تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : زيارة قبور المسلمين على وجهين : زيارة شرعية وزيارة بدعية .



سعد بن معاذ
02-23-2006, 02:42 PM
يقول رحمه الله تعالى : زيارة قبور المسلمين على وجهين : زيارة شرعية وزيارة بدعية .
فالزيارة الشرعية : أن يكون مقصود الزائر الدعاء للميت كما يقصد بالصلاة على جنازته الدعاء له ، فالقيام على قبره من جنس الصلاة عليه ، قال الله تعالى في المنافقين : (( ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره )) ، فنهى نبيه عن الصلاة عليهم والقيام على قبورهم لأنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم كافرون . فلما نهى عن هذا وهذا لأجل هذه العلة وهي الكفر ، دل ذلك على انتفاء هذا النهي عند انتفاء هذه العلة ، ودل تخصيصهم بالنهي على أن غيرهم يصلى عليه ويقام على قبره ، إذ لو كان هذا غير مشروع في حق أحد لم يخصوا بالنهي ولم يعلل ذلك بكفرهم .

ولهذا كانت الصلاة على الموتى من المؤمنين والقيام على قبورهم من السنة المتواترة ، فكان النبي يصلي على موتي المسلمين وشرع ذلك لأمته ، وكان إذا دفن الرجل من أمته يقوم على قبره ويقول : ( سلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ). رواه أبو داود وغيره ، وكان يزور قبور أهل البقيع والشهداء بأحد ويعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقول أحدهم : ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين نسال الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم ) ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال : ( السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لا حقون ) ، والاحاديث في ذلك صحيحة معروفة .

فهذه الزيارة لقبور المؤمنين مقصودها الدعاء لهم ، وهذه غير الزيارة المشتركة التي تجوز في قبور الكفار ، كما ثبت في صحيح مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبر أمه فبكى وبكى من حوله ثم قال : ( استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يأذن لي فاستأذنت أن أزور قبرها فأذن لي فزوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة ) ، فهذه الزيارة التي تنفع في تذكير الموت تشرع ولو كان المقبور كافرا ، بخلاف الزيارة التي يقصد بها الدعاء للميت فتلك لا تشرع إلا في حق المؤمنين .

وأما الزيارة البدعية : فهي التي يقصد بها أن يطلب من الميت الحوائج ، أو يطلب منه الدعاء والشفاعة ، أو يقصد الدعاء عند قبره لظن القاصد أن ذلك أجوب للدعاء .فالزيارة على هذه الوجوه كلها مبتدعة لم يشرعها النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا فعلها الصحابة لاعند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ولا عند غيره ، وهي من جنس الشرك وأسباب الشرك .

ولو قصد الصلاة عند قبور الأنبياء والصالحين من غير أن يقصد دعاءهم والدعاء عندهم ، مثل أن يتخذ قبورهم مساجد لكان ذلك محرما منهيا عنه ، ولكان صاحبه متعرض ا لغضب الله ولعنته ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور انبيائهم مساجد ) ، وقال : ( إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ) .

فإذا كان هذا محرما وهو سبب لسخط الرب ولعنته فكيف بمن يقصد دعاء الميت ، والدعاء عنده ، وبه ، واعتقد أن ذلك من أسباب إجابة الدعوات ونيل الطلبات وقضاء الحاجات ؟! .

وهذا كان أول أسباب الشرك في قوم نوح وعبادة الأوثان في الناس ، قال أبن عباس : كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام ، ثم ظهر الشرك بسبب تعظيم قبور صالحيهم .
وقد استفاض عن ابن عباس وغيره في صحيح البخاري وفي كتب التفسير وقصص الأنبياء في قوله تعالى : (( قالوا لا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا )) إن هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح ، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم فعبدوهم ، قال ابن عباس : ثم صارت هذه الأوثان في قبائل العرب .

التوسل والوسيلة ص 23-24