؤيتك في بيت الله ,
جعفر: الحمدلله على الهداية , نسأل الله القبول و الثبات...
محمد : آمين ..جميعا
جعفر : أخي الحبيب , هل لي من وقتك الثمين صدقة ؟
محمد : عيب يا أخي , كل وقتي هو لك .
جعفر : يا أخي الحبيب , هذه المقتلة التي يتعرض لها أهلنا في فلسطين و العراق و أفغانستان , إغتصاب الحرائر في أبي غريب , كل هذا و نحن في سبات عميق لا حياة و لا حراك ..
محمد : الله المستعان, صدقت ..
جعفر ( وقد تشجع كثيرا بعد سماع جواب محمد) : والله الذي رفع السماء بلاعمد أننا آثمون لجلوسنا , والله فالق الحب و النوى أننا آثمون لتخاذلنا , كيف نزهد بالجنة , كيف نزهد بالفردوس الأعلى , كيف نزهد بمغفرة الله عز ووجل , كيف تطيب حياتنا و كلاب الصليب ينهشون لحوم الموحدين ؟
لقد كان صوت جعفر يرتفع تدريجيا , و وجهه يحمر , و عيناه تصارعان الدموع , بينما بدأت إبتسامة "محمد خير" بالبرود لتترك مكانها لنظرات توجس و جمود , لقد تغير مناخ " محمد خير " و جعفر لا يلاحظ ذلك في خضم " إنفعاله "
تابع جعفر كلامه : اليس هو عقد بين العبد و ربه , أجاهد في سبيل الله فأقتل و انال رضوان ربي و جنته ؟ أليست المسألة بهذه البساطة ,اليست هي إحدى الحسنيين ؟ ابشرك يا أخي الحبيب محمد أنني عزمت على الذهاب إلى العراق للجهاد في سبيل الله عز وجل و أفوز بوعده لعباده و أتمنى منك إعانتي للذهاب أو إرشادي إلى ...
هنا قاطعه " محمد خير " وقال له كلمة واحدة , كانت كفيلة لصفع جعفر و إيقاظه من نوبة إنفعاله ,
محمد : و دراستك ؟
هنا استيقظ جعفر , و أفاق من نوبته ,
هنا علم أنه يتكلم إلى إنسان "عادي " من " عاديي المجتمع" ....
صدم جعفر و ذهل , و شعر للحظة بغربة , و وحشة , مرت و كأنها قرونا طويلة ,
سكت لوهلة , ثم استجمع قواه , و عاد لحوار "محمد خير "
جعفر : أخي الحبيب أنا أتكلم عن الفردوس الأعلى و أنت تسألني عن دراستي ؟
محمد : الأمة تحتاج للمهندس الملتزم كما تحتاج للمجاهد ...و هناك الكثير لتعمله , هناك النشاطات الدعوية , و إنتخابات مجلس الطلبة التي اقتربت و نحن نعد لمهرجانات طلابية دعائية و نحتاج لجهودك معنا , و صدقني ستجد سعادة كبيرة و أنتم تقدم جهدك و وقتك في سبيل الله ,
جعفر : يا اخي هل تقول هذا و قد عبث العلوج بأعراض العذارى الموحدات في أبي غريب ؟ هل تقول هذا و عباد الصليب يتضاحكون حين يفتشون الصبايا المسلمات في عراق الرشيد ؟ هل تقول هذا و البيوت تسوى على اهلها في الفلوجة و الرمادي و القائم ؟ هل تقول هذا وأنهار الدماء تخضب دجلة و الفرات ؟
محمد : يا أخي الحل هو باستئناف الحياة الإسلامية و...
هنا قاطعه جعفر بعد أن بانت له بضاعة صاحبه : فلتذهب دراستي للجحيم , فلتذهب الإنتخابات الطلابية للجحيم , فلتذهب المهرجنات للجحيم ..
محمد خير : يا اخي ما هكذا تورد الإبل , و أهل العراق يقومون بالواجب ,
جعفر : ولكنهم مازالوا يقتلون و يذبحون ,
محمد خير : أهل العراق ...
جعفر : و الجنة و فضل الجهاد يا محمد ؟ و العقد مع الله ؟
محمد : صدقني ستتغير بعد أن تلتزم أكثر و تواظب معنا ...فأنت حديث عهد بتوبة و حماسك " زائد" وخارج عن المعايير الواقعية..
جعفر : هل تعرف طريقا للعراق؟
محمد: لا, في الحقيقة لم أسأل ...
عاد جعفر إلى منزله , و قد أحس بثقل كبير فوق كتفيه, و أصبح يفكر بطريقة يجد فيها من يشاطرونه أفكاره و تجاربهم , فجعفر لا يريد أن يسقط من السماء إلى الأرض ,لا يريد أن يستيقظ من حلمه الجميل , لا يريد أن يعود إلى دنيا " العاديين" ,
" تذكرت ...نعم تذكرت" صاح جعفر..
" إنه منتدى الأنصار , فلقد سجلت فيه , و لعلي أجد من يدلني على طريق العراق "
دخل جعفر إلى منتدى الأنصار , و ذهب إلى ساحة أنصار الجهاد , و ضغط على مفتاح " موضوع جديد " و كتب هذا الموضوع :
"عاجل , أريد الذهاب للجهاد في العراق , فهل يستطيع أحدكم أن يدلني على طريق أو كيف أصل إلى دليل و جزاكم الله خيرا "
توالت الردود على " خذوني للجهاد" تترى لا ترحم ,
الرد الأول من "بطل المنتدى " : هل أنت دبوس ؟"
الرد الثاني من "عاشق الجنان " : لماذا لا تغير اسمك ليصبح " خذوني للمعتقل"..
الرد الثالث من المشرف : أخي ما هكذا تورد الإبل , هذه الأمور لا يسأل عنها هنا ,
انفعل " خذوني للجهاد" و كتب ردا سريعا :
يا أحبابي و الله لست دبوسا و إن كنت لا أعرف قصدكم بها , و لست مباحثا ولا جاسوسا , والله الذي لا إله إلا هو أني أريد الجهاد في سبيل الله ,
ضغط على مفتاح "أرسل" ليجد الجواب التالي يظهر أمامه :
عذرا , الموضوع مغلق ..
أجهش جعفر بالبكاء , و أغلق جهازه....
لقد بدأ جعفر يشعر بصعوبة الوصول إلى معشوقته" الجهاد" , و بدأ يدرك أن معشوقته ليست بأقل شئنا من غيرها , و ليست أسهل منالا ممن هن دونها ,
بدأ جعفر يبرد تدريجيا , خاصة مع إقتراب فترة الإمتحانات وهو على مشارف نهاية الفصل ,
بقي جعفر يحافظ على الصلاة في المسجد , ولكن علاقته بمحمد خير أصبحت شبه رسمية , خاصة بعد أن فقد "محمد خير" إهتمامه بجعفر , بعد أن كان كثير الإهتمام به و بنصحه , فلقد ايقن محمد خير أن جعفر يفكر بطريقة مختلفة , وأن ضمه للعمل الحركي "ليس ميسورا" ..
في إحدى الأيام .. دخل جعفر منتدى الأنصار , بعد أن قاطعه لمدة شهران , بسبب هجمة السخرية و التوبيخ التي تعرض لها بسبب موضوعه " الأول " و "الأخير"...
تفاجئ برسالة خاصة جاءته من رجل معرفه " زمن الهوان " , تاريخها يوافق تاريخ كتابته لموضوعه " اليتيم" .. أي قبل شهرين تماما ..
فرح كثيرا جعفر و قرأها بسرعة , ليجد فيها هذه الكلمات :

(( أخي الحبيب , شعرت بصدق نيتك من خلال موضوعك في منتدى ساحة انصار الجهاد , فلقد كان موضوعك الأول و مشاركتك الأولى , و المباحث دوما يكتبون عدة مشاركات ليثروا رصيدهم قبل أن يدخلوا في هكذا مواضيع , أخي اسمعها مني :
اسمك "خذوني للجهاد " , و صدقني لن يأت أحد ليأخذك , طريق الجهاد محفوفة بالصعاب و الأشواك, كيف لا و هي طريق الفردوس الأعلى ,
هل رأيت شخص يسمي نفسه : خذوني للفردوس الأعلى ؟
هل يعطيك أحد وظيفة أو سيارة أو منزلا بلا مقابل ؟ إذن كيف تنتظر من أناس أن يأخذوك إلى الجهاد ,
أخي الحبيب , الوصول إلى الجهاد يبدأ منك , في قلبك , إصدق الله يصدقك , و اعلم أن الوصول إلى أرض الجهاد هو أكبر جهاد , فأعداء الله لن يفرشوا طريقك بالورود ,
تذكر يا أخي الحبيب , اصدق الله يصدقك , اصدق الله يصدقك ...في امان الله ...))

تأثر جعفر من رسالة " زمن الهوان " , و توجه إلى منتدى ساحة أنصار الجهاد , ليجد هذا الموضوع :

منتدى الأنصار يزف إليكم بشرى إستشهاد العضو " زمن الهوان "...

صرخ جعفر بردة فعل تلقائية : الله أكبر , الله أكبر , الله أكبر , صدق الله فصدقه , صدق الله فصدقه ,و بدأت دموعه تتزاحم على خديه ,
" رحمك الله يا زمن الهوان , رحمك الله يا زمن الهوان ..."
قرأ جعفر الموضوع الذي كتبه أحد أصدقاء " زمن الهوان " في أرض الرافدين ...يخبر عن قيامه بعملية استشهادية في الرمادي ..
بعدها عاد إلى بريده ليقرأ الرسالة من جديد , قرأها مرات عديدة , لأنها كانت من شهيد صدق الله فصدقه ..
شعر جعفر بحسرة و تألم ...
" ليته انتظرني , ليته دلني أو على الأقل واساني .."
تأثر كثيرا بالأنشودة المرفقة بالموضوع , ألا و هي :
يا حواري الخلود..قد أتاكي الشهيد ..

شيركوه
03-23-2006, 09:11 PM
عاد إلى التفكير بمعشوقته ,
اصبح شارد الذهن , كثير الصمت , و كأنه يعيش حالة إنفصام عن الواقع ,
أصبح جعفر يطيل من جلوسه بعد الصلوات , و يتلذذ بخلوات المسجد ..
بعد مدة قصيرة , بدأ جعفر بملاحظة رجل ممشوق الهامة , كث اللحية , يواظب على المكتوبات في نفس المسجد , لم يكن يراه من قبل ,
فقال والله لأسألنه من يكون ...
إنتظره جعفر بعد الصلاة , ثم سلم عليه , و تعارفا
جعفر : أخي الحبيب , هل أنت ساكن جديد في المنطقة ؟
أبو المثنى (هكذا عرف نفسه ) : لا يا أخي , فقط كنت في السجن و خرجت قبل أسبوعين ,
جعفر: و ماهي جنحتك ؟
أبو المثنى : التوحيد يا أخي الحبيب و الكفر بالطاغوت ,
جعفر : بارك الله فيك , و هل كنت في زنزانة إنفرادية ؟
أبو المثنى : لا , بل كان معي العديد من الإخوة , منهم أبو محمد المقدسي ...
جعفر فرحا ( و قد كان ملما ببعض المعلومات عن الشيخ المقدسي ) : شيخ الزرقاوي ؟
أبو المثنى : (ابتسامة ) هكذا يسمونه ,
جعفر: أخي الحبيب , لقد أرسلك الله إلي , قل لي بالله عليك , هل تعرف طريقا للذهاب للعراق ؟ أريد الجهاد في سبيل الله , بالله عليك , و الله إني صادق ...
أبو المثنى : أخي جعفر , أنا لا أشك في صدقك , لكن صدقني أن الأمر ليس هينا ...أنا أيضا مهتما بالذهاب إلى العراق و سألت الإخوة عن طريق فقالوا بوجوب الإنتظار ,
جعفر : إلى متى ؟
أبو المثنى : الله أعلم , إن تيسر طريق فسأخبرك ..
جعفر : بارك الله فيك , بالله عليك لا تنساني ,
أبو المثنى : توكل على الله ,
مرت أيام و اسابيع على هذا الحوار مع الشيخ أبي المثنى , ولم يتلق جعفر أي رد منه ,
في كل مرة يسأله جعفر يقول أبو المثنى : لا أدري , انتظر جوابا ...
طال إنتظار جعفر حتى جاوز السنة , و عاد الفتور إليه من جديد , لم يعد يرى أبو المثنى , ولا يدري ما حدث له ,
تخرج جعفر من جامعته , و تزوج من ابنة عمه , وبدأت حياته اكثر إزدحاما و إنشغالا في ظل الحياة العملية , تراجع حب الجهاد قليلا , و بدا جعفر "عاديا " في حياته ...
رزق جعفر بطفلة جميلة , سماها " جهاد " تيمنا بمعشوقته الغائبة ,
بعد سنتين , نسبت الشركة التي يعمل فيها جعفر اسمه ليذهب إلى العراق مع وفد لعقد صفقة مع بعد رجال الأعمال العراقيين ,
كان وقع الخبر على جعفر كبيرا , لم يصدق أنه سيذهب أخيرا للعراق , أخبر زوجته بنيته السفر , لكن لم يخبرها بنيته الإلتحاق بصفوف المجاهدين ,
راودته نفسه كثيرا , مناه شيطانه ,
" يا جعفر لمن تترك "جهاد" الصغيرة ؟ لمن تترك أم جهاد ؟ هل أنت مدرك أنك تذهب للموت ؟ "
لكن تلك الوساوس لم تثنه ,
" لا , لن انساكي يا معشوقتي الجهاد , ولولاكي ما سميت طفلتي جهاد ..."
استعد للرحيل , و ودع زوجته و طفلته "جهاد" وداعا حارا , ثم غادر جعفر ...
لقد كان اعينه تودع مسقط رأسه , و تودع معه الدنيا , لقد شعر جعفر بفرحة كبيرة , و إن كانت ليست كما توقع ,
لقد تسببت السنون بحدوث صدئ و تآكل في رغبته ,
نعم , لقد حسم جعفر الصراع , أو لعله قرر تأجيل البت في الأمر إلى أن يذهب إلى العراق ,
وصل جعفر إلى بغداد , حيث النخيل الباسق , الذي ارتوى من دماء المجاهدين ,
قلب نظره في الطرقات و الأزقة , حيث كان يتخفى قناص بغداد ,
كانت لحظات جملية , رقيقة , جددت من رغبة جعفر بالجهاد ,
توجهوا إلى الفندق , حيث قضوا ليلتهم الأولى ,
لم يدر جعفر ما يفعل ؟
هل ينهي مهمته أولا ؟ أم يترك زملائه و ويتوجه إلى منطقة الأعظمية أو الرمادي أو القائم ؟
هل يخبر زوجته ؟
هل ينتظر الصباح ؟
وبينما كان جعفر يبحر في محيط الافكار المتضاربة , إذ تلقى هاتفا عاجلا من زوجته ,
أم جهاد : جعفر عد إلى الأردن فورا , جهاد مريضة و لقد نقلناها إلى المستشفى ...
جعفر : ماذا ؟ ماذا حل بها ؟ قولي هيا ...
أم جهاد : لقد ارتفعت حرارتها و تشجنت , و الأطباء يقولون أنها تعاني من إلتهاب السحايا , و هي في غرفة العناية المركزة ...تعال في أسرع وقت ممكن.
لم ينتظر جعفر الصباح , بل استقل سيارة أجرة تنقله من بغداد إلى عمان , و في اليوم التالي كان جعفر في عمان , بعد أن اعتذر لمدير الشركة عن إكمال المهمة ,
ذهب فورا إلى المستشفى ليجد جهادا في العناية المركزة موصولة بجهاز التنفس الإصطناعي , تألم كثيرا , و لم يستطع فعل شيئ سوى الدعاء لها ,
بعد أسبوع من مصارعة المرض , توفيت" جهاد جعفر" , و انهار الأب الحزين ,
" يا ابنتي جهاد , لقد سميتك جهادا حتى لا أنسى حب الجهاد , فلم رحلتي ؟
لم متي يا جهاد ؟
لقد عدت من العراق من أجلك , و تركن معشوقتي الجهاد من أجلكي ,
فلم زهدتي بي ؟و تركتيني وحيدا ...
لاحول ولاقوة إلا بالله
لاحول ولا قوة إلا بالله ..."
ثم عانق جسدها الصغير , و بقي يقبله , و هو لا يدري , هل يبكيها أم يبكي معشوقته "الجهاد " التي تركها في بغداد .
مرت أكثر من 5 سنوات على الحادثة , ولمع نجم جعفر في شركته حتى أصبح نائب المدير ,
رزقه الله طفلين , سمى الأول : مثنى و الثاني : خالدا ...
بدت الحياة جميلة , مستقرة , وعناصر السعادة مكتملة , إلا أن جعفر لم ينس تماما معشوقته " الجهاد"
لكنه أصبح يخجل من ذكرها أمام الناس , لكي لا يتهمونه (باللاواقعية و التهور )..
لكنه بقي يذكرها , بل ويحبها ...
كان يشعر أن سعادته هذه ليست إلا سرابا يحسبه الظمآن ماءا ,
كان يتجرؤ كثيرا على من حوله و يتهمهم بحب الدنيا , و الإنجراف وراء لذاتها , و الإنبطاح تحت أقدام الطواغيت , وأن الحل لا يكمن إلا بالجهاد في سبيل الله ... لكن دون أن يجرؤ أن يقول لأحد :
أريد الذهاب إلى الجهاد...أو " خذوني للجهاد "..
كان جعفر يتابع الأوضاع السياسية عن كثب , و يكثر من الدعاء للمجاهدين , لكن مرور الأيام أبعده قليلا عن الإلتزام بواجباته نحو ربه , فما عاد يلتزم بالصلاة في المسجد ,
لم يكن ينتبه كثيرا لتربية أطفاله تربية جهادية ,
وكأنه دخل في مرحلة فتور ...

شيركوه
03-23-2006, 09:13 PM
بدأت الأوضاع في السودان بالإنهيار , إنقلاب فاشل على حكومة عمر البشير يؤدي إلى انهيار النظام السوداني , و نصارى السودان تكالبوا على مسلميه بدعم كبير من دول الجوار ,
بدأت صور المذابح التي يقوم بها الصليبيون تعرض في الفضائيات , و أهل السودان يصرخون :
أغيثونا
أعينونا
تأثر جعفر كثيرا بما يشاهد , و تبرع مرة بمبلغ 200 دينار لمجاهدي السودان , ودبت الحركة من جديد في معشوقة جعفر النائمة "الجهاد"
" كنت أعلم أنها لم تمت , كنت أعلم أن معشوقتي ستناديني يوما "
لكن جعفر اليوم ليس كما كان طالبا , و ليس كما كان قبل 5 سنوات ,
اليوم هو نائب لمدير شركة مهمة تعمل في مجال التبريد ,
لقد كان شيطانه أجرأ على تثبيطه هذه المرة :
" يا جعفر , أنت صاحب مال , جاهد بمالك , هل تريد أن تترك منصبك و راتبك و تذهب ؟ و من قال لك أنك ستموت شهيدا ؟ قد تعود معاقا ؟ قد تعود لتلقى في السجون ..
من سيسدد أقساط منزلك ؟ من سيرعى مثنى و خالد و أمهما ؟ "
لقد كان طنين الشيطان يؤذي جعفر , و يشوش عليه أفكاره ,
حاول جعفر أن يجمع قواه :
" لقد كنت على وشك الإلتحاق بالمجاهدين يوم مرضت جهاد , و قد عدت بسببها , فماذا استفادت من عودتي ؟
سأذهب إلى السودان للجهاد في سبيل الله
و لن التفت ورائي "
قرر جعفر سحب مبلغ كبير من رصيده , للإلتحاق بركب المجاهدين و لنجدت إخوته ,
قدم طلب إجازته السنوية إلى شركته ,
و اخبر أهله أنه ذاهب لعقد عمل مهم في إحدى البلدان العربية ,
توجه نحو مكتب سياحة وسفر ليحجز تذكرة سفر إلى السودان المستباحة,
كانت خطواته تمضي على إستحياء , و انفاسه مشحونة بالقلق , دخل إلى المكتب :
جعفر : هل يمكن لي أن أحجز تذكرة إلى السودان ؟
عامل المكتب : السودان ؟ في هذا الوقت ؟
جعفر: في الحقيقة , نعم , هل هذا ممكن ؟
عامل المكتب : أخي , لقد منعت السلطات الأردنية سفر المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين العشرين و الخامسة و الأربعين إلى السودان إلا بإذن من المخابرات العامة , وهذا نص التعميم .. فهلا احضرت لنا مثل هذه الموافقة ؟ حتى لا تحرجنا أو نحرجك ..
جعفر: لماذا هذا الإجراء ؟
عامل المكتب : لا أدري , الظروف هناك متشابكة ..
علم جعفر أن هذه توصيات أمريكية , و أن أي شاب يتوجه إلى المخابرات لأخذ تصريح سفر معرض للإعتقال ,
قرر جعفر عدم الذهاب , حتى لا "يؤسر" أو "توضع في ملفه علامات استفهام "
و عاد إلى حياته " العادية "
مضى 35 سنة ,
توفيت" أم المثنى " قبل عشرة سنوات بمرض القلب ,
توفى الشيخ "أبو محمود" قبل 8 سنوات بمرض سرطان الكبد ...
المهندس "محمد خير " توفي هو الآخر قبل عامين بعد صراع طويل مع ورم دماغي , ولقد كان عضوا في البرلمان عن حزب جبهة العمل الإسلامي لدورتين متتابعتين قبل أن يرحل ..
مثنى هاجر إلى أستراليا , وهو يعمل هناك في مجال الحاسوب ,
خالد , طبيب بارع , متزوج من فتاة حسناء , ويقيم بجوار والده " جعفر " في مجمع سكني فاخر.
أما جعفر , فلقد ناهز عمره السبعين , متقاعد منذ 5 سنوات , يعاني من هبوط في عضلة القلب , مما يسبب " ودمة رئوية" بين الحين و الآخر يصحبها ضيق في التنفس ,
كانت زوجة ابنه "خالد" تقوم على رعايته , لكنها لم تكن تخفي تذمرها منه , و كان يشعر أنها تتمنى رحيله....
لكن ما باليد حيلة ,
لم يعد " جعفر " يجد من يبتسم له , أو يجلس لسماعه ..
فأبناء جيله رحلوا , أو على وشك الرحيل ,
لقد كان كهلا , ثقيلا , بطيئ الحركة , ضعيف الإبصار و السمع ..

شيركوه
03-23-2006, 09:15 PM
في ليلة لا قمر فيها ,
بينما كان خالد في مناوبة ليلية في المستشفى ,
دقت زوجة خالد باب غرفة جعفر بطريقة مستفزة ..
جعفر : تفضلي يا ابنتي ..
زوجة خالد : عمي عذرا , سأذهب إلى زيارة أهلي اليوم , أخبرت خالدا فأذن لي , لن اتأخر ...
جعفر : حسنا ..لا بأس , فقط احضري لي دوائي ... فبعد ساعة يأتي موعده ...و مفتاح الصيدلية "لديك"..
زوجة خالد : الآن انا مستعجلة يا عمي , لن اتأخر , عندما أعود أخرجه من الصيدلية و اعطيك دواءك , لن أتاخر ..ساعة وأكون هنا ..
جعفر : كما تشائي ,
زوجة خالد : هل تريد شيئا قبل خروجي ؟
جعفر : أقفلي الأنوار , لوسمحتي ..
أقفلت زوجة خالد الأنوار , و تمتمت بكلمات تذمر , و أغلقت الباب بعنف ,
لم يكن جعفر يحب أن يفسد العلاقة بين خالد و زوجته " الحسناء " التي شغفته حبا , فآثر دوما السكوت و الإحتساب ...
نظر إلى الظلام الدامس من حوله ,

" ها أنت يا جعفر , في فراشك , أسير بلا قيد ,
ها أنت يا جعفر , عشت حتى بلغت السبعين ...مرت كطرفة عين ..
هل شبعت من الحياة ؟ لا يهم شبعت ام لم تشبع , فلقد اوشك الرحيل ,
يا جعفر , أين الأحبة ؟
أين الخلان ؟
أين أم المثنى ؟
أين الشيخ " ابو محمود" ؟
أين " محمد خير" ؟
أين حبيبتي " جهاد" ؟
أين " زمن الهوان " ؟
هنا , انفجر الرجل الكهل " جعفر" بالبكاء , و بدأ يردد تلك الأنشودة التي أحبها ...
يا حواري الخلود ..
أين أنت يا " خذوني للجهاد " : انتظرت ان يأخذوك فلم يأتي احد ليأخذك ,إلا ملك الموت على فراش القعود ..
أليوم أقول وداعا يا حواري الخلود ...
أليوم أموت على فراشي ...
لم انس كلماتك يا "زمن الهوان " :
" اسمك "خذوني للجهاد" , و صدقني لن يات أحد ليأخذك , الجهاد طريق محفوفة بالصعاب , كيف لا و هي طريق الفردوس الأعلى ......
هل رأيت شخص يسمي نفسه : خذوني للفردوس الأعلى ؟ .....
أخي الحبيب , الوصول إلى الجهاد يبدأ منك , في قلبك , إصدق الله يصدقك , و اعلم أن الوصول إلى أرض الجهاد هو أكبر جهاد , فأعداء الله لن يفرشوا طريقك بالورود ....
تذكر يا أخي الحبيب , اصدق الله يصدقك , اصدق الله يصدقك ..."
بدأ صوت البكاء يعلو , و غدا لصدر " جعفر " أنين كانين المرجل ,
" اين أنت يا " أبو محمود " و اين صاحبيك سلمان و سفر ؟
أين أنت يا " محمد خير" ؟
أين أنتم , لقد متم على فراشكم ..
وها أنا أقبل على الموت , مثقلا بالذنوب , فهل أبقاني القعود عن الجهاد..هل أبقاكم ؟
أين أنتم يا "عاديين" , ها أنا أموت في فراشي كالبعير الاجرب ,
ها قد اقتربت ساعتي , فهل هذا " عادي" ؟
لقد كان جعفر يصرخ و يزبد , ولم يكن قلبه قادر على تحمل هذا الإنفعال ,
لقد كان في حاجة ماسة لمن يناوله حبة الدواء , ولكن , لا أحد حوله اليوم ...
" هل سأعذب ؟ هل سأحاسب ؟ ما أكثر ذنوبي ,
يا ربي , لقد حرمتني الشهادة في سبيلك , فماذا افعل ؟
ويلي من ذنبي ,
ويلي من يومي هذا ,
يارب , هل لي من عودة ؟
اقسم بعزتك لن اسأل " أبو محمود " او" محمد خير" ,
حتى "أبو المثنى " لن أسأله ,لن أنتظره ..
اقسم بجلالك أني لن اسأل بطواغيت الأرض و مباحثهم و كلابهم ...
لن أكترث بسجونهم و زنزاناتهم..
لن أكترث بما في ملفاتهم و سجلاتهم ..
لن استشير أحدا ,
لن اتردد ,
ولو أخذت مني "جهاد " و أمها و الناس أجمعين ...
هل لي من عودة ؟ لأجاهد في سبيلك , أو اموت هائما على وجهي في سبيلك ,
هل لي من عودة ,
لأكون مثل " زمن الهوان" ,
اقسم أنني لن أسمي نفسي " خذوني للجهاد " , وسأعمل بنصيحة أخي " زمن الهوان "
أعد لي شبابي يا ربي و سأصدقك لتصدقني ..
لا أصدق .. , هل هذه هي النهاية ؟
هل سأحرم من رؤية "زمن الهوان" ...و أبي أنس الشامي ..
هل ستحول ذنوبي بيني و بينهم ..
وا أسفاه
وا مصيبتاه ..

شيركوه
03-23-2006, 09:17 PM
لقد كان جعفر في أمس الحاجة لحبة دواء تنظيم دقات قلبه المضطربة ,
لكن زوجة خالد تأخرت ولما تحضر بعد ,
انخفضت قدرة قلب جعفر على ضخ الدماء في عروقه , و بدأ الماء بالتجمع في رئتيه ,
أصبح جعفر ينتزع أنفاسه كمن ينزع السفود الكثير الشعب من الصوف المبلول ,
بدت و كأنها النهاية ,
لقد تحولت غرفة نوم " جعفر " الفارهة , إلى قبر مظلم ,
موحش ...
و اصبح " جعفر " سجينا في جسده ...
شبه مغما عليه ,
دخلت زوجة خالد إلى المنزل , و سمعت صراخ جعفر وقد تحول إلى تمتمات أقرب إلى الهلوسة ,
تذكرت العلاج , فتناولت حبة و ركضت نحو الغرفة ,
وجدت " جعفر " ينازع ,
" خذوني للجهاد , خذ.. للجهاد ,
زمن الهوان ..انتظرني ...لا..
جهاد , معشوقتي ..."
طلبت زوجة خالد الإسعاف , وماهي إلا دقائق حتى وصلت السيارة و نزل طاقم الإسعاف لينقل جعفر إلى المستشفى ,
و مازال جعفر يهلوس و يتمتم :
" حساب... ذنوب ,
أين ..أنتم ,
لاأريد ...
اصدق الله ,
..صدق ..الله
لا تشاور أحدا ..لا ..
زمن الهو..
أبو انس الشامي ..
جهاد..."
و الطاقم الطبي , و زوجة خالد , منذهلين لما يحصل , ولا يستطيعون فهم أي كلمة تخرج من المهندس المرموق " جعفر "
لحظات , و سكت
فتح جعفر عينيه ,
وجد اناس يتراكضون ,
يتحدثون ,
لكنه لا يسمعهم ,
كان يعلم أنهم لن ينفعوه ,
مر شريط الذكرى ..
حين كان فتى يافعا ,
يبكي امام جهاز الحاسوب , شوقا
لمعشوقته " الجهاد"
حين بكى حتى كاد أن يغشى عليه ,
عندما سمع بخبر إستشهاد " زمن الهوان "
الذي لم يعرفه إلا من خلال رسالة واحدة ,
ويالها من رسالة ,
أغمض جعفر عينيه إلى الأبد قبل أن يصل إلى المستشفى , عن عمر يناهز السبعين ,
في فراش الموت ,
أو الإنتظار...
رحمه الله ...
فإلى متى يا أحبتي , ننكفئ أمام أول عقبة تعوق ذهابنا للجهاد ؟
إلى متى , يبقى الجهاد " عشقا " يختبئ في الشعور الباطني , أو في عالم ما وراء الشعور ؟
إلى متى نختزل " حب الجهاد " إلى دمعة أو همسة او جملة أو حسرة ؟
إلى متى نقول :
خذوني للجهاد ؟
إلى متى نبحث عن جهاد "حسب الطلب" ؟
إلى متى نزهد بمعشوقتنا " الجهاد"
إلى متى نبقى نتخير الفرصة ؟
هل سنصحوا عندما يدنوا الأجل ؟
هل سنبكي مثل جعفر ؟
أين الرجال؟
أين " زمن الهوان " ؟
أين من يصدق الله فيصدقه .........
أخوكم
سوار الأسد ..

=================================== =============================


منقول ...

شيركوه
03-23-2006, 09:19 PM
عذرا القصة طويلة جدا ولكنها جميلة بالفعل
من استطاع اكمالها حتى وصل الى مشاركتي هذه :) فاقول له ادع لي بان اصدق الله

وان يرزقني الشهادة في سبيله

وان لا اكون ممن كره الله انبعاثهم

السلام عليكم

شيركوه
04-30-2006, 05:28 PM
للرفع مرة اخرى