تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : مقالة لم تنشر بعد



mohammad
03-06-2006, 03:17 PM
زيارة لبلاد الشهداء


علّمني مكتبي في "دار الحياة" في قلب بيروت درساً في وطأة الجغرافيا. وربما كانت الجغرافيا الثابت الوحيد. التاريخ قابل للروايات والتفسيرات وعمليات التشوية والتجميل. الجغرافيا صريحة وقاسية ولا تتسع لاجتهادات كثيرة. وعلى رغم وقوع الطوائف والدول والشعوب، احياناً كثيرة، في فخ الأحلام والثارات والأوهام الوافدة من الذاكرة، فإن الحدود الجغرافية تعيد تذكيرها بضرورة عقلنة الأحلام ولجم الأوهام.
قبل ما يزيد على العام كانت إقامتي في هذا المكتب، أثناء مروري في بيروت، تثير لديّ قدراً من الأمل. رؤية اللبنانيين والسياح العرب والأجانب يجوبون شرايين الوسط التجاري كانت تؤكد صحة رهان رفيق الحريري على ان استعادة العاصمة من أشداق الحرب والخراب يمكن ان تفتح الباب لاستعادة الدولة والمواطنين والوطن. ولم يكن يقلقني ان المكتب يطل على نُصب الشهداء الذين عاقبهم الحكم العثماني على ارتكابهم حلم الاستقلال. تحتاج الشعوب أحياناً الى الشهداء. دمهم يصلّب ارادتها ويحمي وحدتها. دمهم أغنيتها ووسادتها. تبدأ المشكلة حين يصاب الوطن بمرض الحاجة الدائمة الى الشهداء.
ولم يكن يضيرني ان المكتب على بعد خطوات من المجلس النيابي على رغم ما استضافت مقاعده من ويلات وأهوال وخبراء في علم الطاعة. وكنت أعتقد بأن وجود برلمان منتخب أفضل من تعلم رقصة الديموقراطية على ايدي الأميركيين. وأن من حسنات الديموقراطية قدرتها على الاستعانة بالناخبين لتقليص عدد المتسللين.
قبل أيام توقفت في بيروت آتياً من صنعاء. وشاء الحظ ان تُعقد جولات الحوار الوطني على بعد خطوات من مبنى "دار الحياة" ووسط إجراءات أمنية صارمة تضمن سلامة المتحاورين، لكنها تبرر القلق على سلامة الوطن.
مع انطلاق الحوار في المبنى القريب عادت إليّ وطأة الجغرافيا بعدما تضاعفت خلال عام واحد. فمن جهة يطل المكتب على ضريح رفيق الحريري الرجل الذي لا يتسع له المكان، ومن الجهة الأخرى يطل على مبنى "النهار" التي أصابها العام بشهيدين وسامَيْن هما جبران تويني وسمير قصير. ويكتمل المشهد كلما تذكرت أن نعش جورج حاوي خرج من الكنيسة المجاورة وكأنما كتب للصوت الهادر الذي أطلق نداء المقاومة الأول ضد إسرائيل ألا يسقط على الجبهة التي لم يكن يبخل برغبة الاستشهاد فيها.
أخذتني وطأة الشهداء بعيداً. وتخيلت ماذا يمكن ان يحدث لو اقتحم الشهداء الأربعة قاعة الحوار مطالبين المتحاورين بقرار من بضع كلمات مفاده ان الوطن فرصة للحياة وأن لا أحد يملك تفويضاً يقضي بتحويله مصنعاً دائماً للشهداء. ان الوطن المصاب بجوع دائم الى الشهداء هو وطن يهدر دماء الشهداء.
وتذكرت ان دماء الشهداء الأربعة حاضرة على طاولة الحوار وإن لم يقتحموا المكان، وأن دماء كل الشهداء حاضرة ايضاً سواء سقطوا على الحدود أم في حروب الداخل. سيد المقاومة يحمل معه تضحيات شهداء المقاومة في جنوب لبنان مشفوعة بوجع شخصي، فقد كان نجله بين من زرعوا دمهم لاستعادة كل شبر وتحصين كل شبر. غسان تويني يحمل معه وجع شهيدين: أحدهما جاء من شراكة الدم والحنايا، والآخر من شراكة الحبر والحلم. وليد جنبلاط يحمل معه دم والده تماماً كما يحمل سعد الحريري دم والده. أمين الجميل يحمل دم الشقيق الرئيس. سمير جعجع يحمل وطأة سنوات السجن ودم آلاف ممن انخرطوا في "القوات اللبنانية" ومعاركها. وميشال عون يحمل وطأة المنفى وخروجه من القصر على دوي المدافع ودم العسكريين الذين كانوا معه. ومهندس الحوار نبيه بري جرّب هو الآخر تشييع الشهداء.
شهداء شهداء شهداء.
ننحني لتضحياتهم وننحني لدمهم. لكن مسؤولية المؤتمَنين على دم الشهداء تكمن في إعادة الوطن فرصة حياة. ومن أجل ذلك فلتُتخذ كل القرارات مهما كانت صعبة ومؤلمة. وأخشى في داخلي ان يكون ما تقدم مجرّد حلم عابر ارتكبه زائر مقيم في مكتب مقيم قبالة ساحة الشهداء وبين الشهداء. لكنني أشعر ان وصية وحيدة يمكن ان توحّد بين قوافل الشهداء على اختلاف حروبهم وهي ان حماية دم الشهداء تكون بتحويله فرصة لوطن لا يحتاج الى مزيد من الشهداء ومشاريع الحروب والأوهام.

حلم وطن
03-06-2006, 03:40 PM
ننحني لتضحياتهم وننحني لدمهم

هل يجوز قول ذلك يا أخي ؟

mohammad
03-06-2006, 03:57 PM
عذرا.... المقالة لغسان شربل... رئيس تحرير صحيفة الحياة

السلام عليكم

من هناك
03-06-2006, 07:30 PM
إن الشهداء الحق هم من لم يمثلوا بهذه التماثيل وهم الذين ماتوا دون يعرفوا في طرابلس وصيدا وبيروت

مقاوم
03-07-2006, 11:45 AM
والبقاع (مجدل عنجر) والضنية و... و....

من هناك
03-07-2006, 02:42 PM
انا لم انساهم يا اخي مقاوم ولكن قصدت الشهداء الذين قتلوا في معركة الإستقلال ولم يذكرهم احد لأنهم كانوا ضحايا امنا الحنون فرنسا

مقاوم
03-07-2006, 02:48 PM
جزاك الله خيرا على الإيضاح أخي بلال