تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : كلمات 4



mohammad
03-22-2006, 04:29 PM
كلمة في الاصالة


ولأضربْ لكم التاريخَ مثلاً، فإنه على كثرة ما صنف فيه من كتب مطولة، ودُبّج فيه من بحوث ومقالات، يبقى فيه للباحثين مندوحة كبيرة، ومجال متسع، للتنقيح والتهذيب، والتحقيق والتدقيق، والنظر فيما تعارض فيه من روايات، أو تناقض من نقول، ومحاولة التوفيق بينها، أو ترجيح بعضها على بعض، واستبعاد ما يأباه العقل منها والنقل، ويقضي ببطلانه سياقُ التاريخ وتتابعُ الأحداث، مما انطلى بعضه على المتقدمين، وإن كانوا في كثير من ذلك معذورين، ثم الخروج بعد ذلك من سطحية الوصف إلى عمق التحليل، ومن ضبابية القصص والأساطير إلى وضوح الحقائق الواقعية والوقائع الثابتة، ومن فوضى العموميات إلى نظام الأحكام المستندة إلى الأدلة، القائمة على الحجج والبراهين.
وقُل مثل ذلك في الدراسات الأدبية واللغوية، وفي التفسير والحديث، وفي الفقه والأصول، وفي السير والتراجم والرجال. ولو تم لنا هذا لسكت كثيرون من أدعياء العلم وأنصاف المتعلمين، ولاختفى الكثير من الأحكام المتسرعة، والآراء العجلى، كقولهم: "الحديث مشحون بالوضع والضعف، والنحو تعقيد وتأويلات، والبلاغة تكلف وأصباغ، والعروض قيود ودوائر تدير الرأس، والتاريخ أرستقراطي كتب للخلفاء والملوك، والجغرافيا العربية بلهاء، وأدبنا العربي غارق في الذاتية ومجالس السمر"[2] وكقولهم أيضاً: الفقه الإسلامي فقه الغالب، ولا يصلح لهذا العصر، لأنه كتب في زمن غلبة المسلمين، وغير ذلك من هذه الدعاوى العريضة التي تهدم ولا تبني، وتفسد من حيث تريد الإصلاح أو لا تريد.

وكم من بحث أصيل ليس لصاحبه فيه إلا فضيلة الجمع والتبويب والترتيب، وما معجم ألفاظ القرآن منا ببعيد، وهو كتاب أفاد منه آلاف الباحثين وطلبة العلم ولا يزالون، وهو الذي عرّف بصاحبه وجعل له قدم صدق في العالمين، وعلى ذلك فقس كل ما كان من هذا النوع من التأليف.